جولة زيلينسكي الاوروبية تؤكد ريادة الدعم البريطاني

جولة زيلينسكي الاوروبية تؤكد ريادة الدعم البريطاني

إذا كان لرئاسة بوريس جونسون للوزراء أن تدّعي إرثا دائما، فسيكون ذلك الدعم غير المحدود الذي قدمه لأوكرانيا في حربها مع روسيا. وهي حقيقة تبدّت بجلاء، عندما اختارالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لندن كمحطة أولى له في جولته في العواصم الأوروبية.

كان هدف زيلينسكي الرئيس من زيارته لأوروبا الضغط على القادة الأوروبيين لتزويد أوكرانيا بالطائرات الحربية التي تشتدّ حاجتها إليها من أجل تعزيز قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها في مواجهة هجوم روسي كبير قادم، يتوقع الخبراء العسكريون حدوثه في الأسابيع المقبلة.

يضاف الى ذلك ان اختيار زيلينسكي بريطانيا كمحطة أولى في جولته الأوروبية، إنما يشير بجلاء إلى تقديره للدور الرائد الذي لعبته المملكة المتحدة في التأكد من بقاء حلفائها الأوروبيين على العهد في دعمهم للقضية الأوكرانية.

على أن ذلك الدور الهام تشكّل في فترة رئاسة جونسون للحكومة البريطانية، وقد تبدّى ذلك كحقيقة جلية في استقبال الزعيم الأوكراني، بكل التشريفات الخاصّة بزيارة الدولة.

فبعد استقباله على السجادة الحمراء من قبل رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في داونينغ ستريت، انتقل الزعيم الأوكراني إلى قصر باكنغهام لمقابلة الملك تشارلز، قبل أن يلقي كلمة في مجلسي البرلمان في قاعة ويستمنستر.

ولكن بينما كان سوناك هو من وقف لأخذ الصور الرسمية مع الرئيس، فإن دور جونسون المحوري في إقامة مثل هذه العلاقات الوثيقة بين لندن وكييف كان واضحا عندما تعمّد زيلينسكي أن ينسب في خطابه بعض الفضل إلى رئيس الوزراء الأسبق، للدعم الذي أظهره حين استهلت روسيا غزوها، وذكره بالاسم.

وقال زيلينسكي "لقد وقفت لندن إلى جانب كييف منذ اليوم الأول، منذ الثواني والدقائق الأولى من الحرب الشاملة". أضاف مخاطبا بريطانيا العظمى "لقد مددْتِ يد العون لنا عندما لم يكن العالم قد استوعب ماذا عليه أن يفعل. وقد جمعت يا بوريس الآخرين عندما كان الأمر يبدو مستحيلا تماما، فشكرا جزيلا لك."

وتأتي الزيارة بينما تقوم المملكة المتحدة بتوسيع نطاق تدريب القوات الأوكرانية ليشمل ملاحي الطائرات المقاتلة ومشاة البحرية. كما أعلنت المملكة المتحدة أيضا عن جولة جديدة من العقوبات تستهدف روسيا، بما في ذلك شركات تكنولوجيا المعلومات وكذلك الشركات المُصنعة للمعدات العسكرية مثل الطائرات بدون طيار وأجزاء طائرات الهليكوبتر. إلى ذلك، أعلنت بريطانيا عن خطط لتدريب الطيارين الأوكرانيين على قيادة طائرات مقاتلة وفقًا لمعايير "الناتو" في المستقبل، وهو طلب رئيسي من أوكرانيا.

وبديهي أن قرار زيلينسكي زيارة بريطانيا قد أحرج قادة الاتحاد الأوروبي الذين كانوا يصرّون على أن يختار الرئيس الأوكراني الاتحاد الأوروبي في زيارته الخارجية الثانية بعد زيارة الولايات المتحدة نهاية العام الماضي. لكن زيلينسكي فضّل المملكة المتحدة، مؤكداً أهمية دورها منذ الغزو قبل عام.

وعندما سأل صحافيون في باريس مساعدي الرئيس إيمانويل ماكرون عما إذا كانت تلك الزيارة انقلابا دبلوماسيا لبريطانيا، أجابهم المسؤولون الفرنسوين: "إنه لأمر جيد جدا أن يذهب [زيلينسكي] إلى المملكة المتحدة"، مذكّرين أن الرئيس الفرنسي تحدث إلى زيلينسكي الأسبوع الماضي فقط. "لقد استقبلنا للتو وزير الدفاع الأوكراني، أوليكسي ريزنيكوف، للحديث عن دعمنا بالمعدات لأوكرانيا. وهكذا فكل الأمور إيجابية."

من ثمّ، ذهب زيلينسكي لإلقاء كلمة أمام زعماء الدول الـ 27 المتبقية في الاتحاد الأوروبي في قمة بروكسل، ثالث عاصمة أوروبية زارها، بعد توقّفه في باريس في ختام رحلته إلى لندن.

وبعد الانقسامات التي أحدثها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، على الصعيدين المحلي والأوروبي، وفوضى استقالة ثلاثة رؤساء وزراء في وقت قصير، والاضطراب الهائل في الاقتصاد، خلقت زيارة زيلينسكي فرصة مشجعة للمملكة المتحدة لتظهر مكانتها المتقدمة في الشؤون العالمية ولتدلّل على أن خروجها من الاتحاد الأوروبي لم يدفعها إلى الصفوف الخلفية على الخريطة العالمية كما كان متوقعا.

بعد الانقسامات التي أحدثها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، على الصعيدين المحلي والأوروبي، وفوضى استقالة ثلاثة رؤساء وزراء في وقت قصير، والاضطراب الهائل في الاقتصاد، خلقت زيارة زيلينسكي فرصة مشجعة للمملكة المتحدة لتظهر مكانتها المتقدمة في الشؤون العالمية ولتدلّل على أن خروجها من الاتحاد الأوروبي لم يدفعها إلى الصفوف الخلفية على الخريطة العالمية كما كان متوقعا

كان الحماس الذي استُقبل به زيلينسكي في قاعة ويستمنستر من قبل سياسيين من جميع الأحزاب، أصيل تماما، فضلاً عن كونه انتصارا شخصيا لجونسون الذي لم تنته طموحاته السياسية الخاصة، التي ألمح إليها جونسون عندما بدا أنه ينتقد سوناك لعدم موافقته على الفور على طلب زيلينسكي من أوروبا دعم الجيش الأوكراني بطائرات حربية حديثة.

وثمّة سبب آخر لاختيار زيلينسكي بريطانيا كأول وجهة أوروبية له، وهو أن حكومة سوناك لعبت دورا رئيسا في المساعدة في إقناع كل من الولايات المتحدة وأوروبا بإرسال دبابات قتالية إلى أوكرانيا.

بعد أن كسب زيلينسكي الجدل حول الدبابات، يريد الآن من الحلفاء الغربيين توفير طائرات حربية، وهي خطوة تمثل زيادة كبيرة في المطالب العسكرية لكييف، وقد يكون تحقيق هذا الطلب أصعب من تحقيق طلب الدبابات.

تتمثل إحدى العقبات الرئيسة التي تحول دون إرسال الطائرات الحربية الغربية إلى أوكرانيا في أنها تستغرق فترة زمنية طويلة لتدريب الطيارين على التحليق بها: فعلى سبيل المثال ، يستغرق الأمر في المتوسط ثلاث سنوات لتدريب طيار مقاتل تابع لسلاح الجو الملكي على قيادة طائرة "تايفون يوروفايتر" Typhoon Eurofighter.

صحيح أن طياري المقاتلات الأوكرانيين أبدو مهارة هائلة في الدفاع عن بلادهم ضدّ العدوان الروسي، إلا أن الأمر يستغرق بعض الوقت قبل أن يكونوا مستعدين للسيطرة على الطائرات الحربية الغربية، سواء كانت طائرات يوروفايتر أو طائرات إف -16 الأميركية.

وفوق ذلك، يشعر القادة الغربيون – بمن فيهم الرئيس الأمريكي جو بايدن – بالقلق من أن إرسال طائراتهم الحربية يمكن أن يؤدي إلى تصعيد خطير في الصراع إذا قرر بوتين أن الناتو أصبح متورّطا بعمق في أوكرانيا، وقرر توسيع "عمليته العسكرية الخاصة" لتشمل الدول الأعضاء في الناتو.

وبالتالي، فإن الجدل حول تسليح أوكرانيا بطائرات حربية غربية هو أكثر تعقيدا بكثير من الجدل حول إرسال الدبابات، وهو النقاش الذي سيجد جونسون نفسه صعوبة في تأييده في صالح كييف.

 

font change