محمد الفرج: المسؤولية تجاه الأرض ضرورية كالتنفس

مهتم بالبيئة وعلاقة الإنسان بالطبيعة

الفنان محمد الفرج

محمد الفرج: المسؤولية تجاه الأرض ضرورية كالتنفس

يهتم الفنان السعودي ومخرج الأفلام المستقل محمد الفرج، بالطبيعة والبيئة، وتجلى هذا في أعماله المتعدّدة الأبعاد من الفيديو والتصوير إلى الأعمال الفنية والكتابة. كما يشتغل على التراث والثقافة والحرف اليدوية.

غالبا ما يستخدم في أعماله المواد الطبيعية الموجودة في مسقط رأسه، بصفته ناشطا اجتماعيا بيئيا بشكل أساسي، فيجمعها مع ألعاب الأطفال وقصص الأشخاص العاملين في الأرض كمحاولة لخلق حالات من التعايش بين الإنسان والطبيعة.

عرضت أعمال الفرج في مهرجان دبي السينمائي ومهرجان الفيلم السعودي حيث حصل على المركز الأول عن فيلمه الوثائقي، "ضائعون"، ضمن فئة الطلاب. وعرضت أعماله أيضا في أكثر من دورة من "معرض فن جدة"، و"معرض أثر" الفني بجدة، كما عرض أخيرا في "فن أبوظبي" الذي أقيم في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. هنا حوار معه.

الصورة الفوتوغرافية أحفورة للحظة معينة يمكن تجميدها وإبقاؤها كما هي على مدار السنوات

  • ما طبيعة مشاركتك في الدورة الأخيرة من "فن أبوظبي"؟

شاركت بمجموعة من الأعمال مع "أثر غاليري" الذي أعمل معها عادة في السعودية، وعرضت أعمالا قديمة وحديثة هي عبارة عن صور فوتوغرافية وصور "كولاج" كوني أميل إلى مسألة اللعب بالصور الفوتوغرافية والأشكال والألوان، ومحاولة تقطيع اللحظة مونتاجيا، باعتبار أن الصور الفوتوغرافية هي صورة لحظة واحدة، إلا أني عملت على لحظات أخرى وجديدة، وكنت متحمسا لأرى مدى تفاعل الجمهور مع العمل.

كما شاركت بعمل فوتوغرافي وتركيبي ضمن معرض "غابة متجمدة" وهو عمل يحمل عنوان "أحفورة الوقت" وجاء من منطلق أن الصورة الفوتوغرافية هي أحفورة للحظة معينة يمكن تجميدها وإبقاؤها كما هي على مدار السنوات، فجاء العمل عبارة عن صور كثيرة يظهر فيها تسلسل فوتوغرافي للغة، بجانب صور للنقوش على الجبال، وصور أخرى لكتابات على كتب وصور كتابات على الجدران، ثم نصل إلى صور وكتابات وخربشات غير مفهومة على الجدران. وكان هناك تحليل للغة وكيف أن اللغة تتغير وتتشكل إلى أن تصل إلى ما وصلنا إليه الآن، وفيها أيضا فكرة ومقاربة وتساؤل: هل النقوش القديمة التي على الجبال هي بأهمية الفن الغرافيتي ورسوم الشوارع الأخرى أم لا؟

وأستمر في العمل بهذه الطريقة، فهناك صور لناس وصور لفزاعات في المزارع وصور لمجسّمات تشبه البشر، في محاولة لتحليل الشكل البشري أو الوجود الذي ينتهي من وجود حقيقي إلى أثر.

أعمال مركبة

  • كيف تمزج في عملك بين صناعة الأفلام والفيديو والتصوير الفوتوغرافي والتركيب والكتابة؟   

هذا التداخل في الممارسات نابع من هوسي بها، وحبي للاستكشاف والتجريب المتواصلين، فقد بدأت بالتصوير الفوتوغرافي وصناعة الأفلام ووجدتني أميل إلى الإمساك بالكاميرا والمونتاج والتحرير، وكذلك صناعة الأدوات التي أحتاج إليها في الفيلم، والآن أصبحت أضع كل تلك الأشياء داخل أعمال مركبة، وكأنني أفتح الفيلم بشكل ثلاثي الأبعاد وأضعه في مساحة تسمح لنا بالتجوال في داخله وفي داخل القصة والقصيدة.

  • بدأت مبكرا بالاهتمام بقضايا البيئة، فما الأسباب وراء ذلك؟

أنا ابن فلاحين، وما زلت أعيش في الأحساء في محترف وسط حديقة، هذه المسؤولية تجاه الأرض والإنسان هي مسؤولية وجودية بالنسبة إليّ، وهي ضرورية كالتنفس. سواء أكانت المواد طبيعية أم غير طبيعية، فأنا متمسك بمبدأ إعادة الاستخدام. وفي اعتقادي لدينا كل شيء في هذا العالم، وهناك الكثير من المواد ولا نحتاج لتصنيع شيء جديد. هذه طريقة الفلاحين والطيور في التفكير، التي تقوم على بناء شيء ما من البيئة المحيطة من أغصان وحديد وبلاستيك وتطويع كل الأشياء ونسجه بطريقة خلاقة.

ثنائيات فنية

  • لماذا تجمع في أعمالك بين الثنائيات مثل الريف والمدينة، الصورة والصوت، التقاليد والحداثة؟

الحياة فسيفساء جميلة من المتشابه والمضاد، ومن أشياء جميلة ومدهشة قد تخرج من بينهما. أحب الشدّ والتوتر الذي ينتج من جمع القديم والجديد، الصناعي والطبيعي، الفكري والمشاعري.

  • من أين تستمد أفكارك؟

من الحقل، المدرسة، ذكريات الطفولة، الحكايات، الحياة اليومية، الأخبار، المحادثات العابرة مع الناس، الأفلام، الموسيقى، الشعر، الطعام، والأسواق، لأني أحاول دائما أن أكون منفتحا على العالم.

  • هلا أوضحت لنا طبيعة عملك، "ثمرة المعرفة"، الذي عرضته هذا العام في "غاليري منور" في باريس خاصة أنه يعكس فلسفتك عن الحياة؟

العمل عبارة عن فيلم من صور متحركة لرسومات على الرمل، ويعرض الفيلم على رمل كذلك، ليوحي المشاهد أن الرسومات تحدث أمامه الآن، ويحكي الفيلم قصة بلبل يسمع أسطورة تجعله يحاول الحصول على المعرفة الكونية كلها مرة واحدة، ليتعلم من خلال القصة أن في رحلة البحث والوقت لذة وضرورة. إن فيلم الصور المتحركة يتطلب مني البطء والتأني، خاصة أنني جربت خلال مراحل صناعتي للعمل، شعور الطائر كذلك جربت مشاعر التأني والصبر للوصول للإتقان.

لدينا كل شيء في هذا العالم، وهناك الكثير من المواد ولا نحتاج لتصنيع شيء جديد

  • ما طبيعة العمل الذي قدمته عندما تم اختيارك للدورة الثانية من برنامج التكليف الفني لواجهة حي جميل؟

أنجزت عملا بعنوان "وجه المدينة" وهو عبارة عن واجهة حي جميل في لوحة تبلغ مساحتها 25 × 4 متر مربع. وعلى مدى عشرة أيام كنت ألتقي نساء ورجالا من جدة من مختلف الأعمار والخلفيات الاجتماعية، لكي نشتغل على رسم الواجهة وتلوينها وخلال اشتغالنا على العمل نتكلم طوال الوقت ونختار الألوان والأشكال والكتابات من جدة ومن الأحياء الموجودة فيها، فنواجه التغيير بسبب التجديد والترميم. ليأتي العمل على الواجهة كمحاولة للتصالح مع هذا التغيير وتخطي الماضي والتوجه إلى المستقبل.

بالنسبة إليّ جاء العمل مع أبناء المجتمع ليس باستخدامهم لتنفيذ رؤيتي فقط، بل فعليا تركت للمشتغلين في العمل الحرية في اختيار التصميم وما فيه من أشكال وألوان، لذلك ضم العمل كتابات شخصية جدا من بعض المشاركين. وهذا أمر مهم كونهم صانعين للعمل وليسوا منفذين له، فالعمل الفني أشبه بالدعاء والصلاة اللذين يصبحان أقوى وأفضل بأيدٍ كثيرة.

font change

مقالات ذات صلة