إيران والكاتالوغ السوري

إيران والكاتالوغ السوري

أكثر من شهرين ونصف الشهر على انطلاق الاحتجاجات في إيران. احتجاجات أطلق عليها بداية «ثورة النساء»لأنها خرجت بعيد مقتل مهسا أميني على يد «شرطة الأخلاق»، أميني التي أزعج النظام الإيراني طريقة ارتدائها للحجاب. كرت السبحة، خلعت نساء إيرانيات حجابهن وقصصن شعرهن كفعل رمزي رفضا لما تتعرض له النساء في إيران، فما كان من النظام الإيراني إلا القيام باعتقال وتعذيب وقتل نساء أخريات.

ما بدأ قبل نحو شهرين ونصف كثورة نساء إيران ضد السلطة الدينية الحاكمة في إيران أخذ في التوسع ككرة النار، لم تعد الاحتجاجات حكرا على النساء ولا حتى على الشباب، انضم إليهم مؤخرا كبار السن، كذلك نظّم تجار وطلاب جامعيون إضرابا لمدة 3 أيام، ولتتوسع دائرة الإضراب والمضربين، ورغم التعتيم الإعلامي الكامل الذي حاولت طهران فرضه بقطع الإنترنت، إلا أن مواقع تابعة للمعارضة الإيرانية لا زالت قادرة على نشر فيديوهات وصور وأخبار ما يحصل في إيران.

منظمة «أنقذوا الأطفال»كشفت أن النظام الإيراني ارتكب انتهاكات جسيمة بحق قاصرين، فيما نقل تقرير صادر عن «هيومان رايتس ووتش»عن مصادر حقوقية أن 60 طفلاً على الأقل لقوا حتفهم، وكان سبق ذلك تأكيد المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، رافينا شامداساني مداهمة قوات الأمن عددًا من المدارس واعتقال أطفال، إضافة إلى اعتقال بعض مديري المدارس لعدم التعاون مع قوات الأمن.

بدورها نشرت صحيفة «نيويورك تايمز»الأميركية تقريرا أكدت فيه أن قوات النظام الإيراني استخدمت سيارات الإسعاف للتسلل إلى التجمعات واعتقال المتظاهرين.

وكان لافتا مع انطلاق المونديال في قطر رفض منتخب إيران المشارك ترديد نشيد الجمهورية الإسلامية، وتقديم كابتن الفريق العزاء لأسر الضحايا الذين سقطوا في إيران.

الهتافات في إيران لم تخل من توجيه الانتقاد والرفض لسياسة إيران الخارجية، فقد عبر المحتجون عن رفضهم لتمويل طهران لميليشيات إرهابية فيما يعاني الشعب الإيراني من الفقر والجوع، وهي ليست المرة الأولى التي يعبر فيها الإيرانيون عن الأمر.

وعلى الرغم من كل العنف المستخدم ضد المتظاهرين إلا أن الاحتجاجات والإضرابات آخذة في التوسع، وكما هو متوقع نقل عن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي قوله إنه «لا يجوز التفاوض مع المتمردين إلا بعد أن ينالوا عقابهم ويعلنوا توبتهم، أما هؤلاء الذين ينفذون تعليمات الأعداء فتجب معاقبتهم بالإعدام ليكونوا عبرة لغيرهم».

ما يحصل اليوم في إيران كما سبق وذكرت في مقال سابق، مشابه لما يحصل في سوريا منذ أكثر من 11 عاما، فهذه الأنظمة خريجة مدرسة واحدة، لديها «كاتالوغ»موحد تتبعه، ولو كلف الأمر تدمير البلاد وقتل الملايين من المواطنين والمواطنات، وكل الأساليب مباحة بما فيها تعذيب الأطفال واستخدام سيارات الإسعاف، وسنسمع لاحقا كيف سيشارك أطباء في قتل الجرحى في إيران كما فعل بعضهم في سوريا، كما سنشاهد للأسف عمليات إرهابية عابرة للحدود كما فعل النظام السوري في لبنان بداية الثورة السورية.

فها هو النظام الإيراني اليوم بعد أن وصف المحتجين بالعملاء والإرهابيين، يهرب إلى خارج الحدود ليوسع دائرة مشكلاته، يقصف كردستان العراق كما ينكل بأكراد إيران، يعلن على لسان رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، أن بلاده بدأت تخصيب اليورانيوم بنسبة60في المائةفي منشأة فوردو النووية. القرار الذي اعتبر ردا على قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي انتقد إيران بسبب عدم تعاونها مع الوكالة، لا يمكن أن يقرأ بمعزل عما يحصل داخل إيران، فإيران التي أغضبتها الإدانات الدولية للعنف الذي تستخدمه ضد الإيرانيين تقول للعالم إن إرهابها عابر للحدود، ومن يدري فقد تلجأ عبر إحدى أذرعها الإرهابية الكثيرة في المنطقة إلى نقل مشكلاتها إلى الخارج.

وحتى الآن لا يبدو أن هناك خطة عمل جدية للتعامل مع ما يحصل في إيران، فالتجربة السورية برهنت على أن مجلس الأمن والمجتمع الدولي عاجزان أمام آلة القتل، وأن العقوبات غير كافية وخصوصا عندما يكون رئيس البلاد متهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ومشرفا على «لجنة الموت»المسؤولة عن إعدام مئات الإيرانيين في السابق.

لن تهدأ إيران وسيستمر الشعب الإيراني في مواجهة نظام يعيد اختراع الاستبداد، وسيُترك الإيرانيون لمواجهةعنف النظام من دون أن يقوم المجتمع الدولي بإعادة النظر في كل السياسات الانتهازية التي اتبعها مع النظام الإيراني والتي كانت أشبه بالبحث عن صفقة مع الشيطان، هو خذلان للشابات والشباب الذين يحملون عبء الوقوف في وجه الملالي الماضين في تصدير أزماتهم الداخلية إلى الخارج في شكل حروب طائفية وميليشيات عابرة للحدود، والعدوان المستمر على مصالح دول الجوار ومهاجمة خطوط التجارة الدولية.

المجتمع الدولي مسؤول عن كل قطرة دم إيرانية يسفكها الباسيج والحرس الثوري الإيراني، والبيت الأبيض وسيده الممعن في التعامل مع المنطقة بانتهازية والكيل بمكيالين يبقى هو المسؤول عن الكثير من العنت الذي يبديه ملالي إيران في التمسك بسياساتهم العدوانية ليس ضد الشعب الإيراني فحسب ولكن ضد شعوب المنطقة كلها.

 

font change