عبد الرحيم سالم: أسطورة "المهيرة" قادتني إلى التجريد

أحد أبرز الأصوات التشكيلية الإماراتية

الفنان التشكيلي عبد الرحيم سالم

عبد الرحيم سالم: أسطورة "المهيرة" قادتني إلى التجريد

أبوظبي: احتلت أسطورة"المهيرة" حيزا كبيرا من عمل الفنان التشكيلي الإماراتي عبد الرحيم سالم، منذ ظهورها للمرة الأولى في أعماله. يوضح: "في العام 1994 بدأت أرسم هذه الشخصية، وفي 1995 بدأت أضع لها رموزا معينة لأني لا أريد أن أجترّها بتصورات الناس في المجتمع المليء بالقضايا، لهذا فإن وجود المهيرة في فني يجعلني أعبر عن الكثير من المواضيع التي تثير اهتمامي كإنسان وفنان".

عبد الرحيم سالم الذي يعد واحدا من رواد الفن التشكيلي الإماراتي بدأ تجربته العملية عندما عاد من مصر بعد حصوله على شهادة البكالوريوس في قسم النحت من كلية الفنون الجميلة في جامعة القاهرة عام 1981، ليصبح من الفعالين والمؤثّرين في الحركة التشكيلية الإماراتية. عرضت أعمال سالم الفنية في الكثير من المعارض الفردية الإقليمية والبيناليات الدولية، ومن أبرزها الجناح الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة في بينالي البندقية في دورته السادسة والخمسين وبينالي الفن الآسيوي (دكا، بنغلاديش) وفي دورتين من بينالي القاهرة الدولي للفنون. أعمال سالم موجودة في متحف الشارقة للفنون، ومجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، وأدنوك في أبوظبي، ومتحف الأردن الوطني وغيرها من أماكن.

أرسم لكي يتفاعل الناس معي وهذا لا يمنع أن أوضح لهم بعض الجوانب الخافية في العمل الفني، كما لا يمنع أن أترك المشاهد يتمتع في بعدٍ ما يراه في عملي ويمكن أن يجد فيه عكس ما أقوله

رمز تفاعلي

يستحضر عبد الرحيم سالم قصة "المهيرة" ويقول: "هي امرأة رائعة الجمال عاشت في الشارقة في خمسينات القرن الماضي، ويقال إنها وقعت ضحية السحر وفقدت عقلها، إذ أراد رجل أن يقيم علاقة سيئة معها، فرفضت، فعمل لها سحرا أوصلها إلى تلك الحال... إذا هي دفعت ثمنا غاليا لأنها قالت لا لرجل".

ويوضح: "تعتبر المهيرة جزءا مهما في عملي، وأوثقها بجدية ليست كقصة وإنما كإنسانة، فحاولت أن أبني كل مخيلاتي وانطباعاتي عن هذه المرأة، وفي الوقت نفسه أدافع عنها بشكل غير مباشر وأقدمها الى المجتمع كإنسانة تذكّرنا بقصتها، وهذا كله نابع من تربيتي التي كانت محاطة بالنساء. فقد توفي والدي وتربيت بين والدتي وجدتي وعماتي وخالتي، وقد تركن جميعا أثرا كبيرا عليّ، وأنا أقرب على المستوى الإنساني من النساء أكثر من الرجال، مع العلم أن المهيرة باتت موضوعا فنيا بالنسبة إليّ أكثر من كونها علاقة اجتماعية". ويؤكد: "ما زلت أتناولها بصورة رمزية، وهي تتخذ مثلا في أعمالي الأخيرة صورة الهلال، وأعالج من خلالها الأمور التي تشغلني. ففي بداية جائحة كوفيد19، على سبيل المثل، أصيبت ابنتي وتأثرت كثيرا بخوفها وهي تُحمل بسيارة الإسعاف والابتسامة على وجهها. وبعدما تعافت رسمت لوحة كبيرة سميتها "الأمل" لأنني بعودتها سالمة شعرت بعودة الحياة إلى المهيرة نفسها".

من أعمال الفنان التشكيلي عبد الرحيم سالم

"في كلّ موضوع أطرحه وأتفاعل معه تكون المهيرة موجودة، مثل اللوحة التي رسمتها عن الزلزال الذي وقع في سوريا وتركيا، أي أن علاقتي معها تشبه علاقة الفنان الفلسطيني الراحل ناجي العلي مع حنظلة الذي كان يضعه شاهدا ورمزا في كل أعماله ويحركه مع القضايا المختلفة".  

اختار سالم الإبداع في نطاق اللوحة، لا النحت الذي تخصص فيه: "عندما بدأت بدراسة الفن كنت أمتلك أسس الرسم، لذلك أردت الإفادة من مجال لا أعرفه، فتخصصت في النحت كنوع من التجربة لا كرغبة. من هنا قلة أعمالي النحتية، وهذا له علاقة بالجانب الديني مع احترامي لأي شخص يمكن أن يفكر بهذه الفكرة". 

 

سحر التجريد

على الرغم من قدرة عبد الرحيم سالم على الرسم الواقعي إلا أنه فضل الأسلوب التجريدي وجاءت ألوانه متحرّرة من القيود لتأخذ أشكالها النهائية على امتداد مساحة اللوحة. يوضح: "أي عمل واقعي لا يمكن أن يصل إلى العمق الخاص للموضوع، لأن الناس يتعاملون مع اللوحة بشكل مباشر. عندما يكون الرسم مباشرا للعين مثلا يعرفون أنها العين، ولكن لو أردت أن أتكلم أبعد من هذا الجانب الواقعي، فإنني أرى التجريد عالما مليئا بسحره الخاص، كأسلوب يعبّر عن الفكر أو عن المشاعر، وأستطيع أن أرى الضوء الآخر في نهاية النفق". ويضيف:  "أريد من المشاهد أن يتفاعل مع قضية ما أو فكرة ما ويحرك جزءا من تفكيره أو من إحساسه أو أن يصل إليه معنى ما أحاول التعبير عنه، فأنا أرسم لكي يتفاعل الناس معي وهذا لا يمنع أن أوضح لهم بعض الجوانب الخافية في العمل الفني، كما لا يمنع أن أترك المشاهد يتمتع في بعدٍ ما يراه في عملي ويمكن أن يجد فيه عكس ما أقوله، في بعض الأحيان إن قلت هذا بحر يعني أني حددته، لكنه قد يفهم أنه شيء آخر ويمكن أن ينظر اليه على أنه سماء. بالتالي، حين أضع مسميات معينة أو أشكالا معينة، أقيم سدّا بيني وبين المعرفة في بعد العمل الفني نفسه".

الفنان التشكيلي عبد الرحيم سالم

يرى سالم أن هناك فنانين كثرا يكررون أنفسهم "لأنهم لا يمتلكون عمقا في موضوعاتهم، لذلك عندما نراهم يكررون أشكالهم ووحداتهم، فهذا لأنهم يدورون في حلقة مفرغة ولكن من يمتلك ثقافة وفكرا نجد في أعماله عمقا". 

في لوحاته التجريدية يثير سالم التساؤلات، التي لا تتعلق بتأويل اللوحات فحسب، بل لاستخدامه اللون الأسود الذي يربك العديد من الفنانين فيبتعدون عنه. يوضح: "يعتمد استخدام اللون على المهارة والتدريب وقدرة الفنان على السيطرة على عمله. هناك من يفسّرون استخدامي لهذا اللون بأنني حزين، لكنّ العكس صحيح، فأنا أشعر بالفرح، لكنّ الأسود لون قوي ويظهر قوة الفنان، وهو في الوقت نفسه لون محايد يستوعب جميع الألوان ويمتصها ويتفاعل معها".

يؤكد سالم أنه يرسم على نحو يومي: "لديّ لوحات كثيرة مع العلم أنه لديّ ثلاثة مخازن، كما أني أضع بعض اللوحات الكبيرة خارج المرسم، كوني غزير الإنتاج وعندي أكثر بكثير من ألف لوحة إكريليك على القماش إلى جانب استكتشات ولوحات على ورق".

تشعرنا غزارة هذه التجربة وتنوعها بأننا أمام فنان استطاع صنع تجربة متفردة، وهو ما أهله للحصول على عدد من الجوائز منها جائزة الدولة التقديرية للعلوم والفنون والآداب، والجائزة الأولى في بينالي الشارقة، وجائزة لجنة التحكيم في بينالي القاهرة، والجائزة الفضية في بينالي بنغلاديش، وجائزة سلطان بن علي العويس، وجائزة السعفة الذهبية لفناني دول مجلس التعاون الخليجي. عن هذا يقول: "الجائزة تأكيد أنني أمضي في الطريق الصحيح لكنها ليست تقييما بالنسبة إلي، مثلا في بينالي الشارقة أو بنغلاديش أرى أن هناك فنانين أفضل مني لم يحصلوا على الجائزة".   

كثير من الفنانين يكررون أنفسهم لأنهم لا يمتلكون عمقا في موضوعاتهم، فيدورون في حلقة مفرغة 

تحدي البدايات

عبد الرحيم سالم هو أحد مؤسسي جمعية الإمارات للفنون التشكيلية عام 1980، وشغل منصب رئيس الجمعية لأربع دورات. عن ذلك يقول: "بجهود الأخوة الفنانين كنا أسرة متقاربة، وكان معنا بالإضافة إلى الفنانين الإماراتيين، فنانون عرب وأجانب. وخلال فترة رئاستي للجمعية ركزت على جوانب عدة أولها تنظيم دورات فنية خلال فترة الصيف وهي موجهة للشباب في الجمعية، كما عملت على تأسيس مجلة "تشكيل" بالتعاون مع الفنان الراحل حسن شريف، كما بدأت بالتركيز على المعارض الخارجية بالتعاون مع وزارة الإعلام في تلك الفترة".

من أعمال الفنان التشكيلي عبد الرحيم سالم

أما عن الحركة التشكيلية في العالم العربي. فيقول: "تفاعل الناس في البلدان العربية مع الفن، لا يقارن بأوروبا على سبيل المثل، لا من ناحية المستوى ولا الكمّ ولا المعارض والاقتناء، أما داخل المنطقة العربية فهناك تفاوت أيضا، إذ أن بعض الدول لا تمتلك الإمكانات أو التوجه لدعم الفنانين والحركة التشكيلية، لذلك تتقدّم ببطء. وبصورة عامة، نجد أن هناك هبوطا في المستوى، وفي كلّ بلد عربي نرى اسمين أو ثلاثة من الفنانين لهم تأثير وحضور، أما الباقي فتحصيل حاصل".

font change

مقالات ذات صلة