"الثلاثاء الكبير"... لم يكن مفاجئا

ضعف الإقبال الشعبي والحزبي للمشاركة في الانتخابات التمهيدية

أ. ف. ب
أ. ف. ب
الرئيس السابق يتحدث أثناء اقتراع "الثلاثاء الكبير" من مقره في مارالاغو في فلوريدا في 5 مارس

"الثلاثاء الكبير"... لم يكن مفاجئا

واشنطن- مضى يوم "الثلاثاء الكبير" دون مفاجآت، إذ عزز المرشحان الرئاسيان، دونالد ترمب وجو بايدن، تفوقهما على باقي المرشحين، لنيل ترشيح حزبيهما، الجمهوري والديمقراطي، لخوض السباق الرئاسي النهائي في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

شملت منافسات "الثلاثاء الكبير" أيضا حسم ترشيحات حزبية لخوض انتخابات لمجلسي النواب والشيوخ وحكومات بعض الولايات ومجالسها البرلمانية. شاركت في هذا السباق الانتخابي الكبير، الذي تضمن انتخابات تمهيدية ومؤتمرات حزبية انتخابية، 16 ولاية، فضلا عن منطقة ساموا الأميركية.

يبدو حصول بايدن على ترشيح الحزب الديمقراطي مؤكدا، إذ يحتاج إلى أن يحصل على 1968 مندوبا من مجموع 3900 مندوب، فيما لديه الآن 1497 مندوبا وأمامه ولايات كثيرة ستصوت له في الأسابيع المقبلة.

أما ترمب، فبعد إعلان منافسته، نيكي هيلي، تعليق حملتها الانتخابية، أصبح فوزه بترشيح الحزب الجمهوري مؤكدا هو الآخر، ووصوله إلى عدد المندوبين المطلوبين لنيل الترشيح مجرد مسألة وقت (1215 من مجموع 2429 مندوبا). ظَهَر حس الثقة بنيل ترشيح الحزب في خطاب ترمب بعد إعلان النتائج الأولية، إذ كان محتواه بالكامل موجها ضد بايدن وسياساته في ما يبدو تمرينا خطابيا ساخنا استعدادا للمواجهة الانتخابية الثانية بين الرجلين.

بعيدا عن لغة الأرقام ودلالاتها، ثمة وقائع، تخلو أيضا من المفاجأة، أكدها يوم التنافس الانتخابي هذا. أهمها ضعف الإقبال الشعبي والحزبي، لكلا الحزبين، للمشاركة في الانتخابات التمهيدية والمؤتمرات الحزبية. يعكس هذا عدم قناعة أغلبية الجمهور (نحو 60 في المئة من الأميركيين حسب استطلاع للرأي) لرؤية بايدن وترمب يتنافسان من جديد على قيادة البيت الأبيض.

إذا تواصل ضعف الحماسة هذا على مدى الأشهر المقبلة وتحول إلى عزوف عن التصويت في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، فسيكون بايدن هو المتضرر الأكبر. حيث إن لدى ترمب جمهورا ثابتا نسبيا ومؤمنا به بقوة وسيخرج للتصويت، فضلا عن أن الجمهوريين عموما، على أساس السجل التاريخي، يميلون إلى أن يكونوا أكثر انضباطا والتزاما بالمشاركة في الانتخابات وبالتصويت لمرشح الحزب، مقارنة بنظرائهم الديمقراطيين.

81 في المئة من الذين صوتوا لهيلي قالوا إنهم لن يصوتوا لترمب في نوفمبر

كان هذا أحد الأسباب الرئيسة لخسارة هيلاري كلينتون أمام ترمب في 2016، وهي النتيجة التي تحاشى الحزب الديمقراطي تكرارها في انتخابات 2020 عبر تنظيمه حملة قوية للحث والتثقيف الواسعين بخصوص أهمية المشاركة في الانتخابات حينها واستخدام التصويت البريدي (فاز ترمب بالتصويت الحضوري في تلك الانتخابات لكن التصويت البريدي الذي كانت أغلبيته الساحقة ديمقراطية ومؤيدة لبايدن قلبت النتيجة لصالح الأخير، ومن هنا اتهامات ترمب بتزوير الانتخابات).

أ. ف. ب
مؤيدو ترمب يصغون إلى خطابه في أعقاب صدور نتائج "الثلاثاء الكبير" في كولورادو في 5 مارس

من جانبه، يواجه ترمب نقطة ضعف ظهرت في تصويت "الثلاثاء الكبير"، خصوصا في ولاية نورث كارولينا وهي قول 81 في المئة من الذين صوتوا لهيلي، في استطلاع نهاية اليوم الانتخابي، إنهم لن يصوتوا لترمب في نوفمبر. يعكس هذا انطباعا عاما عبر البلد خلاصته أن كثيرا من الجمهوريين المعتدلين، الذين يمثلون جمهور هيلي التقليدي، إما سيرفضون المشاركة في الانتخابات الرئاسية وإما سيصوتون لبايدن، ما يمثل خروجا عن الانضباط الانتخابي الجمهوري المعتاد. لكن هذا أيضا يقول الكثير عن الطبيعة الخلافية لشخصية ترمب السياسية حتى في بعض الأوساط الجمهورية. ستختبر انتخابات نوفمبر الأثرَ المحتمل لهذا العامل على حظوظ ترمب الرئاسية. 
يعاني بايدن أيضا من ضعف الانضباط الانتخابي في أوساط الحزب الديمقراطي، هذا الضعف الذي أكده "الثلاثاء الكبير"، فحملة "استمع لميتشيغان" للتصويت بـ"غير ملتزم" التي بدأها بنجاح العرب والمسلمون في ولاية ميتشيغان احتجاجا على دعم بايدن لحرب إسرائيل في غزة، امتدت إلى ولايات أخرى، على الأخص مينيسوتا المجاورة، التي يشكل المسلمون 2 في المئة من سكانها البالغ عددهم نحو 6 ملايين نسمة. على أساس فرز 89 في المئة، حتى الآن، من الأصوات الديمقراطية المشاركة في انتخابات الولاية، اختار 45 ألف شخص التصويتَ بـ"غير ملتزم" أي ما نسبته 14.6 في المئة من جميع المصوتين في الولاية (قادت الحملة النائبة في مجلس النواب إلهان عمر ذات الأصول الصومالية). وجدت حملة التصويت بـ"غير ملتزم" طريقَها إلى ولاية نورث كارولينا، إذ بلغت النسبة المئوية من التصويت لصالحها نحو 10.5 في المئة (بحدود 40 ألف صوت بعد فرز أقل بقليل من 90 في المئة من الأصوات). 

يحتاج بايدن إلى أن يقوم بشيء ملموس وسريع نسبيا يؤدي إلى وقف إطلاق نار دائم في غزة

على الأكثر لن تؤثر حملة "غير ملتزم" في ولاية منيسوتا على حظوظ بايدن الرئاسية لأن هذه الولاية ليست تنافسية وتصوت عادة لصالح الحزب الديمقراطي، لكن ستظهر المشكلة بالنسبة للديمقراطيين في ولاية نورث كارولينا التي يُتوقع أن تكون متأرجحة في نوفمبر المقبل كما كانت متأرجحة في انتخابات 2020، إذ فاز فيها ترمب على بايدن بفارق 74 ألف صوت من مجموع أقل من خمسة ملايين ونصف المليون مُصوِّت. تزداد متاعب بايدن في هذا الصدد لأن التوقعات الحالية عالية بأن انتخابات نوفمبر ستحسمها الولايات المتأرجحة. المشكلة الأخرى التي يواجهها بايدن بخصوص حملة "غير ملتزم" هي الاحتمال الجدي أن تشجع أنواعا أخرى من التصويت العقابي ضده في نوفمبر (على الأكثر التصويت لمرشحين آخرين) أو العزوف الانتخابي الذي لا يقل ضررا عن التصويت العقابي، خصوصا أن هناك أوساطا ديمقراطية ليست من أصول عربية أو إسلامية ساخطة على دعم إدارة بايدن لإسرائيل لأسباب أيديولوجية وأخلاقية كما في شباب الحزب الديمقراطي وطلاب الجامعات فيه.
لدرء هذه المخاطر الانتخابية، يحتاج بايدن إلى أن يقوم بشيء ملموس وسريع نسبيا يؤدي إلى وقف إطلاق نار دائم في غزة، أي غياب مشاهد القصف الإسرائيلي والضحايا المدنيين الفلسطينيين من شاشات التلفزيون الأميركية قبل اقتراع نوفمبر بأشهر. 

font change

مقالات ذات صلة