"نصف هزيمة" للحزب الكردي... وأردوغان ثابت الحضور بين الأكراد

التحالف "الكردي" حرم أردوغان من الفوز بالانتخابات في الجولة الأولى

Reuters
Reuters
مناصرون لحزب اليسار الأخضر في مدينة ديار بكر يرفعون صورا للزعيم الكردي صلاح الدين ديمرطاش في 14 مايو

"نصف هزيمة" للحزب الكردي... وأردوغان ثابت الحضور بين الأكراد

على الرغم من تمكن تحالف "الكدح والحرية"، المُصنف ممثلا سياسيا لـ"التيار القومي الكردي" في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت مؤخراً في تركيا، من الحفاظ على صدارة النتائج في معظم الولايات (المحافظات) ذات الأغلبية السكانية الكردية في جنوب شرقي البلاد، إلا أن المراقبين اعتبروا أن النتائج الكلية لهذه الانتخابات كانت في غير صالح وتوقعات التحالف المذكور. فقد شهد تراجعاً في المجموع الكلي للأصوات التي نالها، مقارنة بآخر انتخابات برلمانية ورئاسية جرت عام 2018، ولم يتمكن من إيصال كتلة وازنة إلى البرلمان، تسمح له بتحقيق أغلبية برلمانية، في حال تحالفه مع قوى المعارضة التركية "تحالف الأمة".

Reuters
تجمع انتخابي لحزب اليسار الأخضر المؤيد للأكراد في ديار بكر في 14 مايو

وحسب النتائج شبه النهائية، فإن هذا التحالف فاز بـ66 مقعداً برلمانياً، منها 62 لحزب "اليسار الأخضر"، القومي الكردي، و4 مقاعد لحزب العمل، اليساري الوطني المنضوي في نفس التحالف. إلى جانب تحقيق الأغلبية في 13 ولاية جنوب شرقي البلاد، تحديدا في منطقتي فآن وديار بكر، مركزي الثقل السكاني والرمزي الكردي.

لكن، ومع كل ذلك، فإن مقاعد التحالف "الكردي" تقل في مجموعها عما كان لحزب الشعوب الديمقراطية في التشكيلة البرلمانية السابقة (67 مقعداً). وأقل بكثير من توقعات ووعود التحالف الذي كان يصرح بأنه سيحصل على قرابة 100 مقعد، ويشكل مع المعارضة الأغلبية البرلمانية.

إلى جانب ذلك، فإن التحالف "الكردي"، وإن تمكن من تأمين الفوز لمرشح المعارضة التركية كمال كليشدار أوغلو في 11 ولاية ذات أغلبية سكانية كردية، من أصل 15 ولاية، وحصد قرابة 5 ملايين صوت لصالحه، من أصل 24.5 مليون صوت حصل عليها، فإنه تمكن فقط من البقاء حتى جولة ثانية من الانتخابات، وحرم الرئيس رجب طيب أردوغان من الفوز من الجولة الأولى، للمرة الأولى في تاريخ ترشحه للانتخابات الرئاسية التركية. لكن دون أن تكون هناك أصوات مواليه حاسمة في تحديد الرئيس المقبل للبلاد، كما كان يعد.

اقتباس: مقاعد التحالف "الكردي" تقل في مجموعها عما كان لحزب الشعوب الديمقراطية في التشكيلة البرلمانية السابقة (67 مقعداً). وأقل بكثير من توقعات ووعود التحالف الذي كان يصرح بأنه سيحصل على قرابة 100 مقعد، ويشكل مع المعارضة الأغلبية البرلمانية.

تراجع سياسي في أكثر من مستوى

مقابل معطيات الفوز النسبية تلك، فإن المراقبين لاحظوا تراجعاً في شعبية الأحزاب السياسية الكردية "القومية"، لصالح نظيرتها "الكردية" المحافظة والمرتبطة بالسلطة الحاكمة، وذلك على أكثر من مستوى.

فحزب "اليسار الأخضر"، المشارك في هذه الانتخابات كبديل لحزب الشعوب الديمقراطية المُهدد بالحظر، حقق نسبة 8.8 في المئة فقط من مجموع أصوات الناخبين، وهي نسبة تقل كثيرا عن نسبة 11.7 في المئة، كان قد حققها في آخر انتخابات برلمانية جرت عام 2018.

كذلك فإن مجموع الأصوات التي حصل عليها الحزب البديل، لم تتحاوز 4.75 مليون صوت، في تراجع بنحو 1.1 مليون صوت عما حصل عليه في الانتخابات السابقة. ولو تم حسب أعداد الناخبين الذين زادوا بشكل طبيعي خلال هذه الانتخابات عما كانوا عليه في الانتخابات السابقة، والمقدرين بنحو 8 في المئة من مجموع الناخبين، فإن الحزب الممثل للحركة القومية الكردية يكون قد خسر فعلياً قرابة 1.25 مليون صوت من حصته الانتخابية السابقة. حدث ذلك، على الرغم من إضافة الحزب لولايتين جديدتين فاز بهما على حزب العدالة والتنمية، هُما كارس وبدليس، المُعتبرتان تاريخياً مراكز للقوى السياسية والاجتماعية الكردية المحافظة والمرتبطة بالسلطة الحاكمة، أياً كانت.

إلى جانب ذلك، فإن "الحزب الكردي" لم يتمكن من الاستفادة من "الدعاية السياسية" التي استخدمها طوال السنوات الماضية، وكان يتهم عبرها حزب العدالة والتنمية بقمع التطلعات القومية الكردية، واضطهاد الساسة والشخصيات العامة والمثقفين والإعلاميين الكرد، وممارسة سياسات اقتصادية غير تنموية في المناطق الكردية.

ففي المحصلة، تمكن حزب العدالة والتنمية من الحصول على قرابة 40 في المئة من مجموع الأصوات في الولايات الـ15 ذات الأغلبية الكردية، سواء في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، وثمة تمثيل برلماني "كردي" لصالح حزب العدالة والتنمية، لا يقل عن 45 مقعداً برلمانيا.

Reuters
اتراك امام محل صيرفة في اسطنبول

في السياق ذاته، تمكن حزب الدعوة الحرة "هُدى بار" من تحقيق نتيجة بارزة، بين الأوساط الشعبية الكردية، حاصلاً على قرابة 200 ألف صوت، وداخلاً البرلمان التركي بنائبين، لأول مرة في تاريخه السياسي.

حزب الدعوة الحرة، الذي كان اسمه التقليدي "حزب الله الكردي"، المُصنف كحزب "إسلامي متشدد"، مناهض تقليدي للحركة القومية الكردية، وحزب الشعوب الديمقراطي "الكردي"، ومن نفس البيئة الاجتماعية الكردية، ومتحالف مع حزب العدالة والتنمية الحاكم. حقق الحزب الإسلامي الكردي تلك النتيجة، على الرغم من الاتهامات الكثيرة التي تطاله بتنفيذ المئات من عمليات الاغتيال ضد الناشطين والسياسيين "القوميين" الأكراد، لصالح أحزاب السلطة، منذ تسعينات القرن المنصرم.

"الحزب الكردي" لم يتمكن من الاستفادة من "الدعاية السياسية" التي استخدمها طوال السنوات الماضية، وكان يتهم عبرها حزب العدالة والتنمية بقمع التطلعات القومية الكردية، واضطهاد الساسة والشخصيات العامة والمثقفين والإعلاميين الكرد


حسب مجموع تلك النتائج، فإن المعلقين والمتابعين لتحولات السلوك الانتخابي للمواطنين الأكراد في تركيا، المقدرين بنحو 20 مليون نسمة، وضعوا ثلاثة أسباب رئيسة لتراجع شعبية وحضور الحزب المؤيد للأكراد في الانتخابات الأخيرة، مقابل حفاظ حزب العدالة والتنمية على موقعه وتمثيله شبه الثابت في المناطق ذات الأغلبية الكردية. 

ثلاثة أسباب جوهرية 


فحملات القمع التي مارستها السلطة الحاكمة على النخب والناشطين السياسيين والثقافيين والإعلاميين والاقتصاديين الأكراد، طوال السنوات الخمس الماضية، تحديدا ضد أعضاء وتنظيمات حزب الشعوب الديمقراطي، تبدو وكأنها حققت هدفها، وخلقت ترهلاً وسوء أداء وضعف تنظيم داخل "حزب الشعوب الديمقراطي"، أفقدته القدرة على التحشيد السياسي والشعبي في الأوساط الكردية. 


الأرقام التي يذكرها الحزب، تقول إن أكثر من 20 ألفاً من كوادره قد جرى اعتقالهم خلال السنوات الخمس الماضية، هُم الهيكل التنظيمي الأساسي للحزب، ويشكلون أدواته التنفيذية الأكثر حيوية وفاعلية، وفي مختلف القطاعات، السياسية والإعلامية والخدمية والثقافية والتنظيمية. أغلبيتهم المطلقة لا زالوا سجناء حتى الآن، ولأسباب سياسية، ودون أية اتهامات واضحة وحقيقية: فأكثر من ثلثهم مثلاً متهمون بـ"إهانة" الرموز الوطنية، وثلثهم الآخر متهمون بـ"العلاقة مع حزب العمال الكردستاني"، فيما يماطل الجهاز القضائي النظر في دعاواهم بشكل استثنائي، لإبقائهم قيد الاعتقال أطول مدة ممكنة، وحرمان حزب الشعوب الديمقراطي من قدراتهم التنظيمية والسياسية. 
خسارة الحزب لهذا الهيكل التنظيمي طوال السنوات الماضية، بما في ذلك زعيم الحزب صلاح الدين دميرطاش، المُعتقل منذ سبع سنوات، للأسباب ذاتها، وإبعاد الحكومة التركية لمختلف رؤساء البلديات التي فاز بها الحزب في مختلف المناطق الكردية عن مواقعهم، واستبدالهم بآخرين من الحزب الحاكم، وفصل أكثر من 50 ألف كادر من أعضاء الحزب من الوظائف العامة، لنفس الأسباب السياسية، أوقع الحزب "الكردي" في مساحة من عدم التوازن وسوء الحضور والفاعلية في الأوساط الاجتماعية والأهلية الكردية.

Reuters
اردوغان وزوجته امينة يحيان المؤيدين بعد اغلاق صناديق الاقتراع في اسطنبول في 14 مايو


مقابل ذلك، دعمت الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية بشكل مفتوح كل الشخصيات والتنظيمات السياسية "الكردية" المرتبطة بها، في المناطق ذات الأغلبية الكردية، تحديداً تلك القوى والتنظيمات الإسلامية المتوافقة مع حزب العدالة والتنمية، مثل حزب الدعوة الحرة "هدى بار". 

حملات القمع التي مارستها السلطة الحاكمة على النخب والناشطين السياسيين والثقافيين والإعلاميين والاقتصاديين الأكراد، طوال السنوات الخمس الماضية، يبدو أنها حققت هدفها، وخلقت ترهلاً وسوء أداء وضعف تنظيم داخل "حزب الشعوب الديمقراطي"، أفقدته القدرة على التحشيد السياسي والشعبي في الأوساط الكردية

حسب ذلك، فإن "المنافسة السياسية في المناطق الكردية، ليست بين أحزاب سياسية متساوية القوة والدعم والمسافة من قوة الدولة ومؤسسات الحكم وأدوات السلطة، كما من المُفترض أن يكون الأمر، بل بين حزب الشعوب الديمقراطي "الكردي" من طرف، بكل ما يتعرض له من قمع وقسر، وكل أدوات السلطة ومؤسسات الدولة وسطوة المال، التي يستخدمها حزب العدالة والتنمية الحاكم"، كما كشف قيادي من حزب الشعوب الديمقراطي في حديثه مع "المجلة". 


السبب الثاني في سياق ما حدث، يعود إلى أداء المعارضة التركية خلال الشهور الماضية، سواء مُخرجات "الطاولة السداسية" الممثلة لقوى المعارضة التركية، أو المرشح الرئاسي كمال كليشدار أوغلو. 


فـ"الطاولة السداسية" لم تملك أي توجه واضح لإيجاد علاقة سياسية مع حزب الشعوب الديمقراطي "الكردي" طوال هذه الفترة، ولم تضع أي ملامح واضحة لحل المسألة الكردية في البلاد، بما في ذلك رفع بعض الضغوط الأمنية والاقتصادية والثقافية عن المناطق ذات الأغلبية الكردية. فغير بعض العبارات المنمقة عن "الأخوة الكردية التركية"، كان "الحزب الخير"، الحزب الثاني ضمن تحالف المعارضة، يرفض أي توافق مع حزب الشعوب الديمقراطي "الكردي"، ولو على سبيل اللقاءات السياسية، بل ويتهمه بـ"موالاة حزب العمال الكردستاني"، ولم يقابل موقفه الحاد ذاك بأية معارضة واضحة من باقي الأحزاب. 


إلى جانب ذلك، فإن مرشح الرئاسة كمال كليشدار أوغلو، وإن كان قد عقد لقاءات سياسية مع حزب الشعوب الديمقراطي، ووعد بـ"حل المسألة الكردية ضمن البرلمان"، لكنه لم يوضح خطواته التنفيذية في ذلك السياق، وأظهر ضعفاً تجاه المحددات المتشددة التي وضعها "الحزب الخيّر" القومي التركي تجاه القضية الكردية ضمن التحالف السداسي. 

Reuters
مؤيدات كرديات للحزب الاخضر في ديار بكر


مجموع هذين الأمرين، إلى جانب ضعف تواصل وحضور قوى المعارضة في المناطق ذات الأغلبية السكانية الكردية، ومعها الخلفية الطائفية "العلوية" لمرشح المعارضة، دفعت جزءاً واسعاً من الناخبين الأكراد، المحافظين من سكان المدن الرئيسة بالتحديد، لأن يُبقوا على تصويتهم لصالح الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية، حيث يُعتبر حسب هذه الفئة من الناخبين الأكراد، ومع كل الممارسات التي نفذها تجاه البيئة السكانية الكردية طوال السنوات الماضية، "أفضل" وأوضح تجاه الأكراد، الفئة المحافظة منهم بالتحديد. 
 

"الطاولة السداسية" لا تملك أي توجه واضح لإيجاد علاقة سياسية مع حزب الشعوب الديمقراطي "الكردي"، ولم تضع أي ملامح واضحة لحل المسألة الكردية في البلاد، بما في ذلك رفع بعض الضغوط الأمنية والاقتصادية والثقافية عن المناطق ذات الأغلبية الكردية

اعتبر المراقبون أن كثيرا من الأصوات الانتخابية "البرلمانية" الكردية ذهبت لصالح حزب العدالة والتنمية، وليس لصالح تحالف "الكدح والحرية" الكردي، لأن هذا الأخير قرر دعم مرشح المعارضة كمال كليشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية. 
السبب الثالث للتراجع النسبي لقوة التمثيل السياسي للأحزاب "الكردية" في تركيا خلال هذه الانتخابات، يعود للأداء والخيارات السياسية لحزب الشعوب الديمقراطي خلال تجربته البرلمانية وتحالفاته السياسية خلال السنوات الماضية. 
فالحزب، يفترض أن يكون ممثلاً سياسياً مباشراً للمسألة الكردية في تركيا، كما يفترض جزء واسع من المجتمع الكردي أن يطالب بكتلة من الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية الكردية، وتثبيتها في القوانين والدستور التركي. لكنه كان يتحالف مع قوى سياسية "هامشية" في المشهد السياسي التركي، أغلبها قوى يسارية "رومانسية"، متأتية من بقايا التنظيمات الشيوعية و"الثورية" في البلاد. يعتبرها الجمهور الكردي غير قادرة على تقديم أي شيء للمسألة الكردية في تركيا، حتى لو امتلكت الإرادة لتنفيذ ذلك، فهي ذات تمثيل ضعيف ضمن المجتمع التركي، وغير قادرة على تحقيق تحول في وعيه تجاه الأكراد ومسألتهم. 
 

اعتبر المراقبون أن كثيرا من الأصوات الانتخابية "البرلمانية" الكردية ذهبت لصالح حزب العدالة والتنمية، وليس لصالح تحالف "الكدح والحرية" الكردي، لأن هذا الأخير قرر دعم مرشح المعارضة كمال كليشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية

أثر ذلك الأداء على حضور حزب الشعوب الديمقراطي في بعض الأوساط الاجتماعية الكردية، وقدرته على تحشيد الكثير من طبقاته. فبدلاً من التركيز المفترض للحزب على القضايا القومية الكردية، كان قد انزاح خلال السنوات الماضية نحو مسائل مُصنفة بوصفها "رومانسية سياسية" بالنسبة للقواعد الكردية، مثل قضايا البيئة والمساواة الجندرية و"الدفاع عن حقوق المثليين". وهو الأمر الذي أفقد الحزب ثقة طبقة واضحة من المجتمع الكردي، الذي كان يتطلع لأن يتمكن هذا الحزب من إيجاد منصة للتحالف مع القوى السياسية الرئيسة في البلاد، الحاكمة أو المعارضة على حدٍ سواء، لتحويل الكرد إلى لاعب فعال ضمن الحياة السياسية التركية. الأمر الذي لم يحصل، فنال الحزب تصويتاً "عقابياً" من طبقة واسعة من الناخبين في المناطق ذات الأغلبية الكردية. 

font change

مقالات ذات صلة