هل هي حالة تأهب قصوى في إسرائيل؟

Sana - AP
Sana - AP
صاروخ اسرائيلي في سماء دمشق

هل هي حالة تأهب قصوى في إسرائيل؟

من السهل اعتبار جولة العنف الأخيرة بين إسرائيل وأعدائها عملا اعتياديا. ففي نهاية المطاف، هذه الديناميكية المتبادلة- وهي سمة من سمات حرب الظل الطويلة التي تشنها إسرائيل ضدّ إيران وحلفائها في الأراضي الفلسطينية وسوريا ولبنان- لا تزال مستمرة منذ سنوات عديدة.

ومع ذلك، ثمّة أمر مختلف هذه المرة، أكثر من أي وقت مضى، يتعلق بالعمليات النشطة التي تقوم بها إسرائيل، إذ تبدو اليوم قاتلة ومحددة وثابتة وجريئة وواضحة، في عملياتها العسكرية. ما ا

لدافع وراء هذا الميل الإسرائيلي الجديد إلى المخاطرة بشكل أكبر؟ هل نحن إزاء مرحلة جديدة من الصراع مع إيران؟ هل زاد احتمال وقوع حرب متعددة الجبهات ازديادا كبيرا؟

نمط من التصعيد

تصاعدت دائرة العنف بين إسرائيل وإيران في الأيام والأسابيع الأخيرة؛ ففي 22 مارس/آذار الماضي، ضرب سلاح الجو الإسرائيلي مطار حلب السوري للمرة الثالثة خلال ستة أشهر، مسببا أضرارا مادية للمنشآت دون وقوع إصابات. ولكن، قبل ذلك بأسبوعين، قُتل ثلاثة أشخاص في غارة إسرائيلية مماثلة على المطار الذي يعتبر ممرا رئيسيا لرحلات الإغاثة منذ زلزال 6 فبراير/شباط الماضي، الذي دمر أجزاء كبيرة من جنوب شرقي تركيا وشمال غربي سوريا. لكن إسرائيل تعتقد أن إيران تستخدم المطار لنقل أسلحة إلى النظام السوري.

EPA
جنود اسرائيليون في فسوطة يتفحصون بقايا صاروخ اطلق من لبنان في 6 ابريل

وفي 30 مارس/آذار الماضي، شنّت إسرائيل غارات جوية حول دمشق، ما أسفر عن مقتل ضابطين من الحرس الثوري الإسلامي. ثم نفذت، بعدها بأيام قليلة، اعتقالات جماعية من داخل المسجد الأقصى وقصفت مواقع "حماس" في غزة. وبعد فترة وجيزة، ردّ مسلحون فلسطينيون بإطلاق 34 صاروخا من جنوب لبنان على شمال إسرائيل، سقطت أربعة منها في الأراضي الإسرائيلية وأصابت ثلاثة أشخاص على الأقل.

وفي 8 أبريل/نيسان الحالي، أطلق مقاتلون فلسطينيون موالون لإيران صواريخ على إسرائيل من مواقع في مرتفعات الجولان، وحاول آخرون شنّ هجمات مماثلة من شبه جزيرة سيناء على إيلات في جنوب إسرائيل، ولكن يُعتقد أن الجيش المصري أحبط محاولاتهم (وقبل ذلك بيوم واحد، أسقطت إسرائيل طائرة استطلاع دون طيار تابعة لـ"حزب الله" عبرت إلى شمال إسرائيل). وردت إسرائيل على هجمات 8 أبريل بقصف مواقع للجيش السوري في جنوب غربي سوريا، حيث قصفت المدفعية والطائرات المسيرة الإسرائيلية اللواءين 90 و52 في الجيش السوري، فيما استهدفت الطائرات المقاتلة الإسرائيلية مواقع الرادار السورية والفرقة الرابعة المدعومة من إيران وأحد الطرق المؤدية إلى قصر يملكه ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة سيئ السمعة وشقيق الرئيس السوري بشار الأسد، يقع بالقرب من القصر الرئاسي السوري.

AFP

بيئة استراتيجية متدهورة

تضافرت عدّة عوامل في جعل إسرائيل تلجأ بهذه السرعة إلى القوة العسكرية لمواجهة التهديدات الأمنية المتصوّرة، أولها التغييرات الهيكلية المحتملة في البيئة الاستراتيجية التي تعيش فيها. فمنذ عهد قريب، كانت إسرائيل متحمسة بشأن تطورين استراتيجيين رئيسيين في المنطقة: الأول، إدراج القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) للدولة اليهودية ضمن منطقة مسؤوليتها، ما يعني زيادة التعاون التكتيكي والعملياتي بشأن التهديد الإيراني. والثاني إمكانية توسيع اتفاقيات أبراهام، التي دُشنت عام 2020 لتطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين من جهة والدولة اليهودية من جهة أخرى، وبدأت تحالفا إقليميا أقوى ضدّ إيران.

تبدو إسرائيل أقل تفاؤلا بشأن العلاقة الجديدة مع القيادة المركزية الأميركية لأن مستوى التنسيق الاستراتيجي وتبادل المعلومات الاستخباراتية لم يلبِّ التوقعات الإسرائيلية حتى الآن. ولا تبدو فكرة ظهور كتلة عربية -إسرائيلية لمواجهة تهديد إيران قريبة المنال الآن

اليوم، تبدو إسرائيل أقل تفاؤلا بشأن العلاقة الجديدة مع القيادة المركزية الأميركية لأن مستوى التنسيق الاستراتيجي وتبادل المعلومات الاستخباراتية لم يلبِّ التوقعات الإسرائيلية حتى الآن. ولا تبدو فكرة ظهور كتلة عربية -إسرائيلية لمواجهة تهديد إيران قريبة المنال الآن، نظرا إلى الموجة الأخيرة من النشاط الدبلوماسي العربي تجاه طهران.


ففي تحول جذري في السياسة، وقّعت المملكة العربية السعودية يوم 10 مارس/آذار الماضي اتفاقية دبلوماسية بوساطة صينية مع إيران، منهية عقودا من العداء. وأقرّ الاتفاق عودة العلاقات السياسية بين الخصمين اللدودين، ثم بدأ في معالجة المظالم المشتركة بين البلدين، وخاصة– وهذا الأهم بالنسبة للرياض– وضع حد للحرب في اليمن، التي كانت الشغل الشاغل للمملكة.


ومع ذلك، لم تكن المملكة العربية السعودية وحدها من يحاول تحقيق مصالحة مع إيران، فقد شاركت الإمارات العربية المتحدة في عملية تقارب مع طهران، وعُقدت عدة اجتماعات رفيعة المستوى بين مسؤولين إماراتيين وإيرانيين في الأشهر الأخيرة، كان آخرها يوم 16 مارس/آذار الماضي، حين زار علي شمخاني، رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أبوظبي، وأجرى محادثات مع رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حول مجموعة من القضايا. وحتى البحرين، الدولة الجزيرة التي غالبا ما تلوم إيران على زعزعة الاستقرار على أراضيها عن طريق مسلحين بحرينيين محليين أو آخرين مخربين، أجرت محادثات سرية مع المسؤولين الإيرانيين في الأسابيع الأخيرة في ظل الانفراج السعودي- الإيراني.

AFP
جانب من الاحتفال بـ"يوم القدس" في مخيم اليرموك قرب دمشق في 14 ابريل


يضاف إلى هذه التغييرات الإقليمية المهمة، انخفاض مشاركة واشنطن وتأثيرها في الشرق الأوسط، الأمر الذي يقلق إسرائيل كثيرا، فالولايات المتحدة تظل أقرب شريك لإسرائيل في العالم، وإن بدأت ملامح أزمة ثقة تظهر بين الجانبين. من جهتها، تشعر واشنطن بالقلق بشأن المستقبل الديمقراطي لإسرائيل، بسبب سياسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المثيرة للجدل ضد القضاء، في حين أن إسرائيل أقل ثقة بكثير حيال سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران؛ حيث ترى إسرائيل أن تسامح الولايات المتحدة مع العدوان الإيراني حتى ضدّ القوات الأميركية في المنطقة أمر إشكالي وخطير للغاية، لأنه يضعف الردع (وبالمناسبة، ذكر وزير الدفاع الاميركي لويد أوستن مؤخرا أن إيران شنت 83 هجوما على القوات الأميركية منذ تولى بايدن منصبه، ولم تردّ واشنطن سوى على أربعة منها). كما أن إسرائيل أقل ثقة في أن الولايات المتحدة مستعدة حقا لاستخدام القوة في الوقت المناسب لمنع إيران من حيازة سلاح نووي.
 

تشعر واشنطن بالقلق بشأن المستقبل الديمقراطي لإسرائيل، بسبب سياسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المثيرة للجدل ضد القضاء، في حين أن إسرائيل أقل ثقة بكثير حيال سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران

وإذا كانت الصورة الاستراتيجية لإسرائيل غير مشجعة، فإن الصورة التكتيكية/العملياتية ليست أفضل حالا. لقد كانت إسرائيل أكثر حساسية تجاه تصاعد التهديدات في جوارها، وحريصة على الضرب بقوة، غالبا لأنها تقدر أن إيران تعمل على تغيير قواعد اللعبة وبالتالي ميزان القوى.


وبشكل أكثر تحديدا، ازدادت عدوانية إسرائيل بشكل مضطرد في ردودها على الهجمات والأنشطة والاستفزازات الموجهة من إيران، لأنها تعتقد أن طهران تريد بناء شبكة دفاع جوي متكاملة في سوريا. وبالفعل، سعت إيران، في الأشهر الأخيرة، إلى نقل قواعد دفاع جوي وذخائر دقيقة التوجيه إلى سوريا لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي وتقييد الخطط الإسرائيلية المحتملة لضرب المنشآت النووية الإيرانية في نهاية المطاف. فإذا نجحت إيران في بناء هذا الموقع الدفاعي الأمامي في سوريا، فقد يوفر إنذارا مبكرا لأنظمة الدفاع الجوي الموجودة في إيران. ولذلك، كانت الأولوية العملياتية لإسرائيل هي حرمان إيران من هذا الهدف من خلال تعطيل شبكات النقل إلى سوريا، وتدمير المواقع التي تخزن وتنتج أسلحة متطورة في سوريا.

الردع في خطر لكنه لا يزال قائما


لن تسقط السماء على إسرائيل، لكن الدولة اليهودية قد تشعر مرة أخرى بالوحدة بل وبالحصار في هذه البيئة الاستراتيجية المتغيرة التي تنتج مخاطر جدية، وعلى جبهات متعددة.


ليست الدبلوماسية خيارا مطروحا أمام إسرائيل للتخلص من التهديدات المركزية لإيران أو احتوائها (بل دائما ما تكون عائقا رئيسيا في القدرة السياسية على إدارة الدولة في إسرائيل)، ما يعني أن ليس لدى تل أبيب من ملاذ آخر سوى استخدام الأداة العسكرية. سيحمل هذا الخيار دائما مخاطر كبيرة لأنه يمكن أن يؤدي بسهولة إلى وقوع حوادث وسوء تقدير، وفي نهاية المطاف إلى حرب، وهو بالضبط ما حدث في صراع عام 2006 مع حزب الله.
حتى الآن، صمد الردع في جزء كبير منه لأن أيا من الطرفين لا يريد الحرب. لكن إذا استمرت إيران في تعزيز وجودها العسكري في سوريا وتطوير برنامجها النووي، فسيستمر هذا النمط من التصعيد، وسيكون حدوث مواجهة عسكرية مباشرة مسألة وقت فقط.
 

font change