السعودية: تنويع مصادر الدخل يسير بثبات

ارتفعت إلى 36 في المئة في الربع الأول من 2023 مع تحسن في تنويع الاقتصاد ومصادر الدخل

Shutterstock
Shutterstock

السعودية: تنويع مصادر الدخل يسير بثبات

تجتهد دول العالم لتعزيز مصادر الدخل وتنويعها، وتضع ذلك ضمن أبرز أهدفها المالية، إلا أن تحقيق ذلك يواجه الكثير من الصعوبات في الوقت الراهن، إذ يعاني الاقتصاد العالمي اضطرابات وتحولات كبرى، ومرحلة من عدم اليقين مستمرة منذ تداعيات جائحة كوفيد-19، وصولا إلى تقلبات أسعار الطاقة، والتشدد في السياسات النقدية.

لكن الواقع الاقتصادي يبدو مختلفا في المملكة العربية السعودية عما هو عليه في كثير من دول العالم، حيث تظهر الأرقام أن البلاد تخطو بثبات نحو تنويع الاقتصاد، وتعزيز مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل. يأتي ذلك بعدما كان الاعتماد على النفط يصل في الموازنة العامة للدولة إلى مستويات تناهز الـ85 في المئة، إلا أنه تراجع بشكل ملحوظ في ضوء برامج وأهداف "رؤية 2030" الوطنية الطموحة.

وفقاً لآخر الأرقام المعلنة لوزارة المالية السعودية -أرقام الموازنة عن الربع الأول من 2023- انخفض الاعتماد على النفط كمصدر دخل رئيسي للبلاد إلى ما نسبته 64 في المئة، حيث باتت الإيرادات غير النفطية تشكل نحو 36 في المئة من الإيرادات العامة للدولة، وهي نسبة مرتفعة،وتظهر تحسنا، مقارنة بما كانت عليه الإيرادات غير النفطية خلال الفترة المماثلة من العام المنصرم.

تؤكد بيوت الخبرة العالمية في تقاريرها الدورية، النظرة الإيجابية إلى الاقتصاد السعودي بين حين وآخر، كما أن الشركات الوطنية الكبرى في المملكة باتت تحقق هي الأخرى تصنيفات ائتمانية مرتفعة، تدل على مدى قدرة القطاع الخاص والشركات الكبرى السعودية على تعزيز دورها في تنويع اقتصاد البلاد، وتوفير الفرص الاستثمارية، والتفاعل الحيوي مع البرامج الوطنية الرائدة.

باتت الإيرادات غير النفطية تشكل نحو 36 في المئة من الإيرادات العامة للدولة، وهي نسبة مرتفعة

الربع الاول بالأرقام

في هذا السياق، أصدرت وزارة المال السعودية تقرير أداء المالية العامة للبلاد حتى الربع الأول من عام 2023، الذي سجل عجزاً طفيفاً بلغت قيمته 2,9 مليار ريال (773 مليون دولار)، وبلغت الإيرادات 280,9 مليار ريال (74,9 مليار دولار)، في مقابل نفقات 283,9 مليار ريال (75,7 مليار دولار).

وجاء العجز في موازنة الربع الأول 2023 نتيجة ارتفاع الإنفاق الحكومي بنسبة تصل إلى 29 في المئة مقارنة بالفترة المماثلة من العام المنصرم. تأتي هذه الزيادة في مستويات الصرف لتحقيق الأهداف والاستمرار في الإصلاحات المالية.

وتحسنت الإيرادات لتصل إلى 280,9 مليار ريال (74,9 مليار دولار)، في مقابل 278 مليار ريال (74,1 مليار دولار) في الربع الأول من العام الماضي 2022، وجاء هذا الارتفاع على الرغم من تراجع أسعار النفط مقارنة بالفترة المماثلة من العام المنصرم، حيث تراجعت الإيرادات النفطية بنسبة 3 في المئة لتحقق 178,6 مليار ريال (47,6 مليار دولار) في الربع الأول من العام 2023، في مقابل 183,7 مليار ريال (48,9 مليار دولار) للفترة نفسها من 2022.

Shutterstock

وفي الوقت الذي انخفضت فيه الإيرادات النفطية بشكل طفيف، نجحت برامج رؤية المملكة 2030 الداعمة للقطاع غير النفطي وتنويع مصادر الدخل، في لعب دور بارز في رفع الإيرادات غير النفطية في الربع الأول من هذا العام، حيث قفزت بنسبة 9 في المئة مسجلة 102,3 مليار ريال (27,28 مليار دولار) في مقابل 94,3 مليار ريال (25,1 مليار دولار) للفترة نفسها من 2022، معوِّضةً بذلك تراجع الإيرادات النفطية، مما أسهم في ارتفاع الإيرادات الإجمالية بنسبة 1 في المئة، كما نتج من ذلك ارتفاع حصة الإيرادات غير النفطية إلى 36 في المئة من الإيرادات الإجمالية في الربع الأول من 2023 بعدما كانت 34 في المئة في الفترة نفسها من 2022.

وحققت النشاطات غير النفطية نموا نسبته 5,8 في المئة في الربع الأول من السنة الجارية، من خلال التركيز عليها والعمل على أن تكون قاطرة الاقتصاد المحلي، ومن المتوقع أن ترتفع مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي إلى 65 في المئة في 2030.

من جهة أخرى، استمرت السياسة المالية التوسعية للسعودية ضمن برنامجها الإصلاحي الاقتصادي، حيث ارتفعت النفقات بنسبة 29 في المئة في الربع الأول من عام 2023 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، فيما ارتفع الإنفاق الرأسمالي، بنحو 75 في المئة مسجلاً 26 مليار ريال (6,9 مليارات دولار)، في مقابل 14,8 مليار ريال (3,9 مليارات دولار) للفترة نفسها من العام 2022.

في السياق نفسه، ارتفع الإنفاق التشغيلي بنسبة 25 في المئة، مدفوعاً بارتفاع الانفاق على السلع والخدمات بنسبة 70 في المئة لتصل إلى 54,1 مليار ريال (14,4 مليار دولار) في مقابل 31,8 مليار ريال (8,48 مليار دولار)، يمثل ذلك قيمة السلع والخدمات التي اشترتها الحكومة لاستخدامها في العملية الإنتاجية.

وعكست المصروفات البعد الاجتماعي في الإنفاق الحكومي، حيث ارتفعت مصروفات المنافع الاجتماعية بنسبة 52 في المائة لتصل إلى 19,2 مليار ريال (5,12 مليار دولار)، في مقابل 12,7 مليار ريال (3,38 مليار دولار) في الفترة نفسها من عام 2022.

هناك قدرة كبيرة على الاستمرار في السياسة المالية التوسعية والنظر في تسريع المشاريع ذات العائد الاقتصادي والاجتماعي، والسعي في الوقت نفسه نحو تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030

الدين العام... يتراجع

كشفت الأرقام والمعلومات الصادرة عن وزارة المالية السعودية حول موضوع العجز، أنه مول بالكامل من الدين الخارجي فقط، من دون السحب من الاحتياطي. ولا يثير هذا المستوى من العجز قلقاً في ظل المركز المالي القوي للمالية العامة، لذا هناك قدرة كبيرة على الاستمرار في السياسة المالية التوسعية والنظر في تسريع المشاريع ذات العائد الاقتصادي والاجتماعي، والسعي في الوقت نفسه نحو تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030.

وانخفض الدين العام بقيمة 27,8 مليار ريال، أي ما يمثل 3 في المئة ليصل إلى 962,2 مليار ريال (256,5 مليار دولار) في نهاية الربع الأول من عام 2023، وذلك بعد اقتراض بشكل إصدارات بقيمة 49,9 مليار ريال (13,3 مليار دولار)، وسداد أصل دين بقيمة 77,7 مليار ريال (20,72 مليار دولار)، فيما تم استغلال الفـرص المتاحـة خلال العـام المنصرم لخفـض احتياجـات التمويـل لعـام 2023، مـن خلال تنفيـذ عمليـات تمويليـة مسـبقة، حيـث أسهمت تلـك العمليـات فـي خفـض أخطار إعـادة التمويـل علـى محفظـة الديـن فـي ظـل تقلبـات الأسواق وأسـعار الفائـدة.

المملكة تمتلك الأسس الاقتصادية والمالية القوية وحققت أدنى معدلات التضخم في مجموعة العشرين خلال عام 2022

وزير المالية السعودي محمد الجدعان

كيف عززت إيراداتها غير النفطية؟

كثّفت السعودية خلال السنوات الماضية إصلاحاتها الاقتصادية والمالية، التي انعكست بدورها على قدرة الاقتصاد على الثبات ومواجهة الصعوبات، بدءا من تداعيات جائحة كوفيد-19، وصولا إلى تشديد السياسات النقدية في الكثير من دول العالم. إلا أن اقتصاد البلاد نجح في الصمود أمام هذه الظروف، بل وتسجيل معدلات نمو هي الأعلى بين دول مجموعة العشرين في 2022. 

بالإضافة إلى هذه الإصلاحات، بات صندوق معدلات نمو جيّدة تعزز مساهمتها في الناتج المحلي. يأتي ذلك في الوقت الذي تستهدف فيه رؤية الاستثمارات العامة هو الذي يقود قاطرة الاستثمارات في البلاد، الأمر الذي عزز حجم الفرص الاستثمارية أمام القطاع الخاص، وأتاح في الوقت نفسه لكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة فرصة تحقيق 2030 رفع مساهمة هذه الشركات في الاقتصاد الوطني بمعدلات أعلى بكثير مما كانت عليه في السابق.

ويسهم الانتعاش الاقتصادي الذي تعيشه البلاد في قدرة القطاع الخاص على خلق المزيد من فرص العمل من جهة، كما ينعكس إيجابا على الإيرادات العامة للدولة من حيث دوران السيولة داخل الاقتصاد، ذلك نتيجة لاتخاذ الحكومة الكثير من الخطوات التي عززت تنويع الاقتصاد وإيجاد أفق أرحب لاستثمار الفرص الهائلة التي يحظى بها الاقتصاد الوطني.

في هذا الخصوص، أكد وزير المالية السعودي محمد الجدعانفي وقت سابق أن المملكة تواصل مسيرتها باعتبارها شريكا موثوقا به للمستثمرين، حيث انضمت 5 مؤسسات مالية دولية إلى برنامج المتعاملين الأولين المحلي في المملكة، مضيفاً أن "المملكة تمتلك الأسس الاقتصادية والمالية القوية وحققت أدنى معدلات التضخم في مجموعة العشرين خلال عام 2022".

ومن المتوقع أن تواصل المملكة العربية السعودية تعزيز اقتصادها من خلال الاستمرار في الإنفاق المرتفع، على الرغم من الظروف الحالية الصعبة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، حيث يستند اقتصاد البلاد إلى رؤية وطنية طموحة ينبثق منها العديد من البرامج الوطنية والمشاريع والمستهدفات ذات الأثر الإيجابي على معدلات نمو الاقتصاد وحيويته.

font change

مقالات ذات صلة