أبعدوا الأطفال عن معارككم

أبعدوا الأطفال عن معارككم

"المطلوب تحييد الأطفال عن كل ما له علاقة بقبح الكبار، قبل أن يتحول هذا العالم إلى غابة وحوش، وباسم الحرية المزعومة نفقد كل معاني الإنسانية والآدمية".

بهذه العبارة ختمت مقالي "جريمة بالنسياغا التي لا تغتفر" والذي نشر في "المجلة" في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي. يومها كانت ماركة "بالنسياغا" المملوكة لمجموعة "كيرينغ" الفرنسية قد نشرت إعلانا يشجع على ممارسة الجنس مع الأطفال مع إيحاءات مقززة، وأشركت في إعلانها أطفالا بعمر 3 سنوات. وبعد ردود الفعل الشاجبة وحملات المقاطعة تراجعت "بالنسياغا" عن الإعلان وحذفت جميع الصور من صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي. يومها كتبت أيضا: "يجب أن يكون هناك فعل رادع، فمن يدري من ينتظر لتهدأ حالة الغضب من هذه الإعلانات فيكررها أملا أن تصبح مع التكرار أمرا مقبولا أو يحتمل وجهات نظر مختلفة كما بدأنا نسمع ولو بصوت خافت هذه المطالبات".

لم يطل الانتظار كثيرا، ودوما الحلقة الأكثر ضعفا هم الأطفال الذين لا يدفعون ثمن أخطاء الكبار فحسب، بل يبدو أنهم صاروا وسيلة لتحقيق غايات ومآلات البعض، فيما المطلوب هو حمايتهم وتحييدهم عن حروب الكبار ومعاركهم، والمعارك والحروب ليست دوما بالسلاح.

قبل أيام منعت دول عربية من بينها مصر والسعودية والإمارات عرض فيلم "سبايدرمان- أكروس ذا سبايدر- فيرس" الذي تضمن عبارة "احموا الأطفال المتحولين جنسياً" منقوشة فوق علم المثلية. ونشر المجلس الوطني للإعلام الإماراتي عبر حسابه على "تويتر": "لن نسمح بتداول أو نشر أي محتوى مخالف لقيم ومبادئ الإمارات ومعايير المحتوى الإعلامي في البلاد".

لقد برزت مؤخرا محاولة إقحام موضوع المثليين والمتحولين جنسيا في قصص وأفلام للصغار، وحتى ببعض المناهج التعليمية، ولكن ردة الفعل الرافضة للأمر لم تكن محصورة بدول عربية أو إسلامية، فقد شهدت مدينة لوس أنجليس الأميركية قبل نحو شهر احتجاجا من قبل بعض الأهالي الرافضين لقرار إدارة بعض المدارس تقديم مواد تعليمية لدعم المثليين، رافعين شعار "كفوا عن أطفالنا"، سرعان ما تحول الاحتجاج إلى اشتباك وعراك بعد أن أتت مجموعة مؤيدة للمثليين فاشتبك الطرفان مما أدى إلى تدخل الشرطة وألقت القبض على بعض الأشخاص.

نشر المجلس الوطني للإعلام الإماراتي عبر حسابه على "تويتر": "لن نسمح بتداول أو نشر أي محتوى مخالف لقيم ومبادئ الإمارات ومعايير المحتوى الإعلامي في البلاد"

في بريطانيا أيضا سبق وأثارت دروس عن العلاقات الجنسية بين المثليين والمتحولين جنسيا احتجاجات أمام مدارس ابتدائية في مدينة برمنغهام البريطانية، وفي بريطانيا أيضا كشف تقرير لصحيفة "ديلي ميل" قبل أيام عن تعليم أطفال يبلغون الـ12 من عمرهم عن العلاقة الجنسية بين المثليين والوصول إلى المتعة، ووصل الأمر وفق تقرير الصحيفة إلى الطلب من الأطفال ممارسة العادة السرية كواجب منزلي.


وفي العام 2020 أحدث فيلم "لطيفات" (Cuties) موجة عارمة من الغضب ضد شركة "نتفليكس"، بسبب استغلال الأطفال في مشاهد جنسية والترويج لها، حيث ظهرت بطلة الفيلم السنغالية الطفلة فتحية يوسف عبد الحي والتي لعبت دور "إيمي" البالغة 11 عاما كسلعة جنسية، وهو ما استدعى ردود فعل غاضبة وشاجبة من الجمهور والسياسيين، وتساءل السيناتور الأميركي جوش هاولي في رسالة بعث بها إلى الرئيس التنفيذي لشركة  "نتفليكس"، عن سبب بث المنصة فيلما "يصور الأطفال الذين يتم تدريبهم على الانخراط في أفعال جنسية"، وأضاف: يبدو أنه "يستغل الأطفال جنسيا ويعرضهم للخطر"، بينما طالب السيناتور تيد كروز في رسالة إلى وزارة العدل الأميركية التحقيق فيما إذا كانت "نتفليكس" أو مديروها التنفيذيون قد انتهكوا القانون الفيدرالي الذي ينص على عدم السماح بإنتاج وتوزيع المواد الإباحية للأطفال.


عندما لا ندع أطفالنا يشاهدون برامج تلفزيونية وأفلاما لا تتناسب مع أعمارهم، فهذا لأن عالمهم النقي وإدراكهم لأنفسهم وللمحيط الذي يعيشون به يختلف عن إدراك البالغين، بحيث تختفي المسافة إلى حد كبير بين  الحقيقة والخيال، وكم سمعنا عن أطفال حاولوا القفز والطيران كما يفعل بطلهم الخارق المفضل في فيلم كرتوني ما، وعندما نعترض اليوم على إقحام مواضيع تتعلق بالجنس والمثليين والمتحولين جنسيا في مناهج ويوميات أطفال فهذا لأنها غير ملائمة لسنهم، تماما كما لو كانت هذه المشاهدات بين مغايرين وليس مثليين. وهذا أمر مختلف عن التثقيف الجنسي للأطفال بما يتناسب مع سنهم، وكم من دراسة وأخصائي ذكروا أن الأطفال يسعون إلى التشبه وتقليد ما يشاهدونه.
 

عندما لا ندع أطفالنا يشاهدون برامج تلفزيونية وأفلاما لا تتناسب مع أعمارهم، فهذا لأن عالمهم النقي وإدراكهم لأنفسهم وللمحيط الذي يعيشون به يختلف عن إدراك البالغين

إن استغلال الأطفال بهذا الشكل للضغط من أجل تحويل مسار النقاش حول قضية المثلية، إلى نقاش "دعوا الأطفال وشأنهم وافعلوا ما تشاءون" هو استغلال بشع للأطفال في سياق معركة يفترض أن يعمل الجميع على تجنيبهم الخوض فيها كما غيرها من المعارك، ومن يدري قد يتحول في وقت لاحق إلى نقاش "دعوا الأطفال يجربون"، كما إعلان "بالنسياغا".


الأطفال هم أول ضحايا هذه المعركة اليوم، ولكن المثليين سيكونون أيضا ضحايا إن سمحوا للبعض باستغلال الأطفال في معركتهم، وستزداد حالة الرفض لهم لا في دول عربية وإسلامية فقط بل كما ذكرنا في كثير من الدول الأوروبية والغربية.
أبعدوا الأطفال عن هذه المعارك، علموهم كيف يحترمون الآخر ويحترمون الاختلاف بما يتناسب مع سنهم، لا تحولوا الأطفال لسلعة أو سلاح في معركة لا يفهمون منها شيئا.
 

font change