«هيئة تحرير الشام» تسيطر على مناطق جديدة شمالي سوريا.. من المستفيد؟

عناصر «هيئة تحرير الشام» تنصب حاجزاً للتفتيش وسط مدينة عفرين بعد سيطرتها على مركزها (مواقع التواصل الاجتماعي)

«هيئة تحرير الشام» تسيطر على مناطق جديدة شمالي سوريا.. من المستفيد؟

القامشلي: على الرغم من أن الاشتباكات المسلّحة بين فصائل سورية معارضة لرئيس النظام السوري بشار الأسد وتنتمي لما يُعرف بـ«الجيش الوطني السوري»، باتت أمراً اعتيادياً منذ سيطرتها على جيبٍ جغرافي صغير تقع بعض مناطقه شمال غربي سوريا وأخرى في الشمال الشرقي، لكن المواجهات العسكرية العنيفة التي اندلعت مؤخراً في مدينة عفرين كانت مختلفة هذه المرة بعد دخول «هيئة تحرير الشام» التي كانت تعرف في السابق باسم «جبهة النصرة» على خط الاقتتال الداخلي بين فصائل «الجيش الوطني» المدعوم من أنقرة والذي سيطر على كل المناطق الخاضعة لنفوذه اليوم بعد 3 عملياتٍ عسكرية للجيش التركي داخل الأراضي السورية بين عامي 2016 و2019.

 

النصرة تدخل على خط المواجهات علناً

اندلعت هذه الاشتباكات التي دامت لأيام، قبل حوالي أسبوعٍ من الآن، على خلفية وجود خلافاتٍ داخلية بين 3 فصائل تنتمي لما يسمى «الجيش الوطني»، وفصيلين اثنين آخرين من «الجيش» ذاته، قبل أن تتحوّل الاشتباكات لمعارك طاحنة دخلت «هيئة تحرير الشام» على أثرها علناً للوقوف بجانب الفصائل الثلاثة وهو ما ساهم في دخول «الهيئة» إلى داخل عفرين بعد مواجهاتٍ في ريفها لثلاثة أيامٍ على الأقل ونجم عنها عشرات القتلى والجرحى وكان من بينهم مدنيون، لكن كلا الطرفين لم يعلن أي حصيلة لخسائره البشرية رغم انسحاب فصيلين من «الجيش الوطني» إلى مدينة أعزاز القريبة من عفرين بعد سيطرة «الهيئة» عليها يوم الثالث عشر من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.

ودعمت «هيئة تحرير الشام»، لواء «السلطان شاه»، وفرقة «الحمزة»، و«أحرار الشام»، في الاشتباكات التي استمرت لغاية الثامن عشر من أكتوبر الجاري، ضد «الفيلق الثالث» الذي يضم فصيلي «الجبهة الشامية»، و«جيش الإسلام». وعلى أثرها قُتِل 58 شخصاً على الأقل بينهم مدنيون، وفق ما أعلن «المرصد السوري لحقوق الإنسان».

 

اشتباكات عنيفة دارت جنوب عفرين قبل سيطرة «هيئة تحرير الشام» عليها (وكالات)

 

لا تأثير للحكومة «المؤقتة» داخل عفرين

ومع أن الحكومة السورية المؤقتة المدعومة من أنقرة والتي تمثّل المظلة السياسية لفصائل الجيش الوطني، أعلنت أن مدينة عفرين وبلداتٍ أخرى تقع في ريف محافظة ما تزال تخضع لسيطرتها، إلا أن مصادر محلّية من داخل المدينة نفت لـ«المجلة» أن يكون لتلك الحكومة أي تأثير على أرض الواقع.

ووفق المصادر المحلية، باتت مدينة عفرين بالكامل تحت سيطرة «هيئة تحرير الشام» التي تمكّنت من الدخول إلى عفرين والسيطرة عليها، دون حصول أي مواجهاتٍ بينها وبين «الفيلق الثالث» الذي انسحبت عناصره إلى مدينة أعزاز القريبة من عفرين.

ورغم أن الحكومة المؤقتة أشارت إلى أن دوائرها ستبقى على رأس عملها، لكن هيئة تحرير الشام تسيطر على المدينة عسكرياً وبالكامل، بحسب المصادر المحلية التي تحدّثت إلى «المجلة».


استغلال الانشغال الروسي

وقال مصطفى أوزجان المحلل السياسي التركي المقرّب من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا لـ«المجلة» إن «لدى هيئة تحرير الشام رغبة في التمدد وهي تستغل الانشغال الروسي وغض النظر التركي»، واصفاً المشهد في تلك المناطق بـ«المعقد».


دمشق وموسكو مستفيدتان من الاشتباكات

ومن جهته، رأى محلل سياسي روسي أن المواجهات العسكرية بين هيئة تحرير الشام وجماعاتٍ مسلّحة مما يُعرف بالجيش الوطني السوري المدعوم من أنقرة، تقع في صالح روسيا والنظام السوري الذي تدعّمه بقيادة بشار الأسد.

وقال أندريه أونتيكوف المحلل الروسي المعروف إن «المستفيد من هذه الاشتباكات، هو كلّ من يقاتل ضد تلك المجموعات المسلحة سواءً كانت معتدلة أو إرهابية، وروسيا تشير على الدوام إلى أنه لا يوجد أي فرق بين تلك المجموعات مهما اختلفت تسمياتها، فعناصرها جميعاً يحملون السلاح ويتمسّكون بالأفكار المتطرّفة ويقومون بعمليات إرهابية، وما نشاهده من مواجهاتٍ عسكرية بينهما في المناطق الخاضعة لسيطرتهم مثل عفرين والمناطق المجاورة لها، هو فقط تصفية حسابات بين تلك الميليشيات في محاولة لتقوية النفوذ من المجموعات المتنافسة، وهذا يؤدي إلى تقليص قدرات تلك الجماعات في مواجهة الجيشين السوري والروسي وكل من يحاربها».

وأضاف لـ«المجلة» أن «وقوع مثل هذه الاشتباكات تؤكد وجود حاجة ماسّة للتعامل مع كل هذه المجموعات، ففي السابق منحت السلطات السورية بوساطة روسية أكثر من فرصة لها لإجراء مصالحاتٍ معها، واليوم يمكن أن يتكرر الأمر مجدداً من خلال مصالحاتٍ جديدة بين دمشق والمجموعات المسلّحة التي توافق على تلك المصالحات، لكن من لا يرغب في ذلك لن يكون أمامه أي خيار سوى الحسم العسكري، أي قتال دمشق وموسكو لتلك المجموعات».

 

المصالحة أو انتظار الحسم العسكري

وتابع: «أما بالنسبة إلى هيئة تحرير الشام، فهي مصنّفة كمنظمة إرهابية، وباعتقادي يجب أن نشاهد إجراءات أوسع لقتال هذه الجماعة بالتنسيق مع تركيا، وقد طلبت موسكو من أنقرة قبل تمدد هيئة تحرير الشام إلى عفرين ومحيطها، التخلص منها من خلال إعادة تلك المناطق للقوات الحكومية السورية، لكن الجانب التركي رفض ذلك».

كما شدد المحلل السياسي الروسي على أن «المواجهات العسكرية الأخيرة في عفرين ومحيطها تؤكد أن روسيا كانت على حق عندما طلبت من تركيا إعادة تلك المناطق للسلطات السورية، فها هي هيئة تحرير الشام تتمدد فيها، وبالتالي يجب إعادتها للقوات الحكومية مع تقوية تواجد هيئة تحرير الشام فيها».

 

تركيا رفضت طلباً روسياً كان يقضي بمنع تمدد «الهيئة»

وأشار إلى أن «أفضل سيناريو كحلٍّ لواقع عفرين والمدن والبلدات المحيطة بها هو منح الضوء الأخضر للسلطات السورية لتطهير تلك المناطق من الإرهابيين لا سيما وأن موسكو مستعدة لدعمها، وهذا الكرة الآن في الملعب التركي، وعلى أنقرة أن توافق على تسليم تلك المناطق للسلطات السورية، فهذا الأمر سيكون مطروحاً على الطاولة في نهاية المطاف وكل تلك المناطق هي مناطق سورية ويجب أن تعود لسيطرة القوات الحكومية حتى وإن تطلّب ذلك إجراء مصالحاتٍ جديدة بدعمٍ من موسكو أو استخدام القوة».


هدوء حذر في عفرين وتجدد الاشتباكات أمرٌ متوقع

وكانت مصادر محلّية قد أشارت لـ«المجلة» إلى أن مدينة عفرين وريفها يشهدان هدوءًا حذراً بعد سيطرة هيئة تحرير الشام عليها مع دخول هيئة ثائرون كوسيط بين الهيئة والفليق الثالث بأوامر من الجيش التركي الذي يفرض سيطرته على مدينة عفرين منذ 18 مارس (آذار) من العام 2018.

وانهارت هدنة بين الجانبين، حيث تلاها تجدد الاشتباكات في ريف مدينة عفرين رغم موافقة الهيئة والفيلق الثالث قبل ذلك على هدنةٍ قضت بوقف إطلاق النار بين الطرفين على الفور.

عناصر من «هيئة تحرير الشام» في جنديرس (غيتي)


«الهيئة» قد تسعى للسيطرة على المؤسسات المدنية

ورغم الهدوء النسبي الذي تشهده مدينة عفرين وأريافها في الوقت الحالي، من المتوقع تجدد الاشتباكات لا سيما مع محاولة هيئة تحرير الشام السيطرة على المؤسسات المدنية في المدينة عقب سيطرتها العسكرية على عفرين ومحيطها.

وبلغت حصيلة الخسائر البشرية على خلفية الاقتتال والرصاص العشوائي وشظايا القذائف العشوائية 58 قتيلاً عسكرياً ومدنياً، بحسب المرصد السوري الذي أشار في تقريرٍ إلى أن هذه الحصيلة معرّضة للارتفاع نظراً لوجود جرحى في حالاتٍ حرجة.

وذكر المرصد أن 28 مقاتلاً من هيئة تحرير الشام قتلوا خلال الاشتباكات مع الجبهة الشامية والفصائل التي تساندها خلال المعارك التي شهدتها عفرين ومناطق أخرى تقع شمال غربي حلب وتتواجد فيها القوات التركية أيضاً.

وفي حين أن 16 مقاتلاً من الفيلق الثالث قتلوا خلال تلك الاشتباكات التي امتدت لحوالي أسبوع. إضافة لمقتل عنصر من جيش «الشرقية» في مواجهاتٍ مع الهيئة، علاوة على مقتل عنصرين اثنين من الشرطة العسكرية في اقتتالٍ داخلي بين فصائل الجيش الوطني اندلع في مدينة الباب الواقعة شرقي حلب.

وبحسب المرصد السوري فقد قُتِل إلى جانب العسكريين، 10 مدنيين بينهم 4 نساء و3 أطفال.

وتضع واشنطن هيئة تحرير الشام وزعيمها أبو محمد الجولاني على قوائم الإرهاب منذ سنوات، كما أنها عرضت جائزة مالية لكل شخص يستطيع توفير معلوماتٍ عن قائد الهيئة أو أماكن إقامته.

كذلك تصنف أنقرة، الهيئة كجماعة إرهابية رغم وجود قواتها العسكرية في أماكن قريبة من أماكن سيطرتها في إدلب وأريافها ومناطق أخرى محيطة بهما.

وعادةً ما تشهد المناطق السورية الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني المدعوم من تركيا اقتتالاً داخلياً تتعدد أسبابه بين وجود خلافاتٍ عشائرية بين عناصر تلك الفصائل، إلى جانب رغبة كل فصيل منهما ببسط نفوذه على مساحات أكبر.

وتدعم أنقرة الجيش الوطني منذ سنوات وقد قاتل عناصره إلى جانب الجيش التركي خارج الأراضي السورية، كما حصل في ليبيا قبل أكثر من عامين.

ويسيطر هذا الجيش الذي يتكون من عشرات الجماعات المسلّحة، على مدينتي عفرين وأعزاز غربي حلب، وعلى مدينتي الباب وجرابلس غربيها. إضافة لسيطرته على مدينتي رأس العين وتل أبيض في ريف محافظتي الرقة والحسكة شمال شرقي البلاد.

وكانت ثلاث مناطق على الأقل يسيطر عليها الجيش الوطني اليوم، تخضع في السابق لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصاراً بـ«قسد» والمدعّومة من الولايات المتحدة والتحالف الدولي الذي تقوده ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق.

وتصف «قسد» وجود الجيش التركي  في كل المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني بقوة احتلال، حيث تطالب بخروجه منها بعدما خسرت المناطق الثلاث إثر عمليتين عسكريتين تركيتين بين عامي 2018 و2019.
 

font change

مقالات ذات صلة