تركيا: الاحزاب تستميل الأصوات الكردية من دون حقوق أصحابها

Getty Images
Getty Images
فجيعة الزلزال ألغت التفوق النسبي الذي كان للسلطة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.

تركيا: الاحزاب تستميل الأصوات الكردية من دون حقوق أصحابها

مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية العامة في تركيا، الأشد حساسية في التاريخ الحديث للبلاد، يتذكر أكراد تركيا في أحاديثهم الاجتماعية ونقاشاتهم السياسية العامة، سيرة وحكاية السياسي الكردي "حسين بدرخان" والانتخابات "البرلمانية" الشهيرة التي جرت في السلطنة العثمانية في العام 1912، التي سُميت في الأعراف والذاكرة الجمعية الكردية بـ"الانتخابات بالعصي". حيث يعتقدون أن المشهد نفسه يُستعاد راهناً، وإن بعد 111 عاماً.

وقتئذ، كان حزب الاتحاد والترقي العثماني، الذي كان قد نفذ انقلاباً ضد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني قبل ثلاث سنوات فحسب، كان قد وعد الأكراد بالاستجابة لمطالبهم القومية، الشبيهة بنظيرتيها الأرمنية والعربية، لكن فقط تحت قُبة البرلمان (مجلس المبعوثان) المرتقب، بعدما كانت الدولة العثمانية قد حطمت الإمارات الكردية قبل عدة سنوات.

لكن الزعامات السياسية الكردية أعلنت وقتئذ مقاطعتها للانتخابات، مطالبة بالاستجابة للمطالب الكردية أولا. لكن، وحينما أُجبر الأكراد وقتئذ على التصويت، وبالقوة العسكرية المباشرة، فأنهم اختاروا الزعيم "حسين بدرخان" ممثلاً لهم، بنسبة تفوق الـ90 بالمائة. وهو الذي كان واحداً من الرموز القومية الكردية، ونجل أمير إمارة "بوتان" القوية "بدرخان بك"، الذي كان قد قاد انتفاضة استقلال كردستان أسوة باليونان في أواسط القرن التاسع عشر. الأمر الذي دفع السلطات العثمانية الحاكمة لإلغاء نتائج الانتخابات في المناطق الكردية، واغتيال حسين بدرخان بعد شهرين فحسب من إجراء الانتخابات.

Getty Images
رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدارأوغلو ورئيس حزب المستقبل أحمد داوود اوغلو في اجتماع للتخطيط للانتخابات

يتذكر المجتمع الكردي في تركيا تلك السيرة راهناً، رابطا إياها بالانقسام السياسي الشاقولي الحاد الذي تعيشه تركيا راهنا: بين السلطة المتمثلة بـ"تحالف الأمة"، المكون من ائتلاف حزب العدالة والتنمية والحركة القومية "المتطرفة". والمعارضة، المنضوية في إطار "طاولة الستة"، التي تضم ستة أحزاب معارضة رئيسية، بقيادة حزب الشعب الجمهوري "الأتاتوركي"، إلى جانب "الحزب الخيّر" القومي، المنشق عن حزب الحركة القومية، ومعهما أحزاب السعادة وتلك التي أسسها القياديان السابقان في حزب العدالة والتنمية، علي باباجان وأحمد داوود أوغلو. ويتصارع الطرفان على أصوات الناخبين الأكراد، ويعتبرهما حيوية وأساسية للحصول على السلطة؛ لكن من دون أية تعهدات بمنح الأكراد أية حقوق قومية، خلا بعض الوعود الأدبية بتحسين الأحوال.

في ظلال هذا الانقسام السياسي الشديد، فأن حزب الشعوب الديمقراطية "HDP" يُعتبر الممثل السياسي للتطلعات الكردية، وهو ثالث حزب سياسي في البلاد من حيث قوة التمثيل، بعد حزب العدالة والتنمية الحاكم والشعب الجمهوري المعارض. وتاليا، فأن أصوات هذا الحزب وقواعده الناخبة ستكون الحكم في تحديد رئيس تركيا القادم، وإلى جانبه الأغلبية البرلمانية المتوقعة.

في هذا السياق، فأن ديناميكيتان سياسيتان تجريان في الوقت عينه: من طرف، تسعى الجبهتان، الحاكمة والمعارضة، الحصول على الأصوات الكردية في الانتخابات القادمة، التي قد تحدد مستقبل تركيا لنصف قرنٍ قادم، حسبما يرى المراقبون. ومن طرف آخر، ترفض كلاهما خوض أية مفاوضات سياسية مع الحزب "الكردي"، أو حتى التعهد بالاستجابة لبعض المطالب القومية الكردية مستقبلاً، في حال الفوز في هذه الانتخابات.

حسب هذه الثنائية المتعارضة، تدور واحدة من أسخن المداولات السياسية والاجتماعية في تركيا راهنا ومنذ عدة أشهر. وتزداد سخونتها كلما اقتربنا من يوم 14 مايو/ أيار المقبل، الموعد المحدد لإجراء تلك الانتخابات.

Getty Images
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتحدث الى النساء خلال زيارته إلى مدينة ديار بكر التي تضررت بشدة في جنوب شرق تركيا، بعد خمسة أيام من وقوع الزلزال الذي وقع في 6 فبراير 2023

حسابات رقمية معقدة

وفق مختلف استطلاعات الرأي التي تُجريها المؤسسات المختصة، المستقلة والموثوقة، في تركيا بشكل دوري، فأن أياً من مرشحي الجبهتين للانتخابات الرئاسية القادمة لن يحصل على أغلبية (50+1) في أول جولة من الانتخابات الرئاسية القادمة، إذا لم يحصل تحالف بين واحدة منهما وحزب الشعوب الديمقراطية "الكردي". وعليه، ستجري جولة ثانية من تلك الانتخابات، وستكون الأصوات الكردية أيضاً حاسمة في ذلك السياق.

الأمر نفسه ينطبق على الانتخابات البرلمانية، التي ستجري في الوقت ذاته. حيث لن يتمكن أي تكتل سياسي من تشكيل أغلبية برلمانية واضحة، وستكون كتلة حزب الشعوب الديمقراطية حاسمة أيضاً لتحديد تلك الكتلة.

حتى قبل أسابيع قليلة، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحظى بتفوق نسبي على أي مرشح قد تختاره قوى المعارضة، إذ كانت استطلاعات الرأي العام تُشير إلى أنه قد يحصل على 35-40 بالمائة من مجموع الأصوات. فيما سيحظى أي مرشح معارض على نسبة ما دون ذلك، تتراوح بين 30-35 بالمائة. فيما يُظهر قرابة 15 بالمائة من المُستطلعين أما مقاطعتهم للانتخابات أو ترددهم في تحديد الجهة التي ستحصل على أصواتهم، ويحظى حزب الشعوب الديمقراطية بحصة انتخابات تتراوح بين 12-15 بالمائة، سواء لمرشحه الرئاسية، أو أية جهة يدل عليها في أية جولة ثانية من الانتخابات.

لكن فجيعة الزلزال الأخير، وما رافقها من سوء تنسيق وأداء من قِبل مختلف الوزارات والإدارات العامة الخاضعة لسلطة حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، والتي أعترف بها الرئيس علناً، قاربت من حظوظ الطرفين إلى حد بعيد، وألغت التفوق النسبي الذي كان للسلطة. فمختلف استطلاعات الرأي العام تشير راهناً إلى أن مرشحي الطرفين تتراوح حظوظه حول 37 بالمائة، وتالياً فأن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ستكون حتمية، في حال عدم تحالف أي منهما مع حزب الشعوب الديمقراطية من الجولة الأولى. وستكون أصوات هذا الأخير حاسمة في الجولة الثانية، في حال عدم حصول ذلك التحالف.

مختلف استطلاعات الرأي العام تشير راهناً إلى أن مرشحي تحالفي السلطة والمعارضة تتراوح حظوظه حول 37 بالمائة، وتالياً فأن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ستكون حتمية، في حال عدم تحالف أي منهما مع حزب الشعوب الديمقراطية من الجولة الأولى

أرقام الناخبين الأكراد

حسبما تُشير الأرقام والنسب التي ينشرها مركز "Spectrum House" لاستطلاعات الرأي، والذي يجري بحوثاً ميدانية دائمة وموثوقة في المناطق الكردية جنوب شرق تركيا، وفي التجمعات السكانية الكردية في المدن التركية الكبرى، فأن أغلبية واضحة من الناخبين الأكراد الذين صوتوا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في آخر انتخابات رئاسية خلال العام 2018، سوف لن يُعيدوا تكرار ذلك في الانتخابات القادمة، وأن أصوات هؤلاء ستخضع بأغلبيتها المطلقة لتوجيهات حزب الشعوب الديمقراطية.

الناخبون الأكراد الذين يشكلون على الأقل 20 بالمائة من الكتلة الناخبة في عموم أرجاء تركيا، فأن المركز يُشير في استطلاعات الرأي التي أجراها على الناخبين الأكراد طوال الشهور الستة الماضية، والتي ظهرت نتائجها شبه متطابقة، في 14 محافظة ذات أغلبية كردية مطلقة، والتجمعات الكردية الكبرى غرب البلاد، ودلت بمجموعها على اتجاهات الناخبين الأكراد حسب ما يلي: 

فمن بين كل الناخبين الأكراد الذين صوتوا سابقا لحزب العدالة والتنمية، فأن 48 بالمائة منهم أكدوا أنهم لن يفعلوا ذلك مجدداً. أضاف 28 بالمائة من هؤلاء إنهم سوف يصوتون أو سيلتزمون بما يقرره حزب الشعوب الديمقراطية، وأشار 14 منهم إلى أنهم سيصوتون لصالح حزب الشعب الجمهوري المعارض، وأكد 55 بالمائة منهم أنهم لن يصوتوا قط مجدداً لأي حزب.

في هذا السياق، فأن 74 بالمائة من الناخبين الأكراد سيصوتون لمرشح حزب الشعوب الديمقراطية، أو سيلتزمون بتوجيهات حزب الشعوب الديمقراطية لأي مرشح آخر. فيما قال 10.5 بالمائة منهم إنهم سيصوتون للرئيس أردوغان، وذكر 3.8 بالمائة منهم إنهم سيصوتون لمرشح المعارضة. غالبيتهم المطلقة فضلت أن يكون ذلك المرشح هو زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو.

 

Getty Images
أنصار حزب الشعوب الديمقراطية يحتفلون بنتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، في 24 يونيو 2018 في مدينة ديار بكر

 يُعد ذلك تحولاً جوهرياً في السلوك الانتخابي للناخبين الأكراد، الذين اختاروا في الانتخابات الرئاسية الاخيرة التي جرت في 2018 مرشح حزب الشعوب الديمقراطية بنسبة 67 بالمائة، فيما صوت 19 بالمائة منهم لصالح الرئيس أردوغان، وأقترع 4 بالمائة منهم لمرشح حزب الشعب الجمهوري والمعارضة وقتئذ مُحرم أينجة.

بحسب تلك الأرقام، وما يطابقها في مختلف استطلاعات الرأي العام، إضافة إلى تصريح 96 بالمائة من الناخبين السابقين لحزب الشعوب الديمقراطية بأنهم سوف يحافظون على تصويتهم لصالح نفس الحزب، وإلى جانب قرار 85 بالمائة من الناخبين الأكراد الذين سيصوتون لأول مرة بالتصويت لصالح حزب الشعوب الديمقراطية، فأن هذا الحزب يمتلك من جهة كتلة انتخابية صلبة وموالية تماما لما قد يختاره، وأن تلك النسبة ستكون بحدود 15 بالمائة في الانتخابات الرئاسية، وتاليا ستكون كتلة حاسمة. فيما ستكون الكتلة البرلمانية التي سيفرزها الحزب بحدود 18 بالمائة من مجموع المقاعد البرلمانية، حسب قانون البرلمان التركي الذي يحرم العديد من الأحزاب الصغيرة من دخول البرلمان، ويوزع أصواتها على باقي الأحزاب.

ائتلاف "طاولة الستة" المعارض يعتبر أن حزب العدالة والتنمية، ومن خلفه "تحالف الأمة" لن يتمكن من الحصول على الأصوات الكردية بأي شكل، لذلك يتمهل ويمتنع من تقديم "تنازلات" واضحة لهؤلاء الناخبين الأكراد ومن خلفهم حزب الشعوب الديمقراطية


لا حلول وتعهدات للأكراد من الطرفين

مع كل تلك الحسابات الدقيقة، والحاسمة، وفي نفس الوقت الذي يشير فيه الطرفان علناً إلى أن حزب الشعوب الديمقراطية هو "امتداد لحزب العمال الكردستاني المسلح، والمصنف كتنظيم إرهابي في تركيا"، إلا أنهما يسعيان إلى أن يحصلا على الأصوات الكردية بأي شكل كان، لأنها ستكون سترجح فوز الجهة التي ستحكم تركيا مستقبلا.

حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ العام 2002، والذي كان يحمل برنامجا إصلاحياً في سنوات حكمه الأولى، تضمن إيجاد حل ناجز للقضية الكردية في تركيا، وصلت حد إجراء مفاوضات مباشرة مع حزب العمال الكردستاني في العاصمة النرويجية أوسلو خلال الأعوام 2012-2015، تضمنت تعهدات بإصدار عفو عام وتقوية الإدارات المحلية وجعل اللغة الكردية رسمية في المناطق الكردية، تراجع تماماً عن ذلك، وصار يخوض سياسات مناهضة كليا للأكراد، سواء في الداخل عبر سجن السياسيين الأكراد وعزلهم عن الإدارات البلدية والمحلية، وتطبيق أحكام الطوارئ الخاصة في المناطق الكردية. أو الهجمات العسكرية المباشرة على المناطق الكردية في كل من سوريا والعراق.

يجد المراقبون صعوبة كبرى في تصور عودة حزب العدالة والتنمية للعودة إلى مرحلة "برنامج الحل" مع حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطية، ومن ثم كسب أصوات الناخبين الأكراد. وذلك لأسباب مركبة، تتعلق أولاً بضيق الوقت وعدم القدرة على إقرار ما هو مضاد لتوجهاته الراهنة جذرياً خلال هذه المدة القصيرة، ولتحالفه مع حزب الحركة القومية المتطرفة، التي ستفض أية شراكة معه في حال شعوره بذلك النوع من التبدل في توجهات العدالة والتنمية. لكن أيضاً لمعرفة حزب العدالة والتنمية صعوبة استعادة ثقة الناخبين الأكراد، الذين صاروا يعتقدون أن سياسات أردوغان والعدالة والتنمية هي سبب مآسيهم الراهنة.

الأمر نفسه يتعلق بالملف والأداء الاقتصادي، الذي كان الأداة الأكثر حيوية بيد العدالة والتنمية طوال عقدين كاملين لجذب القواعد الناخبة، الكردية منها بالذات. حيث كانت الدعاية المركزية للحزب تقول إن سوء التنمية المتوازنة في مختلف أنحاء البلاد يؤجج المسألة الكردية، وإن فعل العكس هو أداة لتفكيك تلك المسألة.

فبعد سنوات من التنمية الحقيقية في ذلك الاتجاه، فأن الأرقام والمؤشرات الاقتصادية تدل على غير ذلك تماما. فنسبة الواقعين ضمن قائمة متوسطي الدخل الاقتصادي في البلاد، )أو ما دون 6000 ليرة تركيا للفرد شهرياً، أو يعادل 350 دولاراً للفرد شهرياً) تبلغ 65 بالمائة على المستوى الوطني، لكنها في المحافظات الكردية الـ 14 أنما تتجاوز نسبة الـ 85 بالمائة.

تربط القواعد الكردية الناخبة حدوث ذلك بمجريات الملف السياسي. فتراجع التنمية الاقتصادي في المناطق الكردية جاء كأداة عقابية من قِبل إدارة أردوغان عقِب انهيار عملية السلام في العام 2015. وهو أمر حدث في مختلف مناطق تركيا خلال نفس المرحلة، وإن بنسبة أقل. لذلك تعطي هذه القواعد الأولوية للحل السياسي للمسألة الكردية، وليس لبعض البرامج الاقتصادية، كما كان يعد حزب العدالة والتنمية خلال جولات انتخابية سابقة.

كل هذا، إلى جانب ما يتأثر به الناخبون الأكراد من سياسات اقتصادية عمومية لحزب العدالة والتنمية على مستوى البلاد، بالذات خلال الشهور الأخيرة، مثل زيادة أعداد موظفي الخدمة العامة والهيمنة السياسية على البنك المركزي وزيادة مستويات الفساد والتضخم وتراجع الشفافية والمساواة في الوصول إلى المناقصات العامة.

لأجل كل ذلك، فأن ائتلاف "طاولة الستة" المعارض يعتبر أن حزب العدالة والتنمية، ومن خلفه "تحالف الأمة" لن يتمكن من الحصول على الأصوات الكردية بأي شكل، لذلك يتمهل ويمتنع من تقديم "تنازلات" واضحة لهؤلاء الناخبين الأكراد ومن خلفهم حزب الشعوب الديمقراطية.

عملياً، قدم هذا التحالف المعارض مشروعين سياسيين، وعلى مستويين مختلفين، لما يعتبرهما رؤيته لحكم البلاد، هما: برنامج "رؤية لقرن ثاني"، التي قدمها حزب الشعب الجمهوري في أواخر العام الماضي، وهو الحزب الرئيسي في ائتلاف المعارضة. المستوى الآخر كان برنامج الـ "2300 نقطة"، الذي قدمه الائتلاف نفسه كبرنامج سيسعى لتحقيقيه في حال وصوله للسلطة.

في كِلا المشروعين المطروحين، ليس ثمة ما يخص الأكراد ومسألتهم، أي فيما خص ذلك السياق الذي يعتبرها "قضية شعب" ضمن تركيا، يسعى للحصول على المزيد من اشكال الاعتراف والحقوق القومية.

فخلا بعض المحددات العامة، من مثل استعادة النظام البرلماني وزيادة مستويات العدالة في توزيع الخير العام والقوة الوطنية والمساواة بين مختلف المواطنين بغض النظر عن هوياتهم العرقية واللغوية، وزيادة الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان ومنع إلغاء الإدارات المحلية والبلدية لأسباب سياسية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، فأن كلا البرنامجين المطروحين لا يقول شيئاً نوعياً عن المسألة الكردية نفسها.

يحيل المراقبون ذلك إلى ثلاثة أسباب رئيسة: فالتحالف المعارض يضم "الحزب الخيّر/IYI Party"، المنشق عن حزب الحركة القومية المتطرف، والذي يرفض أي تواصل سياسي مع حزب الشعوب الديمقراطية، مشترطاً أن يعلن هذا الأخير "حزب العمال الكردستاني حركة إرهابية" قبل حدوث أي شيء من ذلك. كذلك لأن هذا الائتلاف المعارض، بالذات حزب الشعب الجمهوري منه، يعتقد أن التواصل والتحالف مع حزب الشعوب الديمقراطية سيعيد لصق القواعد الانتخابية القومية بحزب العدالة والتنمية، تلك القواعد التي كان تخليها عن حزب العدالة والتنمية سبباً لتراجع شعبية العدالة والتنمية وتحالفه الحاكم. فوق الأمرين، فأن الائتلاف المعارض يعتقد الأمور تتدهور بالنسبة للسلطة بالتقادم يوماً بعد آخر، وأن المعارضة إن لم تستطع الفوز من الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية، فأن المقاطعة الكردية في الجولة الثانية ستمنحها فوزا مؤكدا. أما الشراكة داخل البرلمان مستقبلاً، فيمكن العمل عليها حسب "نظام القطعة الواحدة".    

 

Getty Images
مواطنون ينتظرون في مركز اقتراع في ديار بكر، معقل الأكراد في جنوب شرق تركيا، في 31 مارس 2019.

لكن ائتلاف المعارضة يسعى عبر مستويات مختلفة الاستفادة من أكثر من عامل تفصيلي: فالتحالف الصامت بين حزب الشعوب الديمقراطية وحزب الشعب الجمهوري خلال آخر انتخابات بلدية، سمح بفوز مرشحي المعارضة في بلديات أكبر مُدن البلاد، بعد عقدين من سيطرة حزب العدالة والتنمية عليها. وهو أمر يعتقد الائتلاف المعارض أنه قد يتكرر بمعنى ما مستقبلاً.

كذلك فأن الائتلاف المعارض يعتقد أن وجود شخصيات مثل علي بابا جان وأحمد داوود أوغلو ضمن صفوف المعارضة، بالذات بعدما اعترفت برامج أحزابهما بوجود قضية كردية في تركيا ويجب حلها، أنما تمنح ائتلاف المعارضة أفضلية بالنسبة للناخب الكردي.

إلى جانب ذلكم الفاعلين، فأنا المعارضة تعتقد أن تحديد مرشح رئاسي واحد من قِبلها، سيكون أداة لمنح هذا الأخير حرية أكبر للتعامل مع مطالب الناخبين الأكراد، بما في ذلك التواصل مع حزب الشعوب الديمقراطية، دون إحداث حرج لبعض أطراف الائتلاف أمام ناخبيه. ذلك التواصل الذي قد يصل إلى مستوى تقديم تعهدات ووعد غير معلنة، وإن متفق عليها بين الطرفين، خصوصاً في المرحلة الفاصمة بين جولتي الانتخابات الرئاسية.

في مواجهة ذلك، فأن حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس أردوغان يتمرجح على أكثر من حبلٍ يراها قادرة على خلق إغراء ما للناخبين الأكراد. فبعض أشكال التخفيف عن القادة السياسيين الأكراد بدأت تظهر ملامحه في الآونة الأخيرة، مثل السماح لزعيم حزب الشعوب الديمقراطية المعتقل صلاح الدين دميرتاش بزيارة والده في المستشفى. كذلك فأن الحزب يبدو وكأنه قد ألغى العملية العسكرية التي كان يخطط لها ضد قوات سوريا الديمقراطية "الكردية" شمال شرق سوريا في مرحلة ما قبل الانتخابات. مع الأمرين، فأن الرئيس أردوغان قد يضغط على القضاء لمنع إغلاق حزب الشعوب الديمقراطية قبل إجراء الانتخابات البرلمانية، وإعادة الحسابات المالية التي للحزب في ذمة الخزينة العامة، والتي تم استقطاعها تماماً نهاية العام الماضي.

 

font change

مقالات ذات صلة