كيف منعت دمشق احتجاجات السويداء من الانتشار؟

كيف منعت دمشق احتجاجات السويداء من الانتشار؟

دخلت الاحتجاجات في السويداء أسبوعها الثالث، وارتفع عدد المشاركين فيها إلى آلاف المحتجين، في سابقة تاريخية من حيث العدد بالنسبة للمنطقة. وما بدا في أول الأمر صرخة احتجاج ضد قرار الحكومة بوقف دعم الوقود، ما لبث أن تحول بسرعة إلى حركة سياسية أوسع، فبات المتظاهرون يطالبون اليوم بتغيير النظام. ولئن أحجم النظام عن استخدام القبضة الحديدية في السويداء لجملة من الأسباب، بينها أن سكانها مسلحون جيدا، وأغلبيتهم الديموغرافية تنتمي إلى الطائفة الدرزية، فقد تبنى استراتيجية تصعيد العنف في مناطق أخرى لمنع الاحتجاجات من الخروج عن نطاق السيطرة.

وإلى جانب اعتقال الأصوات المعارضة في مناطق سيطرة النظام، فرضت القوات العسكرية والأمنية حصارا على المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة سابقا في حلب وريف دمشق. وتساعد هذه الإجراءات العدوانية في تفسير الغياب شبه الكامل للمظاهرات في مناطق أخرى، على الرغم من الغضب الكبير الذي يعتمل في الصدور بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور.

وفي حين ظلت السويداء تحت سيطرة النظام طوال فترة النزاع، فإن مجموعات مسلحة محلية ظهرت لحماية السكان من التهديدات المختلفة التي كانت تتعرض لها، ومن ضمنها تلك التهديدات التي كان مصدرها النظام ذاته. ولا تتميز هذه الجماعات بأنها حسنة التسليح وحسب، بل إن صلات اجتماعية ودينية قوية تربط بعضها بالبعض الآخر. وقد أثبتت هذه الروابط تاريخيا نجاعتها في حل الخلافات بسرعة وفي حشد القوى ضد الأعداء الخارجيين.

وفي ظل عدم وجود تنازلات جلية يقدمها النظام للمحتجين في السويداء، فإن هناك مخاوف متزايدة من أن قوات الأمن السورية قد تلجأ إلى أسلوب القمع. ومع ذلك، فإن النظام يدرك تمام الإدراك أن استخدام القوة لقمع الاحتجاجات يحمل في طياته خطرَ تحويل المظاهرات السلمية إلى حركة مقاومة مسلحة واسعة النطاق، ومن المحتمل أن تمتد مثل هذه الحركة إلى خارج المحافظة. وعلى الرغم من أهميتها الرمزية في تقويض سلطة الأسد، فإن احتجاجات السويداء لا تهدد حاليا بقاء الأسد. ومردّ ذلك جزئيا إلى طبيعة الاحتجاجات السلمية، وموقع المحافظة البعيد.

في حين ظلت السويداء تحت سيطرة النظام طوال فترة النزاع، فإن مجموعات مسلحة محلية ظهرت لحماية السكان من التهديدات المختلفة التي كانت تتعرض لها، ومن ضمنها تلك التهديدات التي كان مصدرها النظام ذاته

ويبدو أن النظام ينفذ استراتيجية طويلة المدى، بدلا من اختيار أسلوب التصعيد، إذ خفضت دمشق بشكل كبير الخدمات الحكومية في هذه المناطق، مما يضيف أعباء جسيمة إلى حياة السكان اليومية. والأمل الكامن وراء هذا الإجراء هو أن العبء المتزايد سيفضي إلى الإرهاق أو سيؤدي إلى بث روح الفرقة في صفوفهم، وهو الأمر الذي سيضع حدا لاحتجاجاتهم.

وفي هذه الأثناء، يبدو أن النظام قد حول تركيزه الأساسي نحو احتواء الاحتجاجات وإبقائها داخل السويداء. ولتحقيق هذا الهدف، فرضت القوات العسكرية والأجهزة الأمنية حواجز على عدة مناطق بريف دمشق. ولهذه المناطق، القريبة من السويداء، تاريخ حافل من التمرد ضد النظام. ولذلك، فإن هدف النظام هو قمع أي تحركات معارضةٍ بشكل استباقي من خلال تطويق المدن والبلدات التي من المتوقع أن تشهد احتجاجات.

وقد لوحظ اتباع هذا التكتيك في البداية يوم 24 أغسطس/آب الماضي في وادي بردى، حيث تعرضت عدة قرى- بما في ذلك دير قانون، ودير مقرن، وكفير الزيت، وسوق وادي بردى، والحسينية، وبرهليا- لهذه الإجراءات، بعد يوم واحد فقط من دعوات أطلقت في تلك المناطق للعصيان المدني والإضراب العام. وعلى أثر نشر تعزيزات عسكرية من أسلحة رشاشة ثقيلة، ومدفعية، ودبابات، واجهت البلدات تهديدات باقتحامها بذريعة وجود خلايا لداعش.

وفي نمط أصبح مألوفا للغاية، استخدم النظام نهج العصا والجزرة. فقد تم منح الأفراد المطلوبين للنظام خيار المشاركة في عملية "المصالحة"، المعروفة أيضا باسم التسويات، وذلك مقابل الامتناع عن الأعمال التصعيدية ضدهم أو ضد بلداتهم. وطُبقت هذه الاستراتيجية نفسها للمصالحة القسرية لاحقا في مناطق أخرى بدرجاتٍ متفاوتة، بما في ذلك كناكر، وزاكية، وببيلا. وتختلف شروط هذه "المصالحات" تبعا للمنطقة التي تُجرى فيها، ولكنها تخدم جميعها هدف النظام المتمثل في تعزيز قبضته الأمنية على المناطق التي تُصنفها الجهات الأمنية على أنها "ساخنة" أو "غير آمنة" بهدف منع انتشار الاحتجاجات. كما كثفت القوات الأمنية دورياتها وأقامت نقاط تفتيش في مدن أخرى محيطة بالعاصمة، كبلدتي يَلدا وقدسيا، ردا على توزيع منشورات مناهضة للنظام.

وعلى نحو مشابه، تفيد التقارير بأن النظام يعمل حاليا على إقامة طوق أمني من خلال نشره نقاط تفتيش حول المنطقة التي تقع إلى الشرق من حلب؛ فهذه المنطقة، التي كان لها تاريخ حافل في معارضة النظام خلال فترة الصراع، شهدت مؤخرا احتجاجات ضد الرئيس الأسد. وقد أثار هذا مخاوف بشأن احتمال تجدد الصراع في المنطقة. وردا على ذلك، فقد تلقت الفروع الأمنية في المدينة تعليماتٍ بتعبئة مختلف الميليشيات لمعالجة هذا الوضع، وذلك وفق ما ورد. كما أفادت التقارير باعتقال أكثر من 100 شخص في حلب في تهم تتعلق بمشاركتهم في المظاهرات أو انتقادهم للنظام.
 

يبدو أن النظام قد حول تركيزه الأساسي نحو احتواء الاحتجاجات وإبقائها داخل السويداء. ولتحقيق هذا الهدف، فرضت القوات العسكرية والأجهزة الأمنية حواجز على عدة مناطق بريف دمشق

وفي محافظتي اللاذقية وطرطوس، أفادت التقارير بأن دعوات التظاهر أدت إلى تكثيف الوجود الأمني للنظام في الشوارع. وإلى جانب ذلك، اتهمت مصادر محلية النظامَ باحتجاز ما لا يقل عن 70 شخصا حتى الآن لمنع قيام أي احتجاجات في المناطق التي تعتبر معاقل رئيسة للنظام.

ويبقى أن نرى ما إذا كان هذا النهج الذي صممه النظام سيُمكنّه من الصمود في وجه موجة الاحتجاجات المستمرة. ولكن، على أي حال، يسلّط الوضع الراهن الضوء على نقطة أساسية، وعلى الرغم من المعاناة الهائلة التي قاساها السوريون طوال فترة النزاع، فمن غير المرجح أن تُثنيهم خسائرهم عن التظاهر مرة أخرى إذا لم يتمكنوا من إعالة أسرهم. ولذلك، فمن المرجح أن تستمر موجات جديدة من الاضطرابات إلى أن يتم إجراء تغيير جوهري.

font change