الاسد شريك ايران لا حليفها 

الاسد شريك ايران لا حليفها 

لم تكن سوريا يوما خارج الحضن العربي، ولم يكن نظام الاسدين مبال بهذا الحضن، فحتى في اكثر اللحظات التي بدا فيها ان ثمة انسجاما بين نظامي الاسد والمحيط العربي، كان الامر لا يعدو على ابتزاز ما يقوم به احد الاسدين ليحصل على مقابل لاتقاء شره.

سياسة الابتزاز تلك لطالما اشتهر بها نظاما الاب والابن. أثناء الحرب اللبنانية، على سبيل المثال، كان حافظ الاسد يستخدم موضوع الرهائن من ضمن اساليب اخرى ليجبر العالم على التواصل معه والتفاوض من خلاله. مجموعة تابعة للنظام السوري او على تنسيق معه، تختطف ديبلوماسيين وصحافيين غربيين يعملون في لبنان خلال الحرب اللبنانية، ليبدأ بعدها التواصل مع الاسد لاطلاق سراحهم. والامر لم يكن محصورا بقضية الرهائن، فالقضايا المتعلقة ب"الارهاب" التي ساوم عليها الاسد الاب كثيرة لعل اشهرها قضية كارلوس.

لم تتغير كثيرا سياسة الاسد الابن في هذا الجانب. فقد ساوم على اعادة التطبيع معه بعد ان كانت دول كثيرة قطعت علاقاتها الديبلوماسية مع دمشق بسبب الاغتيالات والتفجيرات في لبنان، وارسال الارهابيين الى العراق. اعيدت العلاقات مع الاسد الابن شرط وقف عمليات القتل والارهاب ولكنه لم يلتزم بتعهداته لوقت طويل.

لم يكن الأسد الابن يوما مجرد حليف لإيران يمكن أن يبدل ولاءه أو يستدير باتجاه آخر. لقد انخرط منذ الأيام الأولى لحكمه في المشروع الإيراني الطامح للسيطرة على منطقة المشرق العربي وتشكيل منطقة نفوذ جيوسياسي إيرانية تمتد من إيران وتشمل العراق وسوريا ولبنان والاردن وفلسطين. وهذا المشروع الذي يعتبر تدميرا لشبكة الأمن القومي العربي وخرقا كبيرا في توازنات المنطقة، لم يكن بمقدور إيران تحقيقه لو لم تجد شريكا لها في رؤيتها العدائية تجاه دول المنطقة العربية.

لم يكن الأسد الابن يوما مجرد حليف لإيران يمكن أن يبدل ولاءه أو يستدير باتجاه آخر. لقد انخرط منذ الأيام الأولى لحكمه في المشروع الإيراني الطامح للسيطرة على منطقة المشرق العربي وتشكيل منطقة نفوذ جيوسياسي إيرانية

لقد مثل اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي ادانت المحكمة الدولية الخاصة عناصر من "حزب الله" بارتكابه، عملية اغتيال تتجاوز في دلالاتها الاستراتيجية مجرد اغتيال رجل دولة من الطراز الرفيع كرفيق الحريري، لقد كانت أشبه بهجوم صاعق ومباشر على المشروع العربي في إعادة ترتيب التوازنات في منطقة الشرق العربي ولا سيما بعد احتلال بغداد واندفاع المشروع الايراني بقوة محمولا عبر قوة طائفية عراقية وضعت ولاءها الطائفي قبل الولاء الوطني والقومي.


 وهنا تلاقت مصلحة بشار مع إيران، فمصلحة بشار باعتباره يمثل حكم مجموعة أقلية طائفية، أن يبقى العرب السنة في العراق وسوريا ولبنان من دون حوامل موضوعية تتيح لهم لعب دورهم التاريخي  كفاعل أساسي في سياسة المنطقة وتوجيه مستقبلها، ولذلك مثلت لحظة اغتيال الحريري، إعادة خلط للأوراق في المنطقة لتستطيع إيران بعدها بعام واحد أن تقوم بأكبر عملية تهجير للعرب السنة في العراق وهي العملية التي أعقبت تفجير مقام العسكريين في سامراء في فبراير/ شباط 2006 لتكون مبررا لعملية التهجير التي قامت بها ميليشيات طائفية عراقية تتبع لإيران.

وهي الميليشيات ذاتها التي جاءت إلى سوريا لاحقا بعد عام 2011 واستكملت عملية تهجير اكثر من 10 ملايين عربي سني من سورية في إطار مشروع إعادة الهندسة الديموغرافية لمنطقة المشرق العربي، وهو نفس المشروع الذي يعتبر بشار الأسد شريكا فيه وصاحب مصلحة وليس مجرد حليف لإيران في ظروف طارئة كما يريد البعض أن يوهم نفسه به.


وضلوع الأسد الابن باغتيال الحريري أمر بات معلوما للجميع وقد تحدثت عنه وزيرة الدفاع الفرنسية السابقة ميشال اليو -ماري في برنامج بثته قناة "العربية" وأشارت فيه لحجم الضغوط التي مورست على لجنة التحقيق الدولية لإزالة اسم بشار من قائمة المتهمين بالاغتيال.


اذكر هذه الامور اليوم لان الاسد يبدو انه قد عاد بقوة لاتباع سياسة الابتزاز والمساومة التي يتقنها، هذه المرة وجد في شحنات الكبتاغون والاسلحة كما في موضوع اللاجئين مواد جديدة للمساومة، وجاء الزلزال ليعطي اندفاعة مصطنعة لهذا المسار، مسار قد يصح فيه مقولة "وداوها باللتي كانت هي الداء"، مع ان التجارب الكثيرة اثبتت ان هذا الداء لا دواء له سوى البتر.


المشهد قبل ايام في دمشق لوفد مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي واللقاء مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، اريد له ان يكون مشهدا فولكلوريا وصادما، ولكن نظرة عن قرب للوفد سنلاحظ انه لم يضم اي جديد سوى المسؤول المصري رئيس مجلس النواب الدكتور حنفي الجبالياما باقي اعضاء وفد البرلمانيين العرب فجميعهم أتى من دول سبق وطبعت علاقاتها مع الاسد او لم تقطعها اساسا.


وما هي الا ساعات بعيد هذه الاندفاعة نحو الاسد حتى جاء تصويت مجلس النواب الاميركي بأغلبية أعضائه على قانون جديد يدين بأغلبية "ساحقة" نظام بشار الأسد، ويعارض رفع العقوبات عنه، وتسليمه المساعدات الأممية الخاصة بالاستجابة للزلزال.


وفي ما يتعلق بالقول ان الاسد قد ضاق ذرعا بالهيمنة الايرانية على سوريا، فصورته في حلب وكلامه لقائد احدى المليشيات الشيعية التابعة لايران هناك كاف لتكذيب هكذا ادعاء، اضافة الى تجارب سابقة اثبت خلالها الاسد مرارا انه ليس فقط مدين لايران وروسيا ببقائه وانما هو سعيد بوجوده ضمن مشروع ايران في المنطقة. 


وتبقى نقطتان اساسيتان لابد من التوقف عندهما عند الحديث عن امكانية تعويم نظام الاسد، الاولى هي الموقف الاميركي الرافض حتى اللحظة لمنح نظام الاسد اي حكم بالبراءة بعد كل ما ارتكبه من جرائم، وخصوصا في لحظة حاسمة من لحظات الصراع الاميركي الروسي، في اوكرانيا  الذي يؤكد ان الولايات المتحدة ليست بصدد اعطاء روسيا نصرا مجانيا في سوريا.


اما النقطة الثانية والاهم فهي ان حجم الجرائم التي ارتكبها الاسد بحق السوريين  وليس اخرها ما كشفه تقرير لجنة التحقيق باستخدام الكيماوي، لا يمكن ان يتم التغاضي عنها، لا اخلاقيا ولا سياسيا، ولا يمكن ان تتحقق مصالحة سورية- سورية دون تحقيق العدالة، وها نحن نشاهد يوميا سوريون يختارون المخاطرة بالموت غرقا على العودة الى اغلال هذا النظام.
 
 

font change