من يتحمل المسؤولية: "باربي" أم نصرالله؟

من يتحمل المسؤولية: "باربي" أم نصرالله؟

في معرض كلامه عن التدفق الجديد للاجئين السوريين إلى لبنان، أبدى رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي قلقه من "موجات النزوح السوري عبر ممرات غير شرعية". وقال إن أكثر "ما يبعث على القلق أن أكثرية النازحين الجدد من فئة الشباب... الجيش والقوى الأمنية يسعون لمنع قوافل النزوح غير المبرر، الذي يهدد استقلاليتنا الكيانية ويفرض خللا حادا يضرب، بقصد أو بغير قصد، تركيبة الواقع اللبناني".

لا يختلف اثنان أن تبعات الأزمة السورية على لبنان حمّلت لبنان- وتحديدا في ملف اللاجئين- عبئا كبيرا يفوق قدرة البلد ومقدراته. لكن من المفترض أن لا يختلف عقلاء على أن الحكومات اللبنانية وتحديدا حكومات الرئيس ميقاتي تتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية الفوضى العارمة في إدارة هذا الملف. نجيب ميقاتي الذي، وللصدفة، كان أيضا رئيسا للحكومة اللبنانية عام 2011 يوم بدأ السوريون الهروب إلى لبنان، كما غيره من البلدان المجاورة وغير المجاورة، من آلة القتل والاعتقال في سوريا، وهو الذي فشل أو أنه لم يحاول تنظيم هذا الملف في بداياته عندما كانت الأعداد محصورة ببضعة آلاف، وبات اليوم وحكومته يحملان اللاجئ كل أسباب الانهيار الحاصلة في لبنان، واللاجئ بريء من معظم هذه الاتهامات.

لكن اللافت في كلام ميقاتي ليس فقط استخدامه مواربة لموضوع اللاجئين بسياق طائفي، بل الإصرار بعد أكثر من 12 عاما على تسميتهم بالنازحين، علما أن النازح وفق القانون هو من لم يغادر بلده أساسا بل انتقل من مدينة إلى أخرى أو من منطقة إلى منطقة ثانية، أما من يعبر الحدود فهو لاجئ، حتى لو لم يكن البلد المضيف موقعا على اتفاقية اللجوء، وهذه حال لبنان مع اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين، وهذه حال الأردن مع اللاجئين السوريين، ولكن من يدري إن كان من يصر على وصف السوري في لبنان بالنازح يعترف أساسا بالحدود؟

يتم الحديث عن ضبط تهريب السوريين إلى لبنان عن طريق المعابر غير الشرعية والتي يفوق عددها وفقا للوائح سابقة لجهاز أمن الدولة اللبناني 136 معبرا غير شرعي

يعرف القانون الدولي، الدولة ذات السيادة بأنها كيان سياسي تعبر عنه حكومة مركزية لها سيادة على منطقة جغرافية معينة، ولها حدود جغرافية معروفة تسيطر على حركة عبور هذه الحدود الدولة نفسها وأجهزتها.
يتجاهل رئيس حكومة تصريف الأعمال هذا الجانب، كذلك يفعل معظم الأفرقاء السياسيين، وتختصر السيادة على الحدود بمنع دخول اللاجئين، ولكن عند انتقال المسلحين التابعين لـ"حزب الله" مع عتادهم إلى سوريا ومنها، عبر الحدود نفسها، يختفي الحديث عن السيادة أو يخفت.

يتم الحديث عن ضبط تهريب السوريين إلى لبنان عن طريق المعابر غير الشرعية والتي يفوق عددها وفقا للوائح سابقة لجهاز أمن الدولة اللبناني 136 معبرا غير شرعي، ولكن لم ننس بعد كيف استغل حلفاء النظام السوري وعلى رأسهم "حزب الله" هذه المعابر، كما المعابر الشرعية، لتهريب المواد المدعومة ومنها الفيول قبل عامين، في وقت كان فيه المواطن اللبناني يمضي ساعات طويلة بانتظار الحصول على لترات قليلة من البنزين، وكل ذلك كان يتم في وضح النهار وعلى مرأى الجميع بما في ذلك الأجهزة الأمنية.

لم ولن ينسى السوريون أن شريكا رئيسا في الحكومة اللبنانية شارك في قتلهم وتهجيرهم واحتلال أراضيهم، وإن كان ردع ميليشيا "حزب الله" الإرهابية أكبر من قدرة لبنان حكومة وشعبا، فلماذا لا تتم معالجة موضوع اللاجئين بهدوء وعقلانية وقليل من الإنسانية بدل التحريض عليهم وترحيل بعضهم وتعريضهم للقتل أو الاعتقال؟ وخصوصا أن الجميع يعلم وأولهم نجيب ميقاتي وحكومته، أن من هجّر السوريين، أي بشار الأسد ومعه إيران وذراعها اللبنانية "حزب الله"، لن يسمحوا بعودتهم بل هم على استعداد لتهجير من بقي منهم في مناطق سيطرتهم في سوريا، وإن أي كلام عن عودتهم ليس إلا ملفا يضاف إلى ملف الكبتاغون يستخدمه نظام الأسد لابتزاز دول الجوار والمجتمع العربي والدولي.

في كل الأحوال، ليس اللاجئون وحدهم من يدفع ثمن سياسات حكومة ميقاتي التحريضية، فكل الفئات المهمشة اليوم في لبنان عرضة لتكون مادة تستخدم لتحميلها سبب الانهيار الحاصل والفساد المستشري؛ ففي لبنان كل يوم قصة، من اللاجئين إلى تعنيف النساء واضطهادهم، إلى اغتصاب الأطفال وتعنيفهم، إلى التحريض على المثليين واعتقال الصحافيين ومنع فيلم أو السماح به، وكل هذا لإلهاء اللبنانيين عما يهم حقا، كيف تم ترسيم الحدود البحرية؟ من المستفيد؟ وهل من صفقات عقدت في الخفاء؟ كيف كادت تتم الإطاحة بالتجديد لقوات اليونيفيل في الجنوب؟ أين صارت أموال المودعين؟ وأين هي الإصلاحات الموعودة والانتخابات الرئاسية؟ كلها أمور يتم التعتيم عليها من خلال التحريض المستمر على السوريين وغيرهم، ولكن إلى متى تستطيع الحكومة اللبنانية الاستمرار في هذه السياسة؟ وهل تراهن على أن اللبنانيين سينسون أن من تسبب في مآسيهم لن يكون سببا في حل مشكلاتهم؟ 
 

لم ولن ينسى السوريون أن شريكا رئيسا في الحكومة اللبنانية شارك في قتلهم وتهجيرهم واحتلال أراضيهم، وإن كان ردع ميليشيا "حزب الله" الإرهابية أكبر من قدرة لبنان حكومة وشعبا، فلماذا لا تتم معالجة موضوع اللاجئين بهدوء وعقلانية وقليل من الإنسانية بدل التحريض عليهم وترحيل بعضهم وتعريضهم للقتل أو الاعتقال؟

إنه "حزب الله" أولا وثانيا وعاشرا. وطالما أن من يملك السلطة لا يملك الجرأة لتسمية الأمور بأسمائها وتحميل مسؤولية ما اقترفه "حزب الله" في لبنان وسوريا والعالم العربي، مرة إلى اللاجئ ومرة إلى تخلي الدول العربية عن لبنان، فلبنان السيد الحر المستقل يستطيع أن يمنع "باربي" من الدخول إلى لبنان وتخريب منظومة الأخلاق اللبنانية، لكن لبنان السيد الحر المستقل لا يستطيع أن يمنع صواريخ الحرس الثوري الإيراني من الوصول إلى "حزب الله"، ولا يستطيع أن يحرر لبنان واقتصاده ومستقبله ومستقبل أبنائه من سطوة ميليشيا مسلحة لم تعد تختطف الدولة فحسب بل إنها تختطف مستقبل الدولة ذاتها، ومن يدري قد تكون "باربي" هي المسؤولة وليس حسن نصرالله.

font change