نهاية الحرب الأوكرانية: بين الضعف الروسي والمساعدات لكييف

نهاية الحرب الأوكرانية:
بين الضعف الروسي والمساعدات لكييف

بالنظر إلى الانتكاسات العديدة التي عانت منها روسيا خلال عام ونصف العام منذ أن شنت ما يسمى "عمليتها العسكرية الخاصة" ضد أوكرانيا، يسود توقع بأن تعاني القوات الروسية من صعوبات في مواجهة هجوم أوكرانيا الصيفي المضاد والذي خُطط له منذ أمد بعيد.

وبعد فقدان روسيا لأكثر من نصف ما كانت عليه قوتها العسكرية قبل الحرب، وتعرضها لخسائر تجاوزت أكثر من 200 ألف قتيل سقطوا في ساحة المعركة، يقال إن المعنويات في صفوف القوات الروسية المتمركزة في أوكرانيا تُعاني من وهن شديد إلى الحد الذي لن تكون معه في وضع يمكنها من مقاومة التكنولوجيا العسكرية الغربية المتفوقة التي تلقتها القوات الأوكرانية من حلفائها في حلف شمال الأطلسي.

وفي واقع الأمر، تنبأ عدد من الضباط العسكريين الغربيين رفيعي المستوى، والذين زاروا المواقع الأوكرانية في غضون الأسابيع الأخيرة، بأن أوكرانيا ستلحق "هزيمة كارثية" بالغزاة الروس بسهولة.

وحقيقة الأمر أن الوحدة الروسية الوحيدة التي حققت بالفعل نجاحا يُذكر في ساحة المعركة في أوكرانيا كانت وحدة المرتزقة والمُدانين السابقين الذين يقاتلون في صفوف مجموعة فاغنر التابعة لـيفغيني بريغوجين، والتي حققت قدرا ضئيلا من النجاح في وقت سابق من الربيع، عندما زعمت أنها استولت على مدينة باخموت الشرقية، ويُنظر إلى هذه الوحدة على أنها تفضح الضعف الهيكلي الذي تعاني منه القوات الروسية النظامية.

لقد انسحبت قوة مرتزقة بريغوجين من أوكرانيا، بعد أن أقدمَ زعيم فاغنر، الشهير بسمعته السيئة بالقتال، على انقلاب فاشل ضد القيادة العسكرية الروسية، وقد شكل هذا الانسحاب ضربة أخرى موجعة للقوة العسكرية الروسية في أوكرانيا، إذ إن ذلك ترك موسكو من دون قوة عسكرية واحدة أثبتت قدرتها على هزيمة خصومها الأوكرانيين.

ومع ذلك، وعلى الرغم من كل هذه النكسات التي واجهها الروس، فإنهم لا يزالون على ما يبدو محتفظين بمواقع دفاعية واسعة كانوا قد أقاموها في مناطق تقع في شرق وجنوب أوكرانيا، وهي المناطق التي احتلوها منذ بداية الصراع، وهو الأمر الذي يثير تساؤلات جدية حول قدرة الهجوم المضاد الأوكراني على تحقيق هدفه المعلن المتمثل في تحرير كامل الأراضي التي احتلتها روسيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم الحيوية.

وفي نهاية الأسبوع، جاء أحدث تأكيد على أن الهجوم المضاد الأوكراني لا يسير على ما يرام بما يناقض التوقعات السابقة، وذلك عندما اعترف مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان بأن المعركة لا تزال "شاقة" بالنسبة للأوكرانيين.

وقد قال سوليفان في مقابلة أجراها معه جورج ستيفانوبولوس مذيع برنامج "هذا الأسبوع" على قناة "ABC": "قلنا قبل أن يبدأ هذا الهجوم المضاد بأنه سيكون صعبا، وفي حقيقة الأمر كان صعبا بالفعل". هذه هي حال الحرب، ولكن الأوكرانيين يواصلون التقدم إلى الأمام.

تنبأ عدد من الضباط العسكريين الغربيين رفيعي المستوى، الذين زاروا المواقع الأوكرانية في غضون الأسابيع الأخيرة، بأن أوكرانيا ستلحق "هزيمة كارثية" بالغزاة الروس بسهولة

وأضاف قائلا: "نحن مستمرون في تزويدهم بالأسلحة والقدرات الضرورية التي تُمكنهم من القيام بهجومهم المضاد، وسيواصلون محاولة استعادة الأراضي التي احتلتها روسيا على نحو غير قانوني".
وانتقد سوليفان أيضا المعارضة الجمهورية المتزايدة لإدارة بايدن وبخاصة فيما يتعلق بتقديم الإدارة لـ"شيك على بياض" من أجل دعم أوكرانيا. 
وكان حاكم فلوريدا، رون ديسانتيس، المرشح لبطاقة الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة القادمة، قد صرح الأسبوعَ الماضي: "إنني أعتقد أن لديكم الآن شيكا مفتوحا على بياض، دون أن يكون لديكم هدف واضح للنصر، وهذا ضرب من استمرار الحرب وإطالة أمدها". وقد رفض سوليفان هذه الانتقادات، مؤكدا أن "الشعب الأميركي صمد هناك ودَعَمَ الشعب الأوكراني". 
ورغم ذلك، فإن أحد الأسباب الرئيسة لتعثر الهجوم الأوكراني هو الافتقار إلى الأسلحة، ولا سيما الطائرات الحربية المتطورة كمقاتلات "أف 16" الأميركية؛ إذ أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي على الدوام أن الافتقار إلى الطائرات الحربية يُعيق قدرة قواته على التقدم في عمق الأراضي التي تسيطر عليها روسيا. كما حذر زيلنسكي في يونيو/حزيران الماضي من أنه من دون غطاء جوي فعال ضد الروس، "سيموت عدد كبير من الجنود".
وعلى الرغم من وعد الولايات المتحدة وحلفائها بتزويد أوكرانيا بطائرات " اف 16"، فمن غير المرجح أن تصل الطائرات قبل نهاية العام، وهو الوقت الذي قد يكون الصراع فيه قد انتهى بالفعل.


وقد تبنت القوات الأوكرانية، مدفوعة برغبتها في تقليص الخسائر في الأرواح الأوكرانية ومخاوفها من نقص المعدات العسكرية، وخاصة المركبات المدرعة،  نهجا حذرا، لا سيما في الجنوب حيث التضاريس أرض زراعية مفتوحة والتقدم دون حماية مناسبة يمثل تحديا كبيرا.


ووفقا للاستخبارات العسكرية الغربية، على الرغم من الانتكاسات التي منيت بها، تمكنت روسيا من بناء شبكة فعالة للغاية من الخطوط الدفاعية باستخدام فخاخ الدبابات والأسلاك الشائكة، وحقول الألغام، والمخابئ والخنادق. ووفق مسؤولين في وزارة الدفاع البريطانية، فإن هذه التحصينات الروسية من أكثر الأعمال الدفاعية شمولا على مستوى العالم.
 

استخدام القنابل العنقودية مثير للجدل بسبب تأثيرها المدمر على ساحة المعركة، ومع ذلك تعتقد الولايات المتحدة أنها ضرورية لمساعدة القوات الأوكرانية في التعامل مع الدفاعات الروسية

وأدت الصعوبة التي تواجهها أوكرانيا في اختراق الخطوط الروسية إلى قيام الولايات المتحدة بتزويد كييف بالقنابل العنقودية للمساعدة في التغلب على التفوق العسكري لروسيا، ولكن استخدام القنابل العنقودية مثير للجدل بسبب تأثيرها المدمر على ساحة المعركة، ومع ذلك تعتقد الولايات المتحدة أنها ضرورية لمساعدة القوات الأوكرانية في التعامل مع الدفاعات الروسية.
يثير عدم إحراز تقدم من قبل القوات الأوكرانية قلق الرئيس زيلنسكي، لأن الفشل في تحقيق هزيمة كبيرة ضد روسيا قد يؤدي إلى انخفاض الدعم من القادة الغربيين لجهود الحرب في أوكرانيا.


في المقابل، يتوق كثير من القادة الغربيين، بمن فيهم الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى إنهاء الحرب بسرعة ويعتقدون أنه إذا فشل الهجوم المضاد الأوكراني في إحراز تقدم ملموس، فسيصبح التوصل إلى حل تفاوضي للصراع أمرا لا مفر منه. واتخذت إدارة بايدن بالفعل خطوات نحو صفقة محتملة مع موسكو، حيث اجتمع دبلوماسيون أمريكيون سابقون رفيعو المستوى مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في أبريل/نيسان لمناقشة إنهاء الحرب.


ولكن الأوكرانيين لا يزالون يأملون في أنه من خلال هزيمة الروس في ساحة المعركة، سيكونون في وضع أقوى لإملاء الشروط خلال محادثات السلام المستقبلية، سوى أنهم إذا فشلوا في تحقيق أهدافهم، فقد يجدون أنفسهم مرة أخرى تحت سيطرة المحتلين الروس.
 

font change