عام الاحتفاء المزدوج بالمخرج فرنسيس فورد كوبولا

فرنسيس فورد كوبولا.

عام الاحتفاء المزدوج بالمخرج فرنسيس فورد كوبولا

لندن: عشاق أفلام المخرج الأميركي فرنسيس فورد كوبولا مدعوون للاحتفاء بنسخته المتجددة من فيلم «دراكولا» التي تنطلق للعرض خلال هذا الشهر بعد 40 سنة على تحقيقه. العنوان الأول الذي صاحب الفيلم هو «دراكولا حسب برام ستوكر»  (Bram Stoker's Dracula).
الفارق كبير بين الاسمين لكن الفيلم واحد. فعنوان «دراكولا» تم إطلاقه على ما لا يقل عن 70 فيلما بريطانيا وأميركيا. والحقوق مملوكة (آنذاك) لشركة يونيڤرسال حسب اتفاق مع الشركة البريطانية التي تخصصت في سينما الرعب.
لكن وضع اسم الكاتبة، برام ستوكر، في عنوان الفيلم جاء مفيداً كون كوبولا رغب (ونفّذ رغبته) في أن يكون أميناً للحكاية الأصلية: فلاد (الذي سيعرف باسم دراكولا بعد قليل من الأحداث) حارب مع الصليبيين ثم عاد إلى بلاده الرومانية ليكتشف أن زوجته انتحرت ظنّاً منها أنه مات. هذا ما جعله ينتقل من الإيمان إلى الكفر وتحوّله إلى نسخة شيطانية يعبّر الممثل البريطاني غاري أولدمن على نحو منسجم مع الشخصية بأبعادها المأساوية كما المرعبة.
ذلك الفيلم جمع كذلك عدداً مهمّاً من الممثلين بينهم كاري إلويز، وكيانو ريفز، وينونا رايدر، وأنطوني هوبكنز.

مقاومة
كوبولا اليوم (83 سنة)، ما زال يعيش على أمجاد حققها بنفسه وبطريقته ومن دون تنازل. في الوقت ذاته، يغازل حالياً مشروع فيلم كتبه بعنوان «ميغالوبوليس» يدور حول نيويورك بعد كارثة دمرتها ومحاولة حفنة من المؤمنين بها إعادة بنائها من جديد. هذا المشروع قد يعيده إلى صرح الأفلام الكبيرة. معه في هذا الحلم مجموعة كبيرة من الممثلين القدامي والجدد من بينهم فورست ويتيكر ولورس فيشبورن وتاليا شاير وأدام درايڤر وشيا لابوف ودتسين هوفمان وجون فويت. الممثلان الأخيران في القائمة كانا ظهرا سنة 1969 في فيلم Midnight Cowboy ولم يلتقيا بعد ذلك في أي مشروع مشترك حتى قرر كوبولا جمعهما معا فى Megalopolis.
إذا كانت إعادة إطلاق «دراكولا حسب برام ستوكر» لا تكفي وحدها لإنعاش تلك العلاقة بين هواة السينما وعشاق أفلام كوبولا،، فإن مرور 50 سنة على إنتاج «العرّاب» مناسبة أكبر للاحتفال. هذا الفيلم ما زال يتربّع على ناصية أحد أهم أفلام السينما في التاريخ.
كلا هذان الفيلمان ورد في الفترة الذهبية من حياة المخرج كوبولا المهنية. الفترة التي امتدت من «العرّاب» سنة 1972 إلى «صانع المطر» (The Rainmaker) سنة 1997. بعد ذلك، وتبعاً لآراء نقاد متعددين، تنازلت أفلامه عن تميّزاتها الفنية، ولو أن هذا ليس صحيحاً. ما حدث هو أن المخرج اختار أن يقاوم رغبات هوليوود في صنع المزيد مما تود هي إنتاجه وأخذ ينجز ما يريده هو بميزانيات أقل وبمواضيع من اختياراته شملت «شباب بلا شباب» (Youth Without Youth) وTetro  وSupenova .
كلها جيدة وإن لم تتساو، بالطبع، مع أعماله السابقة خلال السبعينات والثمانينات ومن بينها، لجانب «دراكولا» و«العرّاب» فيلمه الرائع «القيامة الآن» و«نادي القطن».
اقتران اسم كوبولا باسم «العرّاب» كان قدراً لا نجاة منه. قدّم المخرج، على حين غرّة، عملاً لم يسبقه إلى مستواه أحد وما زال فريداً إلى اليوم.
لم يكن «العرّاب» فيلم غانغسترز عاديا، ولا حتى فيلم مافيا تقليديا. كان القمّة بين أفلام العصابات وبقي كذلك من ذلك الحين ولا يزال حتى اليوم. ليس أن هوليوود لم تفتح دفاتر «شيكاتها» للصرف على أفلام من المنوال ذاته («مات الدون»، «أوراق فالاتشي».. إلخ). لكن لم يوازِ أي من تلك الأفلام الموهبة الفريدة لمخرج «العرّاب» ولا طموحاته الكبيرة. لم تتضمّن الشيء الأساسي الذي شارك في تمييز هذا الفيلم عن سواه وهو المعالجة الملحمية لتاريخ شاسع من حياة الجاليات التي توافدت، منذ مطلع القرن، من إيطاليا (ومن صقلية على الأخص) وانتقالها للعمل المافياوي بنشاط في داخل التركيبة الأميركية.
الفيلم الوحيد الذي جاور «العرّاب» في مكانته وطموحه هو «العرّاب-2» بعد عامين. حتى سيرجيو ليوني الذي أنجز «ذات مرّة في أميركا» سنة 1984 لم يعرض الوضع ذاته بالموصفات الفنية والضمنية نفسها. فيلمه ملحمي لكن اهتماماته انصبّت في أطر أضيق ولو على نحو إنتاجي كبير.
في «العرّاب» ذخيرة فنية لا يُملّ من تكرار إبداعاتها. حكايته، في الوقت ذاته، من الشمولية بحيث ما زال الفيلم للآن أهم ما تم تسجيله على شريط حول الصدام الكبير بين مفاهيم العائلات الصقلية والحلم الأميركي الكبير. بين نظامين، واحد يرى أميركا بلد العالم بأسره ويؤكد حبّه لها، وآخر يستغلّه لمزاولة الممارسات العنيفة والخارجة عن القانون التي نقلها معه من صقلية.

جيمس كان وآل باتشينو في «العرّاب»

مشهد رأس الفرس
في تأسيس مدروس بكل تفصيلة فنية ممكنة (من حجم اللقطة إلى حركة الكاميرا، ومن الإضاءة إلى كل كلمة ترد ومن مضمون المشهد إلى كل ما يصنع أجواءه المنشودة) يبدأ «العرّاب» بإيطالي اسمه بوناسيرا (سلفاتوري كورسيتّو) وهو يقول: «أنا مؤمن بأميركا». بوناسيرا يتلمّس من فيتو كاروليوني (مارلون براندو) أن يقتص له من رجلين تعرّضا لابنته بالضرب عندما قاومت محاولتهما لاغتصابها. لقد توجّه إلى القضاء كما يتوجّب على أي أميركي يؤمن بأميركا ليكتشف أن القضاء قد يرتشي إذ أطلق سراح الفاعليْن. الآن هو في حضرة الدون كاروليوني (في يوم عرس ابنته) لينتقم له. طريقة الالتماس التي تتضمّن محاولة رشوة الدون لكي يقوم بما عجز القضاء عن القيام به، تزعج الدون فيرد عليه «ما الذي فعلته معك لتهينني على هذا النحو؟»، لكنه يوافق بعد اعتذار بوناسيرا الذي لا يمكن للمشاهد إلا وعذره وتفهّم حاجته.
لكن ما الذي حدث لإيمان بوناسيرا بأميركا؟ حسب التقاليد الصقلية (وفي غيرها من البلاد) فإن الزعيم هو من تلجأ إليه أوّلاً. هو- حال اللجوء إليه- يمارس ما يُعتبر مسؤوليته حيال رعيّته. هذا في الجنوب الإيطالي وكل من في «العرّاب» هم من ذلك الجنوب. ضمن المنظومة أن الأب هو المسؤول عن سلامة ابنته وشرفها. حال زواج ابنته تنتقل المسؤولية إلى الزوج.
دون كارليوني نفسه خاضع لعملية الانتقال. ابنته تتزوّج. الاحتفال قائم في حديقة المنزل. المدعوّون يأكلون ويشربون ويرقصون وهو سيودّع بعد قليل ابنته التي ستخرج من تحت جناحيه لتحت جناحي رجل اختارته زوجاً.
امتثال كارليوني لطلب بوناسيرا لا يعني خرقاً للمعتاد. ببساطة يصدر العرّاب أمره بتنفيذ رغبة بوناسيرا. العدالة الأميركية (التي أخفقت في منح بوناسيرا ما أراده منها) يمكن أن تنتظر تحقيق عائلة كارليوني تلك العدالة الغائبة. نظامان يتواجهان تحت مظلة الحياة الأميركية ذاتها.
لكنهما لا يتواجهان فقط، بل يتعاونان أيضاً. النظام الأميركي يتجاهل وجود النظام المافياوي للدون، وهذا يؤمن استمرار السُلطة العليا لذلك النظام عبر شراء ذمم بعض السياسيين. لذلك، من قال أن الفيلم تمجيد للمافيا أغفل الكثير من المعطيات المهمّة في هذا الشأن.
بتفهم وافٍ لهذا التوازن الدقيق، يعارض كارليوني العائلات المافياوية الأربعة الأخرى (كل منها يحكم منطقة مختلفة) التي تطلب منه، في فصل لاحق من الفيلم، الموافقة على طلب سولوتزو (آل ليتيريللي) قيام كارليوني بتوفير الحماية له إذ قرر أن يضم إلى أعماله تجارة الهيروين. ليس فقط الحماية بل فتح دفتر اتصالاته وتعريف سولوتزو بهم وبذلك يتشارك وكارليوني فوائد دعم الحاشية السياسية.
هناك دافع أخلاقي لدى الدون لرفض هذا الطلب، لكن الدافع السياسي أعلى فهو إذا ما وافق على طلب  سولوتزو سيؤلّب عليه حتى السياسيين الذين يتعامل معهم ويفقد، بالتالي، دعمهم. لكنه برفضه يضع العائلات الأربع الأخرى في صف سولوتزو وما سيلي من فصول يبرهن على أن هذا الأخير، مستفيداً من علاقاته مع العائلات الأخرى، سيعمد إلى العنف ليحقق رغبته.
لكن العنف مستشر حتى من قبل ذلك المشهد. في ليلة العرس ذاتها (قبل انتقال الأحداث إلى مواقع أخرى) يتقدم المغني والممثل جوني فونتين (آل مارتينو) بشكواه: كان توخى بطولة فيلم يجد فيه فرصته الأفضل للنجاح لكن منتج الفيلم جاك وولتز (جون مارلي) ينزع عنه البطولة. يريد جوني من كارليوني استخدام سطوته لإقناع جاك بإعطائه تلك الفرصة.
ينتدب كارليوني المحامي توم هاغن (روبرت دوفال) للمهمّة. توم هو الوحيد غير الإيطالي المقرّب جداً من الدون. يعامله كواحد من أولاده. يتوجه توم صوب مزرعة ومنزل جاك ليساومه. هذا يقابله بأسلوب حضاري لائق لكنه يرفض الانصياع لطلب توم ومن وراءه. «دون كارليوني لن يقبل عدم الاستجابة لطلبه»، يقول هاغن. لكن وولتز لا يكترث. التالي ذلك المشهد الذي يستيقظ فيه المنتج من النوم منزعجاً. يدس يده تحت اللحاف ويسحبها فيرى دماً عليها. يكشف اللحاف ليجد رأس فرسه الأقرب إليه ملقى بجانبه.
لا أهمية لكيف تمكّن أحد (ليس توم بل من استأجرهم) من دخول المنزل ووضع رأس الحصان في الفراش من دون إيقاظ المنتج الذي يطلق صرخة خوف مرعبة. المهم هو ذلك التصوير الرائع (من غوردن ويليس) والتوليف الصحيح (للمخضرم وليام رينولدز) وحرص كوبولا على إيفاء المشهد عنصر المفاجأة وتأكيد المفاد بأن عائلة كارليوني تستطيع استخدام العنف كوسيلة، من بعد اعتماد الحوار.

«رامبل فيش» أحد أفلام كوبولا المستقلة

عناية نموذجية
بعد هذه الفصول الباب مفتوح لعالم على العنف كوسيلة وحيدة لفرض الرغبات: مشهد خنق لوكا برازي (لَني مونتانا) بعد طعنه في يده من قِبل سولوتزو يتبعه مشهد محاولة اغتيال دون كارليوني نفسه، ثم مشهد انتقام ابنه الأصغر مايكل (آل باتشينو) من سولوتزو والضابط البوليسي ماكلوسكي (ستيرلنغ هايدن) ثم انتقام العصابة المناوئة من ابن كارليوني، آلان صوني (جيمس كان) بنصب كمين له عند نقطة مرور. هذا الكمين هو جزء من كمين أكبر تم فيه استخدام ثورة صوني على زوج أخته الذي يتعرّض لها بالضرب.  يعاقب الزوج ضرباً، لكن في طريق عودته يزرع قتلة مأجورين جسده برصاصاتهم.
في كل ذلك استعراض لعالم من العنف وأسبابه تحت مظلّة نظام يراه المخرج والكاتب ماريو بوزو أشبه بمأوى لكل فساد باق طالما أن النظام يستفيد من وجوده. لا ريب أن العامل الشخصي يلعب دوره بمنأى عن هذه العلاقة بين المافيا وأميركا، لكن ما نراه من مشاهد متوالية يندمج كاملاً تحت هذه المظلة. سيعود كوبولا والروائي بوزو إلى السياسة الخارجية الموسومة بالتآمر والعلاقات الخفية بينها وبين فساد العصابات في الجزء الثاني بعد عامين من هذا الفيلم.
تكملة لكل ما سبق يختار كوبولا فصل النهاية بعناية نموذجية: مايكل يحضر تعميد طفل شقيقته في الكنيسة بينما رجاله (أبرزهم البدين كليمانزا، كما أدّاه ريتشارد س. كاستيلانو) وبإيعاز من مايكل يجهزون على باقي أعداء العائلة كل في موقع مختلف وبينهم بارزيني (ريتشارد كونتي) الذي كان من أبرز مؤيدي سولوتزو. هنا ربط بين التقاليد الدينية بالعنف الدنيوي. الأول لا يمنع الثاني.
في وسط كل هذا، لا تغيب العلاقة بين أميركا ذات الجذور الصقلية وأميركا البيضاء الأخرى. في الأساس، وبينما كان شقيقا مايكل (صوني وفريدو، كما أداه جون كازال) يعملان مع والدهما عن كثب، كان من المفترض لمايكل دخول السلك السياسي ليصبح حاكم ولاية. هذا بعد خدمته في الجيش. إنه الحصان الأبيض وسط ذويه. آخر من يراه أفراد العائلة أهلا للتحوّل إلى زعيم. إلى ذلك  هو متزوّج من امرأة أميركية غير إيطالية الأصل (دايان كيتون) ومؤهل لسبر غور حياة مختلفة. لكن لا مهرب من الانخراط في عصب العائلة.
كل ذلك تحوّل، بعد النجاح الجماهيري الكبير للفيلم، إلى تمهيد للجزء الثاني الذي يؤرخ للدون الكبير (كما يؤديه روبرت دينيرو) ويواصل فيه رحلة مايكل بعدما تحوّل إلى آلة مفترسة تواصل انتقامها من أعداء «العرّاب» وعائلته. أما كوبولا فقد أسس هنا صرحه الذي اعتلى به- ليس أبناء جيله من المخرجين فحسب- بل اعتلى القمّة بين مخرجي هوليوود من قديم الأزل. وعندما حان الوقت للابتعاد قليلاً عن الحكاية المافياوية (قبل أن يعود إليها في جزء ثالث) اختار الإيحاء بفساد السياسة واللجوء إلى العنف معاً في تحفته «القيامة الآن».

غاري أولدمان كما بدا في «دراكولا حسب برام ستوكر»

انشغال السبعينات
بين «العراب» الأول (1972) والثاني (1974) الذي أكمل فيه سيرة شخصيات آل كارليوني وتطرق فيه إلى جوانب جديدة في زمانين مختلفين لم يتطرّق إليها في فيلمه الأول، أنجز عملاً رائعاً آخر هو «المحادثة» الذي يقدم  حالة خبير تنصت اسمه هاري كول (جين هاكمان) يعيش حياة وحيدة لا تخلو من كبت المشاعر والعواطف. يهوى عزف الساكسفون ويحيط نفسه بسرية كبيرة تدفعه لأن يبقى حذرا ومنعزلاً.  وهو يكتشف أن المرأة التي طُلب منه التجسس عليها ما هي الا زوجة رئيسه التي تلتقي بشاب تحبه. إذ تستند المؤسسة إلى براهينه  يدرك هاري بأن تجسسه كان الدليل الذي استند اليه القاتل (رئيس الوكالة) للإيعاز بقتل زوجته. هذا الإدراك يدفع هاري للخوف والانطواء يزيده وقعا شعوره بالذنب وسيكولوجيته المعقدة التي تدفعه للانجراف صوب الهاوية.
هذه الأفلام الثلاثة، بالإضافة إلى سواها في السنوات التالية، تعكس علاقة وطيدة بين الفنان والوطن الذي يعيش فيه. كوبولا يبدو مدركاً حسنات وسيئات الحياة في أميركا التي هي، في أفلامه، غير أميركا في أي أفلام أخرى. تعامله مع هذا الوطن الذي ينتمي إليه كان من منظور خاص لم يشاركه فيه أحد.
كوبولا السبعينات انشغل أيضا بتحقيق أفلام تؤم النوع الهوليوودي إنما مع تغيير ملحوظ. الكوميديا التي في «بيغي سو تتزوّج» بطولة كاثلين تيرنر، مختلفة عن أي كوميديا أخرى، الميوزيكال العاطفي المرهف «واحد من القلب» (بطولة تيري غار) كان مختلفاً عن أي ميوزيكال هوليوودي آخر قبله وبعده. ضم هذه الأفلام لبعضها البعض تجد أن كوبولا إنما تحدّث عن أميركا من وجهة نظر منفردة. بطبيعة الحال، كل فيلم أميركي هو عن أميركا، تماماً كما الحال مع كل فيلم مصري أو فرنسي أو هندي. مهما بلغت درجة التغريب فإن الفيلم من أي مكان يقترح أن أحداثه وشخصياته تنتمي إلى زمان ومكان أميركيين كما إلى ثقافة أميركية ومجتمع أميركي. لكن الخروج عن النص الهوليوودي فجأة يقرّب الفيلم أكثر إلى المحيط الاجتماعي والحديث عن الأجيال كما لا تمارسه غالبية الإنتاجات الأميركية.

من «القيامة الآن» بطولة مارتن شين


في أفلامه لا يسرد كوبولا القصّة فقط، بل يكوّن عالمها الذي تنتمي إليه. من هذا المنطلق فإن فيلمه البيوغرافي عن مصمم السيارات في الخمسينات وعنوانه «تاكر: رجل وحلمه» لا يحكي قصّة الرجل فقط، بل قصّة الخمسينات ويوازي بين المؤسسة الصناعية التي حرمته من تحقيق حلمه بتصميم سيارة مختلفة عن السائد مع المؤسسة الهوليوودية التي- عادة ما- تحرم المخرج المختلف من تحقيق فيلمه الذي في البال.
وهناك ملاحظة أخرى تخص هذا العبقري الذي لا يزال في الصورة قريباً وبعيداً في الوقت ذاته. كان كوبولا يستطيع، بعد نجاحه الكبير في «العرابين»،  وبضعة أفلام أخرى له، إنجاز ما يريد من مشاريع تدر عليه المزيد من فرص التمويل والإيرادات. كان يستطيع أن يزاحم سبيلبرغ ولوكاس على إنجاز أفلام من نوعية «إنديانا جونز»، و«ستار وورز» لو أراد، أو قبول أعمال كان مارتن سكورسيزي يقبل بها من دون تبرير فني مقنع («كايب فير»، «كازينو».. إلخ). لكنه اختار تحقيق الفيلمين اللذين رفعا حاجبي هوليوود تعجبّاً وأكدا لها أن هذا السينمائي لا يكترث لأن يحذو حذو سواه من أبناء جيله. ففي أوج شهرته أنجز فيلمين صغيرين بالأبيض والأسود هما «الخارجون»، و«رامبل فيش» وكلاهما مع مجموعة من الممثلين  الشبّان لم يسمع بهم أحد من قبل: مات ديلون، توم كروز، ميكي رورك، س. توماس هاول، فنسنت سبانو،  رالف ماكيو، باتريك سوايز، روب لاو، إميليو استيفيز، دايان لاين. هؤلاء توزّعت بهم الدروب لكن كلا منهم تولّى بطولة أفلام بمفرده لاحقاً.

font change