صراع السلطة في ليبيا: أي حلول ممكنة لكارثة درنة؟

معركتان تطلان برأسيهما من فيضانات ليبيا

صراع السلطة في ليبيا: أي حلول ممكنة لكارثة درنة؟

لا شك في أن الدمار الذي ضرب مدينة درنة والمنطقة المحيطة بها في ليبيا هائل بأي مقياس من المقاييس؛ ففي مدينة يبلغ عدد سكانها 100 ألف نسمة، يحتمل أن يكون 15 إلى 20 في المئة من سكانها قد قضوا في الفيضان أو فقدوا. ويضاف إلى هذا العدد نحو 30 ألفا آخرين يعتقد أنهم نزحوا.

وكانت العاصفة دانيال قد ضربت المنطقة في ليلة 11 سبتمبر/أيلول، واستغرق الأمر يومين كاملين حتى بدأت المساعدات في التدفق نظرا لانسداد الطرق وصعوبة التنقل في المدينة التي تغطيها المياه الراكدة والطين. ويعتقد أن عشرات من رجال الإنقاذ أنفسهم هم الآن في عداد المفقودين. فيما تم إنقاذ عائلات أخرى تقطعت بها السبل بسبب جغرافيا المدينة، مما أدى إلى انهيار الجسور التي تربط بين الأجزاء الشرقية والغربية من المدينة.

معركتان قادمتان ستحددان مستقبل درنة والمستقبل السياسي الأوسع لليبيا: السباق من أجل التعافي؛ ومعركة الروايات حول من المسؤول– وبالتالي من يستطيع إصلاح درنة والبلاد بشكل عام.

السباق من أجل التعافي

لا تزال احتياجات المدينة هائلة. لقد غمرت مياه الفيضانات المستشفى المحلي الوحيد جزئيا، وثمة نداءات عاجلة توجه بتوفير أكياس الجثث ومعدات الحماية الأخرى لمنع انتشار الأوبئة، مع القيام في الوقت نفسه بما هو ممكن للتعرف على الجثث ودفنها بشكل لائق.

وكانت المنظمات غير الحكومية المحلية، وخاصة الهلال الأحمر الليبي، موجودة في مكان الحادث طوال الوقت، بالإضافة إلى عناصر من القوات المسلحة العربية الليبية، وهي القوات الموالية لأمير الحرب في شرق ليبيا، خليفة حفتر. وقد سارعت مجموعات ليبية أخرى إلى توفير الموارد، أو على الأقل قدمت تعهدات في هذا المجال.

وخصص رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد دبيبة على الفور مليوني دينار كتمويل طارئ لدرنة، ولكن ما زال يتعين علينا رؤية كيف وأين ستنفق هذه الأموال. وأرسلت المؤسسة الوطنية للنفط طواقم طبية وسفينة تحمل معدات الطوارئ. وقامت شركة الكهرباء الوطنية بالفعل بإعادة التيار الكهربائي إلى أجزاء من المدينة.

المثال الرئيس للفوضى السياسية في ليبيا يكمن في حقيقة أن عبد الحميد دبيبة، رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة ومقرها في طرابلس، يفتقر إلى السلطة اللازمة لزيارة المنطقة المنكوبة في الشرق

وعلى المستوى الدولي، ليس من قبيل الصدفة أن تكون تركيا ومصر وإيطاليا أول من نشر متخصصين في المساعدات والإنقاذ، فهذه الدول الثلاث لديها أكبر مصالح تتعلق بالأمن القومي في ليبيا. وقد دعمت كل من مصر وتركيا، على وجه الخصوص، الطرفين المتنافسين الليبيين في شرق وغرب ليبيا، وقدمت كل منهما المساعدة السياسية والأمنية للطرف الذي تدعمه منذ دخول وقف إطلاق النار عام 2020 حيز التنفيذ. من جانبها، أرسلت مصر وفدا عسكريا برئاسة رئيس الأركان أسامة عسكر لتنسيق عمليات الإغاثة، وكان الرئيس السيسي حاضرا للإشراف على كتيبة من الشاحنات والآليات الثقيلة المتوجهة إلى ليبيا. كما أرسلت مصر أيضا مستشفى بحريا لتقديم الخدمات الطبية المحدودة في درنة والمناطق المحيطة بها. تُظهر هذه الجهود إعطاء مصر الأولوية لشرق ليبيا لعلاقة تلك المنطقة بأمنها القومي وحقيقة رغبتها في ضمان نفوذها في حالة حدوث أي اضطراب سياسي في أعقاب الأزمة.

وفي المقابل، سارعت تركيا، التي تقدم الدعم السياسي والأمني لحكومة الوحدة الوطنية المتمركزة في الغرب، إلى نشر الهلال الأحمر التركي للعمل جنبا إلى جنب مع الهلال الأحمر الليبي. كما قدمت ثلاث طائرات شحن محملة بالإمدادات الطبية والإغاثية، وتقوم بإرسال سفينة لإنشاء مستشفيين ميدانيين. ومن جهتها، أرسلت إيطاليا مواد إيواء وآليات ثقيلة وفرق إنقاذ مائية وطائرات هليكوبتر للإنقاذ.

كما استجابت دول أخرى أيضا بمساهمات كبيرة، بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا وأعضاء آخرون في الاتحاد الأوروبي مثل إسبانيا وألمانيا ومالطة المجاورة، ودول إقليمية بما في ذلك الجزائر والأردن وتونس، ودول الخليج: قطر والإمارات العربية المتحدة والكويت. وتوجد على الأرض أيضا وكالات الأمم المتحدة لتوزيع مواد الإغاثة الإنسانية.

Reuters
صورة جوية توضح المناطق المتضررة، في أعقاب فيضانات درنة

وفي 13 سبتمبر/أيلول، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستنشر فريق استجابة للمساعدة في حالات الكوارث الأميركي (DART) وستبدأ بمساهمة أولية قدرها مليون دولار من أموال الإغاثة. يقوم هؤلاء المتخصصون في المجال الإنساني بتقييم الاحتياجات بسرعة ويمكنهم تنسيق الاستجابات العاجلة في المواقف التي تصل فيها مساعدات كبيرة، ولكنها قد لا تكون منظمة.

علاوة على ذلك، منذ الهجوم المأساوي على البعثة الأميركية الخاصة في بنغازي في 11 سبتمبر/أيلول 2012، والذي أدى إلى مقتل السفير الأميركي كريس ستيفنز وثلاثة أميركيين آخرين، لم ترسل الولايات المتحدة ممثلين إلى شرق ليبيا إلا بشكل متقطع. لذلك فإن نشر فريق "DART" في درنة سيكون سابقة جديدة لوجود أكثر انتظاما للأفراد الأميركيين في المنطقة.

العاصفة دانيال ضربت المنطقة في ليلة 11 سبتمبر/أيلول، واستغرق الأمر يومين كاملين حتى بدأت المساعدات في التدفق نظرا لانسداد الطرق وصعوبة التنقل في المدينة التي تغطيها المياه الراكدة والطين

معركة السرديات

إن المثال الرئيس للفوضى السياسية في ليبيا يكمن في حقيقة أن عبد الحميد دبيبة، رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة ومقرها في طرابلس، يفتقر إلى السلطة اللازمة لزيارة المنطقة المنكوبة في الشرق. وتقتصر صلاحياته على التوجيه المالي، وحتى لجنة الأزمات التابعة له، المخصصة لإدارة الكارثة، لا تعمل في المناطق المنكوبة، بل من طرابلس. على العكس من ذلك، فإن الحكومة التي نصبت نفسها ووزراء الإدارة الشرقية الانفصالية ليس لديهم سلطة حكم ملموسة، ولكنهم – مع ذلك – يصرون على إصدار التوجيهات والإعلانات.

يقع هيكل السلطة الحقيقي في شرق ليبيا تحت سيطرة الجنرال حفتر. وعلى الرغم من الجهود الجديرة بالثناء التي بذلها الهلال الأحمر، فقد فرض الجنرال حفتر منذ فترة طويلة قيودا صارمة على ما كان ذات يوم مجتمعا مدنيا مزدهرا، مما دفع الكثير من القادة والمنظمين إما إلى مغادرة ليبيا وإما إلى التزام الصمت. (وقد بدأت حكومة الوحدة الوطنية أيضا ممارسات مماثلة من خلال مطالبة المنظمات غير الحكومية بالتسجيل لدى الحكومة). وهذا يعيق جهود الإغاثة الإنسانية الفعالة، حيث إن أحد الجوانب الأساسية هو التعاون مع الجهات الفاعلة المنظمة محليا. ونتيجة لذلك، يواجه شرق ليبيا تحديات إضافية، مما يزيد الضغط على الهلال الأحمر.

لقد بدأت بالفعل عملية تحديد اللوم، رغم أن كافة التفاصيل لم تظهر بعد. ويُظهر مقطع فيديو منتشر على نطاق واسع شخصا غاضبا يتهم جميع المسؤولين في السلطة بإهمال البلاد، وسرعان ما قبض عليه من قبل إحدى كتائب الجنرال حفتر. وثمة أيضا انتقادات كبيرة موجهة إلى السلطات المحلية لفشلها في إصدار تحذيرات في الوقت المناسب– بل أي تحذيرات على الإطلاق– لإخلاء المدينة، على الرغم من علمها باقتراب العاصفة.

وفي سياق أوسع، كانت هناك دراسات تسلط الضوء على ضرورة إصلاح أو إعادة بناء السدين اللذين فشلا في نهاية المطاف. وتم تخصيص خطط إعادة الإعمار وإسنادها لشركة تركية، والتي لم تتمكن بسبب علاقة تركيا بحكومة الوحدة الوطنية من الوصول إلى المنطقة التي يسيطر عليها الجنرال حفتر. وبغض النظر عما إذا كان اللوم يقع على عاتق الجنرال حفتر أو المدنيين المتصلبين، فإن النتيجة كانت مأساوية.

ولا شك أن الاهتمام الأساسي والفوري هو الإغاثة الإنسانية. ومن اللافت للنظر أن عمليات الإنقاذ لا تزال مستمرة بعد مرور أكثر من 72 ساعة على وقوع العاصفة. ونأمل أن تصل الإمدادات والمعدات اللازمة على وجه السرعة لمنع انتشار المرض وتقديم المساعدة للناجين.

وتتكشف هذه التحديات في سياق المشهد السياسي المنقسم بشدة في ليبيا، حيث تظل الأمة لسوء الحظ عالقة في الشرك، فمن جانب لا يزال هاجس الجنرال حفتر هو الفوز في معركة كسب الرأي العام ضد حكومة الوحدة الوطنية من خلال تسليط الضوء على عدم فعاليتها، مع قمع المعارضة، وحتى محاولة تقييد وصول الصحافيين (وهو جهد غير مجد نظرا لقوة وسائل التواصل الاجتماعي)، ومن جهة أخرى، تدافع حكومة الوحدة الوطنية عن نفسها بقوة من خلال إلقاء اللوم بشكل مباشر على حفتر بسبب أوجه القصور التي يعاني منها.

ويتوقف الحل النهائي على تصميم الشعب الليبي وصموده للتغلب على هذه الكارثة. لقد اتحد الليبيون في عام 2011 للإطاحة بالقذافي وأعربوا عن توقهم إلى التغيير عندما سجل ما يقرب من 3 ملايين مواطن للتصويت في الانتخابات التي كان مقررا إجراؤها أصلا في ديسمبر/كانون الأول 2021. ولكن لسوء الحظ، تم تأجيل هذه الانتخابات إلى أجل غير مسمى بسبب تحديات عملية وسياسية مختلفة، ولكن الرغبة في التغيير لا تزال متأججة.

وقد لا تكون هذه هي اللحظة المناسبة لمناقشة الانتخابات كحل، خاصة وأن التعافي من العاصفة سوف يتطلب اهتماما كاملا لعدة أشهر. ومع ذلك، تحتاج الأمة بشكل عاجل إلى آلية حكم محايدة سياسيا تتألف من أفراد يستمدون شرعيتهم من انتماءاتهم المحلية أو الإقليمية. علاوة على ذلك، قد يكون من الحكمة استكشاف الآليات التي تستطيع المنظمات الدولية مثل البنك الدولي من خلالها الإشراف على مشاريع كبيرة، مثل ترميم السدود. ومن المثير للسخرية حقا أن تمتلك ليبيا ما بعد القذافي الموارد المالية اللازمة لتنميتها (دون ديون، وفقا لصندوق النقد الدولي). ومع ذلك، فقد بلغ سوء الإدارة المستمر والحكم الناقص ذروته في الأحداث الدراماتيكية التي شهدها الأسبوع الماضي.

font change

مقالات ذات صلة