آذار بين الجريمة والافلات من العقاب

آذار بين الجريمة والافلات من العقاب

يحمل شهر مارس/ آذار الكثير من الاحداث في جعبته، وان كان انطلاق الثورة السورية ضد نظام بشار الاسد ابرزها، الا انه ليس الحدث الوحيد المرتبط بذاكرة هذه المنطقة.

في 8 مارس / آذار 1963 انقلب حزب البعث على السلطة في سوريا، واطلقوا على انقلابهم الذي غير وجه سوريا زورا اسم "ثورة".

في 16 مارس / آذار 1977 اغتيل الزعيم اللبناني كمال جنبلاط، اغتاله نظام حافظ الاسد يومها.

في 17 مارس / آذار 1981 اقتحم مسلحون ارسلهم نظام حافظ الاسد منزل القيادي السوري المعارض عصام العطار في مدينة آخن الالمانية وقتلوا زوجته بنان علي الطنطاوي.

في 14 مارس/ آذار 2005 انتفض اللبنانيون ضد الوجود السوري في لبنان، نزل مئات الالاف منهم الى ساحة الشهداء في بيروت مطالبين بصوت واحد بخروج النظام السوري من بلدهم بعدما اغتال نظام بشار الاسد رئيس مجلس الوزراء اللبناني رفيق الحريري قبل هذا التاريخ بشهر واحد.

في مارس / آذار من العام 2018 وحده ارتكب نظام الاسد ما لا يقل عن 39 مجزرة في الغوطة الشرقية فقط.

في مارس / آذار من العام 2011 خرج السوريون، كسروا حاجز الخوف الذي استمر قابعا على صدورهم لسنوات طويلة. خرجوا صارخين مطالبين بحريتهم وانسايتهم. رقصوا وغنوا. وما كان من نظام الاسد ومنذ اليوم الاول لخروجهم الا ان مارس السياسة الوحيدة التي يتقنها، القتل، فسقط اول شهيدين من شهداء الثورة في مظاهرة درعا في الثامن عشر من مارس / آذار 2011. الشهيدان محمود الجوابرة وحسام عياش. لم يكنا مسلحين ولا ارهابيين، كانا شابين يحلمان بغد افضل، بقليل من الحرية وكثير من الكرامة، اطلقت قوات الامن التابعة لنظام الاسد النار عليهما وارتقيا كأول شهيدين من شهداء الثورة، واليوم وصل رقم الشهداء من المدنيين الذين قتلهم نظام بشار الاسد وحليفيه الروسي والايراني الى اكثر من 400 الف اسم موثق، والعدد الحقيقي اكبر بكثير.

اما مارس / آذار 2023 فها هو يحمل معه ملامح تطبيع مع نظام الاسد، ودعوات من دول عدة لاعادته الى جامعة الدول العربية، والمبرر لهذه الدعوات هو إبعاد الاسد عن ايران ومحاولة تعريبه، علما ان قرار تعليق عضوية النظام السوري في جامعة الدول العربية والذي اتخذ في 12 تشرين الثاني / نوفمبر من العام 2011 لم يكن بسبب شراكة الاسد مع ايران ومنحها الكلمة الفصل في سوريا، بل كان بسبب عدم التزام نظام الاسد ببنود المبادرة العربية التي كان يرغب العرب من خلالها بحل الازمة السورية التي بدأت مع اول رصاصة اطلقها نظام الاسد على المتظاهرين.

وجاء نص القرار على الشكل التالي "تعليق مشاركة وفد حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس الجامعة العربية وجميع المنظمات والاجهزة التابعة لها اعتبارا من 16 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري الى حين قيامها بالتنفيذ الكامل لتعهداتها التي وافقت عليها بموجب خطة العمل العربية لحل الازمة السورية التي اعتمدها المجلس الوزاري للجامعة في الثاني من الشهر الجاري".

ان قرار تعليق عضوية النظام السوري في جامعة الدول العربية والذي اتخذ في 12 تشرين الثاني / نوفمبر من العام 2011 لم يكن بسبب شراكة الاسد مع ايران ومنحها الكلمة الفصل في سوريا، بل كان بسبب عدم التزام نظام الاسد ببنود المبادرة العربية التي كان يرغب العرب من خلالها بحل الازمة السورية التي بدأت مع اول رصاصة اطلقها نظام الاسد على المتظاهرين

ونصت خطة العمل العربية يومها على 13 بندا، ابرزها دعوة الحكومة السورية إلى الوقف الفوري لكل أعمال العنف ضد المدنيين وسحب كل المظاهر العسكرية من المدن حقناً لدماء السوريين وتفادياً لسقوط المزيد من الضحايا، وتعويض المتضررين، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين أو المتهمين بتهم المشاركة في الاحتجاجات الأخيرة. يومها كان عدد ضحايا النظام أقل من ألفي شهيد، واليوم بات مئات الاف.


ومن بنود المبادرة ايضا فصل الجيش عن الحياة السياسية والمدنية. وإجراء انتخابات رئاسية تعددية مفتوحة للمرشحين كافة الذين تنطبق عليهم شروط الترشيح في عام 2014، موعد نهاية الولاية الحالية للرئيس.
كما نصت في بندها الرابع على إصدار إعلان مبادئ واضحة ومحددة من قبل الاسد يحدد فيه ما تضمنته خطاباته من خطوات إصلاحية، ويؤكد التزامه بالانتقال إلى نظام حكم تعددي وأن يستخدم صلاحياته الموسعة الحالية كي يعجل بعملية الإصلاح.


اضافة الى بدء حوار مفتوح بين الاسد والمعارضة على أساس رؤية برنامجية واضحة للتحول من النظام القديم إلى نظام ديمقراطي تعددي بديل.  وتقترح الخطة أن يكون هذا الحوار، الذي يجري بتيسير ودعم الرئيس ومعه، مفتوحا لكل القوى والشخصيات الراغبة في الانضمام إليه بصرف النظر عن الهيئة التي تنتمي إليها أو الحزب الذي تمثله وفق الأسس التي يتطلبها الحوار.


وتضيف الخطة أن الحوار يكون على أساس المصالحة الوطنية العليا السورية بالانتقال الآمن إلى مرحلة جديدة وفق ثوابت الوحدة الوطنية: لا للعنف، لا للطائفية، لا للتدخل الأجنبي.


وتقترح المبادرة العربية أن تلعب الجامعة بدعوة من الرئيس دورا ميسرا للحوار ومحفزا له وفق آلية يتم التوافق عليها. كذلك تدعو إلى اتفاق على برنامج زمني محدد لتنفيذ هذه المبادرة، وتشكيل آلية متابعة.


واليوم بعد مرور اكثر من 11 عاما على الخطة وعلى تعليق مشاركة نظام الاسد بالجامعة العربية، والتي لم ينفذ اي من بنودها بل على العكس تماما، فبدل الجيش السوري صار هناك عشرات الميليشيات الايرانية والروسية في الشوارع، وبدل مئات القتلى صار هناك مئات الالاف، وملايين المهجرين ومئات الاف المعتقلين، وان كان البعض يقول ان السياسة تتبدل مع تبدل الظروف، وان ما كان مطلوبا في تشرين الثاني / نوفمبر 2011 لم يعد ممكنا اليوم، وان عودة بشار الى الجامعة ستكون لسبب لا علاقة له بسبب اخراجه منها، وان كان بعض ما يقوله هذا البعض واقعيا، الا ان ثمة سياسة واحدة لم يفرض عليها احد اي تغير وهي سياسة القتل التي يتبعها نظام الاسد الابن كما فعل قبله الاب.

هي استراتيجية القتل والافلات من العقاب، من اغتيال كمال جنبلاط ورينيه معوض ورفيق الحريري وغيرهم في لبنان، الى اغتيال مئات الاف السوريين في زمن الثورة، وما بينهما من مجازر ارتكبها النظام السوري في البلدين وأبعد.
 

font change