كلّ "أفلام" الرئيس

بعد انطلاق مبكر للسباق على البيت الأبيض

مشهد من فيلم W  (عن جورج و. بوش الابن، 2008).

كلّ "أفلام" الرئيس

في حين تتواصل التحقيقات حول التسريبات المتعلّقة بالخطط الأميركية- الأوكرانية والتي ألقي القبض بموجبها على جاك تيشيرا (21 سنة) بتهمة إفشاء أسرار البنتاغون، يطرح بعض السياسيين والإعلاميين على حد سواء أسئلة حول صحّة هذا الاتهام أو مصداقيته. آخر طارحي هذه الأسئلة عضوة الكونغرسعن ولاية جورجيا مارغوري تايلور غرين والمؤمنة بتظريات المؤامرة، التي صرّحت: "إنه (تقصد المتهم) أبيض، ذكر، مسيحي وضد الحرب. هذا يجعله عدوا لنظام بايدن".

أسئلة أخرى تدور في فلك محاولات المتابعين فهم ما يدور، أهمها كيف أمكن لحارس في قاعدة عسكرية الحصول على معلومات سريّة كهذه متخطيّا لا موضعه كرجل حراسة فقط، بل كل تعقيدات فتح الملفّات السريّة وسرقتها وكأنها متاحة لكل من يرغب في الإطلاع عليها؟ هل فعل ذلك أم استُدرج تبعا لخطّة مسبقة؟ أهو كبش فداء أم الجاني فعلا؟

الرؤساء حسب ستون

على طريقة ووترغيت، يمكن لقصة تيشيرا أن تتحوّل، في العام المقبل أو بعده إلى مشروع فيلم سينمائي. وهناك همس في هذا الشأن مفاده أن المخرج أوليڤر ستون يتابع الحدث ليس من باب الاهتمام بقضية وطنية، بل من باب التفكير في وضع سيناريو لفيلم روائي أو تسجيلي في سلسلة أعماله التي تناولت قضايا البيت الأبيض في JFK (حول جون ف. كينيدي، 1991) و"نيكسون" (1995) وW (عن جورج و. بوش الابن، 2008).

اهتمامات ستون المماثلة شملت فيلمه عن إداورد سنودن في "سنودن" سنة 2016 وعن فيديل كاسترو في "كاسترو في الشتاء" Castro in Winter في 2012. وهو الذي حقق فيلما ثانيا عن جون ف. كينيدي قبل عامين (عنوانه JFK Revisited: Through the Looking Glass) وأقدم على جولات مصوّرة حول الحرب الأوكرانية (بينها "أوكرانيا على نار" 2015 وسلسلة تلفزيونية بعنوان"مقابلات أوليڤر ستون"شملت لقاءاته مع فلاديمير بوتين وياسر عرفات).

المخرج أوليڤر ستون

ستون، من بين آخرين، مؤهّل لفيلم يحققه بعد رحيل بايدن عن الرئاسة الأميركية على غرار ما فعله سابقا مع كينيدي ونيكسون وبوش.هوليوود تحب معالجة مواضيع تتعلق بالبيت الأبيض على نحو يفضح بعض الجوانب المخفية أو يعلّق، بعمق أكثر، على جوانب مضاءة سابقا.فعلت ذلك مرارا موفّرة لجمهور المشاهدين إنتاجات عديدة خلال العقود الماضية. في الواقع، ليس هناك بلد في هذا العالم يحتوي على إنتاجات سينمائية(وتلفزيونية)تتناول رؤسائها بالحجم نفسه الذي تطرحه هوليوود.

هناك ما لا يقل عن 240 فيلما أميركيا تناول شخصيات الرئاسة الأميركية وقصص البيت الأبيض منذ A President -elect Roosevelt سنة 1905. وليس كل هذه الأفلام واقعي أو يلتزم بأحداث منسوجة من الواقع، بل الكثير منها خيالي ولسبب يؤكد أن الأفلام التي تدور حول البيت الأبيض وساكنيه تحظى باهتمام الجمهور سواء بسبب رغبته في الوقوف على تفاصيل أكثر أو بسبب رغبته في أفلام تستمد من الحياة السياسية أحداثها على منوال نقدي أو خال من النقد، أو بأسلوب كوميدي أو درامي أو خيال علمي أو تشويقي.

هوليوود تحب معالجة مواضيع تتعلق بالبيت الأبيض على نحو يفضح بعض الجوانب المخفية أو يعلّق، بعمق أكثر، على جوانب مضاءة سابقا، وليس هناك بلد في العالم يحتوي على إنتاجات سينمائيةتتناول الرؤساء بالحجم نفسه الذي تطرحه هوليوود


بطل هنا ومجرم هناك

‫تتشعب المواضيع التي تدور حول البيت الأبيض أو الرئيس الأميركي إلى ما لا نهاية ويمكن النظر إليها من زوايا عديدة. هي أفلام سياسية وإنتاجات فنية واستعراضات شخصية وتاريخية وقبل وبعد كل شيء هي أعمال عن شخصيات حقيقية وإذا لم تسهم الشخصيات الحقيقية في طرح مواضيع الرئاسة وخفايا البيت الأبيض فما المانع دون الجوء إلى الخيال بعيدا عن الالتزام بالشخصيات الواقعية أو السير الذاتية؟

على سبيل المثال، لم يضطر رئيس جمهورية أميركي فعلي لاستخدام مهارات قتالية (إذا ما وٌجدت) في الأجواء بعدما تسلل إلى طائرته الخاصة فريق من الأشرار. هوليوود وفّرت هذا الاحتمال في"الطائرة الرئاسية" Air Force Oneالذي أخرجه الألماني وولفغانغ بيترسون سنة 1997.

كذلك لم يرتكب رئيس جمهورية جريمة قتل من دون عمد ‫يكتشفها لص جاء يسرق مخدعه كما حال فيلم "سُـلطة مطلقة" (Absolute Power) الذي قام ببطولته وإخراجه، في العام نفسه، كلينت ايستوود في العام ذاته. جين هاكمان في هذا الفيلم كان الرئيس الذي تسبب في خنق ضحيّته ويحاول ستر أفعاله طالبا من أقرب الرجال إليه إحكام السرية على الحادث. عندما يكتشف فريق أمن البيت الأبيض أن هناك شاهد عيان (إيستوود) ينطلق في إثره لاغتياله.

قبل هذا الفيلم بخمس سنوات، لعب ايستوود شخصية مستوحاة من الواقع كحارس أمن موكب الرئيس جون كينيدي في فيلم آخر لبيترسون هو "على خط النار" (1993). الرئيس الذي خلف كينيدي في ذلك الفيلم مهدد بالقتل بدوره وكلينت إيستوود الذي فشل في حماية الرئيس السابق سيمحو ذلك التقصير وينتصر على شعوره بالذنب عبر التصدّي لجون مالكوفيتش الذي ابتدع مسدسا من الخشب يمر به عبر الحواجز الأمنية من دون جرس إنذار. لكن المسدس الخشبي قادر على إطلاق النار والمجرم حذق وذكي ويعرف كل الأساليب التي تجعل مهمّة إيستوود لتعقبه و"تحييده"بالغة الصعوبة.

من فيلم " JFK"

الصورة متباعدة بين "الطائرة الرئاسية" و "سُلطة مطلقة" وبينهما "على خط النار" ‫على الرغم من أنها أفلام خيالية. هذا لأن الأمر لا يحتاج إلى كثير من الجهد لتأليف حكايات تتعلّق بالرئاسة الأميركية على أكثر من مستوى وفي أكثر من نوع.

 

اغتيال الرئيس

محاولات اغتيال الرئيس الأميركي تدخل في صلب الأفلام التشويقية. ها هي كوريا الشمالية تقوم بهجوم كاسح على البيت الأبيض في "أوليمبوس سقط" (أنطوان فوكوا، 2013) وبعده هم إرهابيون عرب يريدون قتله خلال زيارته إلى لندن في "لندن سقطت" (لباباك نجفي، 2016). بعد ثلاث سنوات عادت المخاطر تحيط بالرئيس الذي ينبري حارسه الشخصي بانينغ (جيرارد بتلر) لإنقاذه منها في كل مرّة. هذا الفيلم الثالث سنة 2019 تحت عنوان "الملاك سقط" وهو الأخير من هذه السلسلة حتى الآن وفيه يقوم بتلر بدوره للدفاع عن الرئيس (مورغن فريمان)  ضد الإرهابيين الذين يخططون لخطفه عبر التخلص من حرّاسه خلال عطلته على شاطئ بحيرة.

قبل ذلك، في  1995، استيقظ العالم على غزو فضائي من قِبل مخلوقات خضراء لا يمكن قهرها. يحاول رئيس الجمهورية (جاك نيكلسن) التفاوض مع الغزاة بالحسنى، لكن أحدهم يوجه بندقية اللايزر صوبه ويقتله.

لولا أن "المريخ يهاجم" لتيم بيرتون كان فيلما من الخيال العلمي الجانح ربما لوجد البعض صورة الرئيس الأميركي سلبية وتثير الامتعاض. لكن لعبة ذلك الفيلم (ولعبة فيلم "سُلطة مطلقة") هي عدم تحديد ما إذا كان الرئيس من الجمهوريين أو من الديمقراطيين، وهذا أيضا حال آخر فيلم وصلنا حول الرئاسة وهو "لا تنظر إلى السماء" Don‪'t Look Upلآدم مكاي. 

مشهد من فيلم Don't Look UP

في هذا الفيلم الكوميدي الهادف، نجد الرئيس (ميريل ستريب) صورة باهتة لشخصية الرئيس. تستهين بالخطر المحدق عندما يكتشف العلم اقتراب نيزك كاف لتدمير كوكب الأرض.تمضي أيام الرئاسة مستمتعة بمنصبها أكثر مما تقوم بواجباتها حيال المواطنين وتبقي ابنها المدلّع قريبا منها رغم ضحالة ثقافته وشخصيّته معا.

لم تكن ميريل ستريب أول ممثلة تؤدي شخصية رئيس الجمهورية فقد سبقتها سيلا وورد في «يوم الاستقلال: انبعاث» Indpendence Day‪: Resurgence). في ذلك الفيلم (رولاند إميريش، 2016) غزو آخر من الفضاء وعلى الجميع حماية )أميركا والبيت الأبيض ورئيسته وهو ما يحدث تبعا لضرورة النهايات السعيدة.

آدم كان تعامل مع البيت الأبيض في فيلم سياسي آخر عنوانه Vice. مثل "لا تنظر إلى السماء" هو جاد في نقده للرئاسة الأميركية أيام جورج و. بوش عبر الحديث عن حياة ديك تشيني منذ أن خطا خطواته الأولى في المعترك السياسي. على عكس فيلمه اللاحق، كان فيلما بلا أنياب، إذ تحاشى أن ينتقد تشيني بحدّة وآثر الاكتفاء بوضع بعض النقاط على الحروف.

اقرأ أيضا: في سوريا... ندوب الحرب تصنع "الجمال الفائق"

  هناك ما لا يقل عن 240 فيلما أميركيا تناول شخصيات الرئاسة الأميركية وقصص البيت الأبيض وليس كل هذه الأفلام واقعي أو يلتزم بأحداث منسوجة من الواقع، بل الكثير منها خيالي يؤكد أن الأفلام التي تدور حول البيت الأبيض وساكنيه تحظى باهتمام الجمهور


معالجات جادة

هناك عدة أفلام على ذات المستوى الجاد أهمّها، في السبعينات، "كل رجال الرئيس" لألان ج باكولا سنة 1976 المستوحى من فضيحة ووترغيت خلال فترة حكم ريتشارد نيكسون. اتخذ هذا الفيلم طابع التحقيقات الصحافية من دون أن يلغي المظلة السياسية ويتحوّل إلى فيلم تشويقي. يشعر المُشاهد بأهمية الطرح وبالخطر المحدق من خلال الأجواء التي بناها المخرج جيّدا.

من بينها أيضا "شرف سري" (Secret Honor) هو فيلم آخر عن ووترغيت والرئيس نيكسون حققه الراحل روبرت ألتمان سنة 1984. المميز في هذا الفيلم هو أن الأحداث (والكلمة فضفاضة هنا) تدور داخل غرفة الرئيس نيكسون (يؤدي دوره فيليب بايكر هول) ومن دون أي ممثل آخر في الفيلم. ساعة ونصف الساعة لممثل واحد يواجه عاصفة ووترغيت في أحد أيامه الأخيرة فوق كرسي الرئاسة. يتصل هاتفيا مستطلعا أو يرد على اتصالات تطلعه على ما يحدث تبعا لأشرطة التجسس التي أدت إلى عزله لاحقا.

مشهد من فيلم In the Line of Fire

الموضوع ذاته، في إطار أحداث أكبر تدور غالبا خارج البيت الأبيض، عاد سنة 2017 إلى الشاشة في فيلم ستيفن سبيلبرغ  The Post. ميريل ستريب هنا مالكة صحيفة "واشنطن بوست"التي تواجه معضلة نشر معلومات حول هزائم أميركا خلال الحرب أو لا، وذلك في حقبة الرئيس نيكسون.

وكان سبيلبرغ أنجز كذلك فيلما عن الرئيس الأميركي لينكلن في 2012 إبان الحرب الأهلية الأميركية. هنا لا يفوتنا ذكر أن 30 فيلما عن شخصية هذا الرئيس أنتجت ما بين 2015 وحتى اليوم.

بدوره، أخرج روجر دونالدسون فيلم "ثلاثة عشر يوما" (Thirteen Days) سنة 2000 متطرّقا فيه إلى وقائع فعلية خلال أزمة الصواريخ الكوبية سنة 1962عندما وقف العالم على حافة صراع نووي بين الروس والأميركيين بسبب تهديد متبادل بين الطرفين. كان الروس أرسلوا صواريخ نووية إلى كوبا، وهدّدت أميركا بضربها بعدما رفض الاتحاد السوڤييتي سحبها في باديء الأمر.

الفيلم الذي استوحى عنوانه من كتاب وضعه روبرت ف.كينيدي وأحداثه من كتاب آخر لإرنست ر. ماي وفيليب د. زيليكو يحيط بمحاولات الشقيقين روبرت وجون كينيدي التوصل إلى حل مناسب للأزمة.

لم يحقق الفيلم نجاحا تجاريا وأرجع المتابعون والنقاد ذلك إلى أن الفيلم يطرح موضوعا فاته الزمن. على ذلك، أشاد هؤلاء بالفيلم الذي أحسن المخرج دونالدسون إخراجه.

اقرأ أيضا: مئوية عاصي الرحباني: متحف الحنين

هذه المحاولات الجادة لاختراق سياج البيبت الأبيض والحديث عن شخصيات وأوضاع فعلية، حتى عبر أفلام روائية، لا يجب أن تتجاهل دور أوليڤر ستون في تناول الشخصيات الرئاسية بعين فاحصة. في "ج. ف.ك" عاين موضوع اغتيال الرئيس جون ف. كندي. الفيلم عبارة عن تحقيقات بعضها يكشف مفاجآت لكن العديد منها إعادة معالجة لما انتشر من نظريات مؤامرة لا يحاول المخرج تبني أي منها.

فيلم The Post

في "نيكسون" (1995) صاحب حياة حياة الرئيس ريتشارد نيكسون  (أداه أنطوني هوبكنز) من شبابه إلى حين وصوله إلى سدة البيت الأبيض ثم أنهى الفيلم بتسجيل اللحظات التي سقط فيها نيكسون أمام الرأي العام، داخل أميركا وخارجها، بسبب تسريبات ووترغيت.

على أن فيلمه الثالث "دبليو" (2008) عاود التطرّق إلى موضوع الرئاسة الأميركية. شخصيته المنتخبة لهذه الغاية كانت جورج و. بوش كما أداه جوش برولين في استعراض آخر لحياة الرئيس قبل أيام حكمه وخلالها.

font change

مقالات ذات صلة