السينما السعودية في تورونتو: رهان على الإبداع

المخرجان علي الكلثمي وأبو بكر شوقي يتحدّثان إلى "المجلة"

الحضور في الدورة الحالية من "تورونتو السينمائي"

السينما السعودية في تورونتو: رهان على الإبداع

الرياض: منذ إعادة انطلاق السينما السعودية قبل 5 أعوام، وهي تختبر تحديات نجاح وتطور، ظلت تضيف إليها قيمة نوعية في تجارب صناعة الأفلام. تأتي مشاركة الأفلام السعودية في مهرجانات عالمية رهانا على اختبار مواقع متقدمة للنجاح، وآخرها مهرجان تورونتو السينمائي الذي تستمر فعالياته من 7 سبتمبر/أيلول إلى 17 منه، حيث تشارك السعودية في الدورة 48 منه بثلاثة أفلام للمرّة الأولى، وذلك ضمن قسم برنامج "اكتشاف" الذي يهتم بالأعمال الأولى والثانية للمخرجين المتميزين حول العالم. الأفلام المشاركة هي "مندوب الليل" للمخرج علي الكلثمي، و"هجان" للمخرج أبو بكر شوقي، و"ناقة" للمخرج مشعل الجاسر. إلى جانب مشاركة هيئة الأفلام السعودية بجناح في المهرجان يتضمّن بعض أبرز الأفلام السعودية. ويشارك في تورونتو كل من مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي ومركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي "إثراء"، ومهرجان أفلام السعودية.

إثر النجاح الذي ترك أصداء ايجابية في أوساط مهرجان تورونتو السينمائي، بعد عرض "مندوب الليل" و"هجان" و"ناقة"، تواصلت "المجلة" مع المخرجين علي الكلثمي وأبو بكر شوقي حول مشاركة فيلميهما في المهرجان.

في تورونتو شعرت بمعنى الأثر العالمي للغة السينما. كنت أرصد الوجوه خلال عرض الفيلم، ورأيت تفاعل المشاهدين مع فهد القضعاني (بطل الفيلم) وتحدياته

علي الكلثمي

 حيال التحدّي الذي تطرحه مشاركة الأفلام السعودية الثلاثة في هذه الدورة من المهرجان، يقول المخرج علي الكلثمي: "من وجهة نظري التحدّي الأكبر لنا هو أننا خلال صناعة "مندوب الليل" كنا حرصاء على أن يكون جمهورنا السعودي الجمهور الأساسي للفيلم، لكن مع مشاركة الفيلم (وهو فيلمي الطويل الأول) في عروض المهرجان انتقل التساؤل إلى كيف ستتفاعل جماهير المهرجان معه؟".

ويضيف الكلثمي: "في تورونتو شعرت بمعنى الأثر العالمي للغة السينما. كنت أرصد الوجوه خلال عرض الفيلم، ورأيت تفاعل المشاهدين مع فهد القضعاني (بطل الفيلم) وتحدياته، كما تفاعلوا مع قصة سارة ومحاولاتها لإنجاح مشروعها، إلى جانب أن الجلسات النقاشية بعد كل عرض للفيلم كان فيها الكثير من التساؤلات عن دوافع فهد وعن مدى تطابق القصة مع الواقع، بعضهم سأل عن مدينة الرياض والشكل الذي ظهرت به في الفيلم. وأطرف تعليق بالنسبه إليّ كان من إحدى المشاهدات حول رمزية الوجود العابر للقطط في بعض مشاهد الفيلم".

علي الكلثمي مخرج فيلم مندوب الليل

يرى الكلثمي أن التجربة كانت مثمرة "لأنها ساهمت في عرض جانب ولو بسيط من قصصنا في مناخ سينمائي عالمي ضم أعمالا من مختلف أنحاء العالم. وهنا تظهر قدرة السينما والأفلام على جذب الانتباه والاهتمام من خلال روايتها قصصا مميزة بأسلوب إبداعي فريد حتى ولو بلغة مختلفة تماما".

 

لحظة تاريخية

بدوره، اعتبر المخرج أبو بكر شوقي أن مشاركة ثلاثة أفلام سعودية في تورونتو السينمائي "لحظة تاريخية تحسب لصالح السينما السعودية، فمن النادر أن تشارك ثلاثة أفلام في دورة واحدة من مهرجان عالمي مثل مهرجان تورونتو. وقد كشفت المشاركة عن أصوات جديدة في السينما السعودية، فبرزت مواهب تمثيلية واعدة خلال عروض الأفلام الثلاثة في المهرجان، وعبرت المشاركة أيضا عن انفتاح صنّاع الأفلام السعوديين على العالم".

المخرج أبو بكر شوقي خلال تصوير العمل

ويضيف شوقي: "هجان فيلم يتحدث عن ثيمة البادية عبر قصص فولكلورية تاريخية تزخر بها الحكايات الشعبية وتتمحور حول الصحراء، لكن تلك الحكايات وجدت في فيلم "هجان" فرصتها للتعبير عنها سينمائيا، وقد حاولنا أن نعرِّف العالمَ على جزء جديد من عالمنا، كتقليد سباق الهجن عبر ميادين صحراوية شاسعة في السعودية، إلى درجة أننا قمنا بتصوير مشاهد الهجن في أماكن يصعب الوصول إليها حرصا على نقل أفكار جديدة إلى السينما العالمية. كنا نركِّب سردا جديدا للحكايات القديمة في فيلم عن عالم الصحراء العربية وأجوائها".

 

مقاربات

حول المقاربة السردية التي اعتمدها علي الكلثمي وفريق العمل خلال التحضير لفيلم "مندوب الليل"، يقول: "حرصت ومحمد القرعاوي (يلعب دور أبو سعود في الفيلم)، أثناء كتابة الفيلم، على أن تكون الحوارات واقعية، تنعكس عبر تسلسل الأحداث فيها خلفيات شوارع الرياض وطابعها المتنوع. في مرحلة التحضير كان همنا منصبا على التصوير في أماكن حقيقية بمدينة الرياض، لنضيف مزيدا من الصدقية والواقعية على حكاية فهد القضعاني. وقد جابت وحدة إنتاج فرعية أحياء الرياض لمدة شهرين قبل بدء التصوير لتعيد اكتشاف شوارع الرياض سينمائيا، اخترنا شوارع حقيقية لمواكبة أحداث الفيلم صعودا وهبوطا ونجاحا وإخفاقا للشخصيات كافة".

 لحظة تاريخية تحسب لصالح السينما السعودية، فمن النادر أن تشارك ثلاثة أفلام في دورة واحدة من مهرجان عالمي مثل مهرجان تورونتو. وقد عبرت المشاركة عن انفتاح صنّاع الأفلام السعوديين على العالم


أبو بكر شوقي

ويشير الكلثمي إلى مشاركة الفنان القدير محمد الطويان في الفيلم: "كان حريصا على قراءة النص كاملا، وتناقشنا كثيرا في دوافع التشويق التي تنطوي عليها أدوار شخصية ناصر وتفاعلها في سياق الأحداث مع فهد وسارة. لقد حرص محمد الطويان على أن تكون عودته إلى السينما قوية تتناسب مع مسيرته الفنية الحافلة. لهذا كان إضافة مهمة للفيلم عبر خبراته وحكمته التي أشاعت جوا من الطمأنينة في موقع التصوير".

 

في قلب الصحراء

يتحدّث أبو بكر شوقي عن التحديات التي واجهت فريق العمل خلال تصوير "هجان": "صوّرنا في مناطق موغلة في الصحراء لم يسبق التصوير فيها. فهذه أول مرة نصور فيلما عن سباق الهجن، ذلك التقليد التاريخي القديم في حياة أهل الصحراء العربية، كان رهاننا يقوم على جانبين: توثيقي وحركي آكشن، وأردنا توصيل مشاهد السباق الأربعة الرئيسة بحركية فيها إدهاش وتشويق يشدّ المشاهد. وقد اضطرتنا صعوبة تصوير سباق الجمال بطريقة سينمائية إلى استخدام ثلاث كاميرات، ولجأنا إلى توزيع مشاهد التصوير على أيام كثيرة كي لا يتعب طاقم الفيلم والجمال، وفضلا عن ذلك كان التصوير خلال فصل الشتاء بمعدل 8 ساعات في النهار. كل ذلك كان قاسيا على طاقم الفيلم لكن التجربة تستحق".

 

قصص

يتمحور "مندوب الليل" حول شخصية فهد القضعاني (محمد الدوخي)، وهو شاب ثلاثيني يفقد وظيفته الأساسية في مركز خدمة العملاء، وبعد فشل محاولات مديره وصديقه أبوسعود لإعادته، على الرغم من أدائه الضعيف وأخطائه الجسيمة، يجد نفسه متورطا في قضية جنائية، بجانب مسؤولياته تجاه والده المريض، فيستأنف العمل في وظيفة مندوب توصيل سعيا لكسب لقمة العيش، فيجوب شوارع الرياض المزدحمة وحيدا تائها لا يراه أحد ولا يدري بوجوده أحد. إنه حالة موجودة في مجتمعنا نراها لكننا قد لا ندرك وجودها".

أما "هجان" فيتمحور حول قصص بدو الصحراء، حيث الحكايات المتوارثة عن أجداد يسابقون الريح ويتسابقون بالجمال السريعة. "هجان" استعادة خيالية لما كان واقعا في تاريخ حكايات البدو التي حوّلتها الذاكرة إلى سير للحكايات الشعبية والفولكلور، فيعيد الفيلم إنتاجها بوجه هو مزيج من فولكلور عربي مركب من حكايات عالم سباق الهجن".

 

الرهان

"على قدر سعادتنا بالتقدير وردود الفعل الإيجابية للفيلم في مهرجان تورونتو السينمائي"، يقول علي الكلثمي "إلا أننا نتطلع بشوق إلى انطباع الجمهور السعودي وتفاعله مع الفيلم حين يعرض في دور السينما السعودية والعربية، فهناك سنكتشف رصيدنا الحقيقي. اجتهدت في صناعة  ذاكرة بصرية مختلفة لصورة المدينة التي ولدت وترعرعت فيها، وقد حرصت عبر التعاون مع مدير التصوير أحمد طاحون على أن تظهر الرياض بشخصيتها القوية العنيدة التي لا تكترث لأحد، لتزيد من وحدة فهد الجائل في شوارعها ليلا مستكشفا عوالمها الخفية. استخدم الطاحون عدسات كلاسيكية قديمة كي يمنح المدينة طابعا حادا دقيقا".

الحضور في الدورة الحالية من "تورونتو السينمائي"

وتعليقا على عودة السينما إلى السعودية، يقول المخرج أبو بكر شوقي: "ظهرت أصوات واعدة في السينما السعودية، وحدث تغيير سريع بدخول مجموعات من المبدعين السعوديين يحملون أفكارا سينمائية طموحة ويرغبون في تجريب سينمائي بلا حدود، لديهم  حكايات سينمائية واعدة ستثري السينما العربية بمزاج وطعم جديدين. نحن أمام جيل يرغب في تقديم الكثير وهذا في صالح الفن السينمائي".

على قدر سعادتنا بالتقدير وردود الفعل الإيجابية للفيلم في مهرجان تورونتو السينمائي، إلا أننا نتطلع بشوق إلى انطباع الجمهور السعودي وتفاعله مع الفيلم فهناك سنكتشف رصيدنا الحقيقي

علي الكلثمي

أما المخرج علي الكلثمي فيجيب عن هذا السؤال قائلا: "الجمهور السعودي يمتلك ذائقة سينمائية قوية حتى قبل عودة السينما إلى المملكة، لكن التطور الأكبر في السنوات الخمس الماضية كان على مستوى تطور الإنتاج والأسلوب السردي والقصصي وتصوير الحكايات التي تشبهنا".

في الختام توجّه أبو بكر شوقي بالشكر إلى مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي "إثراء": "أولوني في المركز ثقة كريمة، ومنحني تعاونهم جرأة تجلّت في رغبتنا المشتركة في إنجاز فيلم طموح يصل إلى العالم من زاوية سينمائية عربية مثيرة للتأمل. و'إثراء' داعم سخي لصنّاع الأفلام، سعوديين وعربا، لقد كان تعاونا مثمرا".

يؤكد علي الكلثمي أخيرا أن "مندوب الليل" سيعرض في صالات السينما السعودية والعربية في ديسمبر/كانون الأول من هذا العام، أما أبو بكر شوقي فلا يجزم بموعد محدد لعرض الفيلم، لكن الأرجح أن يكون في الشهور الأولى من 2024. 

font change

مقالات ذات صلة