حتى الزلازل عاجزة عن إثارة تعاطف الاسد

حتى الزلازل عاجزة عن إثارة تعاطف الاسد

يُعتبر الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في 6 فبراير/ شباط الاكبر في تاريخ المنطقة منذ عقود، حيث شعر به سكان في كل من لبنان والأراضي الفلسطينية واليونان وقبرص وأرمينيا وجورجيا والعراق وبعض المناطق في مصر. وتشير التقارير إلى وفاة أكثر من اربعين ألف شخص في تركيا وما يقارب ٦٤٠٠ آخرين في سوريا، بالإضافة إلى تضرر أكثر من ٨ ملايين.

وعلى خلاف الأعراف عقب أزمات بهذا الحجم، لم يقم النظام السوري (ممثلاً برئيسه او حكومته) بمواساة الشعب على أرواح الضحايا لمدة قاربت الأسبوعين. ركّز النظام في تلك الفترة جهوده على استغلال المأساة للضغط باتجاه رفع العقوبات، وفك عزلته السياسية، بالإضافة إلى طلب المزيد من المساعدات. حتى عندما خاطب الشعب السوري تحت ضغط التساؤلات عن غيابه، امتنع الأسد عن إعلان الحداد الرسمي، كما ركز في كلمته المتلفزة على "ضحاياه وجرحاه" متجاهلاً ادلب وسكانها.

من الملفت للنظر أن تعاطي السلطات التركية مع ضحايا الزلزال في بلدهم كان مختلفا تماما. حيث أصدرت الحكومة في الساعات الأولى التي تلت الزلزال بيان عاجل أعلنت فيه الحداد الوطني لمدة أسبوع. وعلى الرغم من أن عدد الضحايا في تركيا أكبر عن مثيله في سوريا، لكن من غير المرجح على الإطلاق ان يكون هذا هو السبب وراء احجام النظام السوري عن اعلان الحداد. ذلك ان ممارسة هذا الطقس مرتبطة عادة بهول المصيبة لا بعدد ضحاياها. فعلى سبيل المثال، قامت الحكومة اللبنانية بإعلان الحداد الوطني على ضحايا انفجار بيروت الذي وقع في أغسطس/ آب ٢٠٢٠ والذي أسفر عن مقتل ما يقارب ٢٢٠ شخص. كما قامت الحكومة العراقية بإعلان الحداد ثلاثة أيام على ضحايا العبارة التي غرقت في مدينة الموصل في شهر مارس/ آذار ٢٠١٩ والتي أدت إلى غرق 118 شخص.

الحداد الوطني هو بطبيعته فعل معنوي لإشعار الضحايا وأهاليهم بتضامن الحكومة معهم وتعاطفها مع مصيبتهم. غير أن هذا السلوك الأخلاقي البسيط يتطلب ان تشعر الحكومة أو الحاكم بمسؤولية تجاه مواطنيه، وهو ما يتناقض مع الأنظمة لتي تنظر لرعاياها على انهم اتباع. لذلك من غير المفاجئ عدم قيام النظام السوري بإعلان الحداد العام للتعاطف مع مواطنيه على مدى حكمه الطويل، حيث انه ينظر لهم كحاشية مفروض عليها أن تطيع الأوامر وتعلن امتنانها للعطايا. من الملفت للنظر أن غالبية المناسبات التي دفعت النظام السوري لإعلان الحداد كانت مرتبطة بأحداث سياسية خارجية. فيما ارتبطت باقي مناسبات الحداد العام بوفاة أحد أفراد العائلة الاسدية الحاكمة، وعلى رأسها وفاة الرئيس حافظ الأسد (٢٠٠٠) وأبنه باسل الأسد الذي كان يجري تأهيله لخلافة والده (١٩٩٤). أي ان النظام الاسدي لا يشعر بالمسؤولية إلا نحو نفسه أو تجاه دول أخرى (مع العلم أن الأخير يكون عادة مدفوعاً بمصالح اقتصادية أو سياسية).

من غير المفاجئ عدم قيام النظام السوري بإعلان الحداد العام للتعاطف مع مواطنيه على مدى حكمه الطويل، حيث انه ينظر لهم كحاشية مفروض عليها أن تطيع الأوامر وتعلن امتنانها للعطايا

عقلية الطاعة او العصا هي ما دفع النظام السوري لاستخدام العنف المفرط ضد مواطنيه طوال السنوات الماضية، حيث لا يُسمح للاتباع بطلب الحرية او التغيير. تساعد هذه الذهنية أيضاً في تفسير طريقة تعاطي النظام السوري مع كارثة الزلزال ومحاولته استغلالها لتحقيق مصالحه. حيث سعى الأسد منذ اللحظات الأولى لوقوع الزلزال إلى استغلال هذه المأساة للضغط على المجتمع الدولي لرفع العقوبات المفروضة عليه. على عكس العقوبات الاقتصادية التي لا تمنع المساعدات من دخول مناطق سيطرة الحكومة السورية، فإن النظام السوري حاول جاهداً، على مدى العقود الماضية، إيقاف او الحد من وصول المساعدات إلى مناطق المعارضة بهدف تعزيز احتكاره للمساعدات وتعزيز شرعيته على الساحة الدولية. 


عدم تعاطف الأسد مع ضحايا الزلزال كان أيضا واضحاً في امتناع الأسد عن زيارة المناطق المنكوبة لمدة ٤ أيام. حتى عندما ظهر بشار في حلب، تحت ضغط تسليط الاعلام الغربي ووسائل التواصل الاجتماعي على غيابه، كان يضحك مما أثار غضب الضحايا الذين شاهدوا صور تغطية الحدث. عدم إحساس النظام بالمسؤولية تجاه الضحايا تجلى كذلك في استمرار انتهاكاته بحق المدنيين، حيث قام الجيش بقصف بلدة مارع المتضررة في شمال حلب وأرسل دبابات إلى السويداء بالساعات التي تلت الكارثة.


خطاب الأسد المتلفز كان فرصته الأخيرة لإظهار شعوره بالمسؤولية تجاها ضحايا الزلزال، لكنه لم يكن معني بذلك الأمر. حيث انصب تركيزه على ضرورة حماية الوطن بغض النظر عن حجم التحدي او الإمكانيات، وشكر الدول التي أرسلت مساعدات إلى الحكومة. "رحم الله فقداءَنا، وشفى جرحانا". بهذه الكلمات التي ذيلت خطابه، توجه الأسد للمتضررين بالزلزال بشكل مقتضب وغير شخصي. 


تسييس النظام للزلزال وتعاطيه معه بشكل خالي من التعاطف هو أحد الأمثلة التي لا تنتهي عن الأسباب التي  دفعت السوريين للتظاهر في ٢٠١١ وما زالت تمنع الملايين من العودة إلى مناطقه بالرغم من كل الألم والصعوبات التي يعانون منها في الداخل السوري او خارجه. 


 

font change