شخصيات الرعب الكلاسيكية وتجلياتها في السينما العربية

دراكولا وفرانكنشتاين وبينهما الزومبيز

Shutterstock
Shutterstock
دراكولا وفرانكنشتاين

شخصيات الرعب الكلاسيكية وتجلياتها في السينما العربية

كتب المؤلف الأيرلندي أبراهام ستوكر عام 1897، رواية الرعب القوطية "دراكولا". وحكاية الرواية تبدأ مع المحامي غوناثان هاركر الذي يقوم برحلة عمل وإقامة مؤقتة في قلعة الكونت دراكولا، أحد نبلاء ترانسيلفانيا الرومانية في القرن الخامس عشر. يهرب هاركر من القلعة بعد اكتشاف أن الكونت دراكولا مصاص دماء. وتنتهي الرواية بسفر دراكولا لمدينة ويتبي الساحلية بإنكلترا، ثم يقوم المحقق أبراهام هيليسنغ بمطاردة دراكولا وقتله.

مثّلتْ شخصية دراكولا بمفرداتها الواقعية والأسطورية، مادة ثرية للسينما، فهو يرمز إلى الشر، أمير الظلام، عضة من أنيابه تؤدي إلى الموت، أو الخلود، أو الاثنين معا: الزومبي. أولى معالجات دراكولا الدرامية، كانت في السينما التعبيرية الألمانية، العصر الذهبي للأبيض والأسود، عصر كثافة الظلال. فيلم "نوسفيراتو" 1922، للمخرج إف دبليو مورناو. الكونت دراكولا في الفيلم بأذنيّ خفاش، وأظافر تشبه المخالب، وبسنين طويلين في منتصف فمه، تشبه أسنان القوارض، وليس بنابين على جانبي فمه كما في دراكولا الحديث. من الممكن اعتبار إضافة هوليوود الإبداعية الاستعراضية، لشخصية دراكولا، بمثابة توسيع للمسافة بين السنين الأماميين الطويلين في مقدمة فم دراكولا، بانبين طويلين على جانبي فمه. إنها المسافة الجمالية بين السينما الأوروبية وتلك الأميركية.

استند مورناو في فيلمه إلى رواية برام ستوكر "دراكولا"، لكنه غيّر عنوان الرواية، وأسماء الشخصيات، لأن زوجة ستوكر اتهمته بسرقة الحقوق الفنية لزوجها، وعلى المدى الطويل زمنيا، قدّم فيلم "نوسفيراتو" خدمة لعشرات الأفلام اللاحقة عن شخصية دراكولا، وهي جعل شخصية دراكولا ملكية عامة، فأُضِيفت إليها عبر السنين، عشرات التفاصيل التي تتعلق بالرعب، وأحدث تلك الإضافات كانت للمخرج فرانسيس فورد كوبولا في فيلمه "دراكولا" 1992، هي أن الممثل غاري أولدمان في دور الكونت دراكولا، ينمو في باطن يديه شَعْر أبيض.

مثّلتْ شخصية دراكولا بمفرداتها الواقعية والأسطورية، مادة ثرية للسينما، فهو يرمز إلى الشر، عضة من أنيابه تؤدي إلى الموت أو الخلود

في منتصف أربعينات القرن الماضي استجابت السينما العربية لأفلام الرعب الهوليوودية نظرا لما حظيت به من شعبية، فألّف الممثل والمخرج المصري يوسف وهبي، وأخرج فيلم "سفير جهنم" 1945، وأدى فيه دور أمير الظلام، أو شيطان "فاوست" لغوته، مفيستوفليس، ثم أضاف بعض سمات دراكولا، مثل الحاجبين الكثين، والأظافر المخلبيّة، لكنه حذف أهم سمة من سمات دراكولا، وهي أنه مصاص دماء بشرية بالمعني المادي، لا المجازي.  

Wikipedia
يوسف وهبي في دور الشيطان في فيلم "سفير جهنم"

تدور أحداث فيلم "سفير جهنم"، حول الممثل فؤاد شفيق في دور رمضان عبد الخلاّق، المدرّس الفقير الذي ضاقتْ به، وبأسرته، ظروف المعيشة. يستغل باهر عرفان، أو الشيطان، الضعف الإنساني، ويغوي رمضان عبد الخلاّق بالمال، والعودة إلى سن الشباب. تُحطّم الأسرة، الزوج والزوجة، الابن والابنة، كل الحواجز الأخلاقية، بتشجيع باهر عرفان، وفي نهاية الفيلم يقرأ رمضان عبد الخلاّق آيات قرآنية في وجه الشيطان، فيحترق. أيضا في أفلام هوليوود تُصاب قوة الشر عند دراكولا، بالشلل المؤقت، عندما يُوضع الصليب المسيحي في وجهه.  

أرجع الناقد السينمائي الأردني عدنان مدانات في كتابه "تحولات السينما العربية المعاصرة" 1986، فيلم "سفير جهنم" إلى رؤية أشمل، تميل إلى الطابع الاقتصادي، فمعظم الأفلام المصرية التي تتعرض للطبقة الفقيرة، مثل فيلم "لو كنت غني" 1942، وفيلم "المليونير" 1950، تنتهي بنصيحة أخلاقية كبرى، وهي أن الفقير لا بد أن يبقى فقيرا، وأن السعادة مرادف الفقر، وأن الغني تعيس بماله. ربما هذه الموعظة الأخلاقية الثقيلة، هي ما أضعف تجربة فيلم "سفير جهنم".   

فرانكنشتاين  

في عام 1818 كتبت البريطانية ماري شيلي، روايتها القوطية "فرانكنشتاين"، وهي عن الدكتور فيكتور فرانكنشتاين الذي يقوم ببناء وتركيب مخلوق مرعب، أقرب للوحش، بطول 8 أقدام، وهو وحش عاطفي يحاول الانسجام مع المجتمع البشري، لكن الجميع يتجنبه، مما يدفعه للانتقام من الدكتور فرانكنشتاين. أشهر أفلام هوليوود فيلم "فرانكنشتاين" 1931، إخراج جيمس ويل، المأخوذ عن رواية ماري. بداية الفيلم مع الدكتور هنري فرانكنشتاين، ومساعده الأحدب فريتز، يسرقان الأعضاء البشرية من مقبرة، لكن الدكتور هنري يحتاج إلى دماغ بشري محفوظ في مادة الفورمالين. يبعث هنري مساعده فريتز لسرقة الدماغ البشري من كلية الطب التي كان يدرس فيها، إلا أن الصدفة تجعل فريتز يسرق دماغ مجرم سابق.  

AFP
تمثال لوحش فرانكنشتاين في جنيف

هنري فرانكنشتاين المنخرط في مجال إلهي، يتعلق بالخلق، يُعرّض الكائن المسخ المُجمَّع على طاولته، لصواعق كهربائية، وبرق سماوي، فتتحرك أصابع أشهر مخلوق في هوليوود، الممثل الإنكليزي بوريس كارلوف، برأسه المسطحة، وجبهته المربّعة. يخرج كارلوف العملاق عن سيطرة الدكتور هنري. الطفلة ماريا تدعو كارلوف إلى اللعب معها. يرميان بتلات الورد على سطح البحيرة، فتطفو. يضحكان. يعتقد كارلوف أن ماريا وردة، فيحملها، ويرميها في البحيرة، لتطفو مثل بتلات الورد على سطحها، لكن ماريا تغرق. قتل عن طريق الخطأ. أهل البلدة يحاصرون قاتل ماريا، ويحرقونه. هكذا زرع المخرج جيمس ويل في ذاكرة السينما، طيبة بوريس كارلوف العملاق، بعينيه الحزينتين، وجبهته البارزة.  

  في "سفير جهنم" أدى يوسف وهبي دور أمير الظلام، أو شيطان "فاوست" ثم أضاف بعض سمات دراكولا

في عام 1953 قام المخرج المصري عيسى كرامة بإخراج فيلم "حرام عليك".، بطولة إسماعيل ياسين وعبد الفتاح القصري وسناء جميل وإستيفان روستي ولولا صدقي. الفيلم في قالب الرعب الكوميدي. إسماعيل وعبد الفتاح، يعملان في محل للآثار والأنتيكات. هناك مومياء في مخزن المحل، يريد إستيفان روستي البروفسور في التنويم المغناطيسي، سرقتها. المومياء هي فرانكنشتاين بملامحه الشهيرة. لولا صديقي تراقب محل الآثار، وتنقل أخباره لإستيفان روستي الذي يُحضّر لعمل شيطاني، وهو زرع دماغ إسماعيل ياسين في رأس فرانكنشتاين، والذي سيجري العملية الجراحية، هو الطبيب خطيب سناء جميل، ابنة شقيق إستيفان روستي. عبر السحر والتنويم المغناطيسي، يُصيب إستيفان روستي خطيب ابنة شقيقه، بالاستذئاب، ليجعله طوع إشارته. يتعاون الطبيب وإسماعيل ياسين وعبد الفتاح القصري وسناء جميل على التخلص من مومياء فرانكنشتاين وإستيفان روستي.  

Wikipedia

القالب الكوميدي لفيلم "حرام عليك"، فوّت على المُشَاهِد التدقيقات في بناء الفيلم، فالكوميديا دائما تفلت من العقاب. وعلى العكس وقع فيلم "سفير جهنم"، بسبب تراجيديته، الجادة، الوعظية، في ضرورة سؤاله عن العناصر الشكلية في الفيلم، الأداء المسرحي، أماكن التصوير التي لا تخدم الإحساس بالخوف، خدعة تحول وجه يرسف وهبي إلى وجه الشيطان.    

بعد 28 عاما من فيلم "حرام عليك"، يقوم المخرج محمد شبل بإخراج فيلم الرعب "أنياب" 1981، بطولة علي الحجار وأحمد عدوية ومنى جبر وطلعت زين وعهدي صادق. تدور أحداث الفيلم حول شابين مخطوبين، علي ومنى، يذهبان لقضاء ليلة رأس السنة عند بعض الأصدقاء، فتتعطل بهم السيارة في طريق موحش، وسط عاصفة ماطرة، فيضطران إلى اللجوء إلى قصر مخيف، يتبين أنه قصر دراكولا الذي يؤدي دوره المغني الشعبي أحمد عدوية. هناك أيضا راوي الفيلم المخرج حسن الإمام الذي يُحدثنا كمشاهدين، بشكل مباشر، كاسرا الإيهام على الطريقة البريختية، عن مصاصي الدماء، وأسطورة دراكولا.  

لا نعرف ما إذا كان محمد شبل يقصد السخرية من مخرج الميلودراما الكبير حسن الإمام، أم أن سوء أداء حسن الإمام، ترجع إلى طموحات شبل التجريبية المتناقضة. لكن بعد التقدم قليلا في زمن فيلم "أنياب"، وبعد الاستعراضات الغنائية الطويلة، فاقدة الإيقاع، وبعد كارثة الأقنعة والأسنان والملابس والماكياج، نُدرك، أو نُرجّح، أن سوء أداء حسن الإمام، لم يكن مقصودا من المخرج محمد شبل.  

مصاصو الدماء

لو جاز لأحد أفلام الزومبي، أن يحمل مضمونا أعمق من ظاهره الجذّاب، لكان فيلم المخرج جيم جارموش Only Lovers Left Alive، أو "فقط الأحباء بقوا أحياء". يبدأ الفيلم بموسيقي الروك المنعزل الممثل توم هيدلستون في دور آدم الذي يُظهر ذكرى خلاف بينه وبين شقيقة البطلة، حدث منذ 87 عاما، إذن فالزومبي لا ينسى، وليس لأن الذكرى مؤلمة، ولكن لأنه يحيا في زمن دائم، وبذاكرة سيكون من الصفاقة أن يلعب جارموش على مكونها الأساسي والمعقد، وهو النسيان، في حين أن 87 عاما مرَّتْ على أجسام أبطال الفيلم دون أثر للزمن. 

أدّى المغني الشعبي أحمد عدوية دور دراكولا في فيلم "أنياب" إلى جانب المطرب علي الحجار

ينال آدم دون مجهود، أعلى نقطة في الزمن، الكأس المقدسة، وهي الخلود، ولهذا فإن الزومبي يُحْرَم من المعارك الحقيقية التي خاضها بروست، أو جويس، الأول بألم ما قد مرَّ ولا يُمكن استعادته، في رواية "البحث عن الزمن الضائع"، والثاني بهوس أطول يوم في تاريخ الأدب، 16 يونيو/ حزيران 1904، في رواية "عوليس"  

معالجة دراكولا جارموش، تبقى أفضل من معالجة دراكولا كوبولا، ففي فيلم "فقط الأحباء بقوا أحياء"، يبحث أبطاله من مصاصي الدماء عن الدم النقي. مُفارَقَة، فالزومبيز طهرانيون، غيتو من مصاصي الدماء، يتعالى على امتصاص الدماء الملوَّثة، وعاجلا أم آجلا سيصطدم آدم بندرة الدماء النقية، ومع أنه خالد في الزمن، إلا أن الدماء سرّ خلوده.

font change

مقالات ذات صلة