ممر التنمية وممرات الخراب

ممر التنمية وممرات الخراب

حدثان في الأيام الماضية أُعلن عنهما، كل حدث منهما يخبر بالكثير عن توجهات العالم المستقبلية، من يفكر بماذا؟ وكيف ستعود نتائج هذه الأفكار والمشاريع على أصحابها وبلدانهم وشعوبهم؟

الحدث الأول كان الإعلان عن توقيع السعودية مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة لإنشاء ممر اقتصادي يربط بين الهند وأوروبا، بمشاركة كل من الاتحاد الأوروبي والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، ويشمل مشروع الممر خط سكك حديدية، بالإضافة إلى كابل لنقل الكهرباء وخط أنابيب هيدروجين وكابل بيانات عالي السرعة، وفقا لوثيقة أعدتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، وقد وصفت الوثيقة المشروع بأنه "جسر أخضر ورقمي عابر للقارات والحضارات".

الحدث الثاني كان زيارة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إلى روسيا ولقاءه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي استقبله في قاعدة فوستوشني، أحدث موقع لإطلاق الصواريخ الفضائية في روسيا. وإن كان الكرملين قد نفى توقيع أي اتفاقية عسكرية بين البلدين، إلا أن لقاء الرجلين المعزولين والمعاقبين دوليا، أثار مخاوف الكثيرين من أن يفضي إلى اتفاق بشأن صفقة أسلحة لدعم الحرب الروسية على أوكرانيا.

حدث سيكون انعكاسه مزيدا من الاستقرار في الدول التي يمر بها، وعائدات اقتصادية، وتنمية وتجارة وبناء. وحدث آخر لا يمكن إلا أن تكون انعكاساته مزيدا من الخراب والدمار والقتل.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وفي كلمته للإعلان عن مشروع الممر الاقتصادي التي جاءت على هامش انعقاد فعاليات منتدى الاستثمار السعودي الهندي، قال إن "الممر الاقتصادي سيحقق المصالح المشتركة لدولنا من خلال تعزيز الترابط الاقتصادي وما ينعكس إيجابا على شركائنا من الدول الأخرى والاقتصاد العالمي بصورة عامة".

وفي المقلب الآخر، أو أثناء انعقاد الحدث الآخر، صرح زعيم كوريا الشمالية أن "روسيا تخوض حربا مقدسة ضد الغرب، وأن البلدين سيحاربان معا الإمبريالية". نعم، هو قال إن بلديهما سيحاربان الإمبريالية.

ليس هذا وحسب، بل اعتبر كيم أن روسيا قد "ارتقت لقتال مقدس لحماية سيادتها وأمنها ضد القوى المهيمنة"، مؤكدا دعمه الدائم لقرارات بوتين.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قال في كلمته للإعلان عن مشروع الممر الاقتصادي على هامش انعقاد فعاليات منتدى الاستثمار السعودي الهندي: "الممر الاقتصادي سيحقق المصالح المشتركة لدولنا من خلال تعزيز الترابط الاقتصادي وما ينعكس إيجابا على شركائنا من الدول الأخرى والاقتصاد العالمي بصورة عامة"

مشروع طموح للغاية وسيكون له أثر إيجابي كبير جداً على المنطقة، بهذه الكلمات وصف المبعوث الرئاسي لشؤون الطاقة في الإدارة الأميركية عاموس هوكستاين مبادرة الممر الاقتصادي، وهو لا شك محق، فهذه الدول وضعت جميع التباينات والخلافات جانبا، دون أن يعني ذلك تغييبها، واتفقت على مشروع ستكون عائداته على الدول المشاركة جميعا جيدة وستثمر رفاهية لشعوبها.
فيما لا يمكن أن يثمر الاتفاق والتعاون بين كيم وبوتين إلا إلى مزيد من المآسي، لشعبيهما أولا، وللعالم أجمع وليس فقط أوكرانيا التي يتخوف الجميع من إمداد كوريا لروسيا بأسلحة جديدة لحربها هناك.
قد يرى القارئ أن لا رابط بين الحدثين، إلا أن الحدثين يختصران مستقبل بلداننا جميعا، هل نعيش في دول ينظر قادتها إلى المستقبل، تتعاون لخير شعوبها واستقرارهم وازدهارهم، أم في دول يريد زعماؤها أن يصدق شعوبهم أن يحاربون المؤامرات وقوى الشر، ولو أدت هذه الحروب إلى فناء الشعوب أو فقرها وجوعها وتجهيلها؟

نفى الكرملين توقيع أي اتفاقية عسكرية بين روسيا وكوريا الشمالية، إلا أن لقاء كيم وبوتين المعزولين والمعاقبين دوليا، أثار مخاوف الكثيرين من أن يفضي إلى اتفاق بشأن صفقة أسلحة لدعم الحرب الروسية على أوكرانيا

وبين هذا وذاك، أصبحت بعض الدول، للأسف، خارج رادارات المستقبل: في سوريا مؤامرة كونية مستمرة منذ 12 عاما ونيف على شخص بشار الأسد. في لبنان مؤامرة صهيو- أميركية ضد من يسمون أنفسهم زورا "محور المقاومة" وعلى رأسهم ميليشيا "حزب الله". في العراق تجهيل متعمد للشعب حتى وصل بهم الأمر إلى الحديث عن رفع دعوى في المحاكم العراقية والدولية ضد يزيد بن معاوية. دول مدمرة وشعوب مهمشة وجائعة لا أمل أمامها في المستقبل إلا بالهرب بحرا من جحيمها. ورغم كل شيء يصر قادة هذه الدول على التمترس خلف أصحاب الحدث الثاني في حروبهم المقدسة ضد قوى الشر.

font change