استغلال لحظة الهشاشة

استغلال لحظة الهشاشة

كتب أحد الأشخاص ممن يسمون أنفسهم المعارضة السعودية (الإخوانية) في لندن أن المجال الجوي السعودي يُستخدم لنقل المقاتلين الإسرائيليين والمتطوّعين للقتال مع الجيش الإسرائيلي لقتال أهل غزة. هذه ليست معلومة، ولا رأي، بل تحريض يستخف صاحبه بعقول كل من يتابعون ما يكتب، وما كنت لأناقشها هنا لولا أنها منشورة في حساب يتابعه أكثر من مليوني متابع. فإسرائيل تحيط بغزة من ثلاث جهات والجهة الرابعة هي البحر، فما هذه الحاجة التي يجدها الطيران المعتدي لكي يقطع كل هذه المسافة إلى السعودية البعيدة جدا ثم يعود ليضرب غزة بعد ذلك؟

يكفي مجرد تصور هذه الفكرة لكي يرفضها كل عاقل على وجه الأرض، لكن من يتكلمون هنا لا يُحسبون على العقلاء، أو أنهم من المكّارين الذين يؤمنون إيمانا راسخا بأن أتباعهم مغفلون وبلا عقول. لم أر معارضا يحقد على بلده ويتمنى أن تضرب بالصواريخ إلا بعض المعارضين السعوديين، وقد رأينا هذا سابقا في من يضع صورة (رأس تنورة) ويوصي العدو بضربها بالمسيرات.

صورة أخرى مشابهة، ليست لمعارض سعودي، لكننا نجدها في ضيف مصاب باللوثة نفسها ظهر على إحدى القنوات، يتحدّث عن جبهة اليمن ودورها المحوري في الحرب على إسرائيل. مع أن اليمن لا تملك حدودا مع إسرائيل، ومع تكرار أسئلة المذيع له اتضح أنه يحرّض على السعودية لإن السعودية من وجهة نظره الفارغة شريكة في الحرب على غزة. السعودية اليوم تقود حملة عربية إسلامية ترفع ثلاثة مطالب: رفض تهجير الفلسطينيين من ديارهم، إيقاف العنف ضد المدنيين، وإدخال المساعدات إلى غزة. ومع ذلك نسمع كل هذه التهم توجه إلى بلادنا لحاجة في نفس يعقوب. يجب ألا يمر هذا التهييج والتأجيج من دون انتباه لمراميه. فهذان التصريحان وغيرهما يعملان كأمثلة جيدة على الجنون الذي يصل إليه الإنسان بسبب الحقد، فالكراهية حقا تعمي وتصم. ودعاة الكراهية هؤلاء من جماعات الإسلام السياسي – وحماس منهم – لا يمكن أن يفوتوا فرصة عاطفية من دون استغلالها.

لقد طال عمر القضية الفلسطينية وقد حان وقت إنهائها بحل الدولتين المتجاورتين، عربية ويهودية. ما سوى هذا، لن يخرج عن إطار تعقيد المشكلة، فطول عمر أي مشكلة يستمد قوته من طول عمر الفشل

العرب والمسلمون اليوم في حالة استثنائية من الغضب والألم لما يحدث في غزة. ولذلك سيعود "الإخوان" من جديد إلى محاولة السيطرة على الشارع واستعادة الفترة التي كانوا فيها مؤثرين، يوم كان الناس يصدقونهم ويصدقون أحاديثهم عن الحوريات ورائحة المسك وبقية القصص. هم ليسوا أذكياء كما يتصورون، لكنهم يراهنون على غباء الأتباع. وما سيفعلونه لن يجاوز خطوتين، الأولى: الدعوة إلى مقاطعة الشركات الأميركية والأوروبية التي تعمل في بلادنا، مع أنهم يعلمون أن تلك الشركات لن تتضرّر، وإنما سيتضرّر القطاع الخاص، أي الوكلاء الذين تعاقدوا مع تلك الشركات. لو أطاعتهم الجماهير وقاطعت فيشعرون بأنهم وصلوا لمرحلة التمكين وسينتقلون منها للمطالبة بالنزول إلى الشارع وإعلان الثورات وإشعال النار، تماما كما حدث في 2011 وما تلاها من مآسٍ.

لن يفيد فلسطين في أي شيء أن تشتعل النار في أي بلد عربي آخر. لن تستفيد من هجمات "حماس" – وغير "حماس" – غير الهادفة لشيء سوى تسجيل الحضور. تلك الهجمات العنترية التي تتكرّر كل عام ليراق بسببها أضعاف مضاعفة من الدم الفلسطيني. لقد طال عمر القضية الفلسطينية وقد حان وقت إنهائها بحل الدولتين المتجاورتين، عربية ويهودية. ما سوى هذا، لن يخرج عن إطار تعقيد المشكلة، فطول عمر أي مشكلة يستمد قوته من طول عمر الفشل.

font change
مقالات ذات صلة