إضرابات هوليوود: أسباب واحتمالات... وذكاء اصطناعي

نتائجها ستكون ملموسة قريبا

AFP
AFP
الممثل الكوميدي بوب ذا دراج كوين مع أعضاء نقابة الكتاب الأميركية ونقابة الممثلين، يسيرون في اعتصام خارج استوديوهات باراماونت ، في لوس أنجلوس ، كاليفورنيا ، في 24 يوليو 2023.

إضرابات هوليوود: أسباب واحتمالات... وذكاء اصطناعي

هوليوود: المشهد الذي حضّر له المخرج ريدلي سكوت ظهر 14 يوليو/تموز كان مشهد صراع في ميدان روماني على غرار تلك الميادين التي اشتهر العصر الروماني بها وتناقلتها أفلام تاريخية عدة من بينها فيلم سابق للمخرج سكوت نفسه هو "المجالد" Gladiator سنة 2000.

"المجالد 2"هو في الواقع مكمّل للفيلم السابق. والتصوير يجري في مواقع بجزيرة مالطا التاريخية. وقد توزّع الجنود والمصارعون وسط الميدان في انتظار كلمة "أكشن" وحولهم نحو ألف من الممثلين الفعليين، كون سكوت يرفض الاستعانة بالمؤثرات الخاصة في مثل هذه الأفلام.

فجأة تلقى المخرج العتيد خبرا مفاده أن أن نقابة الممثلين الأميركية Screen Actors Guild أو SAG اختصارا، قرّرت إضرابا فوريا ومفتوحا عن العمل يشمل كل المشاريع الجاري تصويرها. وبدلا من كلمة "أكشن"، صاح سكوت "ستوب". فتوجه الحاضرون تبعا لذلك، كلّ إلى فندقه أو منزله.

مهّدت الأيام القليلة السابقة الطريق أمام الإضراب الواسع. كانت نقابة كتّاب السيناريو Writers Guild of America أوّل من نادت به ونفّذته: لن يكتب أحد أي سيناريو أو يكمل كتابته إلا بعد موافقة هوليوود على شروط تتضمّن توزيعا عادلا للثروة التي تجنيها من وراء توزيع الأفلام أو بيعها على المنصّات الخاصة بشركاتها أو سواها. إلى ذلك، على هوليوود التزام كتّاب النقابة بوضوح وذلك على ضوء المنافسة المحتملة للذكاء الاصطناعي ومشتقاته، مثل "تشات جي بي تي" الذي يستطيع "كتابة" سيناريو من دون الحاجة إلى كاتب. وقد تضمّنت مطالب النقابة ألا تلجأ شركات واستديوهات هوليوود إلى استخدام الذكاء الاصطناعي إلا كأداة بحثية.

حين تعثّرت المفاوضات انطلق أعضاء "نقابة الكتاب الأميركية" (نحو 22 ألف منتسب في الساحل الغربي وحده) في إضراب انطلق في 2 مايو/أيار الماضي ولا يزال مستمرّا. عززه بلا ريب نزول أعضاء نقابة الممثلين (نحو 116 ألف عضو في كامل الولايات المتحدة) إلى الشارع عندما رفضت مطالبهم المماثلة ومحورها زيادة الأجور وتسديد نسبة من العروض وأنواع التوزيع المستحدثة.

وقد عنى إضراب الكتّاب ألا يكتب أي عضو في النقابة سطرا واحدا حتى وإن كان تعاقد على عمله قبل الثاني من الشهر الماضي، وهذا شكل عبئا فوريا على الأعمال والبرامج التلفزيونية وأخّر بدء العمل على الأفلام التي كانت على وشك التصوير.

ردّ هوليوود على هذا الإضراب كان لنرى من سيصرخ أولا. لكن إضراب نقابة الممثلين لم يعزز إضراب الكتّاب فحسب، بل فتح جبهة جديدة توقفت على أثره كل الأفلام التي كانت في مرحلة التصوير وبعضها من الإنتاجات الكبيرة مثل "المجالد 2" وDune 2 وغيرهما.

تتضمّن المطالب أن تلتزم شركات الإنتاج كتّاب النقابة بوضوح وذلك على ضوء المنافسة المحتملة للذكاء الاصطناعي ومشتقاته، مثل "تشات جي بي تي" الذي يستطيع "كتابة" سيناريو من دون الحاجة إلى كاتب

في وجه هذا التحالف هناك رابطة أسستها الاستديوهات الكبيرة باسم "تحالف منتجي الأفلام السينمائية والتلفزيون"The Alliance of Motion Picture and Television  Producers أو AMPTP  اختصارا. حاول هذا التجمّع الذي يضمّ أصحاب الاستديوهات وباقي المسؤولين في دوائر الصناعة التابعة لكل استديو، بعثرة جهد نقابة الكتّاب عندما أوحى بأنه على استعداد للتفاوض مع بعض من لديهم مشاريع جارٍ تنفيذها وتأخير التعاون مع الأعضاء الذين ما زالت مشاريعهم بعيدة نوعا عن مراحل الإنتاج. لكن المحاولة باءت بالفشل. على العكس، التحم المضربون من الكتاب الأميركيين في موقف واحد شهد تأييدا مماثلا من زملائهم في بريطانيا أيضا.

مع اتساع رقعة المضربين لتشمل نقابة الممثلين ونقابات مؤيدة أخرى (وإن لم تعلن إضرابها) بادرت الرابطة إلى رفض التفاوض من دون تنازلات من قِبل المضربين، على أساس أن ما يطالب به هؤلاء ليس منطقيا و"يستند إلى معلومات خاطئة". هذا لم يكسر حدّة المجابهة التي ما زالت مستمرة وقوبل بالرفض بدوره.

وكانت رابطة المنتجين وزعت (قبل إعلان نقابة الممثلين الإضراب) وثيقة من 23 صفحة كشفت فيها أن تحالف المنتجين عرض صفقة شاملة على المضربين من النقابتين بقيمة سنوية تزيد على مليار دولار، لكنّ العرض لم يلق أي تجاوب. ما يطالب به الممثلون والكتاب يتجاوز، من وجهة نظرهم، ما عُرض عليهم وهو تخصيص نسبة من الأرباح المتحقّفة من المنصات الرقمية. لكن الرابطة رفضت الطلب وبادرت إلى وضع شرط ينص على حذف هذا البند قبل الشروع في محادثات بنّاءة.

كان من الطبيعي والمتوقع أن ترفض نقابتا الممثلين والكتاب هذا الشرط على أساس أن المقترح من المجموعتين هو بحث شامل للكيفية التي يمكن عبرها حماية حقوق الأعضاء خلال كل مرحلة من مراحل العمل السينمائي والتلفزيوني. هذا يعني اتفاقا يتجاوز مبدأ الرابطة بتوفير مليار دولار سنويا من خلال توزيع نسب محدودة على البعض دون البعض الآخر. في صميم الرفض التذكير بأن استخدام المنصّات لتوزيع الأفلام يحرم الأعضاء من حقوقهم كفنانين ويكرّس حضورهم كمنفّذين فقط. هذا إلى جانب المخاوف من اعتماد شركات هوليوود على المبتكرات الصناعية - الرقمية للتخلص من الممثلين غير النجوم واستحضار آخرين بملامحهم ذاتها، أو بملامح جديدة. كلاهما سيحدّ من فرص العمل إلى درجة تهدّد بالبطالة.

أقلية وأغلبية

هذا التقسيم الذي يمنح البعض دون البعض الآخر حقّ الحضور البدني هو نطاق جديد من المواجهة وينطبق على حال الممثلين أكثر مما ينطبق على حال الكتّاب. هذا لكون الممثلين يتألّفون من قلّة (نسبة أقل من 10 في المئة) من أسماء الصف الأول (توم كروز، توم هانكس، ليوناردو دي كابريو، جوليا روبرتس وآخرون). أما أغلبية الممثلين والممثلات فينتشرون كأيد عاملة تتوزّع بين الممثلين المساندين (الصفان الثاني والثالث) والغالبية التي يستعان بها "إكسترا" أو في أدوار محدودة جدا.

حقيقة الأمر أن نجوم الصف الأول ليسوا في حاجة إلى دخول المعترك الحالي لأنهم في الواقع أطراف في الإنتاج. توم كروز، على سبيل المثل، يتقاضى 20 مليون دولار عن الفيلم ونسبتين من الأرباح، نسبة عن الإنتاج ونسبة عن التمثيل. وهذا ليس في مقدور الغالبية الكبرى من الممثلين الذين يتقاضون بضعة ألوف لقاء أدوار ناطقة وبضع مئات من الدولارات عن كل يوم ظهور (نحو 300 دولار) عن المشاهد الصامتة التي يظهرون فيها.

AFP
من الاعتصام خارج استوديوهات باراماونت، في لوس أنجلوس، كاليفورنيا، في 24 يوليو 2023.

القضية بأسرها مادية، وليست فنية على الرغم من حاجة هوليوود إلى الاستثمار في هذه الناحية في مواجهة ما ينفق كل استديو (وورنر، ديزني، يونيفرسال، باراماونت، مترو غولدوين ماير، صوني) على أفلامه الكبيرة. نتحدّث عن 150 مليون دولار كحد أدنى وأقل من 300 مليون دولار بقليل كحد أقصى.

في صميم الصراع على النفوذ والمال هناك حقيقة أن صناعة السينما دخلت، منذ سنوات، هياكل عمل لم تكن موجودة سابقا، أو كما تقول رئيسة نقابة الممثلين فران درَشر (التي توقفت عن الظهور في حلقات مسلسلها التلفزيوني Dawn والتي تشارك في فيلمين جديدين هما The Creatures وHotel Transylvania 4)، فإنّ نموذج العمل تغيّر كليا عما كان عليه في السابق، وحثت الأعضاء بقولها: "عند نقطة محدّدة كان يجب أن نقول: لا، سوف لن نقبل (بما يحدث) بعد اليوم".

ما يطالب به الممثلون والكتاب يتجاوز ما عُرض عليهم وهو تخصيص نسبة من الأرباح المتحقّقة من المنصات الرقمية. لكن الرابطة رفضت الطلب وبادرت إلى وضع شرط ينص على حذف هذا البند

تأثير كل ذلك على المُجَدول من الأفلام والبرامج التلفزيونية يختلف ويتنوّع.

على سبيل المثل، لن يلاحظ رواد صالات السينما أي تغيير طارئ على أساس أن الأفلام المنتهي تصويرها، برمجت أوقات عروضها، ولا داعي لتغيير مواعيد تلك البرمجة. لكن إذا ما استمر الإضراب لأسابيع طويلة فإن ما هو مبرمج قبل انتهاء التصوير، كحال فيلم "نابليون" (مشروع آخر لريدلي سكوت انتهى تصويره لكنه لا يزال في مرحلة التوليف والمكساج) و"خمس ليال لفريدي" لإيما تامي و"دون- 2" لدنيس فنيوف والجزء الثاني من "جوكر"، فضلا عن نحو 80 فيلما في المراحل الأخيرة من العمل، سوف لن تُعرض في موعد كل منها المحدّد كون ممثلي تلك الأفلام توقفوا عن العمل بمجرد صدور قرار النقابة بالإضراب.

هذا ما دفع شركات إنتاج عدة إلى تأجيل عروض أفلامها الجديدة ومنها  Dune2 الذي كان يتوقع عرضه في الأسواق العالمية مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني هذا العام، لكن الشركة المنتجة (وورنر) قرّرت تأجيله إلى مطلع صيف العام المقبل.

وكان مهرجان فينيسيا كشف أن الفيلم الجديد للمخرج الإيطالي لوكا غوادانينو، وعنوانه "المتحدّون" Challengers سيفتتح الدورة الجديدة من المهرجان في الثلاثين من الشهر المقبل. لكن الإضراب دفع شركة مترو-غولدوين- ماير إلى سحبه من العروض والتوزيع حتى موعد لاحق في العام المقبل.ذلك أن إضراب الممثلين يشمل أيضا منع الممثلين من الاشتراك في أنشطة سينمائية للشركات المنتجة. هذا ينعكس على أعمال المهرجان الإيطالي الآتية من الولايات المتحدة والتي عادة ما تحفل بالممثلين المدعوّين لتنشيط العملية الإعلامية. الأمر ليس وقفا على هذا المهرجان وحده بل يشمل أيضا مهرجان تورنتو (ينطلق في السابع من سبتمبر/أيلول) الذي عادة ما يشهد انتقال الكثير من النجوم إليه لحضوره والمشاركة في أنشطته.

AFP
أعضاء نقابة الكتاب الأميركية ونقابة الممثلين في اعتصام خارج استوديوهات باراماونت، في لوس أنجلوس، كاليفورنيا، في 24 يوليو 2023.

وهذا سيمتد، لو استمر الإضراب، إلى الاحتفالات والمناسبات السنوية المقبلة. عصب هذه الاحتفالات، مثل احتفال "نقابة الممثلين" ذاتها واحتفال "بافتا" البريطاني والأوسكار الأميركي، هو المشاركة غير المحدودة للممثلين من الصفّين الأول والثاني.

 

مناسبات بلا حضور

على أن الضحية التي سبقت سواها هي برامج "التوك شو" (بسبب إضراب الكتّاب) والمسلسلات اليومية أو الأسبوعية. هذه ركنت حاليا إلى نظام الإعادات الذي عادة ما يُعمل به في موسم الصيف.

أقرب هذه الاحتفالات والمناسبات هو احتفال "إيمي" (الموازي التلفزيوني للأوسكار) الذي أعلن مرشحوه قبل أيام قليلة. لكن هذا الإعلان لن يعني شيئا يُذكر إلا إذا حضر حفل توزيع الجوائز الممثلون المرشحون.

جدير بالذكر أن نقابة الممثلين الأميركية تمنع الأعضاء حتى من ممارسة الترويج على "تويتر" و"فيسبوك" وسواهما.

في العودة إلى مالطا، فإن تكاليف توقف التصوير إذا ما استمرّت إلى شهر آخر تكفي لإنتاج جزء ثالث من "المُجالد". الأخبار الواردة هي أن الشركة المموّلة (باراماونت) أخبرت العاملين بأنهم يستطيعون الإخلاد إلى الراحة في مالطا أو سواها بشرط أن يكونوا جاهزين للعودة إلى العمل في أية لحظة يسوّى فيها هذا النزاع.

font change

مقالات ذات صلة