جون جينكنز: وجود الإخوان المسلمين في بريطانيا يصطدم بالقيم الموروثة

السفير البريطاني السابق لدى السعودية والمشارك في «تقرير الحكومة البريطانية بشأن سلوك جماعة الإخوان» يتحدث عن الدروس المستفادة

جون جينكنز: وجود الإخوان المسلمين في بريطانيا يصطدم بالقيم الموروثة

هناك تباين في وجهات النظر تجاه الجماعة داخل الحكومة البريطانية ذاتها

 


[caption id="attachment_55262910" align="aligncenter" width="1495"]السفير البريطاني السابق لدى السعودية جون جينكنز السفير البريطاني السابق لدى السعودية جون جينكنز [/caption]

واشنطن - جوزيف براودي:



 

 

جينكنز:
* تواصل معي مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون عام 2014 وسألني إن كان بإمكاني المشاركة في كتابة تقرير عن آيديولوجيا تنظيم الإخوان المسلمين
* أكاديميون بريطانيون هاجموا الدراسة بتصورات مسبقة ولم يبحثوا عن الحقيقة
* الغياب المستمر للحوار الوطني عن تحدي الإسلام السياسي يُصَعِّب الأمر على من يرغب في إنتاج مجموعة جديدة ومختلفة من السياسات تجاه الإسلام السياسي في الداخل والخارج.
* الحكومة البريطانية تخلط بين الإسلام والإسلام السياسي... ولا يوجد لدينا مجتمع إسلامي... بل كثير من المسلمين يشتركون في صور دينية عديدة
* ظاهرة التعصب الديني والمذهبي بالمملكة المتحدة تظهر في المجتمعات شديدة الانغلاق في أحياء محددة ومناطق محددة يعيش أفرادها معًا وفشلت بطرق ما في الاندماج
* تتميز ألمانيا عن دول أوروبا باستعدادها لإعلان تنظيم محلي (عدو للدستور) على أساس مبادئه الآيديولوجية.

 

 


في العدد الماضي نشرت «المجلة» تغطية للزيارة التي قام بها السيد ماكماستر، مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس ترمب، إلى مؤتمر عقده في واشنطن مركز الأبحاث البريطاني الرائد «بوليسي إكستشانج». ومن بين اللجان العديدة البارزة التي انعقدت في ذلك اليوم، جلسة حملت عنوان: «تحدي الإسلام السياسي في الداخل والخارج: الدروس المستفادة». تحدث فيها سير جون جينكنز، السفير البريطاني السابق في كل من السعودية والعراق وسوريا وغيرها من الدول والمشارك في كتابة تقرير الحكومة البريطانية البارز عن الإخوان المسلمين. يعمل جينكنز في الوقت الحالي مديرًا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في البحرين. وأمام حضور ضم ما يزيد على مائة شخصية من النخب السياسية في واشنطن، قدم جينكنز بعض الأفكار الاستثنائية عن مشاركته في كتابة تقرير الإخوان المسلمين.


 

 

 

آيديولوجيا تنظيم الإخوان المسلمين

 

 


في البداية، ذكر جينكنز أن القصة بدأت على نحو غير متوقع: «تواصل معي مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون في مارس (آذار) من عام 2014 دون سابق إنذار وسألني إن كان بإمكاني المشاركة في هذا التقرير عن آيديولوجيا تنظيم الإخوان المسلمين وأنشطته وأهميته في السياق المعاصر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعالم الإسلامي الواسع، وعلى الصعيد المحلي. وهكذا كانت هناك مسألتان، الأولى هي تأثير الإسلام السياسي - أو حركات الإسلام السياسي – على أهداف سياساتنا الخارجية، واستقرار الدول في الشرق الأوسط وعلى نطاق أوسع منه؛ والأهمية الاجتماعية لتلك الحركات مع الأخذ في الاعتبار خلفية الربيع العربي. وأعني بالربيع العربي في هذا السياق على وجه الخصوص مصر وتونس، وأيضًا في ليبيا وسوريا. وهناك أيضا الجانب المحلي، وهو معني بالضرورة بالتماسك الاجتماعي، وكذلك بتأثير الحركات الإسلامية العالمية على الدراسة الاجتماعية للجاليات الإسلامية في بريطانيا وما يعنيه ذلك بالنسبة للسياسة الحكومية، على المستويين الخارجي والمحلي».


 

 

 

هجوم ضارٍ من العامة والمثقفين

 

 


قال جينكنز إنه لمجرد الشروع في الدراسة، تعرض لهجوم ضارٍ من العامة والمثقفين أغلبهم من الدوائر الأكاديمية الذين كانت لديهم «تصورات مسبقة، لم يكن أي منها صحيحا. ولم يقم أي منهم بالاتصال بي أو السؤال عن الحقيقة». وأضاف أن القصة الحقيقية للمبادرة لم تكن وليدة الأمس. بل على النقيض من ذلك، على حد قوله: «كان رئيس الوزراء كاميرون يفكر بها منذ فترة طويلة. وقد أدلى بخطاب عن الحركات الإسلامية في عام 2011، والذي كان أساس كل ذلك بالنسبة له».
وقال جينكنز إن أكثر ما فاجأه كان: «حجم التشويش الذي ساد في هذا الميدان السياسي على وجه التحديد. وهو الانطباع الذي استمر معي طوال البحث وكتابة التقرير، وفي الحقيقة هو مستمر معي منذ ذلك الحين. إنه الشعور بأنها ليست مجرد مسألة حساسة مُختَلَف فيها؛ فهي أيضا قضية شديدة السيولة، بكل ما تعنيه كلمة سيولة... وكذلك يحمل كثيرون مواقف سياسية مسبقة تجاهها».
واستطرد قائلًا إن في أثناء الفترة التي تم فيها إعداد التقرير كان هناك تباين في وجهات النظر تجاه الإخوان المسلمين داخل الحكومة البريطانية ذاتها. وأوضح: «داخل مجلس الوزراء، كانت هناك آراء مختلفة»، مضيفًا: «وداخل مؤسسات الدولة البريطانية كانت هناك آراء مختلفة. في وزارة الخارجية كانت لدينا مجموعة واسعة من الآراء بشأن ذلك لعدة أسباب تثير الاهتمام، وكذلك في وزارات التعليم والمجتمعات وما إلى ذلك. وكان السعي للتوفيق بين تلك التوجهات المختلفة مهمة فوق طاقتي. فذلك أمر لا يستطيع حتى المسؤولون تسويته – وكان يجب أن يتم في صورة حوار وطني حول القضية كلها، وهو ما لم يحدث من قبل ولم يحدث منذ ذلك الحين. ويستمر ذلك في تصعيب الأمر على من يرغب في تقديم مجموعة سياسات مختلفة ومنسقة تجاه الإسلام السياسي في الداخل والخارج».


 

 

 

التقرير لا يزال غير متاح للاطلاع العام

 

 


لا يزال التقرير غير متاح للاطلاع العام، ولكن قرأ جينكنز بعض المقتطفات القصيرة على الجمهور من نخبة واشنطن. وكان من بين تلك المقتطفات ملاحظة بأن المُنَظِّرين الجهاديين عبد الله عزَّام وأبو مصعب السوري وأبو بكر ناجي – صاحب فكرة اتباع الممارسات الوحشية كاستراتيجية مدروسة – وبالطبع أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، روجوا لآيديولوجيا تستمر في جذب عدد ضئيل ولكن مهم من الأشخاص الساخطين حول العالم. «ولكن بأوجه ما، من خلال التركيز على العنف، تغيب عنا رؤية التهديد الحقيقي: الطريقة التي يسعى بها الإسلام السياسي إلى أن يحل محل التجربة المتسامحة الشاملة الخاصة بالممارسات الإسلامية اليومية».
يجب أن يفهم صناع السياسات تحذير جينكنز للحاضرين من ضرورة استيعاب تحدي الإسلام السياسي على أنه تحدٍ آيديولوجي: «عندما ننفعل تجاه العنف المتكلف الذي يمارسه تنظيما داعش والقاعدة – اللذان من المهم سحقهما – تغيب عن أعيننا القضية الأساسية، وهي القدرة المستمرة لهذه الآيديولوجيا على حشد مجموعات صغيرة ولكنها مخلصة تضم نشطاء قد ينخرطون في أنشطة سياسية متنوعة، من التحريض إلى ممارسة العنف الثوري إلى الإطاحة بدول. ولكن تجد الحكومات أن التعامل مع الآيديولوجيات أمر بالغ الصعوبة، وما يفضله المسؤولون هو التعامل مع المشكلة التي يستطيعون تحديدها وتأطيرها والتعامل معها في خلال 24 ساعة. ولا يفضلون التحدي المستمر الكامن في التعامل مع الأفكار، ولا نزال لا نفعل ذلك على نحو جيد».
ثم تحدث جينكنز بعد ذلك بالتفصيل عن التحدي الداخلي الذي يشكله الإسلاميون في بريطانيا: «أُفضل أن أقول (حركات) بدلا من (حركة الإسلام السياسي)، نظرًا لأن هناك مجموعة من التفسيرات، على المستويين الإقليمي والمحلي. فمن جانب، التعامل مع القضية في الخارج أسهل قليلًا من التعامل معها في الداخل، لأنها وظيفة السياسة الخارجية، وتبدو تبعات الاستقرار والتماسك الداخليين أقل إذا كان الحدث يقع في منطقة أخرى بخلاف برانفورد أو بريك لين أو مناطق في مانشستر أو ليفربول. ولكنها من جانب آخر في الحقيقة متصلة. لننظر إلى النسخة الشرق أوسطية من الإسلام السياسي، في صورة الإخوان المسلمين أو الأصوليين، ثم المودودية التي خرجت من باكستان، والنسخة التركية ممثلة في حزب العدالة والتنمية. إن لها مصادر منفصلة قليلًا، ولكنها جميعًا متشابهة للغاية وتغذي بعضها البعض، كما يحدث مع صور متنوعة من التيار الأصولي منذ الستينات من القرن الماضي. ويؤدي ذلك إلى مزيج آيديولوجي مسموم، يؤثر علينا داخليًا إلى جانب تأثيره على استقرار العالم بأسره».

كذلك تحدث جينكنز عما كان يرغب في أن يحققه تقرير الإخوان المسلمين حينئذ: «أوضحت جيدًا لديفيد كاميرون أن هذا التقرير قد لا يخرج بتوصيات يمكن التعامل معها على وجه الفور. إنها مجموعة قضايا ديناميكية ومتغيرة تتطلب اهتمامًا إجماليًا مستدامًا. وتحتاج إلى إبداء اهتمام من نوع لم تعره الحكومات اهتماماً على مدار 50 عامًا مضت.
لذلك كان المبدأ الذي أوصيت به في الأساس هو إعادة تنظيم أذرع في الحكومة تتعامل مع الأمر، وإدخال قدر أكبر من المهنية والتماسك. كان من الضروري وجود آلية داخل الحكومة، كمركز يجمع بين كل من الشرطة والمتخصصين وخبراء لغويين وأطباء شرعيين ومحامين واستخباراتين جميعًا في مكان واحد. ولكن لم يحدث ذلك. كان لدينا أمن ومكافحة إرهاب في وزارة الداخلية، ولكن لم نربطهم على سبيل المثال بآلية التعليم أو بغيره. ويرجع ذلك إلى حد ما إلى أن البريكست قد يكون أضاف تحديًا آخر، ولكن المشكلة وقعت لأن هذا تحدٍ مزمن».


 

 

 

الخلط بين الإسلام والإسلام السياسي

 

 


كذلك تطرق جينكنز إلى نقد ذاتي صحي كمواطن بريطاني يتحدث عن الإرث السياسي لتاريخ بلاده، وما قد يكون له من أثر على سياسات الإخوان: «أحد الأمور التي تطرأ على ذهني بشأن الطريقة التي تعاملنا بها مع الإسلام السياسي في بريطانيا هي هذا الخلط بين الإسلام والإسلام السياسي. والأمر الثاني هو أننا نسعى إلى تكرار التعصب الطائفي الذي يكمن في صميم ادعاءات الإسلام السياسي. لذلك عندما نتحدث عن الجالية الإسلامية في بريطانيا، لا يوجد مجتمع إسلامي، بل كثير من المسلمين الذين يشتركون في صور دينية عديدة ويأتون من مناطق مختلفة ولديهم مواقف مختلفة تجاه الظاهرة. في الوقت ذاته، هناك اندماج هائل في التيار المجتمعي السائد. على سبيل المثال يوجد في لندن الآن عمدة مسلم. مصدر المشكلة هي المجتمعات شديدة الانغلاق في أحياء محددة في مناطق محددة، يعيش أفرادها معًا وفشلت بطرق ما في الاندماج. هذا هو الخلط. الطريقة التي عالجنا بها الأمر هي محاولة التعامل مع زعماء طوائف على حد وصفهم. ولكنه في الحقيقة تقليد إمبريالي بريطاني. وأجد من الغريب أننا لا نزال نمارسه في القرن الحادي والعشرين، الذي يقوم على المساواة بين الأفراد أمام القانون. كما سعينا في التقرير إلى الحديث عن صلة ذلك بالقيم البريطانية. فمما يثير إشكالية كبيرة في الوسط السياسي بالغ التعقيد في بريطانيا أن تقول إن هناك قيمًا بريطانية. ولا أعرف كيف يمكن أن تفعل ذلك».
وعلى خلفية إحباطه بسبب فرض موروثات الثقافة السياسية البريطانية على مشكلة حديثة هي وجود الإخوان في بريطانيا، أشار جينكنز في إعجاب إلى ألمانيا «البلد الأوروبي الوحيد الذي أحسن الفعل». وأضاف: «لديهم دستور ما بعد 1945، والذي يشكل أساسًا لمهمة وكالة استخبارات داخلية تسمى (هيئة حماية الدستور). وإذا اطَّلعت على تقاريرهم، التي ينظمونها عبر نظام (اللاندر) في ألمانيا، ستجد أنهم يقولون على وجه التحديد إن هناك جماعات معينة – من بينها إسلاميون – من أعداء الدستور. وذلك لأن لديهم دستوراً. ونحن في بريطانيا لدينا دستور أيضًا، ولكنه في شكل مجموعة من القوانين والممارسات التي ترجع إلى القرنين السادس عشر والسابع عشر، والناس مترددون في استخدام التاريخ كوسيلة لإدارة السياسة الآن. ولكن إذا لم نجد حلًا فستكون معالجة هذا التحدي صعبة للغاية».

http://bit.ly/2zaPMCG

http://bit.ly/2Bx68LC

 

 

font change