هل يحق لأردوغان ما لا يحق لغيره؟

كيف ضاقت الأرض على السوريين بين أردوغان وكليشدار أوغلو؟

هل يحق لأردوغان ما لا يحق لغيره؟

الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أجريت يوم 14 مايو/أيار في تركيا، ونتج عنها برلمان جديد بلا أغلبية لأي من الأحزاب، لم يتمكن أي من المرشحين فيها لموقع الرئاسة من تجاوز عتبة الـ50 في المئة من الأصوات اللازمة لتولي المنصب.

وفيما حصل الرئيس التركي الحالي المرشح رجب طيب أردوغان على 49.52 في المئة من الأصوات وفقا لنتائج الهيئة العليا للانتخابات، حصل منافسه زعيم حزب الشعب الجمهوري كليشدار أوغلو على 44.88 في المئة من الأصوات، بينما حقق المرشح الرئاسي الثالث سنان أوغان والذي خاض الانتخابات تحت لواء "تحالف الأجداد" شديد التعصب ضد اللاجئين، على 5.17 في المئة، مما خوله للعب دور "بيضة القبان"، وانتهت مفاوضاته بأن قرر دعم أردوغان في الجولة الثانية.

وبعيدا عن التحالفات والسياسة التركية الداخلية، ما يهمني في هذا المقال هو الحديث عن الشأن السوري وخصوصا موضوع اللاجئين السوريين في تركيا، وما تضمنته الحملات الانتخابية من خطاب عنصري يصل إلى حد الكراهية، ومفاعيل ذلك على ما بعد الانتخابات والتي بات من شبه المؤكد أن يفوز بها أردوغان.

كليشدار أوغلو الذي تسبب خطابه العنصري ضد اللاجئين في استقالات من عدة أحزاب توافقت على دعمه وهي ما كانت قد شكلت بتحالفها ما يعرف بالطاولة السداسية، أطلق العنان لخطاب تجاوز مفهوم العنصرية ليصل إلى حد الكراهية والتحريض ورفع إعلانات تدعو إلى ترحيل السوريين.

بعيد انتهاء الجولة الأولى من الانتخابات، وفشل أي من المرشحين في تحقيق نسبة 50 في المئة زائد واحد من أصوات المقترعين، ارتفع منسوب الخطاب العنصري ضد اللاجئين السوريين تحديدا، وضاق بلد الـ85 مليونا بثلاثة ملايين لاجئ.

وبات خطاب إعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا هو العامل المشترك بين المتنافسين، رجب طيب أردوغان وكمال كليشدار أوغلو، واختلف أسلوب الخطاب.

ورغم ذلك، أبدت الغالبية العظمى من السوريين في تركيا تأييد أردوغان، سواء ممن حصلوا على الجنسية التركية وبات بإمكانهم التصويت أو الامتناع، وهؤلاء يفوق عددهم 130 ألفا، أو ممن لا يملكون الجنسية التركية ولكن تملكهم الخوف من مصير مجهول في حال لم يفز أردوغان بالرئاسة، ووصل الأمر ببعض من قادة الرأي و"النخب"، وتحديدا من الإسلاميين، إلى دعوة جميع الحاصلين على الجنسية التركية إلى التصويت لأردوغان وإن لم يفعلوا فهم يقدمون بذلك خدمة لنظام الأسد.

ولكن لنتذكر أن سياسة ترحيل السوريين بدأت قبل سنوات، ومن شرعها هو أردوغان، وأعيد عشرات الآلاف قسرا إلى سوريا خلال الأعوام الأخيرة، مع محاولات حثيثة من الحكومة التركية على تصوير العودة بأنها "طوعية"؛ فقد سبق وذكرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" أن العائدين كثيرا ما تعرضوا للاعتقال أو أجبروا على التوقيع على استمارات الترحيل. كذلك تحدث سوريون ممن عادوا "طوعيا" عن المعاملة القاسية التي تعرضوا لها من قبل الأتراك وكيف واجه كثير منهم خطر الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري في سوريا، بعدما أرغموا على التوقيع بالقوة على استمارة العودة الطوعية.

بعيد انتهاء الجولة الأولى من الانتخابات، ارتفع منسوب الخطاب العنصري ضد اللاجئين السوريين تحديدا، وضاق بلد الـ85 مليونا بثلاثة ملايين لاجئ

ولنتذكر حملات التحريض اليومية ضد السوريين في تركيا، وعمليات القتل والعنف الذي تعرضوا ويتعرضون له بشكل شبه يومي دون أن نشهد محاكمة عادلة واحدة ضد المعتدين، ولنتذكر مئات السوريين الذين قضوا برصاص "الجندرما" التركية وهم يعبرون الحدود دون أن يتخذ قرار واحد يعاقب القاتل أو أقله يوقف القتل مستقبلا.


ولنتذكر أنه قبل نحو عام تعهّدت وزيرة الأسرة والشؤون الاجتماعية في حكومة أردوغان داريا يانيك بإخلاء بلادها من اللاجئين السوريين خلال عام واحد، وقالت: "سوف نكثف جهودنا ونعمل بكل طاقتنا حتى لا يتبقى سوريون على أرضنا بعد عام 2023".


وقبل أيام، وفي خضم المعركة الانتخابية، أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن عدد السوريين الذين غادروا تركيا إلى وطنهم بلغ حتى الآن أكثر من 550 ألف شخص، لافتاً إلى أنه "يجري العمل على إرسال مجموعات جديدة منهم بوتيرة سريعة"، وأكد أن "الهدف هو إعادة اللاجئين الذين وصلوا إلى تركيا من مناطق سيطرة النظام السوري إلى المناطق نفسها، وللقيام بذلك سنجري المفاوضات اللازمة". وذهب أبعد من ذلك حين قال إنه لا يصح القول إن تركيا ستعيد كافة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فهناك قطاعات في تركيا مثل الزراعة والصناعة، بحاجة إلى أيدٍ عاملة.


ولنتذكر أيضا أنه وفي يوم ما وأيضا خلال حملة انتخابية سابقة، دعا رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان الأتراك ليكونوا مثل "الأنصار" تجاه "المهاجرين" السوريين، ولكن ما قيل حينها راح أدراج الرياح.


نعم لقد تضاعف عدد اللاجئين في تركيا، وطال أمد الأزمة السورية، ولكن هذا لا يمكن أن يكون مبررا مقبولا لجعل اللاجئين يدفعون الثمن مرتين، هم ضحايا يوم هربوا وهم ضحايا يوم يرغمون على العودة، وهم ضحايا عندما يتم تحويلهم إلى مادة إعلانية.
 

في يوم ما وأيضا خلال حملة انتخابية سابقة، دعا رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان الأتراك ليكونوا مثل "الأنصار" تجاه "المهاجرين" السوريين، ولكن ما قيل حينها راح أدراج الرياح

خطاب الإسلاميين السوريين الذين يعتبرون أن من لا يؤيد أردوغان هو مؤيد للنظام السوري أو لبرنامج كليشدار العنصري، هو خطاب أقل ما يقال عنه إنه تزوير للماضي القريب والحاضر والمستقبل... إن تعارض خطاب المعارضة التركية فهذا لا يعني أن خطاب أردوغان اليوم أفضل حالا، وليتذكر هؤلاء أن الثورة السورية والسوريين يدفعان اليوم ثمن "مسار آستانه، وسوتشي"، الذي سار بهم أردوغان فيه وأخذ معه المعارضة السورية الرسمية، فتنازلوا يومها عن "مسار جنيف" والقرار 2254، وليتذكروا أيضا من حول المعارك من معركة تحرير إلى معارك غايتها فقط أمن تركيا، ولنتذكر كيف سبق وأرسل سوريين ليقاتلوا نيابة عنه في ليبيا وأذربيجان.


بين أردوغان وكليشدار سيدفع السوريون الثمن مجددا، وخصوصا في غياب أي مؤسسة أو صوت يدافع عن مصالحهم وحقوقهم، وفي غياب أي بوادر لحل سياسي عادل وفق القرار الدولي 2254.


إلى حينه، هل يصح القول إن الأرض ضاقت على السوريين، أم إن لسان حال البعض يقول: يحق لأردوغان ما يحق لغيره، حتى لو دفع السوريون الثمن مجددا؟
 

font change