اللوفر أبوظبي يحتفي بتأثير الفن الإسلامي على "كارتييه"

400 قطعة فنية على امتداد عشرات السنين

اللوفر أبوظبي يحتفي بتأثير الفن الإسلامي على "كارتييه"

أبوظبي: من الزخارف الإسلامية الموجودة منذ آلاف السنين على جدران القصور والمساجد ومقابض الأسلحة والأنسجة استوحت "دار كارتييه" العديد من القطع النادرة التي شكلت مكوّنات معرض "كارتييه الفن الإسلامي ومنابع الحداثة" المقام في متحف اللوفر في أبوظبي الى 24 مارس/آذار 2024. إذ بيّنت قطع هذا المعرض أن إعجاب عائلة كارتييه بالفنون الإسلامية في أوائل القرن العشرين قادها الى دراسة تلك الروائع وتجسيدها في قطع تشع بالألماس والأحجار الكريمة، لتبيّن تاليا تأثير الفنون المتبادل، فقد أخذت كارتييه الفكرة التي قادتها إلى تصميم معين وأعطت في المقابل قطعا تتميز بالفخامة وتتلألأ بتأثير البلاطين الفارسي والهندي مع إلهام جديد أبرزته كارتييه في مجوهراتها التي استخدمت فيها الأنماط الزخرفية الشرقية.

وقد ظهرت الأساليب المختلفة لتأثير الفنون الإسلامية من خلال أكثر من 400 قطعة فنية موزعة في أروقة المعرض، منها ما يعود إلى مجموعة مقتنيات متحف اللوفر أبوظبي، ومتحف الفنون الزخرفية، ومتحف اللوفر، ومجموعة مقتنيات وأرشيفات "دار كارتييه"، إضافة إلى مجموعة من القطع الاستثنائية المُعارة من "القصر الصغير"– متحف الفنون الجميلة في باريس، وغير ذلك من الأعمال الأخرى المُعارة من جهات مختلفة.

زخارف ومنمنمات

متحف اللوفر أبوظبي هو محطة جديدة في تاريخ هذا المعرض الذي كان قد أقيم من قبل في باريس ودالاس. يقول سيريل فينيرون رئيس دار كارتييه ومديرها التنفيذي: "أثبتت جماليات الفنون الإسلامية التي هي غير تصويرية في جوهرها، أنها تذخر بقدر عظيم من الحداثة سواء في ما اتصل بثرائها الأسلوبي أو بقدرتها غير المحدودة على الاستنساخ أو بطاقتها الإيحائية".

أثبتت جماليات الفنون الإسلامية التي هي غير تصويرية في جوهرها، أنها تذخر بقدر عظيم من الحداثة 

ويضيف: "لما كان هذا الثراء مصدر إلهام لا ينضب، كان من الطبيعي أن يدمج في طراز كارتييه لا سيما خلال الفترة الأساسية المعروفة باسم 'فن التزويق' التي ظلت وستظل إحدى أكثر الفترات والطُرز المرغوبة. إن العرض الجديد في اللوفر أبوظبي قائم على تصميم لشركة ديليز سكوفيدو ورينفرو ويتضمن الكثير من القطع التي لم يسبق عرضها من قبل".

فالمعرض يظهر للعلن القطع المشعة إضافة الى الكثير من القصص التي كان وراء وجودها، إذ يعود بالذاكرة إلى معرض "المنمنمات الفارسية" الذي أقيم عام 1912 وكان اكتشافا للفنانين الباريسيين، فقد أتاح لهم الاطلاع على عدد من اللوحات الاستثنائية، حتى أن أصداء المعرض امتدّت إلى الموضة الفارسية التي كانت تنتشر في باريس وتنغرس في جميع الطبقات، وأصبحت مشاهد صيد الغزلان وهي تقفز هاربة من الصيادين داخل مشهد طبيعي يطغى عليه اللون الأخضر، على غلاف حقيبة زينة من صنع كارتييه في العالم 1932 أو على قماش صمم رسومه "بواريه" كما نرى صورا لأشجار ذات أغصان مزينة بأوراق في شكل أجراس صغيرة تستحضر إلى الذهن صور أوراق الدلب المنتشرة بكثافة في المنمنمات الفارسية.

هكذا طورت كارتييه في السنوات الأولى من القرن العشرين طراز "مجموعة غيرلاند" الذي ترجع جذوره إلى الزخرفة الحلزونية في القرن الثامن عشر، وقد احتفظت كارتييه بالرسوم التمهيدية والمكتبة والأرشيف الفني بالوثائق، مما سمح بالتعرف بدقة الى القطع التي أبدعتها كارتييه بعدما أبدعها الفنانون من عصور سابقة. فالهرم المتدرج الذي يمكن رؤيته على الكثير من مصوغات الفن التزويقي "الآرت ديكو"، منحدر من الدِروات التي تعلو حافات سطوح مساجد العالم الإسلامي خلال العصور الوسطى، ويعود هذا الشكل في أصوله إلى العصور القديمة، فهو معروف في تدمر بسوريا، وفي رسيبوليس في إيران. ويحتفظ كارتييه في أرشيفه بالكثير من هذه الصور الفوتوغرافية المجسمة للمعالم الأثرية الإسلامية التي ألهمت المصممين. بينما ألهمت المواد والألوان من العالم الإيراني إبداعات كارتييه من خلال اختيار تناغمات لونية لا عهد للناس بها من قبل، فقد جُمع بين اللون الأزرق لحجر الفيروز واللون الأخضر للزمرد، ودمج أزرق الفيروز الإيراني مع أزرق اللازورد الأفغاني العميق اللامع، وهذا الدمج أعاد إنتاج ألوان الأغطية المميزة لآجر آسيا الوسطى وخزفياتها، وكانت ألوان خزفيات إزنيق العثمانية هي الأصل الذي نبع منه الجمع بين اللون الأخضر للزمرد والأحمر البرتقالي للمرجان، وبناء على طلب كارتييه عُدّل أحمر المرجان ليكون ذا طبعة خاصة تجعله بلون أحمر الطماطم.

رحلة إبداعية

أتاحت رحلة جاك كارتييه إلى الهند في العام 1911 الفرصة في البحث عن التحف الفنية والمصوغات القديمة والحديثة، ومن ثم أقام صلات وثيقة بعد رحلات ساعدته في استيراد الأحجار النفسية. وبعد ذلك نظم معرضا للمصوغات والتحف الفنية الشرقية التي جُمعت في الهند، وأتبعه بثلاثة معارض أخرى أولها في باريس عرض فيه مصوغات هندية حقيقية. ومن ثم في بوسطن ونيويورك وعرض حينها مجوهرات وصفت بأنها مستوحاة من النماذج الهندية والفارسية والعربية، غير أنها صُنعت في ورشات كارتييه في طراز يكشف عن التأثر بحركة فن التزويق. وقد ظهر هذا في جزء من عرض اللوفر أبوظبي، عبر صور لتلك المجوهرات التي يصل عددها إلى 82 قطعة. كما عرضت قلادة من صنع ورشات كارتييه انطلاقا من مصوغتين هنديتين أصليتين، تعود الى العام 1928 مصنوعة من الذهب والزمرد واللآلئ الطبيعية واليشم. قبلها عملت "دار كارتييه" على استعادة الأحجار الكريمة المنحوتة في الهند منذ العصر المغولي من أجل صنع مصوغات وصفت في البداية بأنها "سباق أوراق الشجر" أو توريق قبل أن تأخذ تسمية "توتي فروتي" في عام 1970.

دأبت الدار على اختيار الأشكال والأنماط الزخرفية والألوان المتأتية في الأصل من لوحات العالم الإسلامي وتحفه الفنية ومعالمه الأثرية

هكذا فإن الرحلة التي قام بها جاك كارتييه كانت قد مكنت الدار من الانفتاح على أشكال وزخارف جديدة وسّعت مخزون الدار، إضافة إلى تلك الأشكال والأنماط المستوحاة من مكتبة كارتييه ومن ميل لويس كارتييه إلى العالم الفرنسي.

ما بين 1930 و1970 ساهمت جان توسان في استمرار هذا التقليد، مستمدة ابتكاراتها من العالمين الهندي والتركي، فأنماط السحب المنمنمة وخطوط النمر والبقع المدورة وأشجار السرو والفروع المزهرة والحراشف اللامعة، جميعها أشكال استمد فيها المصممون من مخزونهم لعناصر لا حصر لها.

وقد دأبت الدار في ظل الإدارة الفنية لـ لويس كارتييه على اختيار الأشكال والأنماط الزخرفية والألوان المتأتية في الأصل من لوحات العالم الإسلامي وتحفه الفنية ومعالمه الأثرية، فتعمد إلى عزلها عن سياقها ومن ثم تكيفها مع إبداعات الدار.

تطورت مصادر إلهام الدار طوال القرن العشرين فابتعدت في منتصف القرن عن إيران متجهة نحو الهند وبلاد المغرب العربي، ولا تزال إبداعات كارتييه المعاصرة تقوم دائما على هذا التأثير القوي الذي تمارسه الفنون الإسلامية على الدار.

كما يُظهر المعرض أهمية المتاحف كمصدر مهم من المصادر المباشرة، التي ألهمت "دار كارتييه"، منها رسم أنجزه شارل جاكو واستنسخ فيه صورتَي طبقَي مدينة إزنيق باقتفاء أثر العملين الفنيين اللذين كان يعمل عليهما، فتبين أنهما يرجعان إلى متحف كلوني حيث صارت تعرض أمام الزوار الباريسيين منذ عام 1878 مجموعة كبيرة من خزفيات إزنيق.

بينما أخذ الاتحاد المركزي للفنون الزخرفية الموجود مقره في جناح "مارسان" منذ عام 1905 في عرض مجموعاته من الفن الإسلامي في غرف الطابق الأرضي المطلة على قصر "التويلري" مثل فسيفساء كبيرة من الخزف الإيراني ترجع إلى القرن الخامس عشر ومعروضة في هذه القاعات قد ألهمت مشروعا لتصميم ساعة حائط وعلبة مسحوق وفيها يوجد بوضوح رسم هذا الخزف وألوانه قبل ترميمه.

كما كان متحف اللوفر واحدا من الأماكن التي يكثر التردّد إليها، مثلما يتضح من تصاميم كثيرة تبين وجه الصلة بينها وبين الأعمال الفنية والإسلامية، منها مبخرة من خراسان على شكل صقر تعود إلى القرنين الثاني عشر والثالث عشر، بجانب المشربيات الخشبية التي تعد مصدرا لكثير من ابتكارات الدار، فالرسوم تعكس الاهتمام الذي حظيت به هذه التركيبات لدى المصممين الذين ابتكروا عصابات الرأس وحقائب أدوات الزينة، ويحتفظ أرشيف كارتييه بصورة مشبكين صُنعا عام 1907 يظهر فيهما محاكاة المصمم لشكل القطع الخشبية التي تتألف منها المشربيات. وهذا ما يؤكد على وجود صلة كبيرة بين أنواع الفنون المختلفة التي قد تمتزج مع بعضها للخروج بإبداع جديد.    

font change

مقالات ذات صلة