مصر تبحث عن مخرج بعد جمود محادثات "سد النهضة"

AFP
AFP
مشهد عام لسد النهضة الاثيوبي في منطقة غوبا في 12 فبراير 2022

مصر تبحث عن مخرج بعد جمود محادثات "سد النهضة"

أسدل فشل الجولة الأخيرة من المحادثات بشأن سد النهضة الإثيوبي على النيل الأزرق الستار على سلسلة من المفاوضات العقيمة امتدت اثني عشر عاما وطالت البنية الكهرومائية العملاقة.

خلال هذه الأعوام الاثني عشر، اتبعت مصر كل الوسائل السلمية الممكنة تقريبا لجعل أديس أبابا تأخذ بالحسبان الاحتياجات المائية لسكان مصر الذين يزدادون عددا، بينما تخدم تنميتها الاقتصادية.

في مارس/آذار 2015، وقّع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الخرطوم على إعلان المبادئ بهدف ضمان اعتراف إثيوبيا بالاحتياجات المائية لدولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، ومنع إلحاق ضرر كبير بهما أثناء استغلال النيل الأزرق، وهو المصدر الرئيس للمياه العذبة في مصر.

في يونيو/حزيران 2021، رفعت مصر قضية سد النهضة الإثيوبي الكبير إلى مجلس الأمن الدولي، في سعيها للحصول على دعم دولي للضغط على إثيوبيا لوقف إجراءاتها الأحادية في بناء وملء السد.

ولكن، على الرغم من هذه الجهود، لم تتلق القاهرة أي إشارة من أديس أبابا إلى استعدادها لتفادي أزمات العطش والجوع والخراب الاقتصادي التي ستصيب نحو 110 ملايين شخص في مصر وحوالي 46 مليون شخص في السودان. وتلوح هذه الأزمة في الأفق بسبب احتمال حرمان البلدين من عصب أساسي للحياة: المياه، حيث تركز إثيوبيا على توليد الكهرباء لسكانها.

AP
مراحب البناء الاولى في السد في 2013

ويقول مراقبون في القاهرة إن فشل الجولة الأخيرة من المحادثات بشأن السد يوجه ضربة قاضية لمفهوم التفاوض كآلية لحل النزاعات.

لكن ما يحمله المستقبل وكيف ستتعامل مصر مع قضية تهدد وجودها ذاته كمكان صالح للحياة هو سؤال تفتح إجابته الباب واسعا أمام كل الاحتمالات.

سدود النيل

يُسبب بناء السدود على نهر النيل خوفا عميقا وينذر المصريين الذين ظلت حياتهم تدور حول النهر منذ آلاف السنين بكارثة مقيمة، حيث إن حصة مصر السنوية البالغة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النهر لا تكاد تسدّ احتياجات البلد الذي يشهد تزايدا مضطردا في عدد السكان. والواقع أن مصر تحتاج فعليا إلى أكثر من 114 مليار متر مكعب سنويا لتلبية حاجة شعبها.

سيعمل سد النهضة، الذي يبلغ ارتفاعه 145 مترا، ويغطي خزانه مساحة 1875 كيلومترا مربعا- وهي مساحة أكبر من مساحة لندن الكبرى- على تقليص كمية المياه المتدفقة إلى مصر من النيل الأزرق بشكل كبير

وسيعمل سد النهضة، الذي يبلغ ارتفاعه 145 مترا، ويغطي خزانه مساحة 1875 كيلومترا مربعا، وهي مساحة أكبر من مساحة لندن الكبرى، على تقليص كمية المياه المتدفقة إلى مصر من النيل الأزرق بشكل كبير.

ومما يزيد من تفاقم العجز المائي المستشري في مصر، أن السد الذي شُيّد على بعد حوالي 30 كيلومترا من حدود إثيوبيا مع السودان، سيتسبب في دمار هائل للأراضي الزراعية في مصر، ويعرض أمنها المائي للخطر، ويزيد بشكل ملحوظ من اعتماد مصر على الواردات الغذائية من الدول الأخرى.

كل هذه الأسباب تقف خلف جهود المفاوضات السريعة التي تبذلها مصر والتي تهدف في المقام الأول إلى التوصل لاتفاق ملزم قانونا يضمن عدم تعرض مصر لأي ضرر كبير بسبب بناء هذا السد أو ملئه أو تشغيله.

وقال ضياء القوصي، المستشار السابق لوزير الموارد المائية، لـ"المجلة": "كان من المهم جدا التوصل إلى هذا الاتفاق، خاصة مع عدم إظهار الإثيوبيين أي علامة على مراعاة مخاوف المصريين"؛ إذ مضت إثيوبيا قدما في بناء وملء السد من جانب واحد في ظل غياب أي اتفاق مع مصر والسودان على الرغم من استمرارها في التفاوض معهما، الأمر الذي فتح الباب أمام اتهامات مصرية بأن أديس أبابا كانت تضيع الوقت فقط حتى يصبح سد النهضة أمرا واقعا.

وخلال كل هذه الفترة، حاولت القاهرة أيضا إشراك جميع اللاعبين الدوليين في قضية السد، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، ولكن دون جدوى.

القاهرة متوترة

انتهت الجولة الأخيرة من المحادثات بشأن السد في أديس أبابا يوم 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي بالفشل. وأثار هذا الفشل حالة من السخط في مختلف أنحاء مصر، على الرغم من أنه كان متوقعا تماما، نظرا لتعودهم على مماطلة إثيوبيا في التوصل إلى اتفاق ملزم قانونا في السنوات الماضية.

أديس أبابا استغلت المفاوضات لتكريس الأمر الواقع على الأرض، والتفاوض بغرض استخلاص صك موافقة من دولتي المصب على التحكم الإثيوبي المطلق في النيل الأزرق

وزارة الموارد المائية المصرية

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قد اتفقا على إجراء هذه الجولة الأخيرة من المفاوضات في يوليو/تموز من هذا العام في القاهرة، خلال اجتماع للدول المجاورة للسودان.

وألقت وزارة الموارد المائية المصرية باللوم في هذا الفشل على إثيوبيا. وقالت في بيان صدر يوم 19 ديسمبر/كانون الأول إن أديس أبابا رفضت باستمرار الحلول الفنية والقانونية الوسط التي من شأنها أن تحمي مصالح إثيوبيا ومصر والسودان. وأضافت أن إثيوبيا تمادت في النكوص عما تم التوصل له من تفاهمات سابقة.

وأشارت الوزارة  إلى أن أديس أبابا استغلت المفاوضات لتكريس الأمر الواقع على الأرض، والتفاوض بغرض استخلاص صك موافقة من دولتي المصب على التحكم الإثيوبي المطلق في النيل الأزرق، متجاهلة في ذلك التزاماتها بموجب القانون الدولي.

كما أشارت الوزارة أيضا إلى أن مصر تحتفظ بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حال تعرضه للضرر. لكنها لم تحدد نوع الإجراء الذي يمكن أن تتخذه مصر في حالة حدوث هذا الضرر.

وكرر وزير الموارد المائية المصري، هاني سويلم، التحذير نفسه بعد بضعة أيام في مقابلة مع قناة "العربية" الإخبارية. حيث قال الوزير المصري: "على إثيوبيا توخي الحذر عندما تقوم بتحركات تؤثر سلبا على الأمن المائي المصري". وأضاف أن "مؤسسات الدولة المصرية لديها طريقة للتعامل مع الوضع إذا ما تأثر الأمن المائي".

وفي مارس/آذار 2021، حذر السيسي من المساس بحصة مصر من نهر النيل، واصفا أمن مصر المائي بـ"الخط الأحمر". وقال الرئيس المصري: "لا أحد يستطيع أن يأخذ قطرة من ماء مصر. ومن يريد أن يحاول، فليحاول". كما أنه حذر من أن المنطقة كلها ستشهد حالة من عدم الاستقرار نتيجة لذلك.

كل شيء ممكن

اكتمل بناء سد النهضة بنسبة 94 في المئة، ومن المتوقع أن يكتمل بالكامل بحلول شهر سبتمبر/أيلول 2024. ومع ذلك، فإن بيان وزارة الموارد المائية وتحذير السيسي عام 2021 يقولان الشيء نفسه: "لن تظل مصر مكبلة الأيدي، إذا تعرض أمنها المائي للخطر".

من المتوقع أن تحيل السلطات المصرية قضية السد إلى مجلس الأمن مرة أخرى. وفي القاهرة، يتوقع متخصصون في القانون الدولي أن يصدر المجلس قرارا بشأن هذه القضية هذه المرة

ويثير الموقف نفسه تكهنات حول الإجراءات التي ستتخذها القاهرة خلال الفترة المقبلة لحماية حقها في مياه نهر النيل، ومنع انتزاع حصتها السنوية منه.

AFP
وزير الخارجية المصري سامح شكري في 21 ديسمبر

وكانت الحرب الحالية في السودان قد أدت إلى إضعاف موقف مصر التفاوضي بالفعل، خاصة وأن القاهرة والخرطوم اعتادتا على تبني الموقف نفسه، وهو المطالبة باتفاق ملزم قانونا يضمن عدم حدوث أي ضرر كبير لدولتي المصب بسبب السد.

وبعيدا عن الخوف من احتمال أن يؤدي سد النهضة إلى عرقلة تدفق مياه النيل إليها، فإن مصر تخشى أن يكون السد جزءا من خطة أكبر لتحويل النيل الأزرق إلى بحيرة إثيوبية داخلية، خاصة إذا قامت أديس أبابا بتشييد المزيد من السدود على طول النهر في المستقبل.

ويساهم النيل الأزرق، الذي يلتقي بالنيل الأبيض بالقرب من الخرطوم على الطريق المؤدي إلى مصر، بحوالي 85 في المئة من المياه التي تصل إلى مصر في نهاية الرحلة.

ومن المتوقع أن تحيل السلطات المصرية قضية السد إلى مجلس الأمن مرة أخرى. وفي القاهرة، يتوقع متخصصون في القانون الدولي أن يصدر المجلس قرارا بشأن هذه القضية هذه المرة.

وقال صلاح الطحاوي، أستاذ القانون الدولي، لـ"المجلة": "إذا لم تلتزم إثيوبيا بهذا القرار، فسيكون للسلطات المصرية الحق القانوني في اتخاذ ما تراه مناسبا لحماية الأمن المائي لمصر".

font change

مقالات ذات صلة