ألم يكتف العالم من المعاناة؟

ألم يكتف العالم من المعاناة؟

يتحدث فلاسفة الزن في الصين واليابان كثيرا عما يسمونه "الاستنارة" أو "اليقظة" ويسميها اليابانيون "ساتوري"، كلمة اصطلاحية تشير إلى مفهوم يصف ما قد يحدث عندما تقف أمام المرآة وتسأل هذا الشخص الماثل أمام حواسك وعقلك: ألم تكف من المعاناة؟ هذا السؤال الصادم سيجعل حياتك كلها تدور داخل القسم المخصص للذاكرة في الدماغ كشريط سينمائي، لتطرح سؤالا آخر: هل كان شيء يستحق شيئا؟ هل المكاسب تعادل الخسائر؟ أم أن الأمر كان أجدى لو بقيت في سكون؟

وإن انتقلت إلى الواقع فقد تسأل: علام هذه الحروب وسفك الدماء وقتل الأرواح البريئة؟ يبدو أن العالم كله قد وصل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 إلى أن الحرب شيء بشع وغبي، ولم تعد الحروب الطويلة تنشب إلا في الشرق الأوسط. هذا سؤال يعنّ بالبال منذ عقود، العالم كله يعيش في سلام وفي متعة إلا الشرق الأوسط، ومع أنه قد حصل استثناء في السنوات الأخيرة بإضافة حرب أوكرانيا التي لن تطول كحروبنا، إلا أن التحليلات لم تتوقف لتفسير حالة الشرق الأوسط. هل العالم يتآمر علينا لتبقى منطقتنا على صفيح ساخن؟ مثل هذا السؤال المنطلق من روح نظرية المؤامرة لن يفيدنا في شيء. فالمؤامرات في كل زمان ومكان لا تنجح إلا إذا وجدت بيئة خصبة، أعني أن المشكلة في الشرق الأوسط نفسه وليست في المتآمرين عليه إن وُجدوا. لقد نجح رجل واحد هو المهاتما غاندي في طرد الاستعمار من وطنه دون أن يحمل الرشاش. انتصر غاندي من خلال ذات الفكر الذي انطلق منه فلاسفة الزن، رفض العنف ورفض التعاون مع كل داعية إلى الكراهية وإراقة الدماء. هناك بصيص أمل قد نراه في ما يتعلق بمشهدنا الحالي.

انتصر غاندي من خلال ذات الفكر الذي انطلق منه فلاسفة الزن، رفض العنف ورفض التعاون مع كل داعية إلى الكراهية وإراقة الدماء

دعونا نسأل: لماذا يتقاتل الناس؟ فتش عن الاقتصاد. في الغالب، يرجع ذلك إلى إيمان عميق بقلة الموارد، لذلك طالب مارتن لوثر منذ خمسمائة سنة إلى طرد اليهود من أوروبا لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، من هنا كانت بداية مأساتهم التي جيروها فأصبحت مأساة الفلسطينيين. لكن هذا الشعور بالقلّة والشح الاقتصادي غير صحيح، نحن في عالم ثري بالخيرات التي تكفي الجميع، والخير لن ينفد لأنه يعيد إنتاج باستمرار. تبقى مشكلة واحدة تهدد العالم في حال السلم، هي أن الذين يولدون أكثر من الذين يموتون وبالتالي سيزدحم الكوكب وستحدث المشاحنة والاقتتال، وهذه المشكلة ليست صعبة، بل يمكن حلها بتحديد النسل، لا بالحرب، بحيث تتعادل نسبة المواليد مع نسبة الوفيات.

أخيرا أدرك العالم مأساة الناس في فلسطين، بين دولة الاحتلال ومغامرات الإسلاميين، وأن الضحية في كل مرة هم الناس البسطاء الذين يسحلون في كل مرة. إحراج إسرائيل لن يكون بمثل المغامرة الأخيرة، وإنما يكمن في رفع راية المطالبة بدولة فلسطينية دون اقتراف أية أعمال عنف على الإطلاق. إن صدقت تصريحات مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي الأخيرة فإن إدارة غزة إن هُزمت حماس سوف تسلّم إلى السلطة الفلسطينية، أقول إن صدقت، فمن هنا يمكن أن تكون البداية لدولة فلسطينية مدنية واحدة، لا فصائل متنازعة، وبالتالي التأسيس لحل الدولتين. السلطة الفلسطينية الشرعية، منظمة التحرير، كانت سابقة في تجريب القتال ولم تخرج من ذلك بطائل، وهذا ما دعاها منذ عقود لاختيار السلام كحل وحيد.

font change
مقالات ذات صلة