حصن خيبر... وترميم كنز أثري

موقع دفاعي

يهمنا أن نشير إلى أن للبحث أهمية كبرى، فلم تعد في العالم اليوم مناطق مجهولة، فما إن يكتشف الانسان موقعا أثريا جديدا، حتى يتسابق عليه الباحثون والمنقبون والآثاريون بهدف الاستنباط وقراءة ما بين الأحجار. هذا كله يساهم في تحسين مستوى الدراسات البحثية، بالإضافة إلى إبراز مهارات جديدة، فما بالنا بمدينة أثرية كاملة مع حصن وسوق وواحات حولها.

من يرى مرحب أو خيبر، هذا الحصن المنيع والقوي، فوق جبل صغير أو تل كبير، في محافظة خيبر بالمملكة، يجده موقعا دفاعيا ضخما يبلغ من العمر قرابة الألفي سنة، في منطقة تاريخية تعود إلى ثلاثة آلاف سنة، وهي الساكنة وسط الخضرة والتربة الصحية لزراعة الفواكه والحبوب، بالقرب من مدينة خيبر القديمة بحجارتها السوداء البركانية التي تغطيها كلها.

يبقى ترميم المكان الهائل إنقاذا لتراث تليد، وما نذكره في هذا المجال ينجم عن الشعور بضرورة توثيقه في السجلات المحلية والعالمية، من أجل بناء دراسات علمية جديدة يقوم بها الباحثون والمختصون لمعرفة المزيد حول الأسلوب المعماري آنذاك. فهذا البناء المشيد وفق نموذج رياضي مختلف، يحتوي على ممرات وزوايا هندسية وغرف بالعشرات، متداخلة، حتى لتبدو أشبه بمتاهة. هذا البناء لا بد أنه قام على دراسة هندسية تخدم الشكل والوظيفة الأمنية للحصن، من خلال هندسة التكيف مع بيئة زراعية والصمود فيها. وهنا نتساءل: لماذا بنى مهندسو خيبر الحصن فوق مرتفع؟ هل كي لا يصبح الحصن زلقا بسبب المياه والأرض الملساء مع الوقت؟ 

أسئلة

يبقى أساس الهندسة المعمارية هو الرياضيات، والتفكير في هيكل بناء الحصن لأمر مهم للباحث لتحديد البنية أولا ولمعرفة الشيفرة المعمارية التي تحتاج لإلقاء نظرة على التقاليد المحلية في ذلك الزمن. لكن الأسئلة لا تنتهي هنا: ماذا عن طبيعة المواد المستخدمة؟ فكما نرى في الصورة أنهم استخدموا الحجارة البركانية السوداء الصامدة حول الحصن، وكذلك أخشاب النخيل في بعض الجدران والغرف، فهل من أجل التهوية المناسبة في فصل الصيف، ولإدخال بعض الضوء في فصل الشتاء؟ ثم، ماذا عن التدفئة إذا؟ وكيف كان تصميم التصريف المائي للحصن؟ وكيف هو الهيكل الهندسي في الأعماق؟ على الرغم من أن أسس المباني تكون عادةً مستوية في هذه المناطق.

آن أوان تتبع المعلومات لهذه المهمة، ووضعها في مجموعة من البيانات الأثرية، قبل انهيار جديد، أو اندلاع حريق هائل، كالذي حصل منذ ست سنوات مضت في أرض خيبر، والتهم الكثير من نخيلها.

يبقى الحفر الأثري والتدخل في الترميم قيمة ليست تاريخية فحسب بل فنية وثقافية وعلمية مذ ظهر الترميم كمدرسة فكرية وعلم من العلوم الحديثة في القرن التاسع عشر الميلادي، بهدف الحفاظ على المباني التاريخية على مستوى العالم، فالمخلفات الأثرية لا تعني فكرا قديما، بل هي علم خاص يجب ألا يضمحل، وهو أصبح منذ ذلك الوقت وفي كل أنحاء العالم أمرا جليلا، فما إن يجد الإنسان أثرا ولو في وسط مدينة مزدحمة، حتى تكون الأولوية للأثر المكتشف، وإن لزم الأمر إزالة المباني العصرية المكلفة، ما دام الهدم يحافظ على الآثار الواقعة تحتها.

إنقاذ  

هذه الفكرة الحماسية بإيقاعها الخام تحتاج إلى سرعة في اتخاذ القرار لإنقاذ حصن مرحب أو خيبر الذي يبدو اليوم كنزا أثريا لا تكرار له، بعد مرور هذه المنطقة الخصبة بأحداث تاريخية قديمة من العصر المسيحي في جزيرة العرب وبالتحديد في شمالها أي أراضي الحجاز، ومنذ غزوة الملك أبي جبيلة وهو سليل ملوك غسان، لأهل خيبر في القرنين الخامس والسادس الميلاديين، فلا يغفل التاريخ عن ذكره، وصولا إلى "غزوة خيبر" المشهورة في العالم السابع (وفي بعض المصادر السادس) الهجري (ثلاثينات القرن السابع الميلادي). وثمّة لبيزنطية كذلك توثيقات في سجلاتها التاريخية لا تزال باقية في أرض خيبر الرائدة آنذاك في الزراعة والتجارة والحرف اليدوية والواحات والصحراء قبل انجراف الحمم البركانية عليها، وكذلك المستنقعات والحصون الصغيرة الأخرى والاسطبلات والمستودعات والقلاع المنفصلة حولها والمحاطة بالحقول المزروعة والقدرات الدفاعية وبتلال من صخور البازلت.

نرجو أن يتحول هذا الموقع التاريخي إلى منطقة أثرية مرممة يشار إليها بالبنان، ذلك أن إهمال أزمان معينة وعدم استعادة تاريخها،  يعني أننا سنصبح مع الوقت عُراة في تدرجات وصفحات تاريخنا المكتوب والملموس.