الشعب يريد...

الشعب يريد...

وكأن 13 عاما لم تغير شيئا. الشعب يريد في عام 2023 ما أراده في عام 2011. وما بينهما هو أكثر من نصف مليون قتيل. أكثر من نصف الشعب صار مهجرا بين لاجئ ونازح، أكثر من مئة ألف معتقل ومغيب قسريا، وعشرات الميليشيات الطائفية والاحتلالات الأجنبية، ومع ذلك لا زال الشعب يريد...

ما بين درعا 2011 والسويداء 2023 بضعة أمتار لا أكثر، والكثير الكثير من المآسي والتجارب. السويداء 2023 لم تخرج مظاهرات ضد النظام السوري فحسب، فالسويداء لطالما خرجت وتظاهرت وانقسمت كغيرها من المدن بين مؤيد ومعارض وقدمت الشهداء، ولكن ما حصل في الأسبوع الأخير في سوريا هو وأد لنظرية ظل نظام الأسد يعتاش عليها لعقود؛ فلا هو حامي الأقليات، ولا الأكثرية السنية تنتظر اللحظة للانقضاض على باقي مكونات الشعب السوري. خرجت السويداء، فردت لها درعا وإدلب وحلب ودير الزور والرقة التحية.

في الساحل السوري شعب يئن بسبب الفقر. أناس يأكلون فتات الخبز مغمسا بالماء، طلاب لم يتمكنوا من الذهاب لتقديم امتحاناتهم لأنهم لم يستطيعوا تدبر كلفة الطريق، كثير منهم دفع دمه دفاعا عن نظام الأسد، واستفاق اليوم ليكتشف أنه ترك وحيدا ليموت وأولاده جوعا.

خرجت الأصوات المعارضة للنظام من داخل الساحل، أصوات مرتفعة من حاضنة النظام جغرافيا وطائفيا، ولكن المفاجأة لم تكن فقط هذه الأصوات، بل أصوات باقي السوريين الذين سارعوا للترحيب بهم، هذه المرة لم يكن اسم مظاهرات يوم الجمعة "الشعب السوري واحد"، بل كان فعل السوريين بمعظم أطيافهم فعل تأكيد على وحدة الشعب السوري.

يقول الرئيس السوري إن قانون العقوبات "قيصر" ليس العائق، وفي الحقيقة ليس قانون "قيصر" سبب معاناة السوريين، بل هو وضع بسبب أحد هذه المآسي الكثيرة، وهو التعذيب حتى الموت في المعتقلات.

يشاهد السوريون، الموالون منهم قبل المعارضين، كيف أن العقوبات لم تؤثر على رفاهية حياة بضع مئات من المقربين من بشار الأسد، يرسلون أبناءهم ليتعلموا في الخارج، يقودون سيارات يكفي ثمنها لإطعام مئات من المعارضين لأيام وأسابيع، وهم غير قادرين على تأمين ثمن أبسط الاحتياجات لأولادهم.

اليوم أدرك السوريون، الموالون والمعارضون، أن مصيرهم واحد. أدركوا أن شخص بشار الأسد هو العائق أمام مستقبل أبنائهم، وهو سبب معاناتهم.

ما حصل في سوريا في الأسبوع الأخير هو وأد لنظريةٍ ظل نظام الأسد يعتاش عليها لعقود؛ فلا هو حامي الأقليات، ولا الأكثرية السنية تنتظر اللحظة للانقضاض على باقي مكونات الشعب السوري. خرجت السويداء، فردت لها درعا وإدلب وحلب ودير الزور والرقة التحية

ولكن هل وحدهم السوريون من أدرك أن من تسبب بكل هذا الدمار غير قادر على أن يكون جزءا من الحل؟ 
من حول سوريا الوطن إلى رقم واحد في العالم في إنتاج وتصنيع الكبتاغون لا يمكن أن يكون جادا في محاربة هذه التجارة التي تدر عليه ملايين الدولارات سنويا. والمسيرات إلى الأردن، والشحنات إلى السعودية، دليل واضح على أنه لا يرغب في وقف هذه التجارة.

من حول أكثر من نصف الشعب السوري وفق إحصاءات الأمم المتحدة إلى لاجئين في العالم ودول الجوار، ونازحين داخل سوريا، لن يسمح بعودتهم، فحتى الألفا شخص الذين تحدث عنهم بيان عمان لم يعودوا، ومن يدري إن استمرت الأوضاع على ما هي عليه، وإن صدق الأسد وكرر مجددا ما فعله منذ 2011 كيف سيكون شكل الموجة الجديدة من اللاجئين.

لا يبدو إنقاذ سوريا اليوم مستحيلا، ولا يبدو إنقاذ السوريين، جميع السوريين، بالأمر الصعب، فالمطلوب اليوم من كل الأطراف، بعد أن اكتشف الجميع من غرر بهم، أن يتحركوا، المطلوب التنبه ممن قد يدخل في صفوفهم "مندسين" لخلق أحداث أمنية وطائفية، المطلوب ممن بقي من وطنيين داخل مؤسسات الدولة التحرك لإنقاذ ما بقي من دولة، والمطلوب أيضا من السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام التخلص من هياكل المعارضة التي تحولت إلى مكاتب علاقات عامة لأجهزة بعض الدول غير آبهة بما يتعرض له السوريون.

تطبيق القرار 2254 كما يطالب السوريون وكما طالب العالم، تطبيق القرار بنصه الأصلي، وليس بنسخته الروسية، هو الخطوة الأولى التي يجب اتخاذها لوضع الحل في سوريا على السكة الصحيحة، هذا فقط ما سينقذ سوريا من دمار ما بقي منها، وينقذ من بقي من السوريين، وهذا وحده ما سيخلص دول الجوار من أعباء نتجت عن غياب الحل السوري..
بين 2011 و2023 الشعب يريد، ولا بد أن يستجيب القدر.
 

font change