"إيكواس" مهددة بالانقسام بسبب النيجر

مالي وبوركينا فاسو وغينيا تلوّح بالانسحاب من مجموعة التعاون الاقتصادي لدول غرب أفريقيا

Shutterstock
Shutterstock
العلم الرسمي لـ "إيكواس" والأعلام الوطنية للدول الخمسة عشر في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا

"إيكواس" مهددة بالانقسام بسبب النيجر

هددت ثلاث دول منضوية تحت لواء المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، هي مالي وبوركينا فاسو وغينيا، بالانسحاب من الإتحاد الاقتصادي، في حال إعلان الحرب على النيجر لإطاحة الانقلاب العسكري وإعادة حكم الرئيس محمد بازوم بالقوة الخارجية، في إشارة إلى باريس التي تدعم الخيار العسكري مسنودة من بعض دول الاتحاد الأوروبي.

تتكون المجموعة الاقتصادية التي تأسست عام 1975 في أبوجا في نيجيريا، من 15 دولة من الساحل والصحراء وتعتبر أحد أقدم التجمعات الإقليمية وأنجحها في القارة السمراء، تمتد داخل مساحة 5,11 ملايين كلم مربع ويسكنها نحو 440 مليون نسمة، ولها اقتصاد يقدر بنحو 770 مليار دولار، بحسب احصاءات موقع "كاونتري إيكونومي".

في المقابل، تضم هذه المجموعة أكبر عدد من الدول الفقيرة في العالم، يقل دخلها الفردي عن دولارين في اليوم، علما أن نيجيريا وحدها تضم 142 مليون فقير بحسب تقرير للبنك الدولي وهي أكبر اقتصاد في أفريقيا. وعلى الرغم من توافر موارد طبيعية هائلة، فإن المنطقة الواقعة في الصحراء الكبرى جنوب شمال أفريقيا، لم تحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة، مما جعلها دوما دولا هشة مرشحة للانقلابات العسكرية والحروب الأهلية بشكل دوري، واستغلال ثوراتها طوعا أو كرها أو تواطؤا.

مطرقة الاستعمار وسندان الإرهاب

الدول الثلاث المعارضة لاستعمال القوة والمتضامنة مع جارتها النيجر، سبق أن شهدت انقلابات عسكرية في السنوات الأخيرة، ورفعت نبرة المتمرد على العباءة الفرنسية، مطالِبةً بخروج الاستعمار الأوروبي القديم من المنطقة والقارة كلها. لأجل ذلك استعانت بقوات فاغنر الروسية لمحاربة "داعش" في منطقة غورما، شمال شرق مالي، ومنطقة مينكا القريبة من النيجر، التي فشلت فيها قوات بارخان الفرنسية.

 .أ.ف.ب.
رؤساء أركان الدفاع من دول المجموعة أثناء أجتماعهم في أبوجا، نيجيريا، لبحث الاضطرابات السياسية في النيجر في 2 أغسطس/آب الماضي

وترى موسكو في النزاع الصاعد وسط أفريقيا فرصة للتوسع في القارة، وتحييدها في حربها على أوكرانيا بعد استمالتها في قمة روسيا - أفريقيا في سانت بطرسبرغ الشهر الماضي، ووعدتها بالتنمية وإمدادات الحبوب، في مسعى إلى إحياء نوع من الحرب الباردة مع الغرب الأوروبي في منطقة ساخنة باستمرار.

وكان التعاون مع فاغنر مكن من تحجيم ميليشيات "داعش" في المنطقة. لكن المشكل الأكثر تعقيدا أن التنظيمات والجماعات الإرهابية والإجرامية المختلفة التي تستفيد من ضعف الدولة وفساد الموظفين وفقر السكان، قد تتحول إلى عنصر ثالث في أي حرب مقبلة. ويقول خبراء إن التنظيمات المتطرفة لها أتباع من عرقيات محلية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتوغو وغينيا وغانا ونيجيريا وتشاد وكاميرون، ينتمون إلى قبائل معظمها رعوية تعيش في المجال الحدودي نفسه، ولها خصومات مع حكوماتها المركزية.

تأسست "إيكواس" عام 1975، أحد أقدم التجمعات الإقليمية وأنجحها في القارة السمراء، تمتد على مساحة 5,11 ملايين كلم مربع ويسكنها نحو 440 مليون نسمة، ويقدر اقتصادها بنحو 770 مليار دولار، في المقابل، تضم هذه المجموعة أكبر عدد من الدول الفقيرة في العالم، يقل دخلها الفردي عن دولارين في اليوم

وبسبب الفقر واتساع المساحة، باتت بعض الجماعات تتحكم في موارد طبيعية باطنية مثل النفط والغاز والذهب والماس ومعادن ثمينة أخرى، مما سمح بقيام مجموعات مستقلة عن سلطة الدولة، وقد تكون تحت الطلب في أي نزاع جديد.

تكلفة الانقسام 

لا شك أن انقسام المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا أو تقسيمها بين مؤيد ومعارض للتدخل العسكري الخارجي في النيجر، ليس في صالح شمال أفريقيا القريب، وليس في صالح الاتحاد الأوروبي الخائف من زحف الجنوب نحو الشمال، وربما قد يقوي شوكة العصابات على اعتبار أن كل الأطراف موجودون في مربع الخطأ إذا اندلعت الحرب في منطقة شاسعة، تحكمها عصابات خارجة عن القانون، في صحراء من دون حدود ولا تعترف بأي قرارات دولية، تزيد على سدس مجموع مساحة القارة الأفريقية البالغة 30 مليون كلم مربع. 

وكانت تلك الدول تضررت كثيرا من تداعيات أزمة كوفيد-19، ومن الحرب في أوكرانيا، وارتفاع التضخم والأسعار، وقلة الإمدادات الغذائية، وتكلفة الديون الخارجية، التي زادت بزيادة معدلات الفائدة من قبل المصارف المركزية في الدول المتقدمة. وتراجعت قيمة صرف الفرنك الأفريقي (CFA) نحو 9,5 في المئة أمام اليورو. وخسرت "إيكواس" نحو 29 مليون وظيفة في ثلاث سنوات، وزاد عدد الفقراء 122 مليونا في مجموع القارة. وصارت معظم دول أفريقيا الأطلسية عاجزة عن تسديد خدمات الديون مما فتح شهية الصين للوصول إلى المحيط الأطلسي عبر طريق الحرير.

موارد طبيعية بـ 6200 مليار دولار

حققت مجموعة التعاون الاقتصادي لغرب أفريقيا معدلات نمو جيدة في السنتين الأخيرتين تراوحت بين 3,8 في المئة و4,4 في المئة، مدفوعة بارتفاع أسعار الطاقة والمواد الأولية والمعادن. ومن المتوقع أن يتواصل تحسن النمو الاقتصادي ويستقر عند 4,2 في المئة عام 2024 بحسب البنك الأفريقي للتنمية. 

 .أ.ف.ب.
متظاهرون يحملون علم روسيا وبوركينا فاسو أثناء احتجاجهم ضد "إيكواس" خلال دعوات لتعطيل الزيارة المقررة لوفد من غرب إفريقيا إلى واغادوغو في أكتوبر/تشرين الأول 2022

لكن الوضع الجغرافي للمجموعة، لا يساعدها على اجتذاب مزيد من الاستثمارات بسبب ضعف بنياتها التحتية، ووجودها في منطقة صحراوية قاحلة، لذلك تتركز الاهتمامات الخارجية على الموارد الطبيعية، خصوصا المعادن الثمينة واليورانيوم، المحرك الأساس للتدخل الخارجي في النيجر. 

ويستفاد من أرقام البنك الدولي أن القارة الأفريقية في حاجة إلى تمويلات لا تقل عن 250 مليار دولار سنويا للإنفاق على التنمية والبنى التحتية. ولم تحصل سوى على 30 مليار دولار منها. كما أنها تعاني من تداعيات التغيرات المناخية، على الرغم من أنها لا تملك صناعات ملوثة. ويقدر البنك الأفريقي للتنمية رأس مال الموارد الطبيعية المكتشفة والمعلنة بنحو 6200 مليار دولار.

إيطاليا تعارض الحرب وألمانيا غير متحمسة

يبدو شمال أفريقيا أكبر المعنيين بالحرب المحتملة في النيجر بسبب القرب الجغرافي والحدود الطويلة بين الجزائر وليبيا شمالا والنيجر ومالي جنوبا. وهناك مخاوف من نزوح جماعي للسكان وصعود جماعات متطرفة إلى خطوط التماس في حدود المجموعتين المغاربية والأفريقية. وكلها سيناريوهات تؤثر سلبا في مواصلة تنفيذ مشاريع اقتصادية واستثمارية وتجارية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وقد تعرقل خطوات انطلاق تفعيل المنطقة التجارية الأفريقية القارية الحرة التي يراهن عليها الجميع لتسريع التنمية، بحسب صحيفة "ليبيراسون" الفرنسية.

تحتاج القارة الأفريقية إلى تمويلات لا تقل عن 250 مليار دولار سنويا للإنفاق على التنمية والبنى التحتية، لم تحصل سوى على 30 مليار دولار منها. كما أنها تعاني من تداعيات التغيرات المناخية، على الرغم من أنها لا تملك صناعات ملوثة، ويقدر البنك الأفريقي للتنمية رأس مال الموارد الطبيعية المكتشفة والمعلنة فيها بنحو 6200 مليار دولار

في الجانب الأوروبي، ظهرت انشقاقات عميقة بين حلفاء الاتحاد، إيطاليا تعارض جهرا أي تدخل عسكري خوفا من نزوح جماعي وهجرة كثيفة لا تقوى عليها روما، التي أخلت قواعدها في أفريفيا لاستقبال مهاجرين محتملين فارين من الحرب في المنطقة.

بدورها، ألمانيا غير المتحمسة للحرب في النيجر، تدرك التأثيرات السلبية للأزمات العسكرية على التنمية والاقتصاد في أفريقيا والعالم، في وقت تراهن برلين على مشاريع الهيدروجين الأخضر والطاقات المتجددة في شمال وغرب أفريقيا. 

ولم تصدر عن دول أوروبية عدة أي مواقف واضحة حتى الآن، لكن معظمها غير منخرط في "جوقة باريس"، على الرغم من إدانتها للانقلاب العسكري وتشبثها بالمنهجية الديموقراطية، فالجميع يدرك أن عودة الرئيس إلى مقعده قد تكلف فاتورة اقتصادية وسياسية باهظة لا احد في إمكانه تحملها بما فيها باريس الخائفة على فقدان اليورانيوم النيجري الذي يمثل ثلاثة أرباع مصادر تشغيل المحطات النووية لإنتاج كهرباء رخيصة التكلفة في فرنسا من مصدر أفريقي.

font change

مقالات ذات صلة