العلاقات الأميركية– البريطانية... هل لا تزال خاصة؟

Shutterstock
Shutterstock

العلاقات الأميركية– البريطانية... هل لا تزال خاصة؟

كانت "العلاقة الخاصة" بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة في أعلى مستوياتها عام 2003 أي قبل عقدين. وكان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير قد تعهد آنذاك بالوقوف "جنبا إلى جنب" مع واشنطن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، قبل أن ينضم إلى الحملات العسكرية الأميركية اللاحقة التي جرت في أفغانستان والعراق.

وفي حين أن عدد القوات الأميركية كان يفوق عدد الجنود البريطانيين بنسبة أربعة إلى واحد في غزو عام 2003 للعراق، فقد لعبت لندن دورا دبلوماسيا حيويا في إضفاء جو من الشرعية الدولية على العملية بعد أن رفض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الموافقة على تدخل البيت الأبيض. وقد بدا أن ولاء بلير قد أمن له مكانة خاصة لدى الرئيس جورج دبليو بوش. وكثيرا ما وقف الاثنان جنبا إلى جنب في المؤتمرات والاجتماعات الصحافية، ما مثل وقتها جبهة موحدة في "الحرب على الإرهاب".

تبدو الصورة بعد عقدين من الزمان ظاهريا متشابهة. فبريطانيا والولايات المتحدة متحدتان اليوم في صراع مشترك آخر، إذ تدعمان هذه المرة أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وفي يوليو/تموز، التقى الرئيس جو بايدن وهو في طريقه لحضور قمة حلف شمال الأطلسي في ليتوانيا، رئيس الوزراء ريشي سوناك في لندن. وأعلن أن العلاقات بين الولاياتِ المتحدة والمملكة المتحدة "متينة" قبل أن يسافر إلى قصر وندسور للقاء الملك تشارلز. ومع ذلك، فثمة أمور كثيرة تغيرت في الأعوام العشرين الماضية.

وعلى الرغم من إصرار بايدن، فإن "العلاقة الخاصة" تبدو أبعد ما يمكن عن اتصافها بالقوة. فقد ألغت واشنطن فعليا اتفاقية التجارة الحرة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة التي سعى رؤساء الوزراء البريطانيون المتعاقبون للوصول إليها في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وعلى نحو مشابه، بدد بايدن طموحات لندن بترشيح وزير دفاعها، بن والاس، كي يشغل منصب الأمين العام المقبل لحلف الناتو. وفي حين فُسر توقف الرئيس في لندن على أنه إشارة إلى الصداقة مع حليف دائم للولايات المتحدة، فإن العلاقة قد تبدلت في السنوات الأخيرة في ظل تغير ديناميات القوة، والأولويات على كلا جانبي الأطلسي. ويبقى السؤال: هل ما زالت العلاقة تتصف "بالخصوصية"؟

العلاقة الخاصة

تم إضفاء الطابع الرومانسي على العلاقات التي تربط المملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى حد ما، ولا سيما من الجانب البريطاني. وفي الحقيقة فقد اتصفت العلاقات بأنها وثيقة، ولكنها مع ذلك كانت أيضا تتسم بالتعقيد. كان ونستون تشرشل هو من صاغ مصطلح "العلاقة الخاصة" لأول وهلة عام 1946، لكن بريطانيا والولايات المتحدة لم تتمتعا بعلاقات وثيقة ثابتة منذ الحرب العالمية الثانية. وفي واقع الأمر، استخدم تشرشل المصطلح خلال خطابه المشهور باسم "الستار الحديدي"، والذي ألقاه في الولايات المتحدةِ بعدما غادر منصبه كرئيس للوزراء البريطاني، لأنه كان يسعى إلى إقناع الأميركيين بالعودة إلى المملكة المتحدة وأوروبا بعد انسحابهم من القارة إثر هزيمة ألمانيا النازية.

بدد بايدن طموحات لندن بترشيح وزير دفاعها، بن والاس، كي يشغل منصب الأمين العام المقبل لحلف الناتو

وفعل التهديد المتزايد لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية- والذي كان تشرشل حريصا على تسليط الضوء عليه- فعله في تحول الموقف الأميركي، وهو الأمر الذي أدى إلى إحياء تحالف لندن وواشنطن الذي انعقد في زمن الحرب. وشمل ذلك: مشاركة معلومات استخبارية مكثفة من خلال اتفاقية "أوكوسا" (UKUSA)- والتي تُعرف باسم "الأعين الخمس" التي ضمت بالإضافة إلى أميركا والمملكة المتحدة كلا من أستراليا وكندا ونيوزيلندا- كما شمل تعاونا دفاعيا واسع النطاق بما في ذلك شراء وتوريد المعدات؛ واستضافة أكثر من 100 قاعدة عسكرية أميركية على الأراضي البريطانية بنهاية الحرب الباردة.

Reuters
الرئيس الاميركي جو بايدن بعد لقائه رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في لندن في 10 يوليو


وفي حين اتصفت هذه العلاقات الدفاعية، والاستخبارية بالثبات بعد أواخر الأربعينات، فقد تغيرت متانة العلاقة مع تغير القادة وأولويات السياسات في كل من لندن وواشنطن. وقد حدث الشرخ الأول في تلك العلاقة عام 1956 عندما عارض الرئيس أيزنهاور غزو رئيس الوزراء أنطوني إيدن لقناة السويس بشدة، وطالبه بالانسحاب، ورفض دعم الجنيه ماليا عندما أدت الأزمة الناتجة إلى انخفاض قيمته. وأدى هذا إلى سقوط إيدن، وجاء خلفه هارولد مكميلان ليؤكد عزمه على الإبقاء على تحالف وثيق مع الولايات المتحدة. 


وحدث الشرخ التالي في الستينات، عندما رفضت بريطانيا طلب واشنطن إرسال قوات إلى فيتنام، على الرغم من دعمها الصريح لواشنطن. ولم تنتعش العلاقات بين البلدين خلال السبعينات، إذ إن بريطانيا كانت تحتل مرتبة أدنى من الولايات المتحدة بعد أن تراجعت قوتها بعد إنهاء الاستعمار، وكان اقتصادها يعاني من مشاكل. وبالنسبة إلى المملكة المتحدة، التي انضمت إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية عام 1973، فقد اقترح بعض السياسيين، ومن ضمنهم رئيس الوزراء إدوارد هيث، أن انحياز لندن إلى بروكسل أكثر جدوى من انحيازها لواشنطن. 
لكن الأمر تغير في الثمانينات عندما ساهم تقارب مارغريت تاتشر الآيديولوجي والشخصي من رونالد ريغان في إحياء آخر للعلاقة بين البلدين. وعلى الرغم من الخلافات العديدة في السياسة الخارجية بينهما، ولا سيما بشأن غرينادا، وأيسلندا، والفوكلاند، عادت العلاقة الخاصة بينهما إلى مسارها، وبلغت العلاقة الخاصة ذروتها في التعاون العسكري بينهما، إلى جانب الدول الأخرى، في حرب الخليج التي حدثت عام 1991.


لم تكن العلاقات الشخصية بين رؤساء الوزراء البريطانيين والرؤساء الأميركيين هي العامل الوحيد الذي حدد قوة العلاقة الخاصة، لكنها بالتأكيد أثرت على سير الأمور. فعلى سبيل المثال، حاول خَلف تاتشر، جون ميجور، جاهدا التواصل مع الرئيس بيل كلينتون، في حين أن خصمه توني بلير، الذي أصبح رئيسا للوزراء عام 1997، قد أقام علاقات وثيقة مع كل من كلينتون وبوش. وعلى النقيض من ذلك، كافح غوردن براون، الذي خَلف بلير، لبناء علاقات شخصية مع باراك أوباما، والذي اشتهر بتقديمه هدية لطيفة للأسكتلنديين، مكونة من 25 قرص DVD عندما التقيا أول مرة. 


وفي المقابل، أظهر أوباما المزيد من الود لديفيد كاميرون. وربما عكس هذا الأمر العلاقات الشخصية التي خضعت للتحسن، أو بدلا من ذلك عكس الأولويات الجيوسياسية المتغيرة؛ فخلال فترة تولي براون لمنصب رئيس الوزراء، كان تركيز أوباما منصبا أكثر على الشؤون المحلية بعد الأزمة المالية التي عصفت بأميركا عام 2008، وكانت حاجته إلى القوة العسكرية البريطانية أقل من حاجة بوش، بعد أن أعلن عزمه على الانسحاب من الشرق الأوسط. ولكن، بحلول الوقت الذي كان كاميرون في منصبه (2010-2016)، أعادت الانتفاضات العربية الولايات المتحدة إلى المنطقة، وكانت خبرة بريطانيا العسكرية آنذاك تتمتع بالقيمة مرة أخرى من أجل التدخلات التي حصلت في كل من ليبيا، وسوريا، والعراق. ومرة أخرى، كان هناك مزيج من العلاقات الشخصية بين القادة، والأولويات السياسية، وهو الذي أثر على "خصوصية" العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

"بريكست" والصين وأوكرانيا


في السنوات الأخيرة، طرأ تغير كبير على الظروف والأولويات، وقد أثار هذا تساؤلات خطيرة حول العلاقة الخاصة، ومنها قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) بعد الاستفتاء الذي جرى عام 2016؛ ففي بريطانيا، كان كثير من الذين قاموا بحملة لمغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي من المؤيدين الأقوياء للتحالف الأميركي البريطاني. وقد أعربوا عن أملهم في أن يؤدي طلاق بروكسل إلى تسهيل تحالف أوثق مع واشنطن. 
 

كان ونستون تشرشل هو من صاغ مصطلح "العلاقة الخاصة" لأول وهلة عام 1946، لكن بريطانيا والولايات المتحدة لم تتمتعا بعلاقات وثيقة ثابتة منذ الحرب العالمية الثانية

وكان المفتاح في ذلك اتفاقية التجارة الحرة التي عُقدت بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والتي أمل المؤيدون للخروج، من بين أمور أخرى، أن تمنح الشركات البريطانية حرية الوصول إلى الأسواق الأميركية، مع توفير سلع زراعية أميركية أرخص للمستهلكين البريطانيين. وبدا أن هذه الإمكانية لاقت هوى لدى دونالد ترامب، الذي خلف أوباما بعد فترة قصيرة من استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووعد بــ"صفقة ضخمة". وأمل ترامب، المؤيد الصريح لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في فترة توليه منصب الرئاسة، في إمكانية أن يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد إلى زيادة التقارب بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وبدا هذا أكثر احتمالا عندما أصبح بوريس جونسون رئيسا للوزراء عام 2019؛ إذ إنه كان يتمتع بعلاقات شخصية وثيقة مع الرئيس ترامب، بل إن الأخير لم يتردد في الإشارة إلى جونسون باعتباره "ترامب البريطاني".


ومع ذلك، لم يتم إحراز أي تقدم حقيقي بشأن الصفقات التجارية، وأشار كثير من المراقبين إلى وجود تناقض بين دعم ترامب الصريح لبريكست وسياساته الاقتصادية التي جوهرها "أميركا أولا". وعلاوة على ذلك، فإن هزيمة ترامب أمام بايدن عام 2020 نسفت أي آمال من هذا القبيل، في ظل إعلان الإدارة الجديدة مرارا أن هذه الصفقة ليست أولوية لها. وبالتالي، تحول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من ميزة محتملة إلى مسؤولية في نظر البيت الأبيض. وعلى عكس ترامب، اعتنق بايدن التعددية وأعرب عن مخاوفه من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد أضعف في واقع الحال التحالف الغربي، ولا سيما في ضوء التوترات المتزايدة بين لندن وبروكسل منذ عام 2016. 


وتضاءلت قيمة وجود المملكة المتحدة خارج الاتحاد الأوروبي بالنسبة لواشنطن، مما دفع بايدن إلى إعطاء الأولوية لعلاقاته مع ألمانيا وفرنسا على حلفائه التقليديين في المملكة المتحدة. وقد تأثر هذا أيضا بالاعتبار الشخصي؛ إذ شعر بايدن، وهو من أصل أيرلندي، بالذهول لأن جونسون بدا مبتهجا بشأن صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتي من المحتمل أن تؤدي إلى إلغاء بنود اتفاقية الجمعة العظيمة التي عُقدت عام 1998، والتي أنهت أخيرا "مشاكل" أيرلندا الشمالية التي استمرت لعقود. وفيما يتعلق بهذا، يبدو أن بايدن لم ينسجم مع جونسون شخصيا، ولم يولِ الرئيس الكثير من التفكير لرئيسة الوزراء البريطانية التالية، ليز تراس، والتي لم يدم حكمها طويلا، والتي أدى وجودها في المنصب إلى حدوث فوضى اقتصادية. 


لقد طرأ تحول كبير آخر في أولويات الولايات المتحدة الجيوسياسية، وذلك لصالح التركيز على مواجهة الصين. وبدأ هذا في عهد أوباما، وتسارع في عهد ترامب، واستمر في عهد بايدن. فبُعْدُ بريطانيا عن المحيط الهادئ جعلها أقل صلة بالولايات المتحدة، وقد يكون ذلك مؤثرا على التهميش النسبي للندن. وقد بذلت المملكة المتحدة جهدا كبيرا كي تُصبح جزءا من الحوار الدائر حول الصين، وأبرز ذلك الجهد التزامها باتفاقية الدفاع" أوكوس" (AUKUS) مع الولايات المتحدة وأستراليا. كما تخطى رئيس الوزراء ريشي سوناك مؤخرا حلفاءَ الولايات المتحدة الأوروبيين في استعداده لإدانة الصين، إذ وصفها بأنها "أكبر تهديد للأمن العالمي"، على الأرجح بهدف كسب تأييد واشنطن. ومع ذلك، تدرك لندن أنه على عكس دورها الحيوي كحليف خلال الحرب الباردة، عندما كانت على مقربة من أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي، فإن بعدها عن الصين يعني أن مشاركتها ستكون محدودة مستقبلا في صنع القرار إذا تصاعد الصراع بين واشنطن وبكين.
 

أدى اندلاع الحرب في أوكرانيا، إلى إعادة بث بعض الحياة بشكلٍ غير متوقع في "العلاقة الخاصة" بين واشنطن ولندن

ولهذا السبب، أدى تحول جيوسياسي آخر، ألا وهو اندلاع الحرب في أوكرانيا، إلى إعادة بث بعض الحياة بشكلٍ غير متوقع في هذه العلاقة الخاصة. يضع الصراع الدائر في أوكرانيا أوروبا مرة أخرى في قمة جدول أعمال واشنطن، ووجب على البيت الأبيض أن يستثمر المزيد في تحالفاته الأوروبية، ومن ضمنها بريطانيا. فقد كان جونسون، على الرغم من عدائه للاتحاد الأوروبي والشك الذي أبداه بايدن، من أوائل القادة الغربيين الذين دعوا إلى مساعدة عسكرية واسعة لكييف. 

Reuters
الرئيس الاميركي جو بايدن والملك تشارلز الثالث يستعرضان حرس الشرف في قلعة وندسور في 10 يوليو


وهذا هو الأمر الذي هيأ التربةَ لتحسين علاقات المملكة المتحدة مع كل من الاتحاد الأوروبي والبيت الأبيض في ظل قيادة بايدن. وفي دليل على أن الأمور الشخصية لا تزال عنصرا رئيسا في الروابط بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، قام سوناك بالبناء على ذلك معتمدا ابتكاراته الخاصة؛ ففضلا عن التودد إلى واشنطن بتحالف "أوكوس"، فإنه وافق على إطار عملٍ جديدٍ مع بروكسل بشأن أيرلندا الشمالية، وهو الأمر الذي خفف من مخاوف بايدن من آثار العداء القائم بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وانهيار اتفاقية الجمعة العظيمة. ويبدو أن سوناك على عكس جونسون قد أفلح في إقامة علاقات شخصية مع بايدن، كما يتضح من حقيقة أن اجتماع يوليو/تموز كان سادس اجتماعٍ له مع رئيس الولايات المتحدة منذ أن أصبح رئيسا للوزراء قبل أقل من عام. ويبدو أن برغماتية سوناك بعد سنوات من مثالية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد أرضت بايدن. وعلى حد تعبير أحد الدبلوماسيين الأميركيين في مقابلة مع شبكة "سي إن إن"، فقد "أظهر لنا سوناك أنه شخص يمكننا التعامل معه".

أعمق العلاقات


لا ينبغي المبالغة في التحسينات التي أدخلها سوناك على العلاقة التي تربط أميركا بالمملكة المتحدة. لقد أعاد العلاقة من أدنى مستوياتها في حقبة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكنها تظل بعيدة عن ذروة العلاقة كما في عهد بلير- بوش، أو تاتشر- ريغان. لكن، كان المد والجزر في هذه العلاقة في واقع الأمر سمة من سمات "العلاقة الخاصة" منذ نشأتها؛ ففي بعض الأحيان، دفعت الظروف والأولويات الجيوسياسية واشنطن ولندن إلى التقارب، وفي أحيان أخرى فرقت بينهما، بينما أثرت على هذه العلاقةِ شخصياتُ الرؤساء، وشخصياتُ رؤساء الوزراء سواء أكانت متكاملة أم متعارضة. في حين أنه قد يكون من السهل اليوم التنبؤ بأن التراجع النسبي لمكانة بريطانيا في أعقاب خروجها من الاتحاد الأوروبي قد يشير إلى أن العلاقة الخاصة ستستمر في التدهور، لكنه يظل من المحتمل جدا أن يؤدي تغير جديد غير متوقع في الظروف أو صعود قادة جدد تربطهم علاقة وثيقة، إلى بث الحياة في العلاقات مجددا.

ولكن، خلف كل سياسات الأمن القومي والدولي هذه، جرى الحفاظ على روابط مؤسسية وثقافية أعمق؛ فلم يتم إلغاء اتفاقات المخابرات والدفاع التي تم توقيعها في أربعينات القرن الماضي، على الرغم من وجود بعض التقلبات في التحالف، وتظل الشخصيات البريطانية والأميركية موجودة في مؤسسات الدفاع المتبادلة. وفي هذا السياق، فإن شبكة استخبارات "الأعين الخمس"، جنبا إلى جنب مع عدة حالات أخرى من تبادل المعلومات، تظل أحد أركان العمليات الخارجية لكلتا الدولتين. وعلى المستوى الثقافي، تؤدي اللغة والتراث المشترك إلى تبادل ثقافي واسع النطاق كالموسيقى، والتعليم، والأفلام، على نحو أكثر تواترا مما هو الحال مع معظم الدول الأخرى. ومع ذلك، فثمة توازن قويٌ دوما. وبينما ليس ثمة دولة أخرى حليفة لبريطانيا تشاركها هذا المستوى من التبادل في مجال الدفاع والمخابرات والثقافة، فثمة عدة علاقات خاصة للولايات المتحدة. وفي واقع الأمر، على الرغم من أنه قد تكون "العلاقة الخاصة" هي الوحيدة بالنسبة لبريطانيا، إلا أنها إحدى العلاقات الخاصة العديدة بالنسبة للولايات المتحدة.
 

font change