أوروبا الخائفة من الظلام تجد ضالتها في الربط الكهربائي مع مصر

مصر أصبحت مصدرة للكهرباء

أوروبا الخائفة من الظلام تجد ضالتها في الربط الكهربائي مع مصر

القاهرة: أصبحت مصر، حاليًا، إحدى الرهانات الأساسية لأوروبا لحل أزمة الكهرباء في موسم الشتاء المقبل، الذي سيكون الأشد قسوة منذ عقود، في ظل قربها الجغرافي من الاتحاد الأوروبي، وامتلاكها مزيجاً متنوعاً من الطاقة ومشروعات مستقبلية ضخمة تخلق فائضًا ضخمًا قابلاً للتصدير.

وعقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اجتماعًا مع ديميتري كوبيلوزيس، رئيس اتحاد شركات كوبيلوزيس اليونانية للكهرباء، استعرض خلاله تنفيذ مشروع مشترك لإنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة في مصر، ونقلها إلى أوروبا عبر اليونان، في خطوة تعزز دور مصر الساعية للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، وفي مقدمتها الطاقة الكهربائية.

كما أكدت شركة إيني الإيطالية أنها تخطط لإنشاء مشروعات للطاقة المتجددة في مصر بقدرة 10 غيغاواط في السنوات المقبلة، وأعرب رئيسها التنفيذي كلاوديو ديسكالزي عن استعدادها لتنفيذ مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح خلال لقاء مع الرئيس السيسي نهاية أغسطس (آب) الماضي.

 

مشروع الربط الكهربائي بين مصر واليونان

 

المشروع الأكبر عالمياً

لدى مصر واليونان بالفعل مشروع للربط الكهربائي يمكن وصفه بالأكبر عالميًا إذ يبلغ طوله 900 كيلومتر لنقل الطاقة من مصر لجميع دول أوروبا، وتم الانتهاء من دراسة الجدوى الخاصة به أبريل (نيسان) الماضي لنقل 2500 ميغاواط في المتوسط، على أن يستغرق قرابة العقد للتنفيذ بمد كابلات تحت مياه المتوسط على عمق 3 آلاف متر بواسطة أحدث سفن التركيب.

أنفقت مصر التي كانت تعاني أزمة حادة في الكهرباء استثمارات في مجال إنتاج الكهرباء تقدر بنحو 355 مليار جنيه خلال سبع سنوات فقط (2014 ـ 2021)، ليتم إضافة نحو 30 ألف ميغاواط قدرات كهربائية بعد الانتهاء من تنفيذ 31 محطة، ليصل فائض الكهرباء في يونيو (حزيران) 2020 إلى 13 ألف ميغاواط بعد عجز وصل إلى 6 آلاف ميغاواط في يونيو 2014.

استعانت القاهرة بشركة سيمنز الألمانية لبناء 3 محطات (العاصمة الإدارية- بني سويف- البرلس) بإجمالي استثمارات بلغ 6 مليارات يورو، وإجمالي قدرات يبلغ 14.4 ألف ميغاواط، بينما تم تنفيذ مجمع بنبان للطاقة الشمسية بتكلفة بلغت أكثر من ملياري دولار، وإجمالي قدرات يبلغ 1465 ميغاواط.

كما تم تنفيذ 3 محطات لإنتاج الكهرباء في جبل الزيت، بإجمالي تكلفة بلغ 580 مليون يورو، وإجمالي قدرات يبلغ 580 ميغاواط، وتحويل 5 محطات توليد كهرباء تعمل بالدورة البسيطة لتعمل بنظام الدورة المركبة، وهم (الشباب- غرب دمياط- 6 أكتوبر- غرب أسيوط- غرب دمياط 2)، باستثمارات إجمالية تقدر بحوالي 27 مليار جنيه، وقدرات مضافة تبلغ 1840 ميغاواط.

 

فرص واعدة

احتلت مصر المرتبة الأولى في قائمة أكبر الدول العربية في توليد الكهرباء عبر الطاقة المتجددة خلال عام 2021، بنسبة نمو سنوية بلغت 8.3 في المائة، بحسب تقرير لمنظمة «غلوبال إنرجي مونيتور» التي قالت إن مصر أنتجت من الطاقة الشمسية والرياح نحو 3.5 غيغاواط، لكنها تستهدف أيضا وصول الرقم إلى 6.8 غيغاواط في 2024، مقسمة بين 1.6 غيغاواط من طاقة الرياح، و1.9 غيغاواط من محطات الطاقة الشمسية.

يتعاون صندوق مصر السيادي مع الشركة النرويجية «سكاتيك» وشركات أخرى لتشغيل محطة العين السخنة - أول محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، بقدرة إنتاجية تصل إلى 100 ميغاواط، ومن المتوقع بدء تشغيل المحطة بالتزامن مع مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (كوب 27)، المقرر عقدها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، والتي تأتي أيضًا ضمن استراتيجية في مجال الطاقة المتجددة لرفع نسبتها بين مزيج الكهرباء إلى 42 في المائة بحلول 2035.

يعود التطور الذي شهده قطاع الكهرباء في مصر لاكتشافات الغاز الطبيعي التي عززت من مكانة مصر على الخريطة العالمية لتداول وتجارة الغاز الطبيعي والطاقة، خاصة أن التقديرات تشير إلى امتلاكها 63 تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة بدءا من يناير (كانون الثاني) 2021، مع ارتفاع معدل إنتاجها إلى 6.3 مليار قدم مكعبة من الغاز يوميًا، بزيادة تزيد على 30 في المائة منذ عام 2016.

منحت الحرب الروسية الأوكرانية مصر فرصة لزيادة صادراتها من الغاز وتحقيق مكاسب ضخمة، ففي الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي، حققت مصر أرباحًا بقيمة 3.9 مليار دولار من صادرات الغاز تعادل ما سجلته من صادرات على مدار عام 2021 بالكامل، في ظل التطوير الذي شهدته محطتا إسالة الغاز دمياط وإدكو، والأخيرة تبلغ طاقتها الإنتاجية نحو 7.2 مليون طن سنويًا، وهو مشروع بشراكة بين كلٍ من الهيئة العامة للبترول 12 في المائة، والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعة (إيجاس) 12 في المائة، وشركة بريتش جاز التي استحوذت عليها شركة شل 35.5 في المائة، وشركة بتروناس الماليزية 35.5 في المائة، وشركة إنجي الفرنسية (غاز دي فرانس) سابقًاً بنسبة 5 في المائة.

أما محطة دمياط للإسالة فعادت للعمل بعد توقف عن التشغيل لنحو 8 سنوات، إذ كانت ملكيتها تنقسم بين شركة يونيون فينوسا جاس (يو إف جي) الإسبانية بـ40 في المائة، وشركة إينى الإيطالية بـ40 في المائة. بالإضافة إلى 20 في المائة موزعة بالتساوي بين الشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعي (إيجاس)، والهيئة المصرية العامة للبترول، وفي عام 2012 أوقفت الحكومة تدفق الغاز للمصنع في ظل أزمة الكهرباء التي شهدتها مصر حينها لتدخل الشركة الإسبانية في دعاوى تحكيم مع الحكومة انتهت بالاتفاق على تغيير الملكية ليصبح المشروع مملوكًا بنسبة 50 في المائة لإيني و40 في المائة للشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس)، و10 في المائة للهيئة العامة للبترول.

ووقعت مصر صفقة كبيرة مع الاتحاد الأوروبي في يونيو (حزيران) الماضي لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عن طريق محطات الإسالة المصرية، مما يسهم في زيادة الصادرات المصرية من الغاز المسال في 2021 إلى 5 ملايين طن، خاصة أن محطتي الإسالة المصريتين تم إنشاؤهما قبل قرابة العقدين بمتوسط تكلفة 250 دولارًا لكل طن من الغاز المسال، ما يجعلها رخيصة جدا حال مقارنتها بتكلفة إنشاء محطة الغاز المسال حاليا التي تقدر بنحو 1500 دولار للطن تقريبًا.

 

شبكات متعددة

لدى مصر مشروعات متعددة للربط الكهربائي مع قارتي أفريقيا وآسيا بينها خط مع السودان بطول 170 كم بواقع 100 كم بالجانب المصري و70 كم بالجانب السوداني بقدرة تصل إلى 80 ميغاواط مع دراسة زيادته إلى 300 ميغاواط، وذلك بعد الانتهاء من تركيب المهمات الكهربائية اللازمة، بجانب خط مع ليبيا تبلغ قدرته 150 ميغاواط، مع إمكانية زيادتها إلى 2000 ميغاواط.

على صعيد قارة آسيا، يوجد مشروع للربط الكهربائي بين مصر والسعودية بقدرة 3000 ميغاواط باستثمارات 1.8 مليار دولار وبطول 1372 كم موزعة بين خطوط نقل هوائية تبلغ 1350 كم، وبحرية في خليج العقبة تبلغ 22 كم، كما توجد دراسات حاليًا لرفع سعة خط الربط بين مصر والأردن إلى 2000 ميغاواط، بهدف خدمة مشروع  الربط الكهربائي مع دولتي العراق وسوريا.

 

مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية

 

مصائب أوروبا

بالنسبة لأوروبا فإن المصائب لا تأتي فرادى، ففي ظل قطع روسيا الغاز عنها، تشهد القارة العجوز موجة ارتفاع في درجات الحرارة وجفاف للأنهار ما خفض إنتاج المحطات الكهرومائية، ففي بريطانيا على سبيل المثال انخفضت الكهرباء المنتجة من قوة المياه بنسبة 20 في المائة بشكل عام، مع تقليص عمل المنشآت النووية التي تعتمد في التبريد على مياه الأنهار، وتكرر الأمر ذاته مع إيطاليا التي تعتمد على 20 في المائة أيضًا من توليد الكهرباء على الطاقة المائية، وتعاني حاليًا من انخفاض إنتاجها بنسبة 40 في المائة، بينما أصبحت 50 في المائة من المفاعلات الفرنسية  البالغ عددها 56 غير متصلة بشبكة الكهرباء حاليا بسبب المشكلة ذاتها.

الإشكالية الأكبر ستكون في فصل الشتاء مع ارتفاع الاستهلاك لأغراض التدفئة، وتحول المواطنين للسخانات الكهربائية بدلاً من سخانات الغاز قليلة التكاليف، ففي ألمانيا تم شراء 600 ألف سخان خلال الستة أشهر الأولى من عام 2022 بزيادة قدرها 35 في المائة عن الفترة ذاتها من العام الماضي، وحال استخدام تلك الأجهزة في وقت واحد فقد تعجز الشبكة الكهربائية في البلاد عن العمل، وقد تشهد البلاد انقطاعات للتيار الكهربائي.

من المتوقع أن تلتهب أسعار فواتير الكهرباء في أوروبا خلال الشتاء القادم، ففي بلجيكا تدور الترجيحات بأن تبلغ أسعار فواتير الطاقة السنوية بالنسبة للأسر إلى 8 آلاف يورو سنويًا، بينما يصل سعر الميغاواط في الساعة للكهرباء حالياً 295 يورو والغاز إلى 562 يورو، بينما أعلنت الهيئة البريطانية لتنظيم الطاقة زيادة بنسبة 80 في المائة في الحد الأقصى لفاتورة الكهرباء المسموح بها للمستهلكين اعتبارا من أول أكتوبر (تشرين الأول) القادم.

يشير نادي عزام، الخبير الاقتصادي، إلى أن الأزمة الخانقة التي تواجهها الصناعات الأوروبية حاليًا تجعل مصر أحد الخيارات الأساسية، فالغاز الطبيعي هو شريان الحياة لغالبية الصناعات خاصة تلك التي تحتاج لأفران تسخين وطاقة ضخمة كالألومنيوم والحديد والصلب وغيرها، حتى إن الكثير من المصانع الألمانية والفرنسية خفضت إنتاجها للنصف تقريبا ويبحث البعض الآخر نقل وحدات إنتاجية للخارج بسبب ارتفاعات أسعار الغاز والكهرباء والمخاوف حول إمكانية توفيرها في المستقبل القريب.

يضيف عزام أن مصر لديها الإمكانيات الكاملة لتصدير الكهرباء لأوروبا التي قد تعمل على تمويل مشروعات الربط الكهربائي لتسريع وتيرة الإنجاز في المشروع الذي يتوقع استمراره 10 سنوات، خاصة أن مصر لديها حجم احتياطي من الطاقة الكهربائية يصل إلى 11.5 ألف ميغاواط في المتوسط.

أضاف أن الإنتاج المصري يتزايد باستمرار مع الاهتمام بالطاقة المتجددة التي يصل إنتاج مصر منها في 2021 إلى6.5  ألف ميغاواط، بزيادة 500 ميغاواط عن عام 2020، بفضل مشروعات الطاقة المتجددة، علاوة على مشروع الضبعة النووية بعد إصدار تراخيص الإنشاء للوحدة الأولى، وتبلغ الطاقة الإنتاجية الإجمالية للمشروع 4800 ميغاواط بحلول 2030.

خالد الشافعي، مدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، يقول إن الحكومة المصرية لديها خطة منذ سنوات للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، عبر جناحي الغاز والكهرباء والتي تتشوق أوروبا لهما حاليا في ظل أزمة الطاقة الخانقة التي تواجهها بعد قطع روسيا إمدادات الغاز.

يضيف الشافعي أن مزيج الطاقة في مصر متنوع بعد زيادة إنتاج الطاقة المتجددة إلى 20 في المائة بنهاية العام موزعة بين بواقع 12 في المائة لطاقة الرياح، و6 في المائة للطاقة الكهرومائية، و2 في المائة للطاقة الشمسية، في خطوة نحو تحقيق هدف أكبر بالوصول بالطاقة المتجددة إلى 42 في المائة بحلول عام 2035، كما دخلت أخيرًا أيضًا على خط إنتاج الهيدروجين الأخضر بقوة مع ارتفاع عدد مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر المتوقع تنفيذها في نطاق المنطقة الاقتصادية لقناة السويس إلى 14 مشروعًا، بينها مشروع مع الهند لإقامة مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر بقيمة 8 مليارات دولار.

font change

مقالات ذات صلة