مستقبل قاتم ينتظر الأفغانيات إثر زيادة قيود "طالبان"

مريام مارتينيك
مريام مارتينيك

مستقبل قاتم ينتظر الأفغانيات إثر زيادة قيود "طالبان"

في أعقاب إعلان حركة طالبان منعها النساء من التعلم في الجامعات والمؤسسات التعليمية الخاصة في ٢٠ ديسمبر/كانون الأول الماضي، تداولت مصادر على الإنترنت صورة لشابة أفغانية تقف أمام مدخل جامعة كابل المحظورة عليها وتحمل لافتة كتبت عليها كلمة عربية واحدة هي "اقرأ"، أولى الكلمات التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على النبي محمد، في تحدٍ واضح لقرار الحركة، ولا سيما أن طلب العلم يعتبر فريضة على كل مسلم.

وكانت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية قد نقلت عن وزير التعليم العالي في حكومة طالبان ندا محمد نديم قوله أن الحكومة لن تتراجع عن قرارها بمنع تعليم الفتيات والنساء "حتى لو ألقوا علينا قنبلة ذرية".

وأخيرا، كانت الحركة قد أمرت النساء أيضًا بوقف العمل لمصلحة المنظمات غير الحكومية، في ما اعتبره المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في بيان له عقب انتشار الخبر خطوة "ستجبر المفوضية على الوقف المؤقت لبعض نشاطاتها المهمة التي تدعم من خلالها الشعب الأفغاني، وخاصة النساء والأطفال".

وكان مشهد شابات أفغانيات يرتدين الحجاب والنقاب ويلبسن السواد يقفن عند مدخل حرم جامعة كابل حيث ينتشر مقاتلون مسلحون من "طالبان" حراسا على باب الجامعة، مألوفا قبل صدور قرار الحركة بمنع التعليم العالي للنساء. لم يكن أمام تلك الشابات إلا الحضور يوما والتغيب يوما، أما في باقي أيام الأسبوع فلا يُسمح بالحضور إلى الجامعة إلا للشباب.

أدركت الأفغانيات الشابات أنه لم يعد في وسعهن اختيار الكلية التي يرغبن فيها عندما فتحت الجامعة أبوابها لاختبارات القبول في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بل أصبحن ممنوعات في بعض المناطق من دراسة الصحافة، فيما قيل لهن في مناطق أخرى إن دراسة الهندسة صارت من المحظورات عليهن. عن ذلك قالت ناشطة سياسية لـ"المجلة": "إنهم يريدون قَصْر مجالات تعليم المرأة على المهن الطبية والتعليم والشريعة الإسلامية". ثم تابعت: "إن السبب الكامن، في زعمهم، وراء تقييد النساء بدراسة العلوم الطبية، هو تمكينهن من علاج النساء بأنفسهن في المستشفيات والمستوصفات، ومن ناحية أخرى تنشئة الأطفال تنشئة إسلامية. هذا كل ما في الأمر. وهم بهذا لا يريدون للمرأة هنا أن تكون قادرة على أن تعمل في غير هذه المجالات".

يواكب ذلك وقف تعليم الفتيات عند الصف السادس الابتدائي في المدارس الحكومية منذ عودة "طالبان" إلى السلطة في أغسطس/آب ٢٠٢١، على الرغم من أن الطالبات المسجلات بالفعل في الجامعة قد سُمِحَ لهن بمواصلة تلقي العلم. وأمر مسؤولو "طالبان" بتخصيص مبانٍ للنساء، متعللين بأن الظروف غير مؤاتية للفتيات كي يدرسن في بيئة مناسبة لهن بعد بلوغ الثالثة عشرة من العمر.

أفضت الإجراءات هذه وغيرها إلى احتجاجات عدة ضد "طالبان" التي يواجه قادتها اتهامات بتقييد حريات النساء في عموم أفغانستان. وانتشرت صور ومقاطع مصورة أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي لنساء يتعرضن للضرب عند بوابات جامعة في إقليم بَدَخشان الواقع شمال شرقي البلاد.

أما في جامعة "خاتم النبيين" الإسلامية الخاصة في كابل، فشوهدت شابات متّشحات بالشادور وهن يُسرعنَ الخطى ذات صباح في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. كان ذلك المشهد أكثر شيوعا أن تراه في إيران المجاورة أو في غرب العراق من أن تراه في أفغانستان في عهد الرئيس أشرف غني الذي أطاحته "طالبان". وكانت جامعة "خاتم النبيين" تأسست في ٢٠٠٧ على يد رجل الدين الشيعي الأفغاني المعروف آية الله العظمى محمد آصف المحسني الذي جمعته علاقات وثيقة بالمؤسسة الدينية في إيران. ورأى كثيرون أن تلك الجامعة ما هي إلا وسيلة لنشر النفوذ الإيراني في أفغانستان. وفي العودة إلى عام ٢٠١٥ نجد أن إدارة الجامعة سمحت لكاتبة هذا المقال بالتحدث مع بعض طالباتها – وهذه ميزة لم تعد متاحة العام الحالي بعدما علمنا بخبر منع الصحافيين من الدخول إلى الحرم الجامعي.

وأدلى مسؤولون في الحكومة السابقة، ممن اختاروا البقاء في كابل بعد قيام إمارة أفغانستان الإسلامية، بتصريحات إلى "المجلة" أنه قالوا فيها أنهم يشعرون بالإحباط حيال التضاؤل المطرد في الفرص المتاحة لبناتهم. فمنهم من قال إنه دأب على إيفاد ابنته إلى مدرسة خاصة لا تزال مفتوحة الأبواب، فيما قال آخر إن ابنته باتت تكتفي حاليا بدروس عبر شبكة الإنترنت تقدمها معلمة تذهب إلى المدرسة يوميا وتصوّر نفسها بالصوت والصورة في أثناء الكتابة على السبورة، علما بأنه من غير المسموح لها بإدخال طالباتها إلى غرفة الدراسة معها.

وأفاد المسؤول السابق بأن الاتصال بالإنترنت أضحى محدودا وضعيفا في الغالب حتى في أحياء العاصمة، وكذلك الحال مع إمدادات الكهرباء – وهذا ما يجعل التعليم عبر الإنترنت خيارا غير ذي جدوى بالنسبة إلى كثيرات. وتحدثت "المجلة" مع أفراد يعملون في مجالات مختلفة، وهم جميعا لا يرون سببا مقنعا لمنع الفتيات من ارتياد المدارس بعد الصف السادس الابتدائي؛ بل إن كثرا منهم يرى أن ذلك القرار جزء من استراتيجية غير معلنة وطويلة الأمد من جانب "طالبان" لـ"تقييد ظهور" المرأة الأفغانية، ولجعلها منسيةً وعاطلة عن العمل بحجة افتقارها إلى المهارة والتعليم، وهذا يفضي إلى اعتماد النساء التام على أقاربهن من الرجال.

وقالت إحدى الناشطات لـ"المجلة" إنها عادت من كابل إلى مسقط رأسها في إقليم آخر خشية أن يكون مصير بعض أقاربها القتل. وكانت "طالبان" قد اغتالت شقيقها قبل سقوط كابل في أغسطس/آب ٢٠٢١، وهو ما عللت الناشطة به قلقها الشديد وخوفها العميق على حياة باقي أفراد أسرتها. وعلى الرغم من أن أباها رجل دين مسلم، فقد اضطر إلى نقل إقامة عائلته إلى قندهار عقب ميلاد ابنته هذه لأن تعليمها لم يكن ممكنا إلا في مدينة أكثر تقدما وانفتاحا حسب رأيه.

على كل حال، وصلت الناشطة إلى بيتها بأمان، فأفلتت بذلك من تعرضها للتوقيف على يد مجموعة كبيرة من مقاتلي "طالبان" بعدما سعت إلى التحدث مع بعض النسوة في حي ناءٍ أملاً في تمكينهن وسعيا إلى الوقوف على الكيفية المناسبة للمساعدة في التخفيف من معاناتهن. وبحكم ما عرفته الناشطة من التجربة التي مرت بها أسرتها، استقر في يقينها أن تعليم الفتيات لم يخل يوما من مشكلات وعراقيل، لا سيما في المناطق الريفية، حتى قبل مجيء "طالبان".

وعن ذلك قالت "كانت لدينا مدرسة ثانوية في عاصمة الإقليم ومدرسة ثانية في جهة أخرى منه". أما في المناطق التي وقعت تحت سطوة "طالبان" في التسعينات أو حتى في أغسطس/آب ٢٠٢١ فلم يكن فيها مدارس للفتيات.أضافت الناشطة "لم توجد أية جامعات للنساء في الإقليم، ولم يكن في وسع النساء الراغبات في الدراسة سوى الالتحاق بمعهد لتعلم توليد الاطفال في غضون أشهر قليلة". وتتطلع الناشطة إلى نيل درجة الماجستير في إدارة الأعمال، لكنها لا تجد لذلك فرصة في أفغانستان حاليا. وهي الآن عاطلة عن العمل بعدما فقدت وظيفتها إثر سيطرة "طالبان" على البلاد، فآثرت البقاء في المنزل معظم الوقت في جميع الأيام.

ثمة حالات مماثلة في شتى أنحاء البلاد مع اضطرار النساء إلى العودة إلى عزلة المنازل، وعن ذلك تقول إحدى الموظفات الحكوميات المتعلمات العاملات في أحد الأقاليم الواقعة جنوب شرقي العاصمة كابل: "معظم النساء عاطلات عن العمل منذ أكثر من عام"، علما بأن هذه الموظفة كانت واحدة من قلة قليلة سُمح لهن بالبقاء في وظائفهن، فهي تتلقى ما يشبه الأجر المنتظم على الرغم من حرمانها دخول مكتبها في المقر الحكومي. أضافت الموظفة: "في بداية العام المقبل... سيلغون كل الوظائف"، وهي بذلك ستصبح عاطلة عن العمل فلا تحصل على أي أجر، حتى لو كان زهيدا، كما أن الأمل منعدم في الحصول على وظيفة مستقبلية في القطاع العام.

امرأة أخرى تحدثت إلى "المجلة"، وهي من أقلية عرقية، قالت: "خشينا منهم (أي "طالبان") في بداية الأمر. لم نتمكن من توقع شيء، لكن الأمور أصبحت معتادة حاليا بشكل من الأشكال. مع ذلك، لا تزال وزارة نشر الفضيلة ومنع الرذيلة تبث الخوف فينا". وكانت هذه الوزارة قائمة إبان حكم "طالبان" السابق بين ١٩٩٦ و٢٠٠١، وقد وصفتها منظمة "هيومان رايتس ووتش" بأنها "رمز سيئ السمعة للانتهاكات التعسفية، لا سيما ضد النساء والفتيات". وكانت "طالبان" قد أقدمت عقب سيطرتها على مؤسسات الدولة منتصف صيف ٢٠٢١ على إلغاء وزارة شؤون المرأة ، التي كانت استُحدثت في عهد الرئيس غني، وسلمت المقر إلى وزارة نشر الفضيلة ومنع الرذيلة.

غير أن شابا يعمل في إدارة التعليم التابعة للإمارة نفى أن تكون ظروف الأفغانيات بمثل هذا السوء المتصور عنهن، إذ قال "آلت الأمور إلى الإمارة، وقد دأبنا على بناء مدارس، ونسعى إلى تمكين المرأة في بعض المجالات حتى نطمئن إلى حصولها على التعليم الأساسي"، مشيراً إلى أنه تحقق بنفسه في إحدى المقاطعات من انتظام الفتيات حتى سن الخامسة عشرة في التعليم. أضاف "لقد فعلنا الكثير، ونسعى إلى إتاحة التعليم للفتيات، لكن ليس لدينا الموارد ولا المتطلبات اللازمة لإجراء التعليم عبر الإنترنت". مع ذلك، ثمة انتكاسات أخرى من بينها عدم انتظام الاتصال بشبكة الإنترنت، فضلاً عن كثرة المشكلات المجتمعية التي تؤثر على التحاق الفتيات الأفغانيات بالتعليم. وقال "المشكلات لا تقتصر على هذا المكان، بل تشمل جميع أنحاء البلاد. لدينا تقاليد سيئة في شتى أنحاء الدولة – مثل مهور الزواج".

وتابع "زواج القاصرات والزواج القسري لا يزالان يحدثان في أنحاء أفغانستان" وهذا ما يؤثر تأثيرا بالغا في تعليم الفتيات، مضيفا "الحياة في القرى أفضل حالاً بكثير مما كانت عليه"، مؤكدا "أن "طالبان" توسعت في إتاحة التعليم للمجتمعات الريفية، ومكنت الفتيات فيها من الحق في التعليم الأساسي". لذا رأى "أنه ينبغي تمكين الفتيات [في سن المراهقة] من التعلم، فيما ترى قلة من الناس أن ذلك لا يجدي". وفي اعتقاد الشاب أن أصحاب الفكر التقليدي المعارضين لتعليم الفتيات هم قلة من الناس، سواء في المراكز الحضرية أو في التجمعات الريفية.وقال: "من جهة أخرى، لا ينحصر الرأي المؤيد لتعليم الفتيات في أوساط المتدينين فحسب، بل يمتد إلى سكان القرى النائية في الريف"، مشددا على أن بعض القرى اعتادت في الماضي عدم تعليم الفتيات بسبب النزاعات، "لكنها تغيرت حاليا". وتابع الشاب نقد سياسات العهد السابق على "طالبان" فقال: "توجد أماكن غاب عنها الاستثمار في تعليم الفتيات إبان حكم الجمهورية. بل إن بعض قادة "طالبان" البارزين انتقد قرارَ حرمان الفتيات من التعليم، سواء بالتلميح أو بالتصريح".

أفضت الإجراءات هذه وغيرها إلى احتجاجات عدة ضد "طالبان" التي يواجه قادتها اتهامات بتقييد حريات النساء في عموم أفغانستان

من جانب آخر، أشار نائب وزير الخارجية- الرئيس السابق للمكتب السياسي لـ"طالبان" في الدوحة، شير محمد عباس ستانيكزاي- إلى هذه الفكرة في حديث متلفز له بتاريخ ٢٥ سبتمبر/أيلول ٢٠٢٢، فقال: "التعليم إلزامي للذكور والإناث من دون تمييز. ولا يمكن لأي من علماء الدين الحاضرين هنا إنكار ذلك الإلزام. ولا يمكن لأي شخص أن يقدم تأصيلاً  مستندًا إلى الشريعة [الإسلامية] يعارض ذلك [أي حق المرأة في التعليم]".


أما المتحدث الرسمي لـ"طالبان"، ذبيح الله مجاهد، فقال أمام تجمع عالمي من علماء الشريعة في تركيا بتاريخ ١٧ أكتوبر/تشرين الأول "يتلقى الذكور تعليمهم من الصف الأول إلى الصف الثاني عشر، فيما تنتظم الإناث في الدراسة حتى الصف السادس؛ أما تعليمهن من الصف السابع إلى الصف الثاني عشر فمعلق في المدارس؛ ليس لأننا نرفض تعليمهن، بل لأننا عاكفون على إعداد المبادئ والمناهج والأماكن التعليمية ووسائل النقل اللازمة لذلك حرصا على ضمان سماح الأهالي لبناتهن بتلقي التعليم عن طمأنينة نفس منهم، مع مراعاة ضوابط الحجاب، وانضباط المحتوى الدراسي لأن المناهج التي وُضعت من قبل كانت من إعداد أميركا".


ولدى سؤال الناشطة عما إذا كانت "طالبان" ستفي بوعدها، أجابت أن السبيل الوحيد إلى ذلك هو ممارسة ضغوط دولية على حكام كابل الجدد، وإلا "فإنني أرى أن الفتيات في سن المراهقة لن تتوفر لهن فرصة التعلم في عهد القادة الحاليين". هكذا أنبأها حدسها.


ومع ورود تقارير موثوق بها عن فقدان أفغانٍ وظائفَهم وتعرضهم للمضايقات بسبب المجاهرة بمعارضة سياسات الإمارة الجديدة تجاه النساء والفتيات، تقرر التكتم على أسماء من أجريت معهم مقابلات لكتابة هذه المقالة، وذلك حرصا على أمنهم الشخصي واستجابةً لطلباتهم في هذا الشأن. 

font change