لا تكونوا مثل "حزب الله" فتخسروا لبنان

لا تكونوا مثل "حزب الله" فتخسروا لبنان

حادث سير على منعطف الكحالة في لبنان، كان من الممكن أن يكون حدثا عرضيا، فكل يوم نسمع بحوادث سير لا حادث واحد، بسبب اهتراء الطرقات في لبنان، مما يودي بحياة المئات سنويا. لكن انقلاب الشاحنة عند "كوع الكحالة"، وهي بلدة صغيرة على طريق بيروت دمشق، لم يكن عرضيا بالكامل، فالشاحنة التي انقلبت هي شاحنة محملة بالسلاح والذخيرة لـ"حزب الله"، لتدور اشتباكات مسلحة بعد انقلاب الشاحنة بين عناصر من ميليشيا "حزب الله" وعدد من سكّان البلدة ذات الأغلبية المسيحية وليسقط قتيلان، أحد سكان البلدة، وعنصر من ميليشيا الحزب المرافقين للشاحنة.

ردود الفعل الغاضبة وصلت إلى تهديد البعض بحرب أهلية، فيما وصل الأمر بالبعض الآخر إلى إلقاء اللوم على الجيش اللبناني والدولة. ولو كنت تتحدث عن دولة غير لبنان، فمن المفهوم جدا حالة الصدمة والغضب التي اعترت الكثيرين مما حصل، ولكن هنا لبنان، حيث الدولة أضعف من الميليشيا، وحيث إن خصوم "حزب الله" وقعوا منذ سنوات في فخ الحزب، وصار خطابهم شبيها بخطاب الحزب، لم تعد المطالبة بالدولة القوية وبسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية وحصر السلاح بيد الجيش والقوى الأمنية هي الخطاب السائد للأسف، بل صارت الأصوات تعلو لتطالب باستنساخ "حزب الله"، يريدون حمل السلاح وإن اقتضى الأمر إشعال حرب أهلية، يطالب البعض بالأمن الذاتي أسوة بالميليشيا المسماة "حزب الله".

ألم يعبر "حزب الله" بعدته وعتاده الحدود إلى سوريا ليشارك نظامها في قتل السوريين ومحاربة ثورتهم، أين كان الجيش، وبالأصح أين كان المتفاجئون اليوم من عجز الجيش والدولة؟ 

هي ليست الشاحنة الأولى المحملة بالسلاح لـ"حزب الله"، ولكن شاءت الأقدار أن تتعرض هذه الشاحنة لحادث سير وينكشف أمرها، عدا ذلك من يدري حقا كم شاحنة للحزب محملة بالسلاح مرت على هذا الطريق بالذات أو غيره قبل الحادث أو بعده؟ أليس معلوما للقاصي والداني كيف يدخل ويخرج السلاح وغير السلاح من وإلى لبنان؟ ألم يغزُ "حزب الله" بيروت والجبل يوم حاولت السلطة الشرعية الممثلة بالحكومة من بسط سيطرة الدولة على المطار وقطاع الاتصالات؟ يومها اجتاح "حزب الله" الدولة ولم يجتح كما يحلو للبعض القول تبريرا أنه افتعل "ميني" حرب أهلية مع سنة ودروز لبنان، يومها انتهت هيبة الدولة وليس هيبة أحزاب كما يشيع البعض، يومها أيضا وقف الجيش على الحياد، والأدق القول إنه وقف متفرجا على اجتياح بيروت والجبل، خوفا من انقسامه طائفيا أو لأنه غير قادر على مواجهة ميليشيا عابرة للحدود بحجم "حزب الله" أو لأي مبرر آخر قد يكون غير مقنع لأي مقتنع بفكرة الدولة.
ألم يعبر "حزب الله" بعدته وعتاده الحدود إلى سوريا ليشارك نظامها في قتل السوريين ومحاربة ثورتهم، أين كان الجيش، وبالأصح أين كان المتفاجئون اليوم من عجز الجيش والدولة؟ 
هم أنفسهم من يلوح بالحرب الأهلية، ألم يتحاوروا ويجلسوا مع "حزب الله" على طاولات الحوار الكثيرة، وفي لقاءات ثنائية بينهم وبين الحزب؟ ألم يتشاركوا معه السلطة في مجلس الوزراء؟ بعد اجتياحه بيروت، وبعد ذهابه إلى سوريا.
 

لمن يطالب باشتباك بين الجيش و"حزب الله"، هل شاهدتم ما يحصل في السودان، حيث آلاف الجثث ملقاة في الشوارع؟ وكيف دخلت دول وأجندات على صراع الجيش مع الميليشيا؟

كلامي لا يعني بأي حال من الأحوال القبول والخضوع لمنطق القوة والترهيب الذي تتبعه هذه الميليشيا الإرهابية، ولكن الحرب ليست نزهة؟ ونقيض هذه الميليشيا الطائفية ليس ميليشيا طائفية أخرى.
ولمن يطالب باشتباك بين الجيش و"حزب الله"، هل شاهدتم ما يحصل في السودان، حيث آلاف الجثث ملقاة في الشوارع؟ وكيف دخلت دول وأجندات على صراع الجيش مع الميليشيا؟
في لبنان العالق بعنق الزجاجة منذ سنين لا يبدو أن أي حل جذري يلوح في الأفق، ولا يبدو قيام الدولة وحصر السلاح بيدها أمرا قريب المنال، في لبنان حيث الحوار لا هو وسيلة ولا هو غاية، بل هو أقرب لربط النزاع وتسيير أمور الناس اليومية، أمور لا يعترض على تسييرها "حزب الله"، نعم الصورة قاتمة، ولا انفراجة في الأفق إن كانت الانفراجة المطلوبة هي قيام الدولة وحصر السلاح بيدها، والاشتباك المسلح لن ينتج عنه إلا مزيد من سيطرة "حزب الله" على البلد والدولة.
المطلوب واحد، مشروع سياسي ومواجهة سياسية سلمية، مقاومة مدنية سلمية غير طائفية بوجه ميليشيا إرهابية طائفية عابرة للحدود. كل ما عدا ذلك لن يخدم إلا سردية "حزب الله" ومشروع "حزب الله" المعادي للدولة، الكاره للبنان واللبنانيين.
 

font change