الأمير هاري يحاول حسم المعركة مع صحف "التابلويد"

التجريح والإساءة من صحف "التابلويد"

Reuters
Reuters

الأمير هاري يحاول حسم المعركة مع صحف "التابلويد"

ثمة ميزة في أن تكون شخصا غير ثري – أو بالأحرى غير مشهور- وهي أن بإمكانك أن تنسى وجود شيء يسمى صحافة "التابلويد"، المتخصصة في أخبار المشاهير والإثارة، والمرات الوحيدة التي انتبه فيها لوجود هذه الصحف هي أثناء وقوفي في الطابور في السوبرماركت المحلي.

إلا أن الأمير هاري، المعروف أيضا باسم دوق ساسكس، لم يكن محظوظا من هذه الناحية، وعلينا أن نشفق على رجل تعرض طوال حياته، بحسب ما يقوله هو، للملاحقة من قبل صحافة التابلويد. هاري المضطهد، كما كانوا يطلقون عليه، فهم يحبون استخدام أساليب التورية والجناس اللفظي في اللغة.

تمكنت الصحافة، خلال الأيام القليلة الماضية، من تخصيص عدد أكبر من صفحاتها للحديث عن "البديل"، الذي فر مؤخرا إلى كاليفورنيا، ووقع، بحسب وصف صحيفة ديلي ميل، في أحضان أوبرا وينفري العاطفية، في إشارة إلى المقابلة التلفزيونية التي أجرتها المذيعة الأميركية مع الأمير هاري وزوجته ميغان مارك في 2021.

إلا أن ما أزعج هاري لم يكن قراءته لهذا الأمر في الصفحة الأولى من إحدى الصحف اليومية، بل الإشارة إلى انخراطه في "عوالم التكهنات"، ربما في إشارة ضمنية لصدمته النفسية بعد وفاة والدته الأميرة ديانا في حادثة سيارة بباريس عام 1997، عندما كان هاري يبلغ 12 عاما.

ومن الممكن تفهم المشاعر السلبية التي شعر بها هاري لدى قراءته الصحيفة. فهو، في النهاية، يحاول الحصول على بعض التعويضات عن عمر قضاه كمحور للتكهنات والشائعات والخوض في حياته الشخصية. وربما لن يكون بإمكانه أن يثبت أيا من ادعاءاته فيما يتعلق بنحو ثلاث وثلاثين مقالة مختارة من عدد أكبر من المقالات، إذ بوجود الهواتف مسبقة الدفع والأحاديث التي يمكن إنكار حدوثها والكثير من الأمور غير الأخلاقية الأخرى التي يزعم أن صحفيي صحيفة "مجموعة ميرور" البريطانية استخدموها، فإن إثبات كل تلك الادعاءات أمر مستحيل.

من الممكن تفهم المشاعر السلبية التي شعر بها هاري لدى مطالعته عنوانين صحف "التابلويد"،. فهو، في النهاية، يحاول الحصول على بعض التعويضات عن عمر قضاه كمحور للتكهنات والشائعات والخوض في حياته الشخصية

ومع ذلك، طال انتظار هذه المواجهة كثيرا. فالنزاع بين هاري وزوجته من جهة وبيرس مورغان، رئيس تحرير صحيفة ميرور سابقا وكبير نقادها اليوم، من جهة أخرى، يذكرنا بالصراع الطويل بين آرثر آش وجيمي كونورز، حين استطاع آش أخيرا الانتقام لنفسه بعد أن هزمه كونورز في العديد من بطولات التنس. وللمصادفة، تتزامن هذه المواجهة أيضا مع موسم بطولة التنس.

ولكن، يا للأسف! فمن أجل القضية الماثلة أمام المحكمة العليا، استُحضرت سلسلة من الصحف القديمة المنسية، إلى جانب العديد من التوريات المحزنة التي كان صحافيو صحف التابلويد يتباهون باستخدامها في ذلك الوقت. وما زالت هذه التوريات بعد كل هذا الزمن تثير الصدمة والاشمئزاز، مثل "هاري ينتحر" و "هاري المكتئب". 

وهذه مجرد عينة من انتاجاتهم. وإذا احتاجت الأجيال القادمة إلى التذكير بكمية الانحطاط والرخص في الماضي الحديث للأمة، فيجب إضافة مثل هذه العناوين إلى دروس التاريخ. وحتى من دون الخوض في الطرق الملتوية التي استخدمتها الصحافة الصفراء في التطفل والتجسس على حياة هاري، فإنه يجب أن يكون هناك تحقيق ثالث، مكمل للتحقيق الثاني برئاسة القاضي ليفيسون، بخصوص مسألة التوريات المسيئة. هل كان عنوان كتاب هاري نفسه عبارة عن تلاعب بالكلمات؟ لربما كان استخدام عبارة "التحول إلى البديل" نوعا من أنواع التورية.

AP
الأمير هاري وميغان ماركل يغادران كاتدرائية القديس بولس في لندن، 3 يونيو 2022

وإذا كان الأمر كذلك، فلا أحد يستطيع لومه، بعد كل ذلك النقد المنتشر الذي تعرض له. وعلى الرغم من أن صحافيي صحف التابلويد يحاولون تقديم أنفسهم كشخصيات كوميدية، إلا أنهم لن يستطيعوا التصرف على هذا النحو أمام المحكمة.

لم يكن أمرا معتادا أن يقوم أفراد العائلة المالكة بالإدلاء بشهاداتهم في المحكمة. في الواقع، لم يحدث هذا الأمر منذ أكثر من مئة عام. وأقر معظم المعلقين بأن هاري قام بفعل جدير بالاحترام. فخلال الساعات الثمان، أو نحو ذلك، على مدار يومين، استطاع أن يصمد في وجه أحد أعتى وحوش هذه المهنة. وفي مرحلة ما، وجه إليه غرين سؤالا عما إذا كان سيكون سعيدا إذا تبين أن هاتفه تعرض للاختراق. أي نوع من الأسئلة هذا؟

لم يكن أمرا معتادا أن يقوم أفراد العائلة المالكة بالإدلاء بشهاداتهم في المحكمة. في الواقع، لم يحدث هذا الأمر منذ أكثر من مئة عام. وأقر معظم المعلقين بأن هاري قام بفعل جدير بالاحترام

كانت خلفية كل ذلك واضحة بشكل كبير، وتتجاوز الدراما البسيطة التي حدثت أثناء جلسة استجواب الشهود، وظهرت واضحة في إفادة هاري الطويلة والبليغة. إنها مرض في الجسم السياسي الذي يخاطبه، وهو السلطة التي تتمتع بها الصحافة التي لا تخضع لأي نوع من أنواع المساءلة أو المحاسبة. تستغل هذه الصحافة حرية التعبير عن الرأي وحريات أخرى لاستهداف المشاهير، وأفراد العامة الذين يدفعهم حظهم السيء لإثارة غضبها.

وكانت إفادة هاري حكما دامغا على تدهور أحوال البلاد. لا عجب إذن أنه اجتذب الكثير من الانتقادات، إذ عادة ما يجري تجاهل أحكام من هذا النوع بصفتها "متحيزة." ويصف الدوق (بتواضع ملحوظ) كيف بالغ في الأوصاف التي تلقاها. فكان عليه لعب دور الأمير المستهتر والفاشل والمتسرب، أو "في حالتي، السمج، والخائن، والقاصر الذي يشرب الكحول، ومدمن المخدرات غير المسؤول، والقائمة تطول."

حتى الآن، يبدو كل شيء مألوفا. من الصعب أن نجد شخصا شارك حزنه الشخصي بشكل علني وعلى هذا النحو من الدقة أكثر من هاري. ولكن الأمور أبعد من ذلك بكثير، يقول الأمير هاري في إحدى مداخلاته: 

"... في الوقت الحالي ، يحكم على بلدنا عالميا من خلال حالة صحافتنا وحكومتنا، وأعتقد أن كلاهما في الحضيض، فالديمقراطية تفشل عندما تفشل صحافتك في التدقيق ومساءلة الحكومة، وعندما تختار بدلا من ذلك التحالف معها لضمان الوضع القائم ".

حكومة في الحضيض؟ أعتقد أن هذا حدث تاريخي حقا، لأننا لسنا معتادين على سماع الآراء الشخصية لأفراد العائلة المالكة في وضع الحكومة. فوفقا للبروتوكول، هذا ليس من الأمور المعتادة.

AP
الأمير هاري يغادر المحكمة العليا بعد الإدلاء بشهادته في لندن، 7 يونيو 2023

 

تستغل صحفة التابلويد حرية التعبير عن الرأي وحريات أخرى لاستهداف المشاهير، وأفراد العامة الذين يدفعهم حظهم السيء لإثارة غضبها

وأن نسمع رجلا يعبر بهذا الشكل عن آرائه، على الرغم من امتناع جدته طيلة فترة حكمها الطويل عن التعبير عن آرائها السياسية، واضطرار والده لكبح جماح آرائه السياسية بعد أن خلف والدته في الحكم، يوحي بانفصال تام بينه وبين وضعه الملكي، وأن هذا الانفصال أعمق بكثير من مجرد انتقال إلى الولايات المتحدة.

إذ يبدو وكأن خريج كلية ايتون العريقة، والذي بات "أمريكيا فخريا" (على الرغم من أن هذا الوضع غير مؤكد تماما، إذ أن قضية قضائية بدأت تشكك مؤخرا في صلاحية تأشيرته، نظرا لتصريحه عن تعاطيه المخدرات)، قد انفصل تماما عن أصوله لدرجة أنه بات يسمي التاج بالمؤسسة الإمبراطورية.

"قد لا يكون لي دور ضمن المؤسسة، ولكن بصفتي عضوا في العائلة المالكة البريطانية، وبصفتي جنديا يدافع عن قيم هامة، أشعر أن علي مسؤولية لفضح هذا النشاط الإجرامي باسم المصلحة العامة."

أن نسمع رجلا يعبر بهذا الشكل عن آرائه، على الرغم من امتناع جدته طيلة فترة حكمها الطويل عن التعبير عن آرائها السياسية، واضطرار والده لكبح جماح آرائه السياسية بعد أن خلف والدته في الحكم، يوحي بانفصال تام بينه وبين وضعه الملكي

والمجرمون الذين يسعى هاري لفضحهم هم ذاتهم أولئك الأشخاص الذين استخدموا القرصنة والتنصت من أجل تحويل حياته إلى جحيم. وهذا الأمر أيضا هدف لمئة شخص أو أكثر قاموا برفع دعاوي قضائية ضد مجموعة ميرور.

إلا أن مشروع هاري أكثر طموحا من غيره، فهو يسعى، بحسب البعض، لتغيير المشهد الإعلامي بالكامل. وهذا لعمري أمر صحيح، وهو مشروع طموح بما فيه الكفاية. إلا أن طموح هاري أكبر من ذلك بكثير، إذ يسعى إلى حل المشكلة القديمة للحكومات المتعاقبة الخاضعة لسيطرة الصحف، والتي يخضع محرروها بدورهم لسيطرة المالكين الأثرياء من أصحاب الأجندات الرجعية، بل ويذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، ففي الواقع، هو يحلم بتغيير بلد قديم يعاني من الولع بالتوريات السيئة.

font change

مقالات ذات صلة