أول مسلسل عربي يقدّم طرحا مختلفا لقضية "التوحّد"

يتسم المسلسل بطابع شبابي طاغٍ من الإخراج إلى التأليف والسيناريو حتى الإنتاج، وصولا الى أبطاله، باستثناء النجمة غادة عادل. علاوة على كونه أول عمل للمؤلف مهاب طارق، الذي لديه عمل ثانٍ قيد الإنجاز، "لحظة غضب"، وأول بطولة مطلقة للفنان طه دسوقي. ويعد العمل الثاني من نوعه الذي ينجح في إثارة الاهتمام بقضية اجتماعية، بعد مسلسل "تحت الوصاية" لمنى زكي في شهر رمضان الماضي، والذي وصل الى أروقة البرلمان المصري. اللافت أن العملين ينتميان إلى فئة المسلسلات القصيرة. ومن الملاحظ أن المسلسلات القصيرة، ولا سيما تلك التي تعرض على المنصات الإلكترونية، باتت تلقى رواجا وانتشارا كبيرين، حيث يكون العمل أكثر تكثيفا، وخاليا من التطويل الباعث على الملل لدى فئة واسعة من المتابعين.

تدور أحداث المسلسل حول نديم أبو سريع (طه دسوقي)، وهو شاب يعاني من طيف التوحد، فقد والدته وهو طفل، وقبلها فقد والده، ويعيش وحيدا وليس لديه سوى صديق واحد هو جميل صاحب "مكتبة الأصدقاء"، الذي احتضنه ورعاه بعد وفاة والدته، وساهم في صقل شخصيته. يتميز نديم بذكاء "غير عادي"، وهذا المصطلح محوري وشديد الأهمية في العمل، فلديه قدرات هائلة على الحفظ وتخزين المعلومات، تميّزه عن أقرانه وأبناء جيله برصيد معرفي شديد الثراء والتنوع. درس المحاماة في الجامعة، وكان الأول على دفعته، لكن الجامعة رفضت أن تعينه أستاذا أو معيدا لأنه "غير عادي". مع ذلك، هو يسعى لأن يحقق وصية والدته بأن يصبح محاميا مشهورا كي يستطيع أن يدافع عن نفسه في هذه الحياة الصعبة والقاسية. لذا يقدم طلبا لدى مكتب المحامية أماني النجار (غادة عادل)، وهو أحد أكبر مكاتب المحاماة في مصر، كي يلتحق به كمتدرب مع مجموعة محامين ومحاميات شبان، ليتنافسوا جميعا في حل القضايا المعقدة، ومحاولة الفوز بالوظيفة الوحيدة المنتظمة المتاحة.

من التعاطف الى العقلنة

تكمن أهمية المقاربة التي يطرحها العمل في عقلنة قضية ذوي التوحد، وإخراجها من حيز التعاطف الإنساني الجامد إلى التفاعل معها والاشتباك مع واقعها، حيث استطاع المشاهد من خلال نديم التعرف الى شخصية المتوحد، وكيف يفكر ويتصرف ويعيش حياته بكل تفاصيلها، وتعامله المختلف مع كل شخصية، وطريقته في الرومانسية والتعبير عن مشاعره. بمعنى آخر، تمكين المجتمع من رؤية الحياة من خلال عين المتوحد ومشاعره.

يمرر المخرج عبد العزيز النجار شخصية نديم إلى الجمهور بالتدرج، حيث يبدأ بتفاصيل يومياته البسيطة، من السماعات التي لا تفارق أذنيه ورغبته في عزل نفسه بشكل دائم، إلى حرصه على ترتيب الأشياء، والجلوس في وسط الحافلة تماما كي يشعر بالتوازن. ثم يقدم مشاهد تظهر اشتراك نديم في برنامج شبيه بـ"من سيربح المليون"، يؤدّي فيه النجم أحمد أمين، ضيف الشرف، دور الإعلامي جورج قرداحي. لكنه لا يقدّمها دفعة واحدة، إنما بشكل متفرق بين مراحل قيام نديم بتقديم الطلب وخضوعه للاختبار الشفهي، كي يظهر للجمهور قدرات هذا الشاب المتوحد ومستوى ذكائه الوقاد وثقافته الواسعة، بالتوازي مع ما يواجهه من صدمة رفض أماني النجار منحه فرصة التدرب في مكتبها.

في هذه اللحظة بالتحديد ينطق البطل بالجملة المفتاح في العمل كله "أنا كنت الأول على دفعتي، وما تعينتش في الجامعة عشان أنا شخص مش عادي"، وأعتقد أن حضرتك مش هتشغليني عشان نفس السبب". بالتوازي مع فوز نديم بالمسابقة بعد إجابته الصحيحة عن سؤال المليون جنيه، تكون المحامية الذائعة الصيت قد وافقت على التحاقه بمكتبها، بعدما صدمها بقدرته الهائلة على تحليل القضايا وتفكيك الجرائم المعقدة، حينما قدم لها، ورغما عنها، ورقة صغيرة قبل مرافعتها في إحدى القضايا، تتضمن حلا بسيطا غاب عن أذهان الجميع يمكنها من كسب القضية. ومن الحلقة الثانية تبدأ رحلة نديم في المكتب لإثبات نفسه في حل القضايا المعقدة، ويمضي في رحلته لتحقيق وصية والدته.

عمل إبداعي

يتميز "حالة خاصة" بتركيزه على التفاصيل، وبالتحضير المسبق والمعمق لشخصية البطل والبيئة المحيطة به، إذ استعان صنّاع العمل بـ"الجمعية المصرية للتوحد" لمعايشة واقعهم، والوقوف على أدق تفاصيل شخصية المتوحد. وهذا ما مكنه من تجسيد الشخصية بإتقان، والنجاح في نقل صورة طيف التوحد إلى الجمهور بأسلوب سلس، خالٍ من التصنع والتكلف، واهتم بأدق التفاصيل التي يعاني منها ذوو التوحد. والحال أن براعته أبرزت الإمكانات الفنية العالية التي يختزنها في أول عمل درامي للنجم الشاب الذي اشتهر بـ"الستاند أب كوميدي"، بما يمثل نقلة نوعية في مسيرته الفنية، إذ حصل على إشادة النقاد والجماهير على حد سواء.

إلى ذلك، فإن العمل كان محل إشادة النقاد من الناحية الإخراجية والمؤثرات البصرية، واستعانة صنّاعه بالموسيقار الشهير هاني شنودة لتقديم الموسيقى التصويرية بعد انقطاع طويل عن الأعمال الدرامية.

ولعلّ من اللمحات الإبداعية التي نالت الثناء، وانتشرت على شبكات التواصل، هي التحية التي قدمها العمل لـ"القضية الفلسطينية" بسلاسة وذكاء، عبر منح البطلة التي يقع نديم في حبها اسم "رام الله"، المدينة الفلسطينية المعروفة. كما أنه في أول مشهد لها، تظهر رام الله (هاجر السراج)، وهي تحمل حقيبة نسائية عليها خريطة فلسطين من البحر الى النهر ومكتوب عليها اسم "رام الله". ثم تدخل الى مكتبة الأصدقاء وتطلب رواية "أعراس آمنة" للروائي الأردني من جذور فلسطينية إبراهيم نصر الله، وهي رواية ضمن سلسلة "الملهاة الفلسطينية"، وتتحدث عن عذابات أهل غزة وأحزانهم.

انتقادات محدودة

في حين أثنى غالبية النقاد على العمل وصنّاعه وأبطاله، وبشكل خاص على القضية التي يثيرها، وأداء الممثل الرئيس طه دسوقي، انحصرت الانتقادات في جانبين اثنين: أخلاقيات مهنة المحاماة، والاقتباس. فاعتبر نقاد أن العمل مقتبس من المسلسل الكوري "المحامية الاستثنائية وو" "Extraordinary attorney woo"، في حين مال بعض الانتقادات إلى اعتبار الشخصية الرئيسة نديم منحولة من المسلسل التركي "الطبيب المعجزة"، المقتبس بدوره عن عمل أميركي يتحدث عن طبيب يعاني من التوحد.

بيد أن التدقيق يكشف أن المؤلف مهاب طارق اقتبس أفكارا من 3 أعمال درامية ومصّرها. بالإضافة الى العملين السابقين، فإن الاقتباس الأكبر كان من مسلسل أميركي بعنوان "كيف تنجو من جريمة قتل". وتبيّن المقارنة أن المؤلف اقتبس منه العديد من المواقف والقضايا وأساليب المرافعات، وحتى بعض المصطلحات. ولهذا وقع في أخطاء قانونية جلبت له انتقادات عدد من المحامين. وأبرزهم كانت المحامية نهاد أبو القمصان، رئيسة "المركز المصري لحقوق الإنسان"، التي نشرت تدوينات وفيديوهات على حساباتها على "إنستاغرام" و"فيسبوك"، فندت فيها الأخطاء القانونية للمسلسل.

وتختصر انتقادات أبو القمصان بأن كل المشاهد المتعلقة بممارسة مهنة المحاماة في العمل مقتبسة من أنظمة قانونية غربية لا يمكن تطبيقها في مصر، وأنه كان يجب على صنّاع العمل الاستعانة بمحامٍ لتعديل النص والمشاهد بما يتواءم مع الأنظمة المتبعة في مصر. ربما يكون ذلك صحيحا، لكن بالنظر الى التحضيرات الهائلة التي قامت بها أسرة مسلسل "حالة خاصة"، يمكن أن تكون تلك الأخطاء القانونية تركت عمدا، إما لأن تمصيرها سيضعف تماسك القصة في سياقاتها، وإما لأن المؤلف أراد من خلالها توجيه نقد ناعم للأنظمة القانونية، والأعراف القاسية المفروضة في مهنة المحاماة. في المقابل، فإن الانتقادات الجماهيرية تركزت على فكرة أن المسلسل لا يقدم معاناة ذوي التوحد بقدر ما يجملها، بينما الواقع المعيش أقسى بكثير، وكانت غالبية هذه الانتقادات من أمهات لديهن أبناء متوحّدون.