سوريا... كيف عكست مسمّيات أندية الكرة التحولات الاجتماعية والسياسية

رحلة قرن منذ العثمانيين مرورا بالانتداب وما بعده

Al Majalla/Alamy
Al Majalla/Alamy

سوريا... كيف عكست مسمّيات أندية الكرة التحولات الاجتماعية والسياسية

نشأت كرة القدم في سوريا عبر أبنائها العائدين من رحلاتهم الدراسية في الخارج، أو المنتدبين الذين سكنوا البلاد وأتوا بألعابهم اليومية إلى الحقل الاجتماعي. كان لعودة طالبين درسا في لبنان في الجامعة الأميركية- حسين أبيش ونوري أبيش - أن تشكل الظهور الأول للعبة. ببساطة هناك كُرة تلاحقها أرجل رجال متساوي العدد، و لديهم أمنيات لإيصال الكرة إلى مرمى الآخر، إما ضمن عوارض وتحت قائم، أو ضمن مساحة يشكلها حجران متباعدان. هذا الشرح البسيط هو الذي نستطيع أن نتخيله لبداية وصول كرة القدم إلى سوريا عام 1910.

كانت كرة القدم جديدة على مجتمعات محلية تمتلك نواة تفكير أسطوري للرياضة والقوة البدنية، الكباش (مصارعة الأيدي)، واستخدام السيف والعصي، وحمل الأحجار الكبيرة، أو المصارعة بشكلها التقليدي، إضافة لألعاب ذهنية كالمنقلة، وهي لعبة تُلعب بقاعدة خشب وحصى صغيرة، وطاولة الزهر والتي كانت رائجة كثيرا. شكلت كرة القدم بالنسبة إلى السوريين انفصالا عن كامل الجسد المُستخدم في الصراعات البدنية، نحو حركة الأرجل وسرعتها، ثم السيطرة على ما يستدير بسرعة ويمضي بكرويته، ثم مقاومة صعوبة اللعب على أراضٍ غير مهيئة لسير الكرة بشكل جيد وفقا لحركة القدم.

لكن هذا بدا صعبا، خاصة أن اللباس التقليدي - السروال الواسع للرجال، يجعل الركض والنظر إلى الأرض أمرا بائسا وصعبا ومضحكا. ولأننا مجبولون على استيراد كل شيء وإتقان المتعة فيه بدت كرة القدم لعبة غريبة وغير منسجمة، لكنها مع ذلك انتشرت سريعا.

ما كان جديدا في الثقافة والسياسة والوعي الوطني، حمل تعليم الرياضة وتشكيلها والبناء عليها داخل المجتمع

 ومثل كل جديد علينا أن نعتاده، كان النصف الأول من القرن العشرين عصر الشباب المثقف، بالمعنى الكلاسيكي، أي الطبقة المثقفة والمؤثرة التي امتلكت عقدا ضمنيا مع العامة لتقود بثقة الكثير من آمالهم، وتقود الحركة العامة للتغير الاجتماعي، وحازت إضافة إلى ذلك فاعلية اجتماعية لإنجاز التغييرات وتحقيقها. فحمل الدارس والمثقف والسياسي في سوريا حينها قدرة على إنجاز التغيير بمسلكه العام والنشاطات التي من الممكن تدجينها وتضمينها في البيئة المحلية. فما كان جديدا في الثقافة والسياسة والوعي الوطني، حمل تعليم الرياضة وتشكيلها والبناء عليها داخل المجتمع فساواها بالعمل الأخلاقي والسياسي بالتالي التوعوي. مع كرة القدم، بدأت الرياضة تتشكل بجوار السياسة.

 وكل جديد تتم معايرته مع احتمالات القبول من الفاعلين الدينيين أيضا، وهو ما صنع صراعا بين اللاعبين والمدربين وطبقة دينية. لم تكن اللعبة متاحة للجميع، وأخلاقيات اجتماعية ودينية حاولت مقاومة حُب الشباب لها، لكن الشباب سريعا ما انجذبوا للعبة، وحسب الكثير من المُعمرين في السن، فإنها كانت إحدى أكثر التجارب غرابة لكل من بدأ ممارستها.

Shutterstock

لم تسمح الأحياء المدنية المنغلقة والضيقة للعبة بالانتشار بالسرعة الكافية، كونها تتطلّب مساحة، الأزقة القديمة ضيقة لكنها شكلت ألعابها أيضا، وكرة القدم ستصبح لعبة الحي مهما ضاق أفقه، بمعنى ما الاستطالة التي يتطلبها الملعب وجدت في الأحياء القديمة واحتوت هذه الأحياء نشاط لاعبي الكرة شيئا فشيئا، ويبدو أن الأطفال اعتادوا على ركل أي شيء، بالتالي انتشرت فكرة الكرة سريعا حيا بعد حي في سوريا.

انتشار اللعبة والتغيرات القيمية

 وقع هذا الانتباه للعبة مع التغيرات في لباس أهل المدن، الطربوش والشروال كانا تحت مرمى الحداثة، البنطال والقميص والألبسة الرسمية للمدارس الأوروبية جعلت تغير الزي، والزيّ هو نفسه تغير للعادات وللرياضات وللانتباه إلى دور الجسد.

 حملت الألعاب في الربع الأول من القرن العشرين طابعا استعراضيا، النوافذ التي يتأمل من خلفها الأطفال والنساء صراعات  الحي، والألعاب الصراعية والمنافسات الرجولية، بدأت تُشاهد أطفالا يركلون شيئا مستديرا يُمكن صنعه مثلما تُصنع كرات الصوف.

 

كان ظهور اللعبة الكبير بقرب الثكنات العسكرية للقوات الأجنبية، ثم من خلال دوريات المدارس الأوروبية والعثمانية المنتشرة،  إلا أن الأخوين الآتيين من لبنان كُرما بعد خروج العثمانيين بدعم خاص، ولم يكونا وحدهما، الطبقة الرفيعة للدراسة في مدارس الإرساليات الفرنسية والأميركية ومدرسة "مكتب عنبر" الشهيرة، دُعما من الملك فيصل بن الحسين، ودعمت الشقيقين لتأسيس فرق صغيرة وأعطيا أرضا خارج مدينة دمشق، وكانت فسيحة بما يكفي للممارسة كرة القدم. لم تكن حينها رياضة كرة القدم شعبية بقدر ما كانت خلقا لتنافس رياضي بمقومات إنسانية محفزة لشكل مفيد من التنافسات بين المدراس، وبين التجمعات الطلابية. كان الطلاب حينها صلة الوصل بين مجتمع قديم العادات، وقيم معرفية واجتماعية جديدة، أي كانوا اللبنة الأساسية التي ستشكل الهوية الوطنية السورية، وأيضا الأشكال الاجتماعية المنظمة ومنها الرياضة والمسرح، وكانت كل تعبئة تنافسية تتم وفقا لقيم أخلاقية أساسها التنافس والجهد من أجل قيمة، وكثيرا ما كانت الرياضة قيمة جماعية لتنافس شريف وعادل وتشكيل لمعنى تنافسي سوي بين الأقران. 

وضعت كرة القدم، مثل الغناء والرقص والموشحات العاطفية، أمام تحدي اعتراض الفاعل الديني، لكن هذا لم ينجح، وفق شهادات مُعمري البلاد اجتاحت كرة القدم المُخيطة من النساء والأمهات المدن السورية مثل النار في الهشيم. تأسس "النادي الشرقي" بدمشق عام 1919 ونُظمت مباراة كرة قدم بين فريق سوري وآخر إنكليزي، وحضر المباراة الملك فيصل وطاقمه الحكومي كاملا. لا بد أن لهذه المباراة أثر كبير في المخيال الاجتماعي والسياسي، خاصة الصيت الذي حصل عليه الملك فيصل جراء تحرير البلاد من العثمانيين مع أبيه وفقا للمخيال السوري، وهو ما منح اللعبة بُعدا جديدا.

كان ظهور اللعبة الكبير بقرب الثكنات العسكرية للقوات الأجنبية، ثم من خلال دوريات المدارس الأوروبية والعثمانية المنتشرة

بدأ المجتمع السوري منذ الثلاثينات وبشكل واضح تأسيس حياة اجتماعية وسياسية مختلفة ومن دون وصاية، عبر الأحزاب والجمعيات، حركة النهضة حينها حولت الأنظار لأهمية نقل التراحم الاجتماعي إلى شكل مؤسسي، وكانت الطبقة الفاعلة المثقفة والسياسية متقبلة لأشكال الحداثة في الرياضة، وإلى دور الرياضة في تأسيس بُعد جماهيري معقول يمكن فيه احتضان كتلة جماهيرية للمتعة والفائدة أيضا. راحت الطبقة المثقفة والسياسية في العشرينات والتي حملت بُعدا تمرديا على عادات المجتمع، تنخرط في مشاريع اجتماعية ورياضية، فتأسّس نادي "بردى" 1927، وهناك خلاف على مدى أولية النادي على الساحة السورية، مقارنة بنادي "الشرق" الذي لم يستمر مثل نادي "بردى".

مع أحداث الثورة السورية الكبرى ضربت التنظيمات السورية كلها سياسيا واجتماعيا، لكن الرياضة عادت بقوة لتكون مُشكّلة للأندية السورية، وأصبحت التجمعات الاجتماعية تتأسس عبر الرياضة، كان المجتمع ينتقل للتعبير عن نفسه، واكتشاف الآخر عبر اللعب، وتفريغ الطاقات الاجتماعية عبر مؤسسات دورية التفاعل، فظهرت أندية كثيرة في دمشق، كنادي الفيحاء، وبطابع حميمي تأسست الأندية، وكانت اجتماعات التأسيس تتم في المنازل أو في المقاهي الشعبية ودائما يتم البحث عن طالب قد درس أو مارس كرة القدم في المدرسة أو الجامعة، وتُجمع التبرعات من أهالي الحي، وأحيانا تؤسس الأندية بدعم سياسي أو من عائلات ذات شأن، احتاجت لبُعد اجتماعي لنشاطاتها، من هنا كان مثلا نادي "معاوية" لمؤسسه خالد العضم السياسي الذي سيصبح من كبار ساسة البلاد في الخمسينات.

وقد أسست سلطة الانتداب الفرنسية ناديين، وذلك لدعم البنى المتصلة بين قواتها اجتماعيا، هما نادي الشرطة المدنية، وفريق الشرطة العسكرية، عَلما أن الناديين تشكلا من بنى سورية، فلم تكن عناصر سلطة الانتداب من فرنسيين فقط، بل من عناصر سورية عَملت في ماكنة سلطة الانتداب. أصبح نادي "بردى" المؤسس عام 1927 مركزا إداريا ورياضيا، جراء نشاطه الإدراي والرياضي، وشكل جذبا للتجمعات الأخرى في الأحياء، ولنخب مستجدة أرادت تشكيل أنديتها، فتشكل نادي "قاسيون"، وفريق "النادي الوطني" في الثلاثينات، وشكل الأرمن أنديتهم في أغلب المحافظات التي تواجدوا فيها. رافق الأرمن نشاط اجتماعي عالٍ حتى يومنا هذا، لجوؤهم القاسي بعد تهجيرهم لسوريا عام 1915 جعلهم روادا في تأسيس الأندية الرياضية، لتشكيل هوية اجتماعية تفاعلية أولا، ولتخفيف حدة اللجوء بالانصهار الداخلي ضمن اللعبة والتفريغ الإيجابي للطاقة الاجتماعية.  لم تكن دمشق وحدها من وصلت للثلاثينات وهي تؤسس أندية رياضية، كان لحلب عبر الأرمن ثم عبر نخب ثقافية أن تؤسس العديد من الأندية منذ نهاية العشرينيات كنادي "ابن حمدان"،  ونادي "حلب" ونادي "الفتيان". 

هويات مناطقية

انتقل كل هذا إلى المدن الأخرى. كانت سوريا تخلق هوية لمناطقها، هوية رياضية كطريق لفعل تنافسي يُنشئ هوية للآخر عبر المدن والأندية المحلية، وكرة القدم كانت إحدى أكثر أشكال التفاعل الممكنة، فظهر في حمص نادي "خالد بن الوليد" 1928، ثم نادي "الفداء". الطبيعة الاجتماعية للمحافظات السورية، الأكثر تفاعلا اجتماعيا مع الأوروبي الموجود عبر الانتداب أو التعليم، والسياق الحكومي المقرب من العاصمة، كان له دور إيجابي بخلق الكثير من الأندية، كدلالة على محاولات خلق أوعية اجتماعية تتمثل في الرياضة.

Alamy
سوري يشاهد مباراة لكرة القدم أمام الآثار الرومانية في تدمر في سوريا

يشير  أكرم الحوراني في مذكراته إلى تأسيس ناد رياضي سُمي بـ"أبي الفداء"، في حماة، كما يشير إلى مشاركة الأندية الرياضية عبر تجمعاتها في ثورة 1945 على سلطة الانتداب. وكثيرا ما كانت الأندية أماكن للانصهار الاجتماعي بالتالي الفعل السياسي. أسس النادي وفق مذكرات الحوراني عبر التبرعات ودعم من السلطة المحلية، وقام بتدريب الفريق طالب خريج من الجامعة الأميركية في بيروت.

مع الناصرية ومن ثم "البعث"، تحولت الأندية الرياضية إلى جزء من آلة سياسية واجتماعية خاضعة للسلطة العسكرية

كانت لافتة قدرة كرة القدم على الانتشار وفق وجهة اجتماعية وسياسية، وطمع السوريين في الولوج إلى حياة تنافسية جماعية، وانتقال مراس العادات الاجتماعية إلى الرياضة، ففي منطقة الفرات تشكلت جمعية الألعاب الرياضية بعدة أندية تحت جناحها عام 1937، وفي الحسكة أسس السريان "نادي الرافدين الرياضي" في 1936. وأصبح لهم دور كبير في الرياضة لحدود الستينات، لأسباب كثيرة، لم يخلُ منها الدور الاقتصادي والاجتماعي الكبير، فالتنظيم الزراعي الصناعي لعائلتي أصفر ونجار، حولتا الحسكة والمنطقة الشرقية إلى تنظيم اجتماعي حيوي قد نشأ ليشكل فئات اجتماعية عالية المستوى. وصولا للخمسينات تكاثرت الأندية في الحسكة، وتنافست مع حلب بحكم العلاقات العائلية والاقتصادية، وشهدت الرقة أيضا نشاطا لتواجد عدة أندية. وانتشرت الأندية في كل المحافظات السورية بما فيها درعا ودير الزور.

الأندية بعد الاستقلال

مع الاستقلال، ونشوء مجتمع فتي ينطلق نحو العمل والتفاعل الاجتماعي والسياسي، ازدادت الأندية السورية في المحافظات كلها، وبدأت الأسماء تختلف، ونلاحظ تغيرا كبيرا في انتقال الكثير من الأسماء  من الانتماء المحلي والقيمي المنتمي لتاريخ المدن، نحو أسماء أكثر استقلالية عن البيئة المحلية، أي الانتقال في القيم من العادات المحلية، إلى بعد أخلاقي مصنوع يحمل قيمة سورية عامة. مركب الهوية السورية اتسع ليشملها، فكانت اللاذقية تُنشئ نادي "السلام"، ثم أصبح "الساحل"، وخلق نادٍ منافس عبر اتفاق بين مجموعة إداريين لتأمين منافسة لنادي السلام، فأسس نادي "الجلاء". وبعدها بسنوات تأسست أندية مثل "النهضة"، والنادي "العربي"، ونادي "الوثبة" ثم نادي "جبلة". في ظل ليبرالية سياسية معقولة حرص المجتمع السوري على تحقيق انتماءات صغرى عبر الأندية، وتفعيل دور أخلاقي للرياضة، وكثير من الأندية شارك في مسابقات وحصل على ألقاب كبرى، ولم تكن كرة القدم ذات جانب ترفيهي فحسب، بل ارتبطت بوجدان نشوء الوطنية، وفي مقومات الشخصية المنتمية للمجتمع، فكرة القدم لم تكن بحثا عن تفريغ جسدي أو عن إلهاء اجتماعي، بل قيمة للتجمع وسياق للتدرب على الإدارة والتفاعل مع الآخر، يبرز هذا من طبيعة لاعبي كرة القدم التي تتذكرها المدن السورية، مثقفين وسياسيين وأبناء أحزاب، وجماهير عائلية تحضر المباريات وتنتظرها. 

Shutterstock
أطفال يلعبون كرة القدم في أحد شوارع العاصمة السورية دمشق

كان مصير الحركة الرياضة التي تنتمي لطموحات اجتماعية متصلة بواقع قيمي وأخلاقي، أن تنتهي، ومعها أشكال القيم الجماعية لتأسيس أندية، مع الناصرية ومن ثم "البعث"، لتتحول الأندية الرياضية إلى جزء من آلة سياسية واجتماعية، تخضع للسلطة العسكرية. بدأ هذا من التجربة المصرية ذاتها، والتي وضع فيها المشير عامر يد الجيش على كل المؤسسات الرياضية والاجتماعية، ولأن "البعث" وصل إلى السلطة عبر البندقية، كان على أي ظاهرة مدنية أن تنتهي.

من المحليّ إلى "الوطني"

من يراقب جيدا حركة الأندية السورية يستنتج أن زهاء 80 ناديا يمكن إحصاؤها بكافة الرياضات قد تضاءلت. وكان هذا ثقلا على "البعث" الذي أعلن سيطرته على الدولة والمجتمع. عسكرة المجتمع وصلت إلى الرياضة، ولم يُتح هذا إلا مع السبعينات بتأسيس الاتحاد الرياضي العام، ليكون مسؤولا عن الرياضة في عموم سوريا. للعسكرة جانب ثقافي حاولت زج الأندية السورية فيه، بعد النقلة من الأسماء المحلية إلى أسماء وطنية قيمية، تغيّرت أسماء الأندية لتصبح على غرار الرموز الثورية التي عممتها صحف السلطة، وكتبت فيها الإعلانات والشعارات، فأصبح نادي أهلي حلب "الاتحاد"، وأهلي دمشق "المجد"، وسمي نادي قاسيون بـ "الغوطة"، ونادي الغساني "الثورة"، ونادي غازي "الفتوة". ونادي الساحل أصبح "تشرين" تيمنا بمعركة 1973. 

 تغيّرت أسماء الأندية لتصبح على غرار الرموز الثورية التي عممتها صحف السلطة، وكتبت فيها الإعلانات والشعارات

تحولت الرياضة سريعا إلى جزء من آلة تُدار، وفقدت بريق حريتها وتاريخ تطورها، ومشاركتها السياسية والاجتماعية أصبحت مكرمة من النظام، ودُجّن جمهور كرة القدم ضمن رسالة "البعث" والسلطة الحاكمة. لم تعد النوادي مدارا لتشكيل تفاعل اجتماعي، وفقدت هويتها التي تتركب وتتجه نحو العام السوري، بقدر ما أصبحت إحدى أكثر وجوه ترسيخ السيطرة على المجتمع. لم يظهر بعد "البعث" نوادٍ جديدة، ولا نجاحات هائلة. بل دُمّر حوالي نصف الأندية الرياضية، وانقطعت العائلات الرفيعة والمثقفة عن الرياضة، وتحولت الأندية الرياضية إلى بعد تفريغي للجماهير الكروية العامة، أي حيّز مكرّر لتفريغ الانفعالات الاجتماعية من دون أي فعل سياسي أو رؤئ اجتماعية، ومن دون أي حامل قيمي أو أخلاقي، وكثيرا ما شكلت عائقا أمام تطور المجتمع، فالبيئات التي شكلت النوادي أصبحت تتجه نحو الصراعات العنفية، بدلا من أن ينتقل تنافسها إلى شكل طبيعي ورياضي، فأصبح بابا للعنف الاجتماعي، ولأن النوادي حققت نشاطات اجتماعية قبل "البعث"، فقد منع النظام أي توافر اجتماعي داخل النوادي، خوفا من الانتماءات السياسية المعقولة، فلم يعد في النوادي وألعابها وجود عائلي، بل أصبحت النوادي للرجال فحسب، وجمهورها من الرجال فحسب.

font change

مقالات ذات صلة