الولايات المتحدة تفشل في حماية قواتها في سوريا 

 الولايات المتحدة تفشل في حماية قواتها في سوريا 

شهد العامان الماضيان ارتفاعا كبيرا في عدد الهجمات الموجّهة ضدّ القوات الاميركية في سوريا، ولا يزال هذا الحال مستمرّا في الأسابيع الأولى من 2023. وتعرضت قاعدتان عسكريتان اميركيتان أكثر من مرّة مرات في سوريا في الشهور الماضية، ما يشير إلى أن استهداف الجنود الاميركيين ليس في طريقه للتلاشي.

وعلى عكس الهجمات السابقة التي لم يُعلن تبنيها حتى الآن، أعلن "تشكيل الوارثين"، وهو خلية عراقية يديرها الحرس الثوري الإيراني، مسؤوليته عن الهجوم الأخير ضدّ القوات الاميركية في التنف في 20 يناير/كانون الثاني الماضي. وإن كان ثمّة ما تثبته هذه التطوّرات الأخيرة فهو أن تواني الولايات المتحدة في الرد على الميليشيات المدعومة من إيران لن يؤدي إلا إلى مزيد من العدوان.

تشير التقديرات العسكرية إلى أن الولايات المتحدة تحتفظ بنحو 900 جندي في سوريا. وتركّز هذه القوات في معظمها على دعم قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الكرد لمواصلة الضغط على فلول "داعش" ومنعها من استعادة الأراضي.

ومع ذلك، فإن القوات الاميركية لا تتمركز كلّها داخل المنطقة التي يسيطر عليها الكرد، إذ تحتفظ واشنطن بوجود عسكري كبير نسبيا في منطقة التنف، التي تقع على طريق استراتيجي يربط طهران بلبنان عبر العراق وسوريا. وتعتبر القاعدة الاميركية هناك على نطاق واسع جزءا من الاستراتيجية الاميركية الأوسع لاحتواء النفوذ العسكري الإيراني في المنطقة.

وتقول التقارير إن أكثر من 230 قذيفة أُطلِقت في العامين الماضيين، اي منذ تولي الرئيس جو بايدن منصبه،، بما في ذلك 170 صاروخا و 60 طائرة بدون طيار، في 79 هجوما على مواقع تستخدمها القوات الاميركية أو المتعاقدين في العراق وسوريا، أي بمعدل أكثر من هجوم واحد في المتوسط، وهو معدل غير مسبوق في تاريخ العمليات الاميركية في سوريا.

معظم هذه العمليات وقعت ضدّ مواقع اميركية في دير الزور حيث تتمركز العمليات العسكرية للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية. بينما جاءت قاعدة التنف في المرتبة الثانية، على الرغم من أهميتها بالنسبة لإيران. والسبب في ذلك أن استهداف المواقع الاميركية في الشمال الشرقي أسهل، بينما يسمح موقع التنف في صحراء البادية السورية، وهي مناطق سهلية وغير مأهولة بالسكان، للولايات المتحدة تحديد مواقع أي مهاجمين على الأرض والقضاء عليهم بسهولة.

للتغلب على هذه العقبة العملياتية، لجأ المعتدون المعادون لاميركا إلى استخدام أنظمة جوية بدون طيار، الأمر الذي يتطلب المزيد من الخبرة الفنية. وجدير بالانتباه أن الطائرات المسيرة المستخدمة في هذه الهجمات في سوريا تشبه تلك المستخدمة ضد القواعد الجوية الاميركية في العراق، ما يؤكّد احتمال أن تكون الميليشيات المدعومة من إيران وراء غارات الطائرات بدون طيار في كلا البلدين، بما في ذلك تلك التي لم يعلن أحد تبنيها بعد.

يُشتبه في ارتباط هجمات على القواعد الاميركية في سوريا بالمفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، إذ ثمّة من يعتقد أن الهجمات استُخدمت استراتيجيا للتأثير على المفاوضات، بينما يعتقد آخرون أن الهجمات دبرها متشددون لإفساد المحادثات تماما

ويبدو أن طرد القوات الاميركية من سوريا هو الهدف المشترك لهذه الهجمات، ولكن الدوافع ربما لا تكون واحدة. على سبيل المثال، يسود اعتقاد بأن الدافع وراء هجوم 4 يناير/كانون الثاني هو رغبة الفصائل المدعومة من إيران في إحياء الذكرى الثالثة لمقتل قاسم سليماني، الذي قُتل في غارة جوية اميركية في يناير/كانون الثاني 2020.

ويُشتبه في ارتباط هجمات أخرى بالمفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، إذ ثمّة من يعتقد أن الهجمات استُخدمت استراتيجيا للتأثير على المفاوضات، بينما يعتقد آخرون أن الهجمات دبرها متشددون لإفساد المحادثات تماما.

في غضون ذلك، قال مسؤولون اميركيون وإسرائيليون إن الجماعات المدعومة من إيران في سوريا لا تقوم بهجماتها رداً على الضربات الجوية الاميركية فحسب، بل ردا على الضربات الجوية الإسرائيلية أيضا. والجدير بالذكر أن تقريرا لصحيفة "نيويورك تايم"ز في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 حدّد هجوما مسلحا بطائرة بدون طيار ضدّ التنف باعتباره أول عملية ثأر إيرانية ضدّ الولايات المتحدة ردّا على هجوم كانت إسرائيل قد قامت به.

لكن هذه المحفزات ليست جديدة ولا يمكنها أن تفسّر منفردةً الدافع وراء الزيادة الأخيرة في الهجمات ضدّ القوات الاميركية. وبالتالي، يمكن أن يؤدي بحثنا عن أجوبة أخرى إلى أن نرى ذلك في السياسة الخارجية الاميركية في ظل إدارة بايدن. لقد شجّعت قرارات البيت الأبيض بالانسحاب من أفغانستان وإنهاء المهمة القتالية الاميركية في العراق الميليشيات المدعومة من إيران على اختبار حدود واشنطن في كل من سوريا والعراق.

والأهم من ذلك أن الولايات المتحدة امتنعت عن الانتقام بقوة من المتورطين في الهجمات على قواعدها، وهي لم تقم حتى الساعة بأكثر من ثلاث جولات فقط من الضربات الجوية الانتقامية على الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا. واقتصرت هذه الأعمال الانتقامية، فوق ذلك، على استهداف البنية التحتية التابعة للجماعات المدعومة من إيران بدلاً من تحديد ومعاقبة الجماعات المسؤولة مباشرة.

وأوضحت واشنطن أن الهدف من نهجها الناعم هو الحد من مخاطر التصعيد مع إيران وتقليل مخاطر وقوع إصابات. وقد فشلت إدارة بايدن بسبب إصرارها على رؤية ما تريده فقط في إدراك أن استراتيجيتها المتساهلة زادت من المخاطر التي يواجهها الجنود الاميركيون في سوريا.

 حايد حايد كاتب سوري وزميل أبحاث استشاري في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في" تشاثام هاوس".


 

font change