موسكو وكييف... نقاط القوة والضعف في المعركة

بعد أيام من بدء الهجوم الأوكراني المضاد

Reuters
Reuters

موسكو وكييف... نقاط القوة والضعف في المعركة

تحولت القوات المسلحة الأوكرانية– ودون أي إعلان رسمي– إلى المرحلة النشطة من الهجوم المضاد الذي طال انتظاره على عدة محاور من الجبهة. وقد بدأت هذه العملية في الواقع قبل أسبوعين، ويبدو أنه جرى تقسيمها إلى عدة مراحل مع حشد تدريجي للقوات والموارد، فرفعت كييف عدد ضرباتها ضد العمق الروسي إلى درجة عالية منذ منتصف مايو/أيار الماضي، مما يذكّرنا بصيف عام 2022 حين رفعت كييف مستوى ضرباتها قبل الهجوم الأوكراني المضاد الذي توِّج بعودة خيرسون.

والهدف الرئيس لأوكرانيا الآن هو العثور على نقاط ضعف في الدفاع الروسي واختراقه في اللحظة المناسبة، وتطوير النجاح التكتيكي إلى نجاح عملياتي. أما الغاية القصوى فهي الوصول إلى ميليتوبول وبرديانسك وتوجيه القوات نحو اليمين باتجاه القرم.

لا يجب لهذا السيناريو أن يمثل مفاجأة للجيش الروسي، بيد أن توقع ما تخطط له كييف عموما أمر، والردّ في الوقت المناسب للمناورة والسيطرة على الوضع على الأرض أمر آخر، ولدى القادة العسكريين الروس إشكالية مع هذا الأمر، وهو أمر بات يعلمه العالم بأسره بعد ما يقرب من عام ونصف العام على الحرب.

وكما يتضح من الصور ومقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الجيش الأوكراني يجمع عموما بين تكتيكات الضرب والانسحاب والمناورات على طول الجبهة مع قوات محدودة ضمن السرايا العسكرية أو ضمن مجموعات تكتيكية تحت غطاء الضربات المدفعية والصاروخية.

AFP
عمال يرممون مبنى مدمرا في مدينة ماريوبول في 12 يونيو

وقد يكون أخذ أولى اللقطات لتدمير الدبابات الألمانية ليوبارد ومركبات القتال البرادلي قد أعطى موسكو بعض الثقة بأن قواتها ستتمكن من الصمود أمام الهجوم، إذا لم نذكر الأخبار الواردة عن انضمام وحدات من الاحتياط الاستراتيجي لجهود التشكيلات الأولى من القوات الأوكرانية المتقدمة في أجزاء مختلفة من الجبهة لتوسيع نطاق الاختراق، وخصوصا من قوات الفيلق العاشر.

رفعت كييف عدد ضرباتها ضد العمق الروسي إلى درجة عالية منذ منتصف مايو/أيار الماضي، مما يذكّرنا بصيف عام 2022 حين رفعت كييف مستوى ضرباتها قبل الهجوم الأوكراني المضاد الذي توِّج بعودة خيرسون

ومع ذلك، فمن السذاجة الاعتقاد بأن إمكانيات القوات الأوكرانية ستنفد خلال أسابيع من الهجوم، ذلك أن القوات الرئيسة الأوكرانية لم تشارك في القتال بعد، وهذا ما يعترف به حتى الكرملين، بالإضافة إلى تزويد القوات الأوكرانية المشاركة في المعارك بقوات جديدة وبشكل سريع. وتمكن الأوكرانيون خلال الأيام القليلة الماضية من التقدم في منطقة ما يسمى "فريميفكا البارزة" وفي اتجاه باخموت.

AP
مركبات اوكرانية مدمرة في صورة وزعتها وزارة الدفاع الروسية في 7 يونيو


وكما يلاحظ الخبراء الروس المتشددون، فإن ثمة قلقا متزايدا بشأن تراجع فاعلية حقول الألغام كخط الدفاع الأول للقوات الروسية بسبب استمرار القتال، وليس مؤكدا أن لدى أنظمة زرع الألغام عن بُعد الوقت الكافي لمعالجة هذا الوضع. ويتم الدفع بفرق الاقتحام والفصائل الأوكرانية في الغابة باستمرار وبدعم من المدفعية، مما يتيح لهم التسلل بشكل خفي نوعا ما، والمناورة في أرض المعركة. ويمكن لكييف استخدام مثل هذه التكتيكات لفترة طويلة لرفع سوية الهجوم في اتجاهات مختلفة ومختارة، رغم أنه من المستحيل إنجاز المهمات التشغيلية والتكتيكية بمثل هذه المجموعات الصغيرة.


من ناحية أخرى، يبدو أن نقطة ضعف القوات الأوكرانية تكمن في عدم كفاية أعداد المعدات الهندسية للتغلب على التحصينات وتنظيم الدفاع الجوي العسكري، أي التغطية المباشرة للمجموعات المتحركة المهاجمة.


إضافة إلى ذلك، زاد المجمّع الصناعي العسكري الروسي بشكل ملحوظ من معدل إنتاج المنتجات العسكرية، ونحن هنا لا نتحدث عن إنتاج الذخيرة للمدفعية وأنظمة الصواريخ عالية الدقة. فعلى سبيل المثال، تم الإبلاغ عن أن مصنع تشيليابينسك للجرارات قد قام بإنتاج 400 محرك جديد لدبابات "تي-90 إم بروريف" ودبابات "تي-72 بي-3" المطورة في الربع الأول من عام 2023 وحده.


ومن المعروف جدا أن مصنع أورالفاغونزافود في نيجني تاجيل قام بتوسيع مرافق الإنتاج الخاصة به، وحول موظفيه من تصنيع المركبات المدنية إلى إنتاج المعدات العسكرية وذلك بتدريب مبدئي. وذلك بالإضافة إلى التطوير المستمر لدبابات "تي-62 إس" القديمة- التي تم إخراجها من مستودعات المصانع الثلاثة لإصلاح الدبابات- إلى مستوى دبابات "تي-62 إم".
 

يبدو أن نقطة ضعف القوات الأوكرانية تكمن في عدم كفاية أعداد المعدات الهندسية للتغلب على التحصينات وتنظيم الدفاع الجوي العسكري، أي التغطية المباشرة للمجموعات المتحركة المهاجمة

وعلى الرغم من إرسال الدبابات المحدثة والجديدة إلى الجبهة منذ فترة طويلة، إلا أن القوات الروسية لا تشركها فعليا في أي عمليات جدّية. ففي أحسن الأحوال، تقدم القوات المدرعة الدعم الناري لوحدات المشاة من مواقع آمنة أو مناطق إطلاق نيران عصيّة على العدو.
بمعنى آخر، تعمد موسكو إلى تركيز فصائل الدبابات والكتائب في مؤخرة القوات، لمواجهة خطر تمكن القوات الأوكرانية من اختراق الدفاعات الروسية بشكل جدي في نقطة ما أو أكثر.

Reuters
جنوج أوكرانيون قرب عربات روسية مدمرة في منطقة دونيتسك في 12 يونيو


وستواجه روسيا وأوكرانيا في الأسابيع والشهور المقبلة معارك مضنية، وستكون نتائجها واضحة على التوازنات في المستقبل، فإما أن يكون لأحد الطرفين اليد العليا في هذه الحرب، وإما أن روسيا وأوكرانيا ستصلان في النهاية إلى تجميد آخر للصراع.
 

font change

مقالات ذات صلة