الجزائر والانضمام إلى "بريكس"... هل الطريق معبدة؟

Shutterstock
Shutterstock

الجزائر والانضمام إلى "بريكس"... هل الطريق معبدة؟

في كل مرة يطل فيها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على الرأي العام، يحرص على تأكيد رغبة انضمام بلاده إلى "بريكس". وهي تكتل ذات بعد اقتصادي بالدرجة الأولى، مما يدفع إلى تقدير موقف لهذا التوجه.

أولا، يقول نبار سليمان، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في حديثه لـ"المجلة" إنه "يجب وضع توجه الجزائر في السياق الحقيقي. فهي ترغب في تنويع الشركاء الذين تتعامل معهم في مجال المبادلات التجارية، لا سيما وأن العلاقة مع الأوروبيين تنطوي على صفحة مثقلة بالتشنج، تعززت مؤخرا بمطالبة أحزاب سياسية بمراجعة جادة وعاجلة لبنود اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي دخل حيز التنفيذ عام 2005 وهو ما طالب به الرئيس مرات عدة سابقة".

ويمكن الإشارة أيضا إلى ما آلت إليه علاقات مدريد بالجزائر، فالعلاقات المؤسساتية والاقتصادية بين البلدين كانت ناجحة وممتازة إلى أن تم الإعلان عن موقفها الجديد بخصوص الصحراء الغربية، ومنذ تلك اللحظة تغيَرت كل المعطيات بشكل جذري، وبإمكاننا إضافة العلاقات بين الجزائر وفرنسا التي تمر بأسوأ وأحلك أيامها على خلفية التصريحات الغاضبة والمستفزة التي أطلقها مسؤولون فرنسيون مؤخرا.

أسباب الانضمام

لذلك يعتقد نبار سليمان أن "الجزائر اليوم تبحث عن شراكات تمكنها من تحقيق مكاسب جديدة، لا سيما في ظل إعادة التموضع في خريطة العالم التي يجري حاليا إعادة بلورتها على خلفية الأزمات الفجائية السريعة والمتلاحقة أهمها جائحة كورونا والحرب الروسية- الأوكرانية وتداعياتها على أمن الطاقة والغذاء".

وينطوي اندفاع الجزائر للدخول ضمن مجموعة "بريكس" على عدة أسباب، يذكر من بينها المتحدث: "عمقها الاستراتيجي سواء في غرب المتوسط، أو في المنطقة الساحلية والصحراوية؛ فهي دولة شاسعة مترامية الأطراف، وأغلب الفاعلين فيها يسعون للحفاظ على مصالحهم أو البحث عن مكانة جديدة". ويشير إلى "التوجه الجديد للدولة الجزائرية منذ وصول الرئيس تبون إلى سدة الحكم وتصريحاته العلنية بضرورة إقامة شركات قائمة على مقاربة رابح- رابح، بعيدا عن التعاون والشراكة المبنية على اتخاذ قرارات أحادية الجانب".

يرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن الانضمام إلى بريكس يجبر اليوم على مواصلة الجهود في مجال الاستثمار والتنمية الاقتصادية والبشرية من جهة إضافة إلى الانتقال لمستويات أعلى في التصدير، ورفع الناتج الداخلي الخام ما فوق 200 مليار دولار

وربط المحلل السياسي "استعجال" الجزائر في اللحاق بركب مجموعة "بريكس" التي تأسست في روسيا عام 2009، وضمت كلا من البرازيل والهند والصين وروسيا قبل أن تنضم إليها جنوب أفريقيا في عام 2010، بـ"الإنجازات العديدة التي حققتها المجموعة رغم حداثة التكتل نسبيا مقارنة بالاتحاد الأوروبي مثلا، إضافة إلى العمل على القضاء على الهيمنة المالية العالمية سواء بالنسبة لأميركا أو المؤسسات الأخرى وتحقيق بعض من العدل الدولي لا سيما في ظل تنامي مقاربة المجتمع المدني العالمي".

هل الطريق معبدة؟

لكن تبقى هناك أسئلة تفرض نفسها بقوة، أبرزها: هل الطريق مبعدة أمام انضمام الجزائر إلى مجموعة "بريكس" باعتبارها أهم التجمعات الاقتصادية الكبرى اليوم على مستوى العالم، لا سيما عقب المتغيرات الاقتصادية العالمية التي تتوالى منذ جائحة كورونا وما أعقبها من ارتفاعات في أسعار الطاقة والحبوب؟
يجيب الأستاذ نبار سليمان بالقول إن "الأسباب الحالية مرتبطة بالناتج المحلي الإجمالي وهو مؤشر اقتصادي يقيس القيمة النقدية لإجمالي السلع والخدمات التي أنتجت داخل البلاد إضافة إلى قيمة المبادلات التجارية الدولية وحجم الإيرادات من الجانب الصناعي، وبالتالي فالجزائر قد تكتفي بالعضو المراقب حاليا إلى غاية تحقق تلك الشروط".

Reuters
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والبحث عن شراكات جديدة


وهو ما لمح له الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مؤخرا، وقال في تصريحات صحافية: "الجزائر لا يمكنها أن تكون عضوا كامل الصلاحيات في القمة المرتقبة للمنظمة، غير أنها تأمل أن تكون عضوا مراقبا يشارك أيضا في بنك التنمية الجديدة التابع للتكتل".
ويرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن "الانضمام إلى بريكس يجبر اليوم على مواصلة الجهود في مجال الاستثمار والتنمية الاقتصادية والبشرية من جهة إضافة إلى الانتقال إلى مستويات أعلى في التصدير، ورفع الناتج الداخلي الخام ما فوق 200 مليار دولار"؛ فتواضع وبساطة الناتج الداخلي الخام الذي وصل عتبة 163 مليار دولار أميركي عام 2021 وفق بيانات البنك الدولي يعتبر أهم إشكالية تحول دون تجسيد هذا الخيار الاستراتيجي، لأن الناتج الداخلي الخام لأصغر اقتصاد في "بريكس" وهي جنوب أفريقيا يقدر بـ419 مليار دولار أي مرتين ونصف ضعف الاقتصاد الجزائري. وهو ما يفسر رغبة الرئيس تبون بتخطي عتبة 200 مليار دولار من أجل الولوج إلى التكتل، وبالنسبة للخبراء فإن تحقيق هذا الهدف ليس صعبا لأنه مرتبط بمدى ارتفاع أسعار النفط والغاز في الأسواق الدولية. 
وضمن هذا المسعى، تريد الجزائر مضاعفة إنتاج الغاز لبلوغ صادرات بـ100 مليار متر مكعب سنويا في 2023، بينما سطرت خطة لبلوغ 10 مليارات دولار صادرات خارج المحروقات في نفس العام، و15 مليار دولار في الأعوام المقبلة.

ضرورة هيكلية وتنموية 

الدكتور نور الصباح عكنوش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بسكرة الجزائرية، يقول لـ"المجلة" إنه "مهما كانت صفة الشراكة الجديدة مع بريكس فستكون قيمة مضافة للمنتدى الذي يرى في الجزائر فاعلا حيويا يمكن الاعتماد عليه في ولوج السوق الأفريقية والدخول إلى أوروبا والتمدد نحو أبعاد أخرى عبرها بمساحتها ومواردها ونخبها وخاصة بتأثيرها في عناصر التكامل والتكتل الجهوي والدولي بمفاهيم وأدوات غير غربية للتنمية".
 

مهما كانت صفة الشراكة الجديدة مع "بريكس" فستكون قيمة مضافة للمنتدى الذي يرى في الجزائر فاعلا حيويا يمكن الاعتماد عليه في ولوج السوق الأفريقية والدخول إلى أوروبا والتمدد نحو أبعاد أخرى

إن خيار الانضمام إلى "بريكس" يعتبر حاليا حسب المتحدث "ضرورة هيكلية وتنموية بالنسبة للاقتصادات الناشئة كالاقتصاد الجزائري الذي يمر بمرحلة تحول من حيث النموذج والبنية في ضوء منهجية إصلاحية عميقة يحتاج من خلالها للاندماج في المنتديات والتكتلات الدولية الجديدة والتي تمثل له بيئة حاضنة للنمو والتطور والحصول على آليات دعم استراتيجية لحركيته في منظور 2030 وما أبعد من ذلك، خاصة وأن هناك إرادة سياسية قوية في تطوير البنية التحتية لجعلها تتكيف مع مرونة وديناميكية الأسواق الجديدة في آسيا وأميركا اللاتينية وهو ما يفتح آفاقا واعدة للاقتصاد الجزائري الذي يملك مؤشرات جيدة في شمال أفريقيا ويرنو إلى التموقع في المستقبل على ضوء ما يوجد من فرص للحوكمة على غرار هذا التكتل الذي يحمل قيما مشتركة مع الدول النامية من حيث السيادة والاستقلالية والتوزيع العادل للموارد والثروات، وبالتالي يمكن لنا أن نربح مع البريكس وأن يربح معنا بشكل منهجي وفق معادلة العلاقات الاقتصادية الدولية الجديدة التي تتمظهر في نسق المنتظم الدولي بعد كورونا وحرب أوكرانيا".

font change

مقالات ذات صلة