سودانيون لجأوا الى ليبيا... شهادات عن الرعب والحرب

أصبحوا محل اهتمام متزايد من دول الجوار والاتحاد الأوروبي

إدواردو رامون
إدواردو رامون

سودانيون لجأوا الى ليبيا... شهادات عن الرعب والحرب

طرابلس- ليبيا: تتضارب الأرقام حول أعداد السودانيين الذين دخلوا ليبيا هربا من الحرب الأهلية المحتدمة في بلادهم منذ أبريل/نيسان 2023. العدد قد يصل إلى ربع مليون سوداني وسودانية يتوزعون اليوم بين عدة مدن ليبية، أهمها مدينة الكفرة الحدودية التي تمثل بوابة للسودانيين القادمين عبر ممر المثلث في رحلات "تهريب" مرعبة يُحاصر فيها الحالمون بالفرار من جحيم الحرب الجوع والعطش وبطش المهربين وعصابات الإتجار بالبشر وأهوال المسالك الصحراوية الوعرة والخطف والاغتصاب، وقد ينتهي الأمر ببعضهم في ميليشيات مسلحة.

تنتظم يوميا، عبر عدة مسالك أو ممرات، رحلات تهريب تقود آلاف السودانيين نحو ليبيا. وعلى الرغم من مخاطر هذه الرحلات وتكلفتها المرتفعة، فإنها لا تكاد تتوقف مستمرة في نسق تصاعدي منذ أشهر بسبب الأحداث الدامية في السودان. ويمكن للسودانيين الراغبين في العبور إلى ليبيا، "الحجز" عبر التواصل مع "مهربين" عبر صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي، ثم تنطلق الرحلة، ولا أحد يعلم أين وكيف ستنتهي، لكنها تبقى مع ذلك "أرحم من البقاء تحت القصف" حسب شهادات سودانيين عاشوا هذه التجربة ورووا لـ"المجلة" بعض تفاصيلها.

رحلة الرعب

ينتظر وليد الشيخ وصول أفراد أسرته المكونة من 4 أفراد إلى منطقة بنغازي الواقعة شرقي ليبيا. دخلت العائلة منذ أيام قليلة إلى مدينة "الكفرة" في جنوب البلاد بعد رحلة شاقة دامت 6 أيام بتكلفة تناهز 2000 دينار ليبي (415 دولارا). يقول وليد البالغ من العمر 34 سنة والعامل كفني نقالات، لـ"المجلة" إن "عائلته وصلت الكفرة لكن الانطلاق منها إلى بنغازي قد يتم في غضون أيام ستكون عصيبة عليهم وعلي".

يترقب وليد وصول العائلة وهو يدرك أن المخاطر لا تزال جاثمة على الرغم من بلوغهم مدينة الكفرة. يقول لـ"المجلة" إن الرحلة من الكفرة إلى بنغازي ستستغرق 3 أيام في أحسن الأحوال. يتحدث وليد عن تجربة، فقد عاش منذ 4 أشهر نفس أطوار الرحلة التي يقول إنها تتشابه ولا تتشابه، فلا أحد من السودانيين الذين قرروا الفرار في شاحنات تهريب يعرف ماذا سيحصل خلال الرحلة، ولا كيف ستنتهي.

ينحدر وليد من منطقة شمال كردفان السودانية التي يصفها بأنها إحدى أكثر المناطق تضررا من الحرب: دمرت فيها المنازل والبنية التحتية وانقطعت شبكة الاتصالات وكل مرافق الحياة. يسرد وليد تفاصيل يوم مغادرته شمال كردفان: "خرجت والطيران دق على المدينة، وكان المتمردون في الشوارع، وهذا يعني أن مجرد الاعتراض قد يساوي النهاية... يعامل المتمردون كل من يعترضهم معاملة سيئة... قد تكون هدفا للسرقة والضرب وقد تقتل لكنني قررت الفرار مع ذلك رغم المخاطرة... غادرت وقد كنت بصحبة 5 رجال و7 نساء وكانت بداية الرحلة في سيارة صغيرة".

وتابع: "من كردفان وصلنا إلى منطقة المزروب (السودان) التي تعد نقطة الالتقاء الأولى في رحلة المرور إلى ليبيا ومنها إلى معبر المثلث. هناك تجد شاحنات تهريب البنزين، ولك أن تختار بين المهربين السودانيين أو الليبيين، والأفضل أن تتعامل مع مهربين ليبيين، ففي تلك المنطقة تحاصرك الشكوك عند التعامل مع بعض السودانيين فقد لا يكون المرور مضمونا وقد تباع إلى ميليشيات مسلحة وتعود إلى النقطة الصفر".

تدوم الرحلة من منطقة المزروب إلى منطقة المثلث الحدودية 3 أيام. وفي المثلث تبدأ رحلة الرعب الحقيقية حسب شهادات سودانيين تحدثوا إلى "المجلة". فعلى غرار وليد، عاش مروان وأبو علي وعبد الحفيظ الموت ألف مرة قبل بلوغ منطقة الكفرة. وهناك يكون الوضع أفضل في مستودعات المزارع التي تتحول إلى جنة مقارنة بأهوال الرحلة.

أ ف ب
اعتصام للاجئين سودانيين أمام مقر المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين في طرابلس في 15 يوليو 2023

من معبر المثلث، يكون الانطلاق نحو الكفرة في شاحنة يتكدس فيها العشرات من البشر. كان وليد أفضل حالا من البقية. فقد كان رفقة 35 شخصا فقط فيما يبلغ المعدل في شاحنة تهريب بين 60 و75 شخصا. يقول وليد: "تم إيقاظنا عند الساعة الرابعة فجرا، وقبل الصعود إلى الشاحنة كان الوضع أشبه بسوق الرق... هو سوق رق... كنا نسمع المفاوضات... كم شخصا مقابل البنزين... نباع مقابل الحصول على البنزين المهرب... باديك (أعطيك) بنزين تديني كم نفر؟".

عدد كبير من السودانيين يقيمون في "العراء" في غابة قريبة من مقر المفوضية السامية للاجئين في ليبيا

ويواصل: "ثم يتم تكديسنا البعض وراء البعض في الشاحنة... كنا بالكاد نتنفس وهناك من اختنق خلال رحلة طويلة تعجز فيها عن إدراك سرعة الشاحنة. السرعة جنونية وخلالها يحصل كل شيء... يحصل موت. يحصل انقلاب شاحنة في الصحراء... تيه... قتل... اغتصاب... كل شيء... كل شيء. أصعب شيء علينا هم المهربون. يلعبون بالمواطنين... ما يخافوا الله نهائي.. تدفع بعد يسرقوك وإلا يدفعوك أضعاف المبلغ المتفق عليه وإلا يبيعوك... عادي".
هذا ما حصل مع عبد الحفيظ السوداني الذي كلفته رحلة المرور من المثلث إلى مدينة الكفرة أضعاف المبلغ المتفق عليه. يقول لـ"المجلة": "كنا مجموعة من الشباب... صار التنسيق بشكل جيد وانطلقنا بهدوء وكان هناك تفهم لوضعيتنا... الوضع كان أصعب على النساء والأطفال... شيء لا يطاق... بالنسبة لي وجدت نفسي أدفع كلما توقفت الشاحنة... 200 دينار ليبي ومرات 40 و60 و20 دينارا... لا أتذكر الكثير عن الرحلة ما علق بذهني كنت بالكاد قادرا على الوقوف عند الوصول وعاجزا تماما عن التحرك".
ومن الكفرة، يتطلب الوصول إلى بنغازي بين 3 و4 أيام بالنسبة لوليد ومروان وعبد الحفيظ وبين 6 و7 أيام للوصول إلى طرابلس بالنسبة لأبي علي، وهو سوداني من الخرطوم وصل إلى ليبيا منذ 7 أشهر. ينشط في المجتمع المدني، ويقود مبادرات إنسانية ويوجه النصح للسودانيين المتوجهين إلى مختلف المدن الليبية بحكم معرفته السابقة بالبلاد.
استقر وليد في بنغازي منذ 4 أشهر. وهي مدة مكنته من ترتيب مستلزمات التحاق زوجته وابنيه وصهره به، على غرار توفير المسكن بمعلوم كراء شهري بـ1200 دينار ليبي (250 دولارا) بعد أن تمكن من تحصيل عمل يدر عليه بين 150 دينارا (30 دولارا) و200 دينار ليبي (40 دولارا) يوميا.
وضعية وليد في ليبيا اليوم تعتبر مريحة مقارنة بوضعيات آلاف اللاجئين الآخرين الذين يقبع جلهم في مستودعات بمزارع ومخازن وفي مبان مهجورة وفي خيام وفي منازل مكتظة وغير مهيأة للسكن، تفتقد الكهرباء والماء الصالح للشرب، هذا طبعا لمن كان حظهم أفضل.
في طرابلس العاصمة، تعج الأحياء المتاخمة لمقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بمئات السودانيين المرابطين هناك منذ فترات طويلة في انتظار تسجيلهم كلاجئين. يصف أبو علي، وضعيات اللاجئين السودانيين في طرابلس بـ"الكارثية".
يقود أبو علي مع مجموعة من الناشطين مبادرة لإطعام 1200 أسرة سودانية بلا ماوى خلال الأيام العشرة الأولى من شهر رمضان. المبادرة ممولة من "الخيّرين" مثلما يسميهم أبو علي في حديثه لـ"المجلة" وجلهم من "السودانيين المستقرين منذ عقود في طرابلس". 
وكشف المتحدث الذي يقدم نفسه كمتطوع لمساعدة اللاجئين السودانيين وإرشادهم، أن عددا كبيرا منهم في "العراء" في غابة بـ"السراج" الحي القريب من مقر المفوضية. يعتبر أبو علي أن الوضع في ليبيا يبقى مهما كان الحال أفضل من البقاء في السودان، وأن لا أفق أمام الفارين من الحرب والوافدين إلى ليبيا غير الوصول إلى أوروبا.
لتحقيق حلم العبور إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط هناك طريقتان: الأولى الهجرة غير النظامية عبر "قوارب الموت" في رحلات بحرية محفوفة بالمخاطر وتناهز تكلفتها بين 7000 (1450 دولارا) و10 آلاف دينار ليبي (2080 دولارا). والثانية عبر المفوضية السامية للاجئين من خلال التوطين في "بلد ثالث" وهي عملية معقدة، وتبدو شبه مستحيلة حسب شهادات سودانيين.

لا يوجد عدد رسمي للاجئين السودانيين في ليبيا

هذا الحلم هو بمثابة الكابوس بالنسبة للقادة الأوروبيين الذين يشددون الضغط على دول العبور وأساسا تونس وليبيا لمنع التدفق إلى سواحلها. وفي شهر فبراير/شباط 2024 حذرت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني من أزمة جديدة للاجئين غير النظاميين بسبب الأعداد الكبيرة للاجئين السودانيين الفارين من الحرب الدائرة في بلادهم والذين يصلون إلى أوروبا عبر البحر المتوسط مؤكدة أن اللاجئين السودانيين لا يتوقفون طويلا في مصر وأنهم يتوجهون إلى ليبيا ومنها إلى إيطاليا.
ووصل إلى مصر، منذ بداية الحرب الأهلية في السودان، ما يقرب من نصف مليون لاجئ سوداني (450 ألفا) من مجموع 1.5 مليون سوداني فروا من الحرب ويتوزعون بأعداد متفاوتة على دول الجوار (تشاد ومصر وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا وليبيا). المتحدث باسم مفوضية اللاجئين في إيطاليا فيليبو أونغارو حذر من أن اللاجئين السودانيين أصبحوا يشكلون ضغوطا كبيرة على الجيران (جيران السودان) متوقعا أن تتحول هذه الضغوط إلى بلاده (إيطاليا).

تضارب في الأرقام

تقدر المنظمة الدولية للهجرة عدد اللاجئين السودانيين في ليبيا بنحو 125 ألفا و363 مهاجرا، منهم 6000 وصلوا إلى ليبيا منذ بداية الحرب وفق ما نقل موقع "بوابة الوسط" المحلي، فيما تشير أرقام أخرى إلى تسجيل دخول 31 ألف مهاجر سوداني حتى نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي. والرقم يتراوح بين 400 ألف ومليون لاجئ سوداني حسب منظمات سودانية وليبية.
لا يوجد عدد رسمي للاجئين السودانيين في ليبيا، حسب ما أكد عبد الله سليمان المتحدث باسم المجلس البلدي بالكفرة الذي أوضح لـ"المجلة": "قانونا السودانيون الذين وصلوا إلى الكفرة تسللوا إليها وإن كان استعمال هذه العبارة غير مريح بالنسبة لي، نظرا لوضعيات إخوتنا في السودان وتجاربهم المريرة مع الحرب. لكن قانونا هي عمليات تسلل لأشخاص بلا وثائق هوية ولا تأشيرة وبلا جواز سفر. فكانت المبادرة من المجلس البلدي بتقديم بطاقات لاجئ لكل من يدخل الكفرة حتى يتم حصر أعدادهم وتنظيم تقديم المساعدات إليهم".
أحصت مصالح البلدية، بحسب سليمان، 15.600 لاجئ سوداني دخلوا الكفرة في الآونة الأخيرة. ولاحظ أن العدد الإجمالي للاجئين السودانيين بلغ حتى آخر الشهر الماضي مليون لاجئ حسب ناشطين في منظمات مهتمة بمتابعة وضعيات اللاجئين في ليبيا من السودانيين وهو في المعدل ربع مليون لاجئ بحسب شهادات سودانيين تحدثت معهم "المجلة".
يصل السودانيون القادمون إلى ليبيا عبر5 مسارات، فصّلها محمد علي الفضيل رئيس مركز إيواء المهاجرين في ليبيا كالآتي :
الخط الأول من السودان عبر الحدود المصرية ومنها إلى ليبيا عبر جبل عبد المالك شرقا إلى منطقة السرير مرورا بمنطقة الواحات وصولا إلى منطقة إجدابيا والبريقة ومن ثمة إلى الشمال.
الخط الثاني من السودان إلى المرماك ثم إلى منطقة سليمة جنوب العوينات بجمهورية مصر ثم إلى جبل عبد المالك ومنه إلى بوزريق فمنطقة تازيرو التي تبعد حوالي 280 كيلومترا عن الكفرة ومن ثمة إلى إجدابيا والبريقة.
الخط الثالث من السودان إلى المرماك إلى منطقة سليمة جنوب العوينات بحوالي 70 كيلومترا ومنها إلى جبل الشريف وصولا إلى منطقة ريبانة التي تبعد عن الكفرة 135 كيلومترا.
الخط الرابع من السودان إلى المرماك رجوعا إلى السودان بالقرب من قلع التوم بحوالي 100 كيلومترا مرورا عبر الأراضي التشادية ثم عبر منفذ السارة البري وصولا إلى منطقة ريبانة ثم إلى منطقة السرير ثم إجدابيا.
الخط الخامس: من دارفور بالسودان مرورا بالقلع الغربي بالسودان ثم عبور ليبيا بالقرب من منفذ السارة إلى خط الأربعمائة ومن ثمة إلى جبل كلمنجة ومنطقة واو الناموس إلى سبها ثم إلى طرابلس.
وصل مروان إلى بنغازي عبر الخط الرابع، بعد رحلة استغرقت 3 أشهر قضاها في أحد المزارع. يسرد مروان، البالغ من العمر 27 سنة تفاصيل الرحلة لـ"المجلة" قائلا: "قبل الحرب كنت مدرس لغة إنكليزية في الخرطوم وطالب مرحلة ثانية بكالوريوس اقتصاد وعلوم سياسية. سافرت أولا إلى الجزيرة ومنها في مرحلة ثانية إلى عطبرة وبعد وصولي بأيام قليلة إلى عطبرة قررت التوجه إلى ليبيا".
يتم تنسيق الرحلات إلى ليبيا بالنسبة للسودانيين الذين نجحوا في الوصول إلى مكان آمن، عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو بالتنسيق مع أصدقاء أو عائلات موجودة في ليبيا. نسّق مروان مع 8 سودانيين رافقوه في شاحنة كبيرة عبر معبر المثلث ثم إلى مدينة الكفرة التي يقول إنه وصل إليها بعد معاناة طويلة جدا "بقينا في الصحراء لمدة 3 أشهر في درجات حرارة مرتفعة جدا".
ويضيف مروان: "كان الطريق وعرا وخطيرا حتى الوصول إلى منطقة تبعد بضعة كيلومترات عن الكفرة، بقينا فيها 3 شهور في مزرعة وكنا نقوم برعي الغنم دون الحصول على أي مقابل. يروي مروان لـ"المجلة" أنه كان يتناول وجبة كل 3 أيام وأن صاحب المزرعة كان يزورهم بمعدل مرة في الأسبوع وأنه وبقية مرافقيه تمكنوا من الوصول إلى مدينة بنغازي بعد "مساومة" رفض تقديم تفاصيل أكثر بخصوصها.

المهاجرون السودانيون الموجودون في مزارع بالكفرة معرضون لمخاطر الموت بلدغة العقرب

ما حدث لمروان ورفاقه يندرج ضمن التجارب المريرة أو المآسي التي يتعرض لها آلاف المهاجرين غير النظاميين في ليبيا. وتُنشر بين الفينة والأخرى تفاصيل صادمة عن ظروف الإقامة في مزارع أو مستودعات ومخازن تسمى "مراكز إيداع" يُجمّع فيها المهاجرون في أماكن مكتظة وغير نظيفة وبلا ماء ولا حمامات. تُتهم عصابات الإتجار بالبشر بالوقوف وراء هذه الجرائم التي كانت محل استنكار واسع من منظمات حقوقية دولية وأيضا من الجهات الليبية الرسمية، يتبعها في العادة تحرك سواء من الحكومة المعترف بها دوليا (حكومة عبد الحميد الدبيبة) أو من حكومة الشرق (حكومة أسامة حماد المنبثقة عن البرلمان).
يوضع بعض المهاجرين أمام خيار الالتحاق بميليشيات مسلحة. مروان تحدث بتحفظ عن هذه التجربة، وأكد وجود محاولات استقطاب و"ابتزاز"، وأنه فر من السودان لهذا السبب، ويفسر قائلا: "أدركت أن لحظة المغادرة حانت عندما طُلب مني الالتحاق بالعمليات العسكرية... ليس هناك فرص عمل كثيرة في بنغازي وأنا في وضع جيد نسبيا أقوم بالمساعدة في الشحن (حمّال) مقابل 10 و20 دينارا ليبيا يوميا واستأجرت سريرا في شقة مع 9 آخرين مقابل 150 دينارا ليبيا شهريا... ما يؤرقني اليوم هو غياب أي معلومة عن عائلتي بعد انقطاع كامل في الاتصالات بمنطقة عطبرة".

مخاوف 

وضعية المهاجرين السودانيين في ليبيا تُنذر بكارثة إنسانية في ظل غياب خطة متكاملة لمعالجة هذه الأزمة، بحسب عبد الله سليمان المتحدث باسم المجلس البلدي بالكفرة، الذي يشكو لـ"المجلة" من غياب المنظمات عن تقديم المساعدات رغم الحاجة الأكيدة التي لخصها في نفاد سريع للمساعدات التي قدمتها القيادة العامة للجيش الليبي (بقيادة المشير خليفة حفتر) والتي وصلت إلى الكفرة على متن 50 شاحنة. 
وأكد المتحدث وجود مخاوف صحية حقيقية فسرها بالقول: "لدينا هواجس كبيرة جدا في المجال الصحي، اللاجئون يعيشون في ظروف سيئة جدا بمستودعات في المزارع ويستعملون حمامات جماعية... هم عرضة لانتقال عدوى أمراض جلدية بسهولة تتفشى بينهم ثم تتحول إلى السكان المحليين... هم ليسوا في المدينة وليسوا في منازل وليس هناك أي كشف صحي وهذا مخيف".
تبرز المخاوف من انتشار الأوبئة ومنها الكوليرا وأمراض أخرى علاوة على مخاطر "عقارب الصحراء القاتلة". وأكد المتحدث باسم المجلس البلدي بالكفرة أنه تتكاثر بالمنطقة بحكم بيئتها الصحراوية العقارب القاتلة خصوصا خلال فصل الصيف وهو على الأبواب، مذكرا أن مدينة الكفرة تسجل كل سنة وفاة كثير من الأطفال جراء لدغات العقارب.

رويترز
لاجئون سودانيون في بلدة أدري التشادية في 16 يونيو

وقال إن المهاجرين السودانيين الموجودين في مستودعات بمزارع في الكفرة معرّضون لمخاطر الموت بلدغة عقرب، ملاحظا أن المجلس البلدي محتاج لمضاعفة كميات الأمصال المضادة لسم العقارب خصوصا مع وجود ما يقارب 2000 طفل بين اللاجئين السودانيين بالكفرة.
وتابع: "يفترض أن توفد الوزارات سواء كانت تابعة لحكومة الشرق أو لحكومة الغرب لجنة لتحري الأوضاع الصحية بالمنطقة.... لدينا بالفعل هواجس من انتقال وباء الكوليرا والفرع الوطني لمكافحة الأمراض السالبة راسل المركز الوطني في طرابلس ونحن في انتظار تحرك على أرض الواقع... ليس هناك أي مساعدة لا من الوزارات ولا من المنظمات".
في المقابل، تحدث عضو بالبرلمان الليبي عن مدينة الكفرة جبريل أوحيدة لـ"المجلة" عن مخاوف أخرى ومخاطر قال إنها تتربص بالمدينة، ضمن ما سماه "أجندات دولية" لجعل ليبيا دولة توطين للمهاجرين. ويقول في هذا الصدد "من الصعب على سوداني خسر كل إمكاناته أن يتحمل الكلفة المرتفعة للوصول إلى ليبيا إلا إذا كانت هناك جهات معينة من دول خارجية تمول هذه الهجرة لسبب أو لآخر وهذا ما نشك فيه لأن كلفة الوصول بصراحة غالية جدا".

أصبحت أزمة المهاجرين السودانيين في ليبيا محل اهتمام متزايد من دول الجوار ومن الاتحاد الأوروبي

وتابع: "بالنسبة للهجرة غير الشرعية هناك مافيات في أوروبا وأفريقيا، وربما تستغل هذا الحدث لترويج تجارتها بالبشر.. وتدفّق السودانيين على ليبيا موجود لغرض التجارة... وأنا شخصيا ما زلت على موقفي من أن النزوح من السودان أمر صعب جدا، إلا إذا كان هناك أمر مبرمج من جهات معينة تدعم أو تدفع لهؤلاء للنزوح إلى ليبيا... لا وجود لأي مبرر للنزوح من السودان بسبب الحرب لأن منافذ الحرب بعيدة جدا وربما هناك بلدان أخرى أقرب لهم، مثل: تشاد وجنوب السودان ومصر... أعتقد أن الكلفة لا تقل عن نحو 2000 دينار ليبي للشخص الواحد وهذا المبلغ صعب جدا على نازح سوداني لأنه لو كان له هذا المبلغ لبقي في السودان ولكفاه إلى ما لا نهاية له".
وأضاف: "مافيات التهريب في أوروبا وفي إيطاليا وغيرهما تدفع 10 آلاف دولار عن المهاجر الواحد حتى يصل عبر البحر... فهذا النازح الذي يأتي من الصومال أو من إريتريا أو من أية دولة أفريقية هل يملك 10 آلاف دولار؟ هناك جهات بالتأكيد تمول... إذن نحن نواجه أجندات خفية وأنا لا أبرّئ حتى منظمات الأمم المتحدة التي قد تكون لها يد لأننا نعلم منذ البداية أنه لا مبرر للنزوح، وإذا كان هناك نزوح فما عليها إلا إقامة معسكرات على الحدود بين السودان وليبيا بالقرب من المثلث الذي يقع في الأراضي السودانية وفي الحدود بين ليبيا ومصر والسودان التي أصبحت فيها التجارة رائجة وتحولت إلى شبه مدينة في الصحراء".

رويترز
سوق للفاكهة في مدينة أمدرمان في 18 مارس

وختم: "هناك أجندات سياسية بعيدة المدى... عانينا سابقا في منطقة الكفرة من محاولة تقسيم الجنوب، والميليشيات حاولت أكثر من مرة احتلال منطقة الكفرة، وهناك حتى تصريحات من أطراف معروفة مفادها أنهم يريدون فصل الجنوب، وهناك أيضا أجندات معروفة ويُصرح بها علنا من دول بعينها، خاصة في أوروبا وأميركا، لتوطين المهاجرين في ليبيا".
وخلال الأسابيع الأخيرة، أصبحت أزمة المهاجرين السودانيين في ليبيا محل اهتمام متزايد من دول الجوار ومن دول الاتحاد الأوروبي. ففي تونس التي لا تجمعها حدود بالسودان، تضاعف عددهم 10 مرات من 519 شخصا في يناير/كانون الثاني 2023 إلى 5850 شخصا في يناير 2024. وهذا الواقع الجديد فرض تشديد التنسيق مع ليبيا والجزائر بضغط أوروبي تقوده إيطاليا التي تعول على دور أكبر لدول العبور في إدارة ملف الهجرة غير النظامية وهي سياسات تُنتقد بشدة من منظمات تستنكر فرض الجانب الأوروبي على دول الجنوب لعب دور شرطي الحدود.

font change

مقالات ذات صلة