خصوم "حزب الله" في خدمة مشروعه

خصوم "حزب الله" في خدمة مشروعه

حملة العنصرية على اللاجئين السوريين في لبنان مستمرة، وإن كانت قد بدأت مع بداية اللجوء السوري إلى لبنان وإعلان النظام السوري حربه على السوريين الثائرين من أجل حريتهم وكرامتهم. إلا أنها وصلت مؤخرا إلى مستوى ينذر بما هو أخطر، وبما يحضّر للبنان وليس فقط للاجئين فيه.

لم تعد السلطة اللبنانية بكل مؤسساتها غائبة عن المشهد، بل أصبحت شريكا أساسيا وفاعلا في عملية التحريض. هذه السلطة التي فشلت في تنظيم ملف اللاجئين على أرضها منذ مارس/آذار 2011، كما فشلت في الكثير من الملفات، وجدت في السوري "كبش محرقة" يسعفها على تحمل مسؤولية ما اقترفت بحق لبنان واللبنانيين.

وزير الداخلية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي، خرج قبل أيام بمؤتمر صحافي يهدد ويتوعد، غاضبا من الفوضى الحاصلة في ملف اللاجئين، حتى يظن من يسمع لصراخه لأول وهلة أن الوزير قد تسلم الوزارة لتوه وتفاجأ بما يحصل، وكأنه ليس وزير داخلية لبنان منذ أعوام، والمضحك المبكي أنه يحمّل مسؤولية الفلتان الحاصل للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين وللاجئين أنفسهم، في غياب تام لمفهوم الدولة ومؤسسات الدولة. فإن كانت المفوضية هي المسؤولة المتآمرة وكل الصفات الأخرى التي نسمعها يوميا عن دورها المسبب للفوضى في ملف اللاجئين، فلماذا لم نسمع عن دورها التخريبي التآمري إلا في لبنان؟ لماذا لم يشتكِ الأردن على سبيل المثال من دور المفوضية، وهو الذي يعاني أيضا جراء أزمة اللجوء السوري؟ لقد وصل الأمر ببعض المسؤولين اللبنانيين إلى المطالبة بطرد المفوضية وإغلاق مكاتبها. هل يعلم هؤلاء حقا ما هي المفوضية وما دورها ولأي منظمة أممية تتبع؟ لا يهم، فالمهم هو الصراخ والتهديد والوعيد.

وفي خضم سباق الشعبوية المحتدم، قرر البعض إطلاق مصطلح "الاحتلال السوري" على اللاجئين، وكأي احتلال تصبح مقاومته أمرا مشروعا بل وضروريا.

بين ليلة وضحاها، بتنا نسمع عن آلاف من الشباب السوريين يدخلون خلسة إلى لبنان من المعابر غير الشرعية، وتحولت مهمة القوى الأمنية إلى إصدار بيانات يومية بتعداد من دخل خلسة، ولكن أليس النظام السوري و"حزب الله" هما من يسيطران على جانبي الحدود؟ 

وبعد تعثر التطبيع العربي مع النظام السوري، وبعد فشل نظام الأسد في استخدام ملفي الكبتاغون واللاجئين لابتزاز الدول العربية لإعطائه المال ولتطالب هي برفع العقوبات المفروضة عليه، دون أن يقدم هو أي خطوة ولو صغيرة لإثبات حسن نيته فيما يتعلق بالحل السياسي في سوريا، يبدو أنه اتجه مع جوقة المتواطئين معه في لبنان وبالشراكة مع "حزب الله" إلى السعي لتحويل ملف اللاجئين السوريين من ملف يشكل عبئا اقتصاديا إلى خطر أمني. 
بين ليلة وضحاها، بتنا نسمع عن آلاف من الشباب السوريين يدخلون خلسة إلى لبنان من المعابر غير الشرعية، وتحولت مهمة القوى الأمنية إلى إصدار بيانات يومية بتعداد من دخلوا خلسة. لكن أليس النظام السوري و"حزب الله" هما اللذان يسيطران على جانبي الحدود؟ أليست هذه المعابر هي نفسها التي يستخدمها "حزب الله" لتهريب السلاح والمقاتلين والمخدرات؟ أليست نفسها تلك المعابر التي استعملت منذ بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان عام 2019 لتهريب كل المواد المدعومة إلى نظام الأسد، يوم كان اللبناني يقف ساعات وساعات ينتظر دوره للحصول على جزء بسيط من تلك المواد في بلده وتحت أعين دولته وأجهزتها الأمنية؟
ألم يخوّن "حزب الله" يوما، بل ويوميا، من طالب بضبط هذه الحدود وترسيمها؟ وإن نسي بعض أخصام "حزب الله" كل ذلك، ألم يستمعوا لخطاب أمين عام الحزب حسن نصرالله الأخير الذي هدد فيه بإغراق أوروبا باللاجئين السوريين والسماح لهم بالهجرة غير الشرعية عبر البحر، حتى تأتي أوروبا صاغرة فيطالبونها برفع العقوبات عن نظام الأسد؟
وإن كان هذا التهديد مقتبسا من تهديد سابق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكن أردوغان رئيس منتخب، وبلاده لديها حدود برية وبحرية مع أوروبا، وهناك مفاوضات بشأن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وملفات كثيرة أخرى، بينما نصرالله وحزبه على قوائم الإرهاب، يشاركون في احتلال سوريا وقتل شعبها وتهجيرهم، لكن المؤسف ليس أن نصرالله نسي هذه الأمور، بل حتى بعض خصومه نسوا وتجاهلوا كل ذلك وانضموا إلى جوقة التهديد، ولم ينتبهوا إلى أن النظام السوري و"حزب الله" يستغلان ملف اللاجئين لابتزاز الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سياسيا وحتى أمنيا لرفع العقوبات عن النظام.

لم يعد اليوم الخوف فقط على اللاجئين السوريين في لبنان، وإن كانوا هم الحلقة الأضعف، بل صار الخوف مضاعفا على لبنان نفسه، لبنان الذي يأبى بعض سياسييه أن يتعلموا من أخطائهم

لم ينسوا وحسب، بل ومن حيث يدرون أو لا يدرون بدأوا يلعبون أدوارا رئيسة في مخطط الثنائي الأسد-نصرالله، إن تذكرهم بالأرقام ومسؤوليات الدولة اللبنانية والأجهزة الأمنية، إن تخبرهم بأن هناك لاجئا هرب من النظام السوري وأن هناك عاملا مقيما هنا منذ عشرات السنين، أمور لا يرغبون في سماعها حتى وإن كانوا يدركون صوابيتها، فالمعركة اليوم هي من يثبت لناخبيه أنه أكثر عداء للاجئ السوري، أو "المحتل الجديد"، كما باتوا يطلقون عليه.
لم يعد اليوم الخوف فقط على اللاجئين السوريين في لبنان، وإن كانوا هم الحلقة الأضعف، بل صار الخوف مضاعفا على لبنان نفسه، لبنان الذي يأبى بعض سياسييه أن يتعلموا من أخطائهم، أن يقرأوا التاريخ، أو يقرأوا خريطة المنطقة السياسية اليوم، مسؤولون يرفضون تحمل أي مسؤولية، وهم على أتم الاستعداد للتخلي عن أي خطاب وطني قد يخسرهم أصوات بعض الناخبين مقابل تبنيهم خطابا مذهبيا عنصريا قد يكسبهم بعض الأصوات في انتخابات ما، ولكن ما نفع أصوات الناخبين إن خسروا لبنان، والانتخابات النيابية الأخيرة خير دليل على ذلك.
حمى الله لبنان واللبنانيين وكل من في لبنان من مخططات الأسد- نصرالله، ومن تهور بعض الحالمين.
 

font change