ماذا بعد الحرب؟

ماذا بعد الحرب؟

من كلمات مارتن لوثر كينغ الابن (1929-1968): "إن نقطة الضعف القصوى في العنف، أنه دوامة هابطة، ويُولِّد الشيء نفسه الذي يسعى إلى تدميره، وبدلا من أن يقلل الشر، فإنه يُضاعفه. من خلال العنف يمكنك قتل الكاره، لكن لا يمكنك قتل الكراهية. إن إعادة العنف بالعنف تضيف ظلاما أعمق".

يبدو أن إسرائيل تعمل بعكس كلمات مارتن لوثر كينغ في حربها مع "حماس"، وحصارها الوحشي لقطاع غزة، فهي تُعمّق الكراهية بضحاياها من المدنيين، أكثر من قتالها ضد قادة "حماس"، وكأنّ القضاء على الفلسطينيين هو الاستراتيجية الأبعد والأهم والأعمق لدولة إسرائيل الكبرى التوراتية، بحسب سفر التكوين "لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى نهر الفرات".

بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، واجهت الولايات المتحدة الأميركية خيارا بالغ الأهمية، هل ينبغي عليها أن تنخرط في حملة محدّدة الأهداف لمكافحة الإرهاب، حملة تهدف إلى تقديم أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة إلى العدالة، أو أن تحاول محاربة الإرهاب بشكل أوسع، وتعيد تشكيل الشرق الأوسط؟ هل هي حروب شاملة لتغيير الأنظمة؟

اتخذت الولايات المتحدة الخيار الثاني، وتخبّطتْ في واحدة من أسوأ الكوارث السياسية الخارجية في تاريخها الذي يبلغ 250 عاما. والآن إسرائيل على وشك ارتكاب الخطأ نفسه، بعد هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وهو الهجوم الذي وصفه الرئيس الأميركي جو بايدن،بأنه يشبه 15 هجوما من هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، بالنظر إلى عدد القتلى مقابل حجم إسرائيل الأصغر. ولهذا تستعد إسرائيل لشن اجتياح برّي على قطاع غزة، والهدف المعلن هو إسقاط "حماس"، وتدمير قدراتها العسكرية، لكن الأهم، وغير المعلن، قبل الاجتياح البري، هو رفع عدد الضحايا من النساء والأطفال الفلسطينيين بأكبر قدر ممكن عبر القصف الجوي.

لكن المشكلة التي تواجه الولايات المتحدة، هي أن إسرائيل تنزع القشرة الأخلاقية الرقيقة عن الغرب كله، فقطع الوقود والمياه والكهرباء والدواء والغذاء عن قطاع غزة، تزامنا مع القصف العنيف للمستشفيات والمنازل، يُضعف المقولة المكرّرة التي يرددها الغرب منذ 7 أكتوبر وهي أن "من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها". إن القشرة الأخلاقية رغم رقتها وزيفها، لا يريد الغرب الاستغناء عنها تماما. وتتمادى إسرائيل في خطاب التطرف، ومحوالإنسانية عن الفلسطينيين جميعا، حين يقول وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت:"إننا نقتل حيوانات بشرية، ونتصرف وفقا لذلك".

تستعد إسرائيل لشن اجتياح برّي على قطاع غزة، والهدف المعلن هو إسقاط "حماس"، وتدمير قدراتها العسكرية، لكن الأهم، وغير المعلن، قبل الاجتياح البري، هو رفع عدد الضحايا من النساء والأطفال الفلسطينيين بأكبر قدر ممكن

يعرف بعض السياسيين الأميركيين من الحزبين الديموقراطي والجمهوري، أن حكومة نتنياهو ليس لديها إجابة عن سؤال ما بعد اليوم التالي. ماذا ستفعل إسرائيل في غزة بعد الإطاحة بحماس؟ هذه هي المعضلة عينها التي واجهت الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، وهي معضلة قادت أميركا إلى الهاوية، مئات الآلاف، وربما حتى الملايين من القتلى، وإهدار تريليونات الدولارات على حروب جعلت العالَم أقل أمنا، وفوق هذا،أن مكانة إسرائيل التاريخية والعاطفية عند الولايات المتحدة، أهم كثيرا من مكانة العراق وأفغانستان في خريطة العالَم، فمنظر خيام إسرائيلية بمدينة إيلات على البحر الأحمر، لاستيعاب مستوطني غلاف عزة، يؤلم الولايات المتحدة، ويجعلها تفكر في كابوس الما بعد.  

أعلن نتنياهو أكثر من مرة، أن حربه على "حماس" طويلة وصعبة. هروب نتنياهو إلى الأمام،بدأ قبل 7 أكتوبر، بأزمة التعديلات القضائية التي دفعتْ مئات الآلاف من الإسرائيليين للخروج في احتجاجات دامتْ 40 أسبوعا دون انقطاع. كان على نتنياهو دفع الثمنلليمين المتطرف الذي أعاده في الانتخابات الأخيرة إلى السلطة،والثمن تعديلات قضائية تقلص دور المحكمة العليا بوصفها مراقبا على الكنيست (البرلمان) والحكومة.  

لم يجد نتنياهو، لصرف النظر عن الاحتجاجات، سوى الحلّ الأمني، وهو حلّ يعني زيادة الاقتحامات الاستفزازات والاعتقالات الموجّهة ضد الفلسطينيين، لا سيما وأن نجاحه الانتخابي كان يرتكز على أنه هو وحده يمكن الاعتماد عليه لضمان أمن إسرائيل. لكن بعد 7 أكتوبر سيذكره التاريخ السياسي اليهودي، بأن في عهده حدثتْ  ثاني أكبر كارثة لليهود بعد كارثة المحرقة. يرى جاي زيف،وهو أستاذ مشارك في برنامج السياسة الخارجية الأميركية، والعلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وصنع السلام الإسرائيلي الفلسطيني، أن جزءا من استراتيجية نتنياهو يعتمد على الجمود، فهو لا يؤمن، أو لا يقبل فكرة حل الدولتين، ولا يثق في أي حديث مع الجانب الفلسطيني، ويعتقد أنه بالحل الأمني الذي تضخّم إلى حرب على "حماس"، سيتجاوز القضية الفلسطينية.  

يتخوّف الجيش الإسرائيلي من اجتياحه البري الوشيك على قطاع غزة، فهذه حرب أخرى أكثر بدائية، حرب شوارع ومدن، وإذا كانت تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية والطائرات الحديثة، توفر للجيش الإسرائيلي، ضرب قطاع غزة من السماء، فإن الأرض تحتاج من المقاتلينالإسرائيليين المشاة، إلى صلابة جسدية، قد يفوقهم في حيازتها مقاتلو "حماس"، إضافة إلى حرب شبكة الأنفاق العنكبوتية تحت القطاع.  

  إذا كانت تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية والطائرات الحديثة، توفر للجيش الإسرائيلي، ضرب قطاع غزة من السماء، فإن الأرض تحتاج من المقاتلين الإسرائيليين المشاة، إلى صلابة جسدية، قد يفوقهم في حيازتها مقاتلو "حماس"

أيضا تتخوّف إسرائيل والولايات المتحدة من انخراط حزب الله اللبناني في الحرب، بشكل أوسع من جهة الحدود الشمالية لإسرائيل، وتعتبر الولايات المتحدة وإسرائيل، أن "حزب الله" أكثر تنظيما من "حماس"، ويملك ترسانة سلاح قوامها 150 ألف صاروخ، ويخشى الإسرائيليون بمجرد اجتياحهم لقطاع غزة، أن يشعل "حزب الله" جبهة الشمال ضدهم، وإلى الآن تكتفي إسرائيل برد الفعل على قذائف "حزب الله" المتقطعة في مزارع شبعا، وتتوعده بين الحين والآخر، بالندم إذا دخل معها في حرب مفتوحة.  

حكومة نتنياهو العمياء تتخبّط على عتبة مستقبل مظلم، مستقبل المرحلة النهائية من الحرب، الما بعد، ولا توجد خيارات، فإذا هاجمتْ إسرائيل "حماس" ثم غادرتْ كما فعلتْ في الماضي، فإن حركة "حماس" ستكون قادرة على تجديد نفسها، وفي الوقت نفسه، فإن إسرائيل ليس لديها رغبة في احتلال قطاع غزة بعد خروجها منه 2005، ويبدو أن إسرائيل قد تشعر بالإحباط من إضعافها الدؤوب، طوال سنوات، للسلطة الفلسطينية التي تفتقر الآن إلى القدرات والإدارة اللازمة للحكم بدلا من "حماس".  

استدعت إسرائيل 360 ألف جندي احتياطي، بالإضافة إلى 160 ألف جندي في الخدمة الفعلية، سلاح المدرعات يضم أكثر من ألف دبابة، ومن المرجح أن تشن إسرائيل اجتياحا مشتركا على "حماس" بكل عناصر القوة العسكرية، المدرعات، والمدفعية، والسفن البحرية، والطيران، والاجتياح سيكون مدعوما بجهاز ضخم لجمع المعلومات الاستخباراتية، وهو الجهاز نفسه الذي فشل في اكتشاف، أو حتى استشعار هجوم 7 أكتوبر.   

font change