للإرهاب دين... وطائفة أيضاً

للإرهاب دين وطائفة أيضاً، وما عدا ذلك أياً كان عدد الضحايا وأعمارهم فللجريمة دوافع ومبررات، ولا أحد سوى فاعلها يتحمل نتيجتها

للإرهاب دين... وطائفة أيضاً

بعد أيام من حديث وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان بأن الخطر الأول الذي يهدد فرنسا وأوروبا هو "الإرهاب السنّي"، مؤكّدا أن هذا الإرهاب سيُستأنف مجدّدا، وسيستهدف فرنسا وجيرانها عند تنظيم مناسبات مثل دورة الألعاب الأولمبية العام المقبل، ومباريات كأس العالم للركبي، وزيارة البابا فرانسيس مدينة مارسيليا.

بعد أيام من هذه التصريحات، قام لاجئ سوري في مدينة آنسي الواقعة قريبا من الحدود الفرنسية- السويسرية في منطقة سافوا الجبلية بهجوم إرهابي بسلاح أبيض استهدف 6 أطفال لا تتجاوز أعمارهم السنوات الثلاث.

صدمة عاشها الشارع الفرنسي بسبب بشاعة الجريمة، فالضحايا أطفال يلعبون في حديقة، ولكن الجريمة هذه المرة ليست "إرهابية"؛ فالمدعية العامة في بلدة آنسي الفرنسية استبعدت فرضية الإرهاب، وقالت إن دوافع المهاجم ما زالت مجهولة، مستبعدة فرضية الإرهاب.

اللاجئ السوري الذي ارتكب الجريمة "غير الإرهابية" يبلغ من العمر 31 عاما، وهو متزوج من امرأة سويدية، وأب لطفل في الثالثة من عمره، أي في عمر الضحايا، وهو لاجئ مقيم في السويد منذ عام 2013، ويدخل الأراضي الفرنسية بانتظام، واسمه عبد المسيح، فالرجل لا ينتمي للإسلام السني. إذن الجريمة- حسب السائد في السنوات الأخيرة- ذات دوافع مجهولة وليست عملية إرهابية.

وإن كان لا يوجد تعريف موحد للإرهاب متفق عليه دوليا، على الرغم من الحرب المستمرة عليه منذ سنوات، إلا أن الإرهاب يشمل في حده الأدنى "تخويف السكان أو الحكومات أو إكراههم من خلال التهديد أو ارتكاب العنف، والتسبب في الوفاة أو الإصابة الخطيرة أو أخذ الرهائن"، وفقا لما تذكره المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة على صفحتها. وترى المفوضية أن "التعريفات الوطنية للإرهاب متروكة إلى حد كبير لتقدير الدول، ما يولّد تفسيرات متباينة في التشريعات المحلية الخاصة بمكافحة الإرهاب"، مما أدى في بعض الدول إلى "سياسات وممارسات تنتهك حريات الأفراد والسكان الأساسية، وتميّز ضد مجموعات معينة".

الإرهاب هو تخويف السكان أو الحكومات أو إكراههم من خلال التهديد أو ارتكاب العنف، والتسبب في الوفاة أو الإصابة الخطيرة أو أخذ الرهائن

وهل هناك مثال أوضح من تصريح الوزير الفرنسي والجريمة التي تلت التصريح؟


كلما وقعت جريمة تشبه الجريمة التي ارتكبها عبد المسيح في فرنسا، سارع السياسيون والإعلام إلى وصفها بالإرهاب، فإن ظهر أن الفاعل ليس "مسلما سنيا"، بدأ الحديث عن تبريرات ودوافع أخرى للجريمة.

منذ أقل من ثلاثة أعوام ارتكب شاب تونسي جريمة بشعة في مدينة نيس الفرنسية عندما قتل ثلاثة أشخاص طعنا بالسكين في كنيسة كاثوليكية، يومها لم تنتظر السلطات التحقيق، بل سارع الجميع وعلى رأسهم الرئيس إيمانويل ماكرون إلى اعتبار الجريمة نوعا من الإرهاب الإسلامي على حد وصفه. لقد بات واضحا أن وصف الجريمة يتعلق بهوية مرتكبها لا ببشاعتها أو بوضع الضحايا.

من المؤكد أن هذا التخبط في تعريف الإرهاب ومحاولة إعطاء مفهوم الإرهاب هوية دينية محددة سيساهم في إفشال الحرب الدولية على الإرهاب، لأنه يخلط الأشياء ببعضها. جميعنا نذكر ذلك الموقف العظيم لرئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة عندما لم تتردد أبدا في وصف الهجوم الدي وقع على مسجدين في نيوزيلندا عام 2020 بأنه هجوم إرهابي، لم تحاول أن تبحث في الاستقرار النفسي والعاطفي للمجرم لإيجاد مخارج تبعد عنه صفة الإرهاب لمجرد أنه غير مسلم، لأن هذا البحث للأسف سيترك الباب مفتوحا للإرهابيين للحديث عن دوافع وعن بواعث لجرائمهم، فمن قال إن الإرهاب لا دوافع له، ومن قال إن وجود دافع لقتل الأبرياء ينفي صفة الإرهاب عن الجريمة؟ ما ذنب الأطفال الذين أرهبهم وطعنهم عبد المسيح؟ هل كان أحد سينظر إلى دوافع جريمته لو حمل اسم محمد أو أحمد أو علي؟

وهل توجد جريمة من دون دافع؟ زوجة عبد المسيح التي رفضت الكشف عن اسمها قالت في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية إنه "كان أبا صالحاً لطفلهما البالغ من العمر 3 سنوات"، وأنه اتصل بها قبل نحو أربعة أشهر، وأبلغها بأنه "يعيش في كنيسة". وأضافت أنه غادر السويد لأنه لم يتمكن من الحصول على جنسية البلد. فيما ذكرت والدته المقيمة في الولايات المتحدة منذ 10 سنوات أن طليقته ذكرت لها سابقا أنه كان مكتئبا بسبب رفض السلطات السويدية طلبين تقدم بهما للحصول على الجنسية. إذن هل هذا هو الدافع لجريمته، لم يحصل على الجنسية فقرر قتل أطفال في عمر طفله؟
 

بات واضحا أن وصف الجريمة يتعلق بهوية مرتكبها لا ببشاعتها أو بوضع الضحايا

قبل أسابيع أفرجت السلطات البلجيكية عن الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي، في إطار اتفاق تبادل سجناء، أو الأصح القول في رضوخ واضح وصريح لابتزاز السلطات الإيرانية التي اعتقلت مواطنا بلجيكيا لتبادله مع أسدي الإرهابي. فالمعتقل في سجون إيران ليس إلا عامل الإغاثة أوليفييه فانديكاستيل، الذي أعلن رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو في بيان أنه تم الإفراج عنه. بينما الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي الذي ألقي القبض عليه عام 2018، وبحسب السلطات البلجيكية أيضا، كان يخطط للقيام بهجوم إرهابي ضد تجمع للمعارضة الإيرانية في باريس، وهو الذي سلم مكونات المتفجرات لاثنين من المتواطئين في بلجيكا، كانا يحاولان تنفيذ الهجوم، وصدر حكم قضائي في حقه بالسجن 20 عاما.

لو لم يتم الكشف عن مخطط أسدي الإرهابي لكان راح ضحيته مئات من المدنيين، ومع ذلك تمت مقايضته بعامل إغاثة، فعن أي حرب على الإرهاب يتكلمون؟ تلك الحرب على الإرهاب قد لا ينتج عنها سوى المزيد من التطرف الذي يولد بدوره الإرهاب.

إذن حتى اليوم يبدو أن الإرهاب له دين وطائفة أيضا، وما عدا ذلك أياً كان عدد الضحايا وأعمارهم فللجريمة دوافع ومبررات، ولا أحد سوى فاعلها يتحمل نتيجة تلك الجريمة إن حصل.
 

font change