هل من عودة للصين إلى سوق النفط السورية؟

هل من عودة للصين إلى سوق النفط السورية؟

احتلت أخبار زيارة الرئيس السوري بشار الأسد المرتقبة إلى الصين للحصول على دعمها من أجل التعافي الاقتصادي في سوريا مركز الاهتمام في عناوين الصحف الرئيسة. ومع ذلك، ليست هذه الزيارة هي التطور الوحيد الجدير بالملاحظة فيما يتعلق بنشاط الصين في سوريا في الأشهر الأخيرة؛ ففي 20 يونيو/حزيران، قامت شركة "سينوبك" الصينية العملاقة للطاقة والكيماويات التي تملكها الدولة بتعيين مدير جديد لفرعها في سوريا. وأثارت هذه الخطوة، التي جاءت بعد ما يقرب من عقد من تعليق الشركة أنشطتها في هذه الدولة التي مزقتها الحرب، تكهنات بأن بكين تستعد أخيرا لإعادة الانخراط في قطاع النفط السوري.

مع ذلك، لم تكن مناورة بكين مفاجئة تماما، على الرغم مما تنطوي عليه تلك الخطوة من مجازفة، والواقع أن كثيرا من شركات النفط العالمية تفكر في العودة إلى السوق السورية. ولكن حتى في ظل وجود إدارة جديدة لشركة "سينوبك"، فإن الطريق أمامها- مثلها في ذلك مثل الاستثمارات الصينية الأخرى- محفوفة بحالة من عدم اليقين.

وتعود خطوة "سينوبك" الأولى في مجال النفط في سوريا إلى عام 2009 عندما استحوذت الشركة على شركة "تانغانيكا" الكندية للنفط، وهو الأمر الذي أدى إلى تأسيس شركة "SIPC Syria LLC". وكانت ممتلكات سينوبك، والتي تشمل حقول عودة، وتشرين، والشيخ منصور النفطية، تنتج مجتمعة 21 ألف برميل من النفط في اليوم. وفي الوقت الحاضر، تقع كل هذه الأصول داخل المناطق التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا.

وكانت موجات الصراع المتغيرة أجبرت شركة سينوبك على إيقاف نشاطها في سوريا عام 2013. ولكن، يبدو أن الأعمال العدائية التي طال أمدها، ومواصلة سلطات الأمر الواقع الإنتاج في حقولها النفطية قد حملت الشركة التي تملكها الدولة الصينية على إعادة التفكير في موقفها. وفي عام 2016، ظهرت تقارير بأن شركة سينوبك أرسلت خبراء لتقييم حالة حقولها النفطية، وأجرت مناقشات مع الإدارة الذاتية حول مستقبل تلك الحقول. ولكن هذه الحوارات لم تُسفر عن أي نتائج.

وعلى الرغم من أن الصين داعم سياسي كبير للنظام السوري في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن مشاركتها الاقتصادية في هذه الدولة المحاصرة حافظت على قدر من ضبط النفس. ومع مرور الزمن، أبدت شركات صينية كثيرة اهتماما قويا بالاستثمار في سوريا. إلا أنَّ هذه المساعي لم تسفر عن أي نتائج ملموسة بسبب الظروف الاقتصادية غير المواتية السائدة في البلاد.

في حين أن العقوبات ضد النظام السوري تلوح بكل تأكيد في الأفق باعتبارها عاملا، إلا أنها ليست العقبة الرئيسة التي تُعيق عودة الصين إلى مساعيها النفطية السورية

وخلافا للافتراضات، فإن تحرك سينوبك الأخير المتمثل في تعيين إدارة جديدة لأصولها في سوريا لا يشكل استجابة لتحسن الأوضاع داخل البلاد. وبدلا من ذلك، يبدو أن الدافع وراء ذلك هو محاولة الصين الاستباقية لمنع شركات النفط الأخرى من اكتساب ميزة تنافسيةٍ في السوق السورية. وتستعد هذه الشركات استراتيجيا للعودة المنظمة إلى السوق، ويهدف إجراء سينوبك على الأرجحِ إلى تأمين موقعها داخل هذا المشهد المتطور.
ومن بين هؤلاء اللاعبين، تبرز شركة غولف ساندز بتروليوم، ومقرها المملكة المتحدة، وهي أيضا تمتلك أصولا كبيرة في شمال شرق سوريا، باعتبارها الشركة الأكثر نشاطا. وقد قادت الشركة مبادرة لتسريع استئناف العمليات في سوريا، بهدف توجيه عائدات بيع النفط إلى مجموعة من المشاريع التي تقودها الأمم المتحدة في جميع أنحاء البلاد. ومع ذلك، واجهت هذه المبادرة طريقا مسدودا، إذ إنها فشلت في حشد أصحاب المصلحة المحليين، والإقليميين، والدوليين الرئيسين لدعم قضيتها. 
ورغم أن شركة سينوبك تتمتع بنفوذ أكبر من نفوذ شركة غولف ساندز، فإنه يظل من غير المؤكد ما إذا كان هذا كافيا لإحداث اختراق في الصعوبات التي تنتظرها؛ فوسط متاهة العقوبات التي تحيط بالنظام السوري، أصبح احتمال الاستثمار المرتبط بالنفط في البلاد بمنزلة متاهة أيضا. ومع ذلك، تُظهر الشركات الصينية ميلا واضحا إلى خوض المخاطر، وهي السمة التي كانت شديدة الوضوح في التدفق القوي للنفط من إيران إلى الصين، على الرغم من العقوبات الهائلة المفروضة على طهران. وبعيدا عن المكاسب المالية، فإن تحدي الصين الجريء للعقوبات يعمل بمنزلة ضربة قوية في سبيل تلميع صورتها كقوة عالمية.
وفي حين أن العقوبات ضد النظام السوري تلوح بكل تأكيد في الأفق باعتبارها عاملا، إلا أنها ليست العقبة الرئيسة التي تُعيق عودة الصين إلى مساعيها النفطية السورية؛ إذ حصلت حادثة مهمة عام 2019 عندما حذرت الولايات المتحدة الشركات من المشاركة في معرض تجاري سنوي أقيم في دمشق، وأكدت أن المشاركة قد تعرض تلك الشركات لاحتمال كالحٍ يتمثل في فرض عقوبات أميركية عليها. ولم تردع التحذيرات الأميركية فينج بياو، مبعوث الصين في دمشق، إذ أكد أن التهديدات بفرض عقوبات على الشركات الصينية لن تُثنيها عن المشاركة في معرض دمشق الدولي.

في حين أن الإغراء بإعادة الانخراط في قطاع النفط السوري أمر جلي؛ فالطريق الذي يُفضي إلى التقدم بالنسبة لشركة سينوبك، وغيرها من الاستثمارات الصينية، إنما هو طريق وعر

مع ذلك، فإن حساب المخاطر يجب أن يتوافق مع العطاء المحتمل، وهو توازن لم يتحقق على نحو مقنع حتى الآن في سوريا. وقبل كل اعتبار، تجد شركة سينوبك نفسها مضطرة إلى التوصل لاتفاق مع كل من النظام السوري و"الإدارة الذاتية".
ورغم فشل جهد مماثل عام 2016، فقد تغير الكثير منذ ذلك الحين. وأهم التغيرات تمثّل في الوضع الاقتصادي المتدهور في جميع أنحاء سوريا، والذي، للمفارقة، يخلق حوافز لجميع الأطراف؛ فسوريا بحاجة إلى الاستثمار، والصين بحاجة إلى النفط.
ومع ذلك، هناك قضيتان شائكتان تتطلبان التفاوض بشأنهما. الأولى هي إيجاد ترتيب يسمح لـ"الإدارة الذاتية" بمواصلة إنتاج الإيرادات من حقول النفط المعنية، وذلك على أقل تقدير. والثاني هو تأمين تأييد الجهات الفاعلة الدولية، وخاصة الولايات المتحدة، التي تحتفظ بقوات على الأرض. ونظرا للحالة الراهنة للعلاقات الصينية الأميركية، فإن هذا يبدو أمرا غير مرجح.
وقد تكون الصين عازمة على المضي قدما بالرغم من ذلك كله؛ فالتوصل إلى اتفاق لن يؤدي إلى تعزيز أرباح سينوبك وحسب، بل سيسهل عودة الشركات الصينية الأخرى. وعلاوة على ذلك، يمكن أن تكون تلك العودة بمنزلة حافز لإغراء الشركات الصينية الأخرى باستكشاف الفرص داخل الحدود السورية.
وفي حين أن الإغراء بإعادة الانخراط في قطاع النفط السوري أمرٌ جليٌ، فالطريق الذي يُفضي إلى التقدم بالنسبة لشركة سينوبك، وغيرها من الاستثمارات الصينية، إنما هو طريق وعر. ويشير تعيين مدير جديد لأصولها في سوريا إلى أن الصين، على أقل تقدير، مهتمة بإبقاء خياراتها مفتوحة. ولكن في ظل وجود الكثير من الأمور العالقة، فإن بكين، حتى بعد زيارة الأسد الرسمية، قد تجد نفسها مضطرة إلى التحلي بالصبر حتى تتحسن الظروف.
 

font change