نيران الاحتجاجات العارمة في إيران تتواصل

1- اشتباكات بين متظاهرين والشرطة عند قبر مهسا أميني 26 أكتوبر (مواقع التواصل الاجتماعي)

نيران الاحتجاجات العارمة في إيران تتواصل

واشنطن: لم تخمد نيران الاحتجاجات العارمة التي اندلعت بعد مقتل مهسا (جينا) أميني تحت الهتاف الرئيسي «المرأة، الحياة، الحرية» وها هي دخلت شهرها الثاني.

وقد تمكنت هذه الانتفاضة الشعبية التي قوبلت باستحسان كبير في العالم، بعد الصمود أمام كل أدوات القمع وقطع الإنترنت، خلال الشهر الماضي، وحصلت هذه الموجة الاحتجاجية الأكثر تنوعا جغرافيا واجتماعيا على إنجازات كبيرة. وتعتبر هذه الانتفاضة المباراة النهائية بين شعب ذاق الويلات خلال حكم الجمهورية الإسلامية والنظام الاستبدادي.

وفي الوقت الذي قطع فيه النظام خدمات الإنترنت بشكل شبه كامل في غالبية المدن أفادت شبكة «سي إن إن»الإخبارية نقلا عن مسؤولين مطلعين أن البيت الأبيض يجري محادثات مع الملياردير إيلون ماسك حول إقامة خدمة للإنترنت عبر الأقمار الصناعية من «ستارلينك»التي تقدمها شركة سبيس إكس في إيران.

ويزداد الدعم الدولي للاحتجاجات في إيران زخما، حيث عبر الرئيس الأميركي جو بايدن عن «اندهاشه» إزاء أكبر موجة احتجاجات في إيران، مضيفا أن النفط لم يكن هدفه الرئيسي من الزيارة التي قام بها للشرق الأوسط بل الهدف كان إيران.

وانتشرت دعوات عديدة لتوسيع رقعة التجمعات الاحتجاجية والمظاهرات التي طالت العديد من المدارس والجامعات في المدن المختلفة وتحولت طهران وجوهردشت في كرج ويزد ومشهد وتبريز وأردبيل وساوة وسلطان آباد وساري وبابلسر وأراك وأصفهان ورشت والأهواز وشيراز وبندر عباس وسنندج وسقز وكرمانشاه وديواندرة ودهكلان وكامياران وبوكان ومهاباد إلى بؤر احتجاجية ضد النظام.

وظهرت أشكال احتجاجية متنوعة في مناطق مختلفة في العاصمة على غرار نارمك وطهران بارس وستارخان وأكباتان وصياد شيرازي (تشيتكر) وشارع انقلاب ولاله زار وسبهسالار ونازي آباد وساحة شوش وسوق شوش للكريستال وشارع شريعتي.

وأصبحت غالبية الجامعات على غرار جامعة شريف وكلية التقنية لجامعة طهران وجامعة بهشتي في طهران وجامعات تبريز والرازي في كرمانشاه وياسوج وهرمزجان وجامعة العلوم الطبية في همدان وجامعة العلوم الطبية في زاهدان وجامعة مازندران وجامعة أمير كبير وجامعة كرج الحرة وجامعة ياسوج بؤرا احتجاجية يومية، حيث إن الطلبة المحتجين يستمرون في الاحتجاجات وترديد هتافات مناهضة للنظام بالرغم من الحملة القمعية الواسعة.

وأفادت مصادر محلية في زاهدان بأن السلطات اعتقلت ما لايقل عن 57 شخصا خلال الاحتجاجات التي رفع فيها هتاف «الموت لخامنئي». وقتل ما لا يقل عن 93 شخصا خلال الأسبوع الأول من الاحتجاجات في مدينة زاهدان حسب «حملة نشطاء البلوش». وحمل مولوي عبد الحميد الإمام السني البارز في زاهدان خلال خطبة الجمعة في 21 أكتوبر (تشرين الأول) خامنئي مسؤولية قتل المحتجين الذين سقطوا يوم 30 سبتمبر (أيلول) في زاهدان.

وما زالت سنندج تقوم بدورها لقيادة هذه الاحتجاجات في المناطق الكردية، حيث أصبحت الإضرابات في الأسواق في العديد من المدن الكردية على غرار ديواندره ومهاباد تعطي زخما لهذه الموجة الاحتجاجية. وأفادت المنظمة الكردية لحقوق الإنسان بأن قوات مكافحة الشغب وعناصر الأمن بملابس مدنية اقتحموا تجمعات احتجاجية في مدن سنندج ودهكلان وكامياران.

محتجة إيرانية بدون حجاب في تحد لقوات الأمن (مواقع التواصل الاجتماعي)

الإضرابات والاحتجاجات العمالية

تتسع رقعة الإضرابات في مناطق مختلفة في إيران. ودعا مجلس تنظيم إضرابات عمال عقود النفط العمال والشعب إلى دعم 250 شخصا من العمال المعتقلين التابعين لمنشأة عسلوية للبتروكيماويات.

هذا وتفيد الأخبار الواردة من إقليم كردستان عن قيام أصحاب المحلات التجارية والعاملين في الأسواق في سقز ومريوان وسنندج وبوكان لإضرابات منظمة.

وتسيطر أجواء أمنية مشددة وحملة قمع متصاعدة في المنشآت النفطية والغازية في عسلوية وكنغان. وأفادت التقارير عن استمرار إضراب سائقي الشاحنات وصهاريج الوقود للمصافي في معشور وعسلوية وميناء عباس وعبادان وانضمام عمال مصنع الصلب في مدينة الفلاحية بإقليم الأهواز. وتجمعت حشود من العمال في مصنع آيدين للشيكولاته في تبريز (ذات الغالبية الآذرية) ورددوا هتافات مناهضة للنظام. وقام عمال مصنع قصب السكر في مدينة «هفت تبه» بتجمعات احتجاجية وذلك بالرغم من تلقيهم تهديدات بالاعتقال ووعودا بالمكافآت وزيادة الأجور.

 

طالبات المدارس.. الصوت الهادر

وقد التحقت طالبات المدارس بموجة الاحتجاجات العارمة منذ بداياتها وشكلن جزءا لا يستهان به من هذه الانتفاضة. وتبنت السلطة الحاكمة كعادتها المقاربة الأمنية ذاتها بحق التلميذات المنتفضات. حيث تقتحم القوات الأمنية المدارس المنتفضة وتقوم بالاعتداء على التلميذات بالضرب الوحشي وتقودهن إلى المعتقلات حيث تلفق الاتهامات ضد التلميذات اللواتي رفعن صوتهن ضد السلطة الحاكمة. ولم تتحمل السلطة الحاكمة كعادتها مسؤولية أفعالها الوحشية بل تعتمد الكذب وإنكار الواقع وترويج الإشاعات وحرف الرأي العام وتقديم روايات كاذبة على غرار أمراض ما قبل الولادة والانتحار وعضة الكلب حول أسباب مقتل التلميذات المحتجات والتلاميذ المحتجين.

وتصاعدت حملة الاعتقالات والمضايقات الوحشية بحق طلبة المدارس خلال الأسبوع الأخير حيث تقتحم القوات الأمنية بالزي العسكري وبالزي المدني المدارس التي تشهد الحركات الاحتجاجية ويقومون باعتقال الطلبة المحتجين. وقد قال نائب في البرلمان الإيراني إن 200 شخص من طلبة المدارس تم اعتقالهم في طهران وحدها. وأفادت التقارير عن حملة اقتحامات أمنية واسعة للمدارس واعتقال عشرات الطلبة في مدينتي مهاباد وأصفهان.

وأظهر مقطع فيديو على الشبكات الاجتماعية اقتحام القوات الخاصة لمدرسة داخلية للبنات في مدينة بوكان في إقليم أذربيجان الغربية.

واللافت في الأمر أن العديد من مديري ومسؤولي المدارس باتوا يتعاونون مع أجهزة الأمن لكشف هوية الطلبة المحتجين واعتقالهن. وأفاد المجلس التنسيقي للمنظمات النقابية للمعلمين بأن مدير مدرسة ثانوية خاصة للبنات في مهاباد قام بتسليم 29 شخصا من التلميذات المحتجات إلى أجهزة الأمن بعد أن أقفل باب المدرسة عليهن واتصل هاتفيا بإدارة الأمن.

واقتحم عناصر من القوات الأمنية مدرسة ثانوية للبنات في مدينة شاهين شهر في أصفهان ودخلوا إلى الصف 12 وقاموا بشد شعر طالبة بعنف ووضعوا الأصفاد على يدها واقتادوها معهم وهي في حالة هلع لم تتوقف عن الصراخ.

ويظهر فيديو آخر طالبات مدرسة ثانوية للبنات في أصفهان في 17 أكتوبر (تشرين الأول) وهن يغادرن الصالة بشكل جماعي بعد أن يبدأ رجل دين بإلقاء كلمة هناك. وصعدت السلطة الحاكمة قمعها ضد طلبة المدارس منذ قتل إحدى التلميذات يوم 11 أكتوبر. وأفادت المنظمات النقابية للنقابيين بأن قوات الأمن قامت باقتحام مدرسة «شاهد» في أردبيل وقامت بضرب الفتيات اللواتي رفضن المشاركة في تجمع لمؤيدي النظام الإيراني. وأجبرت قوات الأمن الفتيات على الحضور إلى التجمع وذلك بدون كسب موافقة عائلاتهن. وأدت هذه الحملة الأمنية الدموية إلى مقتل إسراء بناهي البالغة من العمر 16 عاما واعتقال العديد من الطلبة وتدهور الحالة الصحية  لبعض التلميذات. وقال النظام الإيراني إن الانتحار سبب وفاة إسراء بناهي. وتصاعدت الاحتجاجات المناهضة للنظام في أردبيل بعد مقتل إسراء بناهي واقتحام المدرسة من قبل القوات الأمنية.

وقتل محمد رضا سروري البالغ من العمر 14 عاما وستارة تاجيك البالغة من العمر 17 عاما وهما مراهقتان من أصل أفغاني خلال هذه الاحتجاجات.

وكان المجلس التنسيقي للمنظمات النقابية للمعلمين في إيران قد أعلن في بيان عن حداد عام لثلاثة أيام في 20 و21 و22 أكتوبر الحالي في ذكرى قتلى الاحتجاجات داعيا كافة المعلمين في البلاد إلى الإضراب والاعتصام في 23 و24 أكتوبر.

فيديو نشرته جماعات نشطة لبعض المواجهات بين قوات الأمن ومحتجين (مواقع التواصل الاجتماعي)

حريق في سجن إيفين

لم تستفق الجماهير الغاضبة من هول مقتل الأطفال في الاحتجاجات حتى جاء خبر كارثة الحريق في سجن إيفين وإطلاق النار على السجناء داخل عنبر 7 يوم 16 أكتوبر كالصاعقة لتهز المجتمع. والجدير بالذكر أن الشبكات الاجتماعية والإعلام الخارجي الناطق بالفارسية أول من قاموا بنشر خبر حريق سجن إيفين.

وقال حسین قشقایي السجین السیاسي المعتقل في العنبر 4 بسجن إيفين في رسالة حول ليلة وقوع الحادث إن قوات السلطات القمعية قامت بتشغيل أجهزة التكييف في العنبر 4 في تلك الليلة وأطلقوا الغاز المسيل للدموع من خلال تلك الأجهزة في كل أجزاء العنبر. وتم إطلاق النار على عدد من السجناء السياسيين الذين توجهوا إلى الأبواب للخروج والهروب من الحريق والدخان الكثيف والغازات المسيلة للدموع. لم تعلن السلطات عن قتلى حادث حريق السجن غير أن مصادر قالت إن عدد الضحايا يتراوح بين 70 إلى 80 شخصا.

ونقلت صحیفة «هم ميهن» الإصلاحية في تقرير ميداني لها عن أحد رجال الإطفاء الذين قاموا بإطفاء الحريق في سجن إيفين قوله «قمنا بتسليم 8 جثث لمسؤولي السجن. لا أستطيع الجزم فيما إذا كان عدد الضحايا أكبر أم لا. فقد تم إطلاق كميات كبيرة من الغاز المسيل للدموع حيث كدنا نحن الإطفائيين نختنق بسبب الغاز المسيل للدموع».

واندلع حريق آخر في سجن لاكان في مدينة رشت (شمال) يوم 9 أكتوبر وتبقى أبعاد هذه الكارثة وأسباب اندلاعها وعدد الضحايا وأسماؤهم ومصير بقية السجناء غير معروفة حتى كتابة هذا التقرير.

نُظمت مظاهرات في مناطق مختلفة من العالم، منها تشيلي، تضامنا مع الاحتجاجات على ما حدث للفتاة الإيرانية مهسا أميني (غيتي)

حملات اعتقالات واسعة

وأثار نقل المعتقلين ومنهم أطفال بواسطة سيارات إسعاف لا تحمل لوحات تسجيل إلى المعتقلات حملة تنديد واسعة من قبل قطاع الرعاية الصحية والطبية في إيران. وتقوم القوات الأمنية بممارسة الضغوط على قطاع الرعاية الصحية والموظفين للإبلاغ عن أسماء المصابين في الاحتجاجات إلى الأجهزة الأمنية. ودشنت السلطات برنامج «مقر الإجراءات الجزائية للأطباء» بهدف ممارسة أقصى مستوى الضغط على قطاع الرعاية الصحية.

وأصدرت السلطة القضائية الإيرانية أحكاما تحقيرية ومهينة للعديد من السينمائيين على غرار مجتبى ميرطهماسب ومجيد برزكر، وهما من الموقعين على بيان «ألق سلاحك» وتم منعهما من النشاط بشكل حضوري وعن بُعد. واقتحمت القوات الأمنية بيت صديق نك يوسفي المخرج والمصور والناشط الذي قام بإخراج فيديو مؤثر لدعم المحتجين مساء الأحد 16 أكتوبر واعتقلت نك يوسفي الذي كان هناك.

وأفادت لجنة متابعة أوضاع المعتقلين بأن السلطات اعتقلت على الأقل 320 شخصا دون 18 عاما خلال 38 يوما من الاحتجاجات العارمة.

وأضافت اللجنة أن السلطات والأجهزة الإيرانية أعلنت عن اعتقال أكثر من 6 آلاف شخص حتى 20 أكتوبر.

ونفى أمير عبداللهيان وزير خارجية النظام الإيراني اعتقال الأشخاص بسبب الاحتجاجات! وقال إن المعتقلين هم مثيرو الشغب وإرهابيون!

ولقي خبر ظهور المتسلقة الإيرانية إلناز ركابي في مسابقة آسيوية أقيمت في كوريا الجنوبية استقبالا واسعا، وذلك في خضم المشاركة الواسعة للنساء في الاحتجاجات. وردد عشرات المواطنين الذين تجمعوا في مطار الإمام الخميني الدولي في طهران فجر الأربعاء (19 أكتوبر) هتاف «إلناز بطلة». وأحاط هؤلاء بحافلة صغيرة وسيارة يعتقد أن ركابي وآخرين من أفراد الفريق المشارك في مسابقة التسلق كانوا على متنها. ولم تسمح السلطات لإلناز بالنزول وتحية المواطنين الذين كانوا بانتظار وصولها. وأفادت وسائل الإعلام بأن إلناز تخضع لإقامة جبرية ومنعت من حمل هاتفها المحمول.

هذا وانتشرت فيديوهات عدة من أبناء الجنود القتلى خلال الحرب الإيرانية العراقية أعربوا فيها صراحة عن معارضتهم للجمهورية الإسلامية.

وشهدت مدينة برلين في ألمانيا يوم 22 أكتوبر مسيرة كبيرة لدعم الاحتجاجات ولإحياء ذكرى ضحايا الاحتجاجات في إيران. وبالتزامن مع ذلك نظم الإيرانيون في العديد من المدن الأميركية والأوروبية وبقية مناطق العالم مسيرات هتفوا خلالها: «الموت للديكتاتور».

هذا وأفادت القنوات التلفزيونية الحكومية في إيران بأن المواطنين في برلين قاموا بمسيرات احتجاجية تنديدا بارتفاع أسعار الوقود وذلك في إشارة لمسيرة برلين الداعمة للاحتجاجات.

 واعتبر مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي البالغ 83 عاما أن هذه الحوادث «محدودة» وأن «أميركا وإسرائيل والمنافقين والانفصاليين وموالي النظام الملكي وعائلات جهاز السافاك (جهاز الاستخبارات في عهد الشاه) وراء الاحتجاجات». فيما اعترف خامنئي مؤخرا ببيع إيران طائرات مسيرة لروسيا، بعد أن كان وزير الخارجية الإيراني ومسؤولون آخرون ينفون باستمرار بيع إيران طائرات دون طيار إلى روسيا.

وطلبت بريطانيا وفرنسا وألمانيا رسميا يوم 21 أكتوبر من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ومجلس الأمن إرسال لجنة تحقيق إلى أوكرانيا للتثبت من استخدام روسيا طائرات مسيرة إيرانية الصنع لمهاجمة مواقع أوكرانية، في انتهاك لقرار مجلس الأمن رقم 2231.

font change