الغلاء والتضخم "يحاصران" الجزائريين

الوضع الاقتصادي الصعب ولد تذمرا لدى الجزائريين

AFP
AFP
بائع يرتب المنتجات في متجره في أحد أسواق الجزائر العاصمة في 25 سبتمبر 2023

الغلاء والتضخم "يحاصران" الجزائريين

تحولت يوميات الجزائريين الذي ينتمون إلى الطبقات الهشة والمتوسطة إلى كابوس مزعج يعكر صفوهم، في ظل الارتفاع غير المعقول وغير المنطقي لأسعار المواد ذات الاستهلاك الواسع، مقابل زيادات جد طفيفة في الأجور، فهم يدركون اليوم أنهم ضحية حرب مجنونة وعبثية ومريرة بين الحكومة وتجار باتوا خارج السيطرة.

وأمام هذا الوضع الصعب والمعقد كونه مرهونا بعدد من العوامل المتشابكة، وجّه البرلمان الجزائري استجوابا مكتوبا لرئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبدالرحمن، على خلفية ما وصفته بـ"الوضع الخطير" بسبب الارتفاع الصاروخي في الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين من الطبقات المتوسطة والضعيفة.

وعرض نص الاستجواب الذي قدمه نواب حركة مجتمع السلم الجزائرية المحسوبة على التيار الإسلامي، وصفا دقيقا للوضع، وذكر أن "الأسعار شهدت غلاء فاحشا، لا سيما تلك المواد التي يعتبر استهلاكها ضروريا باعتبارها قواما للحياة على غرار الخضراوات واللحوم ومختلف المواد الغذائية التي أصبحت محرمة على بطون الجزائريين، فضلا على الندرة التي تشهدها مواد أخرى، مما تسبب في تراجع المنافسة".

الوضع صعب

وأكد نص الاستجواب أن "هذا الوضع الصعب والمؤسف الذي ولد تذمرا لدى الجزائريين بعدما عقدوا كل آمالهم على التغيير الذي كان عنوانه الجزائر الجديدة، هو ما جعلنا انطلاقا من المسؤولية التي ألقاها الشعب على عاتقنا باعتبارنا ممثلين له ونعيش واقعه، أن نفعّل هذه الآلية الرقابية المنصوص عليها دستوريا من خلال استجواب الحكومة ممثلة في شخصكم المحترم حول هذا الوضع الخطير".

ودعا أصحاب الاستجواب رئيس الوزراء الجزائري إلى الجهر بالإجراءات المتخذة من طرف الجهاز التنفيذي لمعالجة الوضع الراهن، والجدير بالذكر هنا أنه من النادر جدا أن تقوم تشكيلة سياسية باستجواب الحكومة، فعادة يكتفي النواب بطرح أسئلة كتابية أو شفوية تتضمن انشغالات ومشاكل الشعب.

وحسب أحدث الأرقام التي نشرها الديوان الوطني للإحصائيات (المؤسسة الإحصائية المركزية في الجزائر)، في أبريل/نيسان الماضي، فقد قفزت أسعار المواد الزراعية بنسبة 3.2 في المئة خلال فبراير/شباط الماضي، وأسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة اثنين في المئة خلال نفس الفترة، أما أسعار اللحوم البيضاء فقد ارتفعت بأكثر من 19 في المئة، والخضراوات بـ8.2 في المئة، بينما ارتفع الحد الأدنى للأجور بواقع 2000 دينار ليصل إلى عتبة 20 ألف دينار، أي ما يعادل 170 دولارا، وهو ارتفاع طفيف جدا لا يسمن ولا يغني من جوع، ومنذ 2012 استقر الأجر الأدنى المضمون في الجزائر عند 18 ألف دينار أي ما يعادل 150 دولارا.

بحسب الديوان الجزائري للإحصائيات، وصل معدل التضخم في يوليو/تموز 2020 إلى 9.4 في المئة على أساس سنوي مقارنة بـ 7.3 في المئة في الفترة نفسها من العام السابق

وهناك عدة أسباب وراء تدهور القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار، يذكر من بينها الخبير الاقتصادي وعضو لجنة المالية والميزانية بالبرلمان السابق، الهواري تيغريسي، في حديثه لـ"المجلة": "قضية العرض والطلب والاحتكار وضعف تنظيم الأسواق المحلية، إضافة إلى البيروقراطية الإدارية التي يسير بها الإنتاج والتوزيع". وهنا يشير إلى "الندرة التي تعرفها سوق الحبوب، فهي تسير بطريقة إدارية وغير اقتصادية عوض إيجاد هيكل تنظيمي وتحديد معايير الاستيراد وفرض مراقبة رقمية وسوقية لهذه العملية".

والحل اليوم بالنسبة إلى تيغريسي هو "مرافقة حرية الإنتاج والاستثمار الوطني وتنظيم وتحفيز الاستثمار والتخفيف من العبء الضريبي لأنه يخفض الأسعار ويقوي القدرة الإنتاجية".

AFP
عامل بناء يجلس بجانب مشروع سكني قيد الإنشاء على بعد 25 كيلومترا غرب العاصمة الجزائرية، في 29 ديسمبر 2022

وتجد الحكومة الجزائرية، برئاسة أيمن بن عبدالرحمن، نفسها تائهة في دوامة، وعرضة لانتقادات البرلمان والمواطن الفقير الذي بات يسحق بين مطرقة تهاوي قيمة العملة المحلية وسندان جشع التجار، ويقول في هذا المضمار فارس حباش الخبير الاقتصادي الدولي في حديثه لـ"المجلة" إن "الوضع الحالي يتطلب مراجعة هيكلية للاقتصاد الجزائري من أجل استقرار الأسعار وتراجع معدلات التضخم".

وبحسب الديوان الجزائري للإحصائيات، فقد بلغ معدل التضخم في يوليو/تموز 2020 إلى عتبة 9.4 في المئة على أساس سنوي مقارنة بـ 7.3 في المئة في الفترة نفسها من العام السابق، وتتفق هذه البيانات إلى حد كبير مع بيانات صندوق النقد الدولي الذي أوصى الحكومة الجزائرية في بداية العام الجاري بتشديد السياسة النقدية من دون تأخير لتفادي عدم استقرار توقعات التضخم المرتفع على الرغم من تحسن ماليتها العامة، وبحسب الأرقام التي قدمتها هذه المؤسسة المركزية في النظام النقدي الدولي فقد ارتفع التضخم الكلي إلى 7.2 في المئة عام 2021 وبلغ حسب التقديرات أعلى مستوياته على مدى 26 عاما ليسجل 9.3 في المئة عام 2022.

وتتطلب هذه الأوقات غير المسبوقة اتخاذ إجراءات غير مسبوقة، يذكر من بينها فارس حباش "ضرورة إقرار سياسة نقدية تقوم على تنظيم معدلات الفائدة وكميات النقد المتداولة للحد من التضخم، إضافة إلى رفع معدلات الإنتاج لتلبية الطلب المتزايد مع تعزيز الاستثمار الحقيقي وتنويع مصادر الدخل".

ومن الإجراءات الحكومية الأخرى التي ينبغي اتخاذها، يشير المتحدث إلى "ضرورة مراقبة التضخم الناشئ عن ارتفاعات الأجور الذي يكون تلقائيا، فتزايد الأجور يؤدي إلى ارتفاع تكلفة السلع والخدمات مما يزيد من حجم التضخم".

الوضع الحالي يتطلب أجرا لا يقل عن 60 ألف دينار في الشهر أي ما يعادل حوالي 600 دولار، مع العلم أن هذا الأجر يكفي فقط لسد الحاجيات الأساسية والضرورية لأسرة مكونة من خمسة أشخاص، دون احتساب الكماليات

ومنذ وصوله إلى سدة الحكم في البلاد، أقر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خمس زيادات في أجور الجزائريين، لكنها لم تغير الوضع المعيشي للجزائريين حسبما أبرزه الناش البارز في قطاع التربية والتعليم مسعود بوديبة في حديثه مع "المجلة".

ووفق قناعته، فإن الوضع الحالي يتطلب أجرا لا يقل عن 60 ألف دينار في الشهر أي ما يعادل حوالي 600 دولار، مع العلم أن هذا الأجر يكفي فقط لسد الحاجيات الأساسية والضرورية لأسرة مكونة من خمسة أشخاص، دون احتساب الكماليات، وهي الدراسة نفسها التي أعدتها النقابة الجزائرية لمستخدمي الإدارة العمومية عام 2015، وحسب الدراسة فإن هذا الراتب يكفي فقط لسد الحاجيات الشهرية دون احتساب مصاريف إيجار لشقة مكونة من 3 غرف، مع العلم أن أغلب الأسر الجزائرية تنفق 75 في المئة من ميزانياتها على تكاليف استئجار شقق.

وخلصت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن غالبية الجزائريين وفي ظل الأجر الحالي، يعيشون حالة فقر مع وجود أقلية صغيرة جدا تحتكر كل الثروات.

وأقر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أول زيادة في الأجور عام 2020، وهي عبارة عن إعفاء أصحاب الأجور أقل من 30 ألف دينار جزائري أو ما يساويها من الضريبة على الدخل الإجمالي عام 2020 متبوعة برفع الأجر الأدنى المضمون من 18 إلى 20 ألف دينار.

وأعقبتها زيادة أخرى عبر قانون المالية لعام 2022، من خلال تخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي بشكل متباين حسب تفاوت الأجور، ومكن هذا القرار أصحاب الرواتب فوق 30 ألفا من الاستفادة من زيادات تتراوح بين 2000 و5000 دينار جزائري، وفي أعقاب ذلك أقر الرئيس زيادة في قيمة النقطة الاستدلالية مكنت الموظف العمومي من انتزاع زيادات جديدة.

font change

مقالات ذات صلة